بعد وفاة الإمام الخميني، بدأت إيران مع الرئيس علي أكبر رفسنجاني، الذي تولى الرئاسة لدورتين (من 1989 إلى 1997)، تدخل مرحلة جديدة يتمايز فيها منطق الثورة الذي يرسمه الإمام عن منطق الدولة الذي يمارسه الرئيس، خاصة وقد مرت إيران بسنوات عسيرة جدا أثناء حرب السنوات الثماني مع النظام العراقي، إذ لم تجد دعما فعليا من الحركان الإسلامية حتى تلك التي كانت تلهج بشعاراتها، فلم يكن ممكنا لتلك الحركات تجاوز الدعم العاطفي أو الإعلامي في أفضل الحالات، فتلك الحركات لم تكن تمتلك سلطة إنما كانت تمارس أنشطتها وفق قوانين بلدانها وفيها من تعرض للمحاكمات بتهمة موالاة جهة أجنبية.



كانت صحيفة "كيهان العربي" ومجلة "الشهيد" الإيرانيتان تنشران صورا للدمار وللقتلى بسبب قصف الطيران العراقي، وقد قرأت فيهما سؤالا عن غياب الدعم من الحركات الإسلامية.

كان الدعم من بعض الأنظمة العربية التي لها خلاف أيديولوجي مع البعث العراقي، مثل نظام معمر القذافي ونظام حافظ الأسد إضافة إلى الاتحاد السوفييتي والصين، ضمن حسابات استراتيجية وتوازنات دولية.

هو مؤكد أن الاختلاف كان حَدّيا في المسألة السورية، حيث يعتبرها الغنوشي ثورة ويدعو لها بالنصر ويعتبرها الإيرانيون مؤامرة على حلف المقاومة، كما أن لكل من الغنوشي والقيادة الإيرانية اصطفافا محوريا لا يتعامل إلا في ساحات القتال، فالمسألة ليست خلافا مذهبيا أو فكريا
في تونس وفي زمن حكم بن علي عادت العلاقات الديبلوماسية مع إيران، ثم توطدت وأصبحت هناك زيارات ثقافية وربما تقارب حذر في عنوان المقاومة، خاصة بعد خلاف بين بن علي والإدارة الأمريكية حول ترشحه لانتخابات 2009. وقد سمحت السلطة لجريدة "كل الناس" يوم 6 كانون الأول/ ديسمبر 2009 بنشر مقال تهاجم فيه المعارضة، وتدعي بأن المقاومة في جنوب لبنان ستقتل كلا من نجيب الشابي وخميس الشماري وكمال الجندوبي باعتبارهم -بزعمها- عملاء للصهاينة، فكان أن وجه نجيب الشابي يوم 10 من نفس الشهر في صحيفة الموقف رسالة للرئيس بن علي يطلب منه الحماية لكونه مسؤولا عن حياة المواطنين.

قبل 2011 كان الغنوشي تلقى دعوة لحضور مؤتمر في طهران، ولكن النظام التونسي اشترط لحضور وفده الرسمي إلغاء دعوة الغنوشي، وقد حصل ذلك فعلا، وكان ذاك الموقف من بين الأسباب التي وتّرت العلاقة بين الغنوشي/النهضة وإيران؛ إذ اعتبرا أنها فضّلت عليهما نظاما يقمعهما ويلاحقهما حتى في المهجر.

في زيارة لطهران ضمن وفد تونسي في 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، طرحتُ السؤال على رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني (تولى رئاسة مجلس الشورى من 2008 إلى 2020)، فكان جوابُه أنهم تصرفوا بمنطق الدولة في علاقة بالدول الأخرى وما يقتضيه الأمر من احترام للالتزامات وعدم التدخل في الخلافات الداخلية. الجوابُ بدا لي منطقيا، ونقلته إلى الأستاذ راشد الغنوشي في إحدى اللقاءات كما سجلته في مقال بجريدة الفجر.

بعد 2011 زار عدد من قيادات النهضة إيران كما زار عدد من المسؤولين الإيرانيين رئيس الحركة وتلقى عدة دعوات لزيارة إيران، ولعل أهم دعوة كانت بمناسبة معرض إيران الدولي للكتاب، وقد أُسعد الإيرانيون لاستقبال الضيف باعتباره زعيما ومفكرا فطبعوا ثلاثة من كُتبه، وكانت النية أن ينتظم حفل توقيع لتلك المؤلفات، غير أن الغنوشي اعتذر عن الحضور قبل الموعد بمدة قصيرة.

وحتى بعد توليه رئاسة البرلمان وصلته دعوة خاصة من الإمام خامنئي ولكنه لم يُلبّها. غير أنه حضر عدة مناسبات لذكرى الثورة الإيرانية، وآخرها ذكرى 11 شباط/ فبراير 2013 في منزل السفير الإيراني بتونس.

لماذا ظلت العلاقة بين حركة النهضة وإيران حذرة وباردة؟ هل بسبب حادثة منع الزيارة في 2007؟ أم بسبب الملف السوري؟ أم بسبب اللوثة المذهبية؟

بعد طوفان الأقصى وما كشف عنه من نفاق الغرب ومن زيف نظرية القيم الكونية وفلسفة الليبيرالية ودعم الديمقراطية، وأيضا ما أعلنه قادة المقاومة الميدانيون من تكامل الجبهات؛ من غزة إلى جنوب لبنان إلى اليمن إلى العراق وسوريا، هل يمكن الحديث عما بعد الطائفية وعن مرحلة الإسلام المقاوم الذي يتجاوز لوثة المذهبية ولا يقيم تحالفاته إلا على مبدأ المقاومة
ما هو مؤكد أن الاختلاف كان حَدّيا في المسألة السورية، حيث يعتبرها الغنوشي ثورة ويدعو لها بالنصر ويعتبرها الإيرانيون مؤامرة على حلف المقاومة، كما أن لكل من الغنوشي والقيادة الإيرانية اصطفافا محوريا لا يتعامل إلا في ساحات القتال، فالمسألة ليست خلافا مذهبيا أو فكريا، والغنوشي يحب المعارك الفكرية ويترفع عن الخطاب الطائفي (رغم وصفه غير الموفق لقيس سعيد بكونه شيعيا).

الغنوشي وجد نفسه بين ضغوط من عدة جهات: من الغرب المعادي لإيران والقائل بدعم الربيع العربي، ومن تيار واسع داخل جمهور الإسلاميين يعادي الشيعة ليس فقط بسبب الملف السوري وإنما أيضا بسبب اشتغال كتّابٍ في الحفر المذهبي وفي الصراعات القديمة؛ وما رافقتها من روايات لا تخدم العصر ولا تساعد على الوحدة بين المسلمين.

بعد طوفان الأقصى وما كشف عنه من نفاق الغرب ومن زيف نظرية القيم الكونية وفلسفة الليبيرالية ودعم الديمقراطية، وأيضا ما أعلنه قادة المقاومة الميدانيون من تكامل الجبهات؛ من غزة إلى جنوب لبنان إلى اليمن إلى العراق وسوريا، هل يمكن الحديث عما بعد الطائفية وعن مرحلة الإسلام المقاوم الذي يتجاوز لوثة المذهبية ولا يقيم تحالفاته إلا على مبدأ المقاومة وعقيدة التحرر؟

twitter.com/bahriarfaoui1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إيران الثورة تونس الغنوشي النهضة المذهبية إيران تونس النهضة الثورة الغنوشي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

معارضون تونسيون متهمون "بالتآمر" أمام القضاء  

 

 

تونس- تنطلق الثلاثاء محاكمة  عشرات الأشخاص من مسؤولين في أحزاب سياسية ومحامين وشخصيات في مجال الأعمال ووسائل الإعلام، بينهم أسماء بارزة في المعارضة في تونس، بتهمة "التآمر على أمن الدولة".

ومن بين هؤلاء، الناشط الحقوقي جوهر بن مبارك الموقوف حاليا، والذي ندد في رسالة "بمحاولة الدولة "إجهاض التجربة الديموقراطية التونسية الفتية وكان القضاء احد أهدافها الرئيسية، فسعت جاهدة إلى تدجينه وحشره في زاوية المظالم لتنفيذ أهواء السلطة وتصفية منهجية لكل الأصوات الرافضة أو المقاومة أو حتى الناقدة".

وعلى غرار الكثير من المنظمات غير الحكومية ومعارضين آخرين، ينتقد بن مبارك ما يصفه بالقضية "الفارغة".

ومنذ قرّر الرئيس قيس سعيّد احتكار السلطات في البلاد في تموز/يوليو 2021، يدين المدافعون عن حقوق الإنسان والمعارضون باستمرار تراجع الحقوق والحريات في هذا البلد الذي أطلق شرارة ما يسمى "الربيع العربي" في العام 2011.

وأوقف  الكثير من المتهمين أثناء حملة مداهمات في صفوف المعارضة في العام 2023. ويواجه نحو أربعين شخصا اتهامات بـ"التآمر على الأمن الداخلي والخارجي للدولة" و"الانضمام إلى تنظيمات إرهابية".

تُعرض هذه التهم مرتكبيها لأحكام بالسجن ثقيلة تصل حد عقوبة الإعدام.

وتوجه لعدد من الموقوفين في القضية، بحسب الدفاع، تهم بإجراء اتصالات تُعتبر مشبوهة مع دبلوماسيين. ومن أبرز المتهمين، رئيس الحزب الجمهوري عصام الشابي، والقيادي السابق في حزب النهضة الإسلامي، عبد الحميد الجلاصي.

كذلك، يلاحق في القضية الناشط السياسي الموقوف خيام التركي والحقوقية شيماء عيسى ورجل الأعمال كمال اللطيف والنائبة السابقة والناشطة النسوية بشرى بلحاج حميدة، الموجودة في فرنسا.

وبعد توقيف  عدة متهمين في عام 2023، وصفهم الرئيس سعيّد بأنهم "إرهابيون". والأحد اكد قيس سعيّد خلال زيارة قام بها في شوارع العاصمة تونس في حوار جمعه بالمواطنين أنه لا يتدخل "أبدا" في شؤون القضاء.

بعض المتهمين موقوفون، وبعضهم أحرار والبعض الآخر متواجدون خارج البلاد.

وقد صدرت في الفترة الأخيرة أحاكم سجن قاسية على معارضين وشخصيات سياسية أخرى بينهم راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة والرئيس السابق للبرلمان، الذي حُكم عليه بالسجن 22 عاما بتهمة "الإضرار بأمن الدولة".

ودعت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان السلطات التونسية إلى "وقف جميع أشكال اضطهاد المعارضين السياسيين، وإلى احترام الحق في حرية الرأي والتعبير" داعية إلى "الإفراج الفوري لأسباب إنسانية عمن هم في سن متقدمة وعن الذين يعانون مشاكل صحية".

وأعربت تونس عن "بالغ الاستغراب" لهذه الانتقادات، مؤكدة أن الأشخاص الذين أشارت إليهم الأمم المتحدة قد أُحيلوا على المحاكم بسبب "من أجل جرائم حقّ عامّ لا علاقة لها بنشاطهم الحزبي والسياسي أو الإعلامي أو بممارسة حريّة الرأي والتعبير".

وأكدت وزارة الخارجية التونسية أن "تونس يمكن في هذا الإطار أن تُعطي دروسا لمن يعتقد أنّه في موقع يُتيح توجيه بيانات أو دروس".

Your browser does not support the video tag.

مقالات مشابهة

  • معارضون تونسيون متهمون "بالتآمر" أمام القضاء  
  • عاجل | المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية: تصريحات وزير الخارجية التركي بشأن إيران كانت غير بناءة ونأمل ألا نشهد تكرارها
  • فيديو .. تخريج دفعة جديدة من قوات حركة العدل والمساواة وحركة جيش تحرير السودان والتحاقهم بالقوات المشتركة
  • الولايات المتحدة تطلب تعاوناً دولياً لكسر علاقة الحوثيين وحركة الشباب الصومالية
  • محمد الأشمر.. من هو الثائر السوري الذي تحدى الفرنسيين؟
  • ارتفاع بدرجات الحرارة وحركة رياح ناشطة.. اليكم حالة الطقس غدًا
  • بزشكيان: إيران تواجه حرباً شاملةً مع العدو الأمريكي
  • قائد ملهم لمسيرة تمكين الشباب
  • امارة كرنقو انقلو تحتفل بانتصارات القوات المسلحة و الذكرى الخامسة لتأسيس
  • إيران تكشف عن زورق سريع جديد تحت اسم حيدر 110