يمانيون/ تقارير

تتعالى أصوات النشاز منذ أيام،  و تعج مواقع وقنوات وحسابات أتباع السعودية والإمارات بالكذب حول موضوع فتح الطرقات ما بين تعز ومأرب، بما لم يسبق له مثيلا.

ووصل الحال إلى إطلاق تصريحات مزورة عن صنعاء تقول إنها ترفض فتح طرقات تعز ومأرب والضالع، الأمر الذي نفته صنعاء على لسان عضو المكتب السياسي لأنصار الله علي القحوم عبر قناة الميادين.

ويتساءل الجميع هنا : لماذا اختار المرتزقة هذا التوقيت لفتح ملف الطرقات، حيث يشتد حصار العدو الصهيوني على إخواننا في قطاع غزة؟ وتتصاعد وتيرة العمليات اليمنية المساندة لغزة في البحرين الأحمر والعربي؟

لم تكن قصة طرقات تعز أو مأرب أو الضالع أو الحديدة أو غيرها ، إلا موضع اهتمام صنعاء منذ أول يوم للعدوان ومن يدعي غير ذلك فقد جانب الصواب ، وافترى كذبا.

مع طوفان الأقصى وحرب غزة كان مرتزقة التحالف أمام اختبار أصعب مما قد مر، فقد باتوا في موقف لا يحسدون عليه، حيث متاهة السير وتشعب طرق فرقتهم ما بين عمالة جوار وعمالة أجنبي ، إذ لا مصلحة لأحد من أفعالهم غير عدو لنا وعدو لهم ، غير أن أنانية الهدف وسوء القصد تدفع  للفجر في الخصومة.

لقد حُشروا في أضيق الزوايا ، فلا صوت لهم ، غير القول بأسوأ ما يقال، بينما صنعاء تكتب فصلاً من تاريخ ثورة وفصلا من تاريخ عروبة وعزة، مثلت غزة عنوانه العريض.

أجندة.. ما وراء حصار تعز

لقد أظهرت قصة طرقات تعز ومأرب مرتزقة “العدو” كجماعة نفعية لا صالح لها غير الارتزاق على أوجاع الناس منذ العام 2015م .

والأمر لا يتعلق بمصالح المتخاصمين وأحلام الفصائل ، بل يرتبط بأجندة المحتل الأجنبي.

و بالنظر الى تاريخ الاستعمار مع تعز فإن أهداف العدوان من استمرار حصار هذه المدينة أكبر من تطلعات الداخل وأحلام بقاء السيطرة على شطر المدينة وريفها.

والأكيد أن استمرار رفض كل جهد  بذل منذ المراحل الأولى للعدوان عام 2015 في سبيل تحييد طرقات المدينة عن الحرب، يعكس إرادة وأجندة دول الرباعية ؛ الولايات المتحدة الأمريكية ، بريطانيا ، السعودية ، والإمارات.. هذا يرتبط بالقيمة الجيوسياسية لتعز بإطلالتها على باب المندب و بكثافتها السكانية ، وجغرافيتها الفاصلة ما بين شمال البلاد وجنوبها، وهذا ما يفسر أسباب نشر العدوان لجماعات وعناصر “القاعدة” و”داعش”، ودعم مشاريعها التخريبية هناك وفي الجوار، و الهدف أن تبقى تعز قنبلة موقوتة تخدم خطط وأهداف القوى الاستعمارية.

هذه القضية اليوم تستخدم ضد صنعاء ما أمكن ، لحرف اهتمام المتابع عن أحداث غزة وشغل الانتباه عن الدور اليمني المساند، كما كانت تستخدم لصرف أنظار الرأي العام اليمني عن جرائم وانتهاكات الاحتلال وأجندات العدوان في تعز، وبقية المناطق والمحافظات المحتلة.

الثابت أن الإشكال في تعز، يدور حول الطرق المغلقة وهي محدودة ، ترتبط بمناطق تماس جرت فيها مواجهات عسكرية كطريق الحوبان – المدينة ، ولأن الخصوم لا يبحثون عن معالجات إنسانية ترتبط بمشاكل المواطنين بقدر البحث عن مكاسب على الأرض “عسكرية” ، فإن الواقع لن يتغير ، حيث تتشعب قناعات المفاوضين وتضعف جوانب الثقة فيما بينهم، لتفصح نهاية كل مسار تفاوضي حول تلك الطرقات عن فشل ، يتبادل أدوار تحقيقه الخصوم من وقت لآخر، وقد لوحظ هذا في أكثر من مناسبة .

لقد قدمت صنعاء مبادرات لحل إشكاليات المواطنين بتقديم مقترحات لطرق مناسبة، وصولا لفتح طرقات من جانب واحد ، حيث الهدف القريب والأولوية أن يصل أبناء المحافظة ومن يرتادون المدينة في دقائق معدودة إلى وسط المدينة، لكن توظيف العدوان للحدث أن يبقى فشل التفاوض مادة لاستغلالها في إثارة العاطفة الإنسانية لأبناء المحافظة وتحشيدهم الى جبهات القتال للقتال في صف تحالف العدوان ، وهذا سيكون خدمة للأجندة الكبيرة للعدوان.

في العام 2022 كان أبناء تعز متفائلين بعد أن قامت صنعاء بفتح طريق الستين- الخمسين – المدينة لتسهيل مرور الناس من جنوب مدينة تعز إلى شمالها.

تمت تهيئة وفتح الطريق من جانب الجيش واللجان الشعبية، لكن الموقف الصادم للطرف الآخر أنه منع المواطنين من استخدام الطريق بالقوة.

وفي مفاوضات عمان قدمت اللجنة العسكرية الوطنية مبادرة لفتح 3 طرقات شرقية وغربية ومن الجنوب ، الطريق الأول من كرش الراهدة الحوبان يربط ما بين تعز ولحج إلى عدن ، الطريق الثانية منفذ صالة ابعر الزيلعي وهي لا تزيد عن 15 دقيقة وتلغي معاناة 5 ساعات ، والطريق الثالثة أقرب من سابقتها ، الستين الخمسين الدفاع الجوي وهي مسفلتة تستغرق من 5 الى 10 دقائق للوصول.. هذا ما فتح بابا للتساؤل حتى اليوم: لماذا رفضت هذه المبادرة الإنسانية ، حيث كانت هذه الطرق آمنة ومختصرة وبعيدة عن مواقع  المواجهة؟

ولماذا يصر أتباع التحالف على الطرقات محل الاشتباك والمواجهة ، كما هو حال اصرارهم على طريق جولة القصر، الذي يشكل جبهة متداخلة بشكل كبير، ما بين الجيش اليمني ومسلحي المرتزقة.

في العموم كانت هناك سلسلة مبادرات قدمتها القيادة السياسية في صنعاء طيلة سنوات العدوان على اليمن لفتح منافذ تعز، حوالى 12 مبادرة كلها رفضت من مرتزقة التحالف، فمحور الارتكاز لدى الخصوم ، تحقيق اختراق بساحة المواجهة ، أو إبقاء الوضع على ما هو عليه، لا حل معضلة المواطنين .

كان طريق وادي الدحي _الذي ينفذ الى بير باشا ومصنع السمن والصابون_ مفتوحا لفترة طويلة وهو مثال واضح لمحاولات استغلال الحدث لبسط سيطرة جماعة تحالف العدوان، فبعد أن كانوا في الدحي أصبحوا في منطقة شركة السمن والصابون عبر هذا الطريق .

في 10 أيلول/ سبتمبر 2015 برز تعاطي الرئيس الشهيد الصماد ، مع مع جماعة الإخوان “وممثلها حمود المخلافي” والوصول مع هذا القيادي المرتزق إلى نهاية طريق التفاوض والقبول بكل شروطه وسرعان ما تنصل عما ألزم نفسه به مرجعاً الأمر إلى رفض سعودي، في أساسه كان رفض أمريكي_سعودي مشترك لأي اتفاق حول تعز، فهذا يتعارض مع أجندة وأهداف السعودية والإمارات والأمريكان في المقام الأول.

مثلها كان اتفاق ظهران الجنوب 10 أبريل 2016 حيث اُفشل بتصعيد تحالف العدوان إعلاميا وعسكريا في جبهات عدة.

حتى الممرات الآمنة في تعز ، يونيو 2016 وتبني منسق الشؤون الإنسانية في اليمن جورج خوري  لها ، لم يحالفها الحظ ولم تسلم من تنصل جانب التحالف، باستهداف مواقع “أبو العباس” داخل الباب الكبير، ثم إلقاء التهم على الجيش واللجان الشعبية .

الحال نفسه تكرر من مبادرة الى أخرى مرورًا بمشاورات السويد  ومساعي صنعاء لفتح المنفذ الغربي لمدينة تعز (طريق شرعب – المطار القديم) ، الى مبادرة عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي 2022 ، ثم مبادرة الرئيس المشاط 2023م للإدارة المشتركة للمحافظة.

وعلى مسار مبادرات صنعاء، كانت مبادرة قائد الثورة ، السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي 2021 م ، لفتح طرقات مأرب وإدارة المحافظة عبر أبناء مأرب.

ومع أنها كانت فرصة وعرضا ثمينا لأبناء المحافظة النفطية ، إلا أن الطرف الآخر ظهر غير مكترث بها ، وإلى اليوم يقف عائقاً أمام أي تحرك هناك للأخذ بها بعد إعادة القيادة الثورية والسياسية ، قبل أيام ، طرحها ، الى جانب مبادرة الرئيس المشاط حول تعز.

ما وراء أكمة مبادرة العرادة ؟

ومع الزخم الإعلامي الملفت في تغطية العدوان ومرتزقته لمبادرة العرداة حول مأرب وتجاهل مبادرة محافظ مأرب الشيخ طعيمان تبرز علامات الاستفهام لتساؤلات كثيرة، ما عرضه الكاتب علي الصنعاني حول مبادرات فتح طرقات مأرب الأخيرة يبدو كافيا للإجابة عنها ووضع النقاط على الحروف.

يتساءل الكاتب: لماذا كل هذا الضخ الإعلامي الكبير والتركيز على مبادرة العرادة وتجاهل مبادرة طعيمان إذا كان الهدف تخفيف معاناة المواطنين فقط؟ ولماذا لم تتقبل سلطات مأرب مبادرة صنعاء ، من باب حسن النوايا وازالة الشكوك لو كانت مبادرة العرادة “إنسانية صرفة” كما يقولون؟!

وهل وراء الأكمة ما وراءها في هذا التوقيت تحديدا خاصة وقد سمعنا مطالبات أمريكية من قيادات ما يسمى “الشرعية” بدءًا من رئيسها المرتزق ” العليمي” ومرورا بمعظم أعضاء مجلسها ، للتدخل في اليمن لمواجهة أنصار الله ميدانياً،حيث واشنطن وحلفها على أهبة الاستعداد لمساعدتهم في ذلك؟

ليعود تساؤل الكاتب: كيف سيثق الأنصار بمبادرة نوايا حسنة من مرتزقة هذا ديدنهم؟ حيث تبدو هذه المبادرة بكل وضوح تندرج في إطار المساعدة الداخلية للأمريكي.

وما بين حسن النوايا وخبث المقاصد يقول الكاتب: “إذا ما أراد “الإخوان” إثبات حسن النوايا فقبول فتح طريق خولان صرواح مؤقتا مناسب حتى تنتهي معركة غزة، ويرحل الأمريكي من بحارنا ، أما تجاهل الحديث تماما عن فتح طريق خولان صرواح، فيوحي بأن هناك هدف عسكري خلف هذا الإصرار العجيب، خاصة مع ظهور بن عزيز المرتبط بالأمريكيين ارتباطاً وثيقاً في مشهد مبادرة العرادة وخصوصا خلال هذه الأزمة مع ما له من اتصالات وتحركات مشبوهة خلال هذه الفترة، ولاشك أن هذا الظهور  يثير الكثير من التساؤلات حول لماذا هذه الطريق تحديدا؟

لو كانت نوايا “مرتزقة التحالف” صادقة لتخفيف معاناة المواطنين فقط وليس لها أي أغراض أخرى عسكرية أو سياسية لتم التنسيق والاتفاق مع صنعاء عبر مشائخ مأرب على فتحها ، لا الإعلان بهذا الشكل الذي يوحي أن الهدف على أقل تقدير التشويش على موقف صنعاء وأنصار الله المشرف والشجاع من غزة ناهيك عن أن يكون هناك هدف عسكري يرتبط بفرضة نهم ؟

ولو كان الأمر ذا مغزى إنساني لقبل مرتزقة التحالف بطريق خولان صرواح الذي يفي بالغرض الإنساني للتنقل بين صنعاء ومأرب ، والذي هو أفضل مليون مرة من طريق الصحراء الحالية.

ومع كل هذا، وعلى وقع الصمود اليمني وتعاظم دور صنعاء وقواتها المسلحة يجد التحالف المعادي نفسه محشورا في زاوية ضيقة حيث تتلاشى حظوظه السياسية ، الشعبية والعسكرية ، حيث لم يكن أمامه إلا ان يخلق حدثا للفت الأنظار والإيعاز لأتباعه وذباب مواقعه بتناول ملف طرقات تعز ومأرب، مع حشد الصور للمزيد من توظيف الحدث على أعلى مستويات الانحطاط والوضاعة.

هذا ما تجده عناصر الارتزاق مادة مناسبة لتبرير الخيانة بينما تجده صنعاء حدثا لا بد من التعامل معه بمسؤولية كما جرت العادة ، ولهذا خرج تأكيد القيادة السياسية لحل المعضلة بروح المسؤولية، وإعادة وضع مبادرتي السيد القائد ورئيس المجلس السياسي كما أشرنا، حول مأرب وتعز على الطاولة من جديد.

وعلى الرغم أنها فرصة كبيرة للمرتزقة  إلا أنها لن تؤخذ على محمل الجد، وهذا ما يبدو بوضوح. فمعطيات الأمس واليوم ،تشير إلى نوايا الخصوم.

والأكيد، في أجواء حرب غزة فأن إثارة ذباب التحالف قصة طرقات تعز ومأرب ليس من أجل معاناة الناس، بل السعي للنيل من زخم الالتفاف الشعبي وراء موقف صنعاء العروبي القومي والإسلامي من فلسطين، فعلى مصراعيه فُتح الباب لقطيع المرتزقة لخلق قصص تحاول أن تشغل الرأي العام اليمني، بعيدا عن تفاعلات إسناد غزة فلسطين، فالحنق وصل مستوى غير عادي مع صعود الأسهم اليمنية داخليا وخارجياً، عربياً وإسلامياً ودولياً، فيما الشارع اليمني ملَّ إحجيات وقصص الاسترزاق بمعاناته، إذ يدرك المواطن البسيط أن معاناته ليست مادة يوظفها تحالف العدوان ومرتزقة العدو فحسب، بل مأساة يعمل على ديمومتها ما استطاع الى ذلك سبيلا.

نقلا عن المسيرة نت #فتح الطرقات#مرتزقة العدوان السعودي الأمريكيتعزمأرب

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: مبادرة العرادة تحالف العدوان فتح طرقات ما بین هذا ما

إقرأ أيضاً:

من هم المرتزقة السيبرانيون وكيف تستخدمهم الدول والشركات؟

نحن الآن في عام 2013، يجلس الحارس الخاص كارلو باسيليو على مقعده في شقته الفاخرة بهوليوود، مفكرا بعمق تحت ضغوط العمل المتزايدة، لكنها ليست ضغوط عمل كتلك التي نذكرها في سيرتنا الذاتية بالطبع، لأن رئيسه، رائد الأعمال رايان بلير، يطالبه بالوصول إلى ملفات ومواد تضر بسمعة شركة منافسة لشركتهم، وسط سيل من القضايا والمحاكم بينهما.

باسيليو لم يصل إلى أي شيء. لذا، قرر اللجوء إلى صديق قديم، ناثان موسر، كان يعرفه منذ أيام الحرب في أفغانستان مع شركة الجنود المرتزقة الأميركية الشهيرة "بلاكووتر" (Blackwater)، والذي يعمل محققا خاصا في وادي السيليكون. وصل موسر إلى شقة باسيليو بعدها بأيام ومعه حقيبة من القماش مليئة بمعدات المراقبة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هاتفك أداة تجسس أو قتل وثلاجة منزلك قد تكون كذلكlist 2 of 2هذه الأسلحة ستكون أشد فتكا من الأسلحة النووية والعالم يتسابق لامتلاكهاend of list

عرض موسر على باسيليو عدة أجهزة إلكترونية، بما فيها أجهزة تنصت إسرائيلية الصنع يمكن إخفاؤها في السقف أو خلف أجهزة التلفزيون. وفي أثناء هذا العرض برز اسم إحدى الخدمات الجديدة، أخبره موسر أنه يعرف مخترقا (هاكر) هنديا يمكنه اختراق البريد الإلكتروني لمنافسيه، وبهذا يمكنه سرقة ما يريد من معلومات. هنا انتبه باسيليو جيدا للكلام، لأنه لم يكن على علم بهذا النوع من أعمال التجسس.

حصل موسر على الوظيفة بمبلغ قدره 10 آلاف دولار شهريا، وانتقل للعمل في شركة رائد الأعمال رايان بلير، وهي شركة "فيزالوس" (ViSalus)، التي كانت قد رفعت سلسلة قضايا ضد مجموعة من البائعين ممن انتقلوا للعمل مع الشركة المنافسة "أوشن أفينو" (Ocean Avenue).

وبحلول فبراير/شباط عام 2013، اخترق الشاب الهندي خبير الأمن الإلكتروني، سوميت جوبتا، حسابات البريد الإلكتروني للمديرين التنفيذيين لشركة "أوشن أفينو"، وأرسل لقطات شاشة وكلمات مرور إلى أصدقائه في شركة "فيزالوس". عند اكتشاف عملية التجسس، رفعت "أوشن أفينو" دعوى قضائية فيدرالية ضد منافستها "فيزالوس" بتهمة الابتزاز والقرصنة، ثم قررت الشركتان تسوية الدعوى بشروط لم يُعلن عنها.

لكن تلك التسوية لم تنهِ القصة، وبعدما وصل الأمر إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي، وفي فبراير/شباط عام 2015، أُلقى القبض على باسيليو وموسر، واعترفا في النهاية بارتكاب الجرائم الإلكترونية الخاصة باختراق شركة "أوشن أفينو". انتهت هنا بالطبع قصة الصديقين، لكن بالنسبة للشاب الهندي جوبتا تلك كانت البداية فحسب!

بعد أسابيع قليلة من عملية الاختراق التي نفذها لصالح شركة "فيزالوس"، وتحديدا في مايو/أيار عام 2013، سجل سوميت جوبتا شركة جديدة باسم "بيلتروكس" (BellTroX)، وبدأ في تكوين فريق من المرتزقة السيبرانيين لينفذ عمليات اختراق مشابهة لصالح محققين وشركات ورجال أعمال آخرين.

تلك القصة كانت نتيجة تحقيق استقصائي أجرته وكالة رويترز العام الماضي، أشارت فيه إلى 35 قضية قانونية منذ عام 2013 حاول فيها مخترقون هنود الحصول على وثائق من شركات أو أشخاص في قضايا داخل المحاكم، عبر سرقة كلمات المرور لحسابات البريد الإلكتروني. هذا النوع من الاختراقات منتشر حاليا بصورة أكبر، وهو ما تنفذه مجموعات تُعرف بالمرتزقة السيبرانيين.

أما الحال اليوم فيبدو أنه يزداد تعقيدا وتشابكا مع تطور تقنيات التجسس والاختراق، وما جرى في لبنان مؤخرا من تفجير أجهزة النداء (البيجر) كانت مؤشرا واضحا على مخاطر الأجهزة التقنية. ورغم عدم ترجيح عامل اختراق الأجهزة سيبرانيا، إلا أنه هذه المخاوف أعادت طرح المخاطر السيبرانية إلى السطح، وعن هشاشة البنى التقنية مع إمكانية اختراقها وتوظيفها كأدوات تخريب وتدمير.

خلال السنوات الأخيرة، انفجر سوق المرتزقة السيبرانيين، حتى إن بعض التقديرات تشير إلى وصول قيمته أكثر من 12 مليار دولار عالميا. (غيتي) مرتزقة سيبرانيون

مصطلح "المرتزقة السيبرانيين" يشير إلى مجموعة متنوعة من الشركات التي تعمل بمجال الأمن الإلكتروني وتطور وتبيع أجهزة ومعدات وخدمات إلكترونية لأغراض اختراق أجهزة الضحايا. يتكون عملاء تلك الشركات غالبا من الحكومات والأجهزة الأمنية أو بعض الشركات التي ترغب في الحصول على ورقة ضغط ضد شركة منافسة كما رأينا في القصة السابقة.

خلال السنوات الأخيرة، انفجر سوق المرتزقة السيبرانيين، حتى إن بعض التقديرات تشير إلى وصول قيمته أكثر من 12 مليار دولار عالميا. هذا النمو كان مدفوعا، في جزء كبير منه، بسبب الحكومات التي تسعى إلى الوصول بسهولة إلى الأدوات والخدمات المتطورة لعدد من أغراض التجسس الإلكتروني فيما يشبه ميدان حرب سيبرانية جديد، والأهداف المعلنة هي محاربة الإرهاب والعصابات الإجرامية الكبيرة.

مثلا أشارت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إلى 74 حكومة على الأقل تعاقدت مع هذه الشركات، بين أعوام 2011-2023، لتحصل على برمجيات التجسس وتقنيات التحقيقات الجنائية الرقمية.

دولة الاحتلال الإسرائيلي هي أكبر مصدر لهذا النوع من الشركات والبرمجيات الخاصة بالتجسس، إذ اشترت 56 حكومة، من أصل 74 حكومة، تلك البرمجيات والتقنيات الرقمية من شركات مقرها إسرائيل أو على صلة بها، مثل الشركة التي اشتهرت منذ أعوام قليلة "إن إس أو غروب" (NSO Group)، التي طورت برمجية التجسس الشهيرة "بيغاسوس" (Pegasus).

تلجأ الأنظمة والحكومات الاستبدادية لاستخدام المرتزقة السيبرانيين غالبا لاستهداف الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين للحكومة. كما كشفت ميتا، في تحقيق نشرته عام 2021، أن مجموعات المرتزقة السيبرانيين استخدموا منصات فيسبوك وإنستغرام لاستهداف نحو 50 ألف شخص في أكثر من 100 دولة حول العالم.

تتفرد مجموعة أطلس عن المجموعات الأخرى في هذا المجال بتجنيدها للمرتزقة السيبرانيين لتنفيذ مهام محددة جزءا من حملات هجومية أكبر. (مواقع التواصل) تطور نموذج العمل

تركز مجموعات المرتزقة السيبرانيين على تقديم خدمة، أو ربما خدمتين، للعملاء فيما يخص عمليات التجسس الإلكتروني، لكن هناك بعض المجموعات التي ظهرت مؤخرا وطورت من نموذج عمل هذا المجال أكثر، ومن أشهرها كانت "مجموعة أطلس للاستخبارات" (Atlas Intelligence Group).

اشتهرت مجموعة أطلس خلال العام الماضي، وكانت تعلن عن خدماتها على العديد من قنوات تطبيق تليغرام الشهيرة في هذا السوق، بجانب قنواتها الخاصة على التطبيق. استهدفت هجمات المجموعة دولا مختلفة من العالم، مثل الولايات المتحدة وباكستان ودولة الاحتلال الإسرائيلي وكولومبيا وغيرها.

تشير شركة الأمن الإلكتروني "سايبرنت" (Cyberint) إلى أن ما يجعل مجموعة أطلس فريدة من نوعها، بالمقارنة بالمجموعات الأخرى في هذا المجال، هو تجنيدها للمرتزقة السيبرانيين لتنفيذ مهام محددة جزءا من حملات هجومية أكبر لا يعرفها سوى المسؤولين الكبار داخل المجموعة.

في معظم الحالات، غالبا ما تقوم المجموعات بتجنيد أشخاص يتمتعون بإمكانيات محددة وسيضطرون لإعادة التعامل معهم، وهنا يشارك الجميع في حملة الهجوم السيبراني، بمعنى أن الجميع يعرف ما الذي يحدث في الهجوم بالتحديد. لكن في حالة مجموعة أطلس، يبدو أن المسؤولين وقائد المجموعة فقط هم مَن يعرفون تحديدا تفاصيل حملة الهجوم كاملة، ولهذا يلجأون لاستئجار مرتزقة لتنفيذ مهام مختلفة، في أثناء مراحل الحملة، عبر قناتهم على تطبيق تلغرام.

على سبيل المثال، تعرض المجموعة فرصة تنفيذ مهمة واحدة كمهام الهندسة الاجتماعية واختراق البريد الإلكتروني وغيرها، كما يبدو أنهم يجندون مجموعة مختلفة من المرتزقة لكل حملة هجوم. هذا التكنيك يمنحهم مزيدا من السرية لعملياتهم وهجماتهم الإلكترونية.

التهديدات والهجمات الإلكترونية تتطور بوتيرة أسرع من أي وقت مضى، إذ لم تعد الجرائم الإلكترونية محصورة في نطاق ذلك "الهاكر" المنفرد المتخفي في مكان غامض ما، لكنها تحولت إلى جريمة منظمة.

التهديدات والهجمات الإلكترونية تتطور بوتيرة أسرع من أي وقت مضى، إذ لم تعد الجرائم الإلكترونية محصورة في نطاق ذلك "الهاكر" المنفرد المتخفي في مكان غامض ما، لكنها تحولت إلى جريمة منظمة. (غيتي)

تقدم الشركة عدّة خدمات في هذا المجال، مثل هجمات الحرمان من الخدمة الموزعة (DDOS)، وهي من أشهر الهجمات الإلكترونية عموما، يقوم فيها المهاجم بإغراق خادم إحدى الشركات بطلبات المرور لمنع المستخدمين من الوصول إلى الخدمات والمواقع المتصلة بهذا الخادم.

خدمة أخرى شائعة في هذا المجال هي عمليات تسريب البيانات، ويبدو أن مجموعة أطلس لا تركز على مجال أو منطقة واحدة بعينها، بل تستهدف أي شيء قد يملك قيمة للمشترين المحتملين لهذه البيانات. مثلا، نشرت المجموعة قواعد بيانات مسربة للبيع بداية من سعر 15 يورو، وهي قواعد بيانات من مختلف أنحاء العالم، ومن مجالات مختلفة مثل التعليم والتمويل والجهات الحكومية والتصنيع والتكنولوجيا.

وإذا نظرنا إلى الصورة الأكبر، فسنجد أن التهديدات والهجمات الإلكترونية تتطور بوتيرة أسرع من أي وقت مضى، إذ لم تعد الجرائم الإلكترونية محصورة في نطاق ذلك "الهاكر" المنفرد المتخفي في مكان غامض ما، لكنها تحولت إلى جريمة منظمة، لا تستهدف فقط الأشخاص العاديين، لكن أهدافها أكبر بكثير.

يُعد اقتصاد الجريمة الإلكترونية اليوم من أكبر الاقتصادات نموا في العالم، ويتوقع تقرير لشركة "سايبر سيكيورتي فينشرز" (Cybersecurity Ventures) أن تتضاعف تكاليف أضرار الجرائم الإلكترونية العالمية بنسبة 15% سنويا على مدار السنوات القليلة المقبلة، لتصل إلى نحو 10.5 تريليونات دولار سنويا بحلول عام 2025، بعد أن وصلت إلى 3 تريليونات دولار في عام 2015.

بهذا أصبحت الجريمة الإلكترونية مربحة للغاية لمجموعات الاختراق والهاكرز عالميا، وعليهم دائما البحث عن أساليب جديدة للوصول إلى هذه الأموال الضخمة، ولهذا تتطور أساليب المرتزقة السيبرانيين باستمرار.

في غضون ذلك، تتجه بعض الدول حاليا أكثر فأكثر للاعتماد على مجموعات المرتزقة السيبرانيين لتحقيق أهدافها، حتى أصغر البلدان يمكنها شراء خدمات التجسس الرقمي، مما يمكنها من إجراء عمليات وهجمات معقدة، مثل التنصت الإلكتروني، التي كانت في يوم من الأيام حكرا على القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا.

كما يمكن للشركات التي ترغب في معرفة أسرار المنافسين، أو تهديدهم والاستيلاء على معلومات حساسة لاستخدامها ضدهم في المحاكم، أن تطلب أيضا تلك الخدمات الاستخباراتية مقابل دفع الثمن، كأنهم يدخلون إلى متجر يعرض أجهزة تجسس مخصصة من وكالة الأمن القومي الأميركي أو الموساد الإسرائيلي، وغيرهما من أجهزة الاستخبارات العالمية.

مقالات مشابهة

  • اشتباكات قبلية عنيفة في وادي عبيدة بمأرب
  • الكشف عن السبب المباشر لانفجارات أجهزة «بيجرز» في لبنان.. ماذا حدث؟
  • "جريمة الاحتلال تكشف عن وجهه الحقيقي".. الجهاد الإسلامي تزف شهداء قباطية
  • حميه: لبنان قدّم بالأمس نموذجاً حياً حول المعنى الحقيقي للتكافل الوطني
  • من هم المرتزقة السيبرانيون وكيف تستخدمهم الدول والشركات؟
  • مقتل رجل وامرأة بانفجار لغمين حوثيين في الحديدة وتعز
  • عن عدن وتعز مرة أخرى
  • استخدام ستارلينك استخباراتياً من قبل أمريكا باليمن
  • الكشف على 814 مريض ضمن قافلة مبادرة"بداية "بالحاكمية في الدقهلية
  • من فضائح المرتزقة.. طلب دعم إسرائيلي لمواجهة صنعاء