يعيش الأطفال في قطاع غزة كابوسًا لا ينتهي، مع استمرار الحرب والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة واقترابه من شهره الخامس، إذ يعاني السكان من الجوع والضعف والإهمال ونقص الإمدادات الغذائية اللازمة للحياة، فالماء والغذاء نادران للغاية، كما تنتشر الأمراض في جميع أنحاء القطاع.

عمار عمار، المدير الإقليمي للإعلام بمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تحدث في حوار مع «الوطن»، عن الأوضاع الإنسانية الكارثية التي يعيشها الأطفال في غزة، حيث ارتفاع عدد الذين يعانون من سوء التغذية، في ظل عدم توافر المقومات لحياة كريمة لهم، كما أكد أنّ الأطفال الذين يعانون من سوء الحالة الصحية والتغذية، هم أكثر عرضة للإصابة بأمراض خطيرة مثل الإسهال.

وصول المساعدات يساعد في منع أسوأ النتائج

وفيما يلي نص الحوار:

- صف لنا الوضع الغذائي للأطفال في قطاع غزة خلال الأيام الجارية.

الوضع فيما يتعلق بتحليل هشاشة التغذية والوضع الغذائي في قطاع غزة، هو خطير بشكل خاص في شمال القطاع، والذي قُطعت عنه المساعدات بشكل شبه كامل منذ أسابيع، وجدت فحوصات التغذية التي أجريت في مراكز الإيواء والمراكز الصحية في الشمال، أن 15.6%، أو واحد من كل 6 أطفال دون سن الثانية، يعانون من سوء التغذية الحاد، ومن بين هؤلاء يعاني ما يقرب من 3% من الهزال الشديد وأكثر أشكال سوء التغذية تهديدًا للحياة، ما يُعرض الأطفال لخطر المضاعفات الطبية والوفاة إن لم يتلقوا علاجًا عاجلًا، وأُجريت الفحوصات ذاتها في جنوبي قطاع غزة وفي رفح الفلسطينية، وهناك تتوافر المساعدات بشكل أكبر، فوجد أنّ 5% من الأطفال دون سن الثانية يعانون من سوء التغذية الحاد، وهذا دليل واضح يؤكد أنّ وصول المساعدات أمر ضروري ويمكن أن يساعد في منع أسوأ النتائج.

* كيف حال الأطفال في جنوبي قطاع غزة ومدينة رفح الفلسطينية الموجود بها أكثر من 1.3 مليون فلسطيني؟

يعاني الأطفال من أوضاع إنسانية كارثية بكل المقاييس، من حيث القصف المتواصل الذي يؤدي إلى قتل وجرح العديد منهم والنزوح المتكرر، على سبيل المثال، في رفح الفلسطينية وهي مدينة صغيرة يعيش فيها 1.3 مليون شخص، هي واحدة من أكثر الأماكن اكتظاظًا بالسكان في العالم، هناك 600 ألف طفل يعيشون في منطقة صغيرة جدًا وفي الشوارع والملاجئ والتجمعات العشوائية، ويعيشون مرهقون دون أي حماية وفي ظروف صعبة للغاية وغير آدمية.

أطفال غزة يحصلون على لتري مياه صالحة للشرب

* ما نصيب الأطفال من المياه في غزة؟

في ظل عدم توافر المياه الصالحة للشرب، الأطفال في غزة لا يحصلون على أكثر من لتري مياه صالحة للشرب، وتستخدم في الطعام والنظافة الشخصية والاحتياجات اليومية، وهي أقل من المتطلبات الدولية الموصّى بها خلال أوقات النزاعات المسلحة أو الكوارث الطبيعية، والمقدرة بـ15 لترًا.

%70 من أطفال غزة أصيبوا بالإسهال خلال أسبوعين

* يعاني أطفال غزة من انتشار الأمراض.. هل هناك إحصائية توضح نسبة إصابتهم؟

يعاني أطفال غزة من انتشار الأمراض، وهناك 90% من الأطفال دون سن الخامسة مصابون بمرضٍ معدٍ واحد أو أكثر، وأُصيب نحو 70% من الإسهال خلال الأسبوعين الماضيين، بزيادة قدرها 23 ضعفًا مقارنة بخط الأساس لعام 2022، وهم يعيشون في أماكن غير مهيئة للعيش الكريم، ففي مراكز الإيواء المكتظة، لا تتوافر فيها أي مقومات للنظافة، ما يؤدي لانتشار الأمراض.

* ما حال الأطفال الذين يعانون من الإعاقات المختلفة؟

يكون الوضع أكثر سوءًا في حالة الأطفال الذين يعانون من إعاقة، وقبل الحرب كان يعاني 15% من سكان غزة من إعاقات مختلفة، وبعدها، هناك عددًا كبيرًا من الأطفال فقدوا أطرافهم، أو تعرضوا للبتر، إضافة إلى الجروح في كل أنحاء الجسد، فهم يعانون من الجوع والبرد وعدم توافر الخدمات الصحية والطبية الخاص بحالاتهم فيما يتعلق بالتأهيل الجسدي والحركي، وخدمات الرعاية النفسية بسبب الظروف والوضع الكارثي لحالاتهم، وإذا طُلب من الأطفال النزوح إلى أماكن أخرى فليس لديهم القدرة على النزوح وليس لديهم أي أدوات للمساعدة، مثل الأطراف الصناعية، حيث فُرضت على دخولها قيود، وهم بحاجة إلى التأهيل الجسدي والحركي ليتمكنوا بشكلٍ عام من استعادة بعض حركاتهم الطبيعية، كما أنّ الطرقات مُدمّرة وإذا نزحوا لا تتواجد أي نوع من الخدمات لمساعدتهم.

مليون و100 ألف طفل فلسطيني بحاجة إلى الدعم النفسي

* ما مدى احتياج أطفال غزة إلى الدعم النفسي بعد انتهاء الحرب؟

احتياج أطفال غزة إلى الدعم النفسي هائل، إذا نظرنا إلى الإحصائيات قبل الحرب، كان هناك تقريبا 500 ألف طفل بحاجة إلى الدعم النفسي، لكن مع مرور أكثر من 20 أسبوعًا من القتال والقصف الإسرائيلي المتواصل، نزح العديد من الأطفال عدة مرات، وأصبحوا يعيشون ظروفًا غير إنسانية والعديد منهم فقدوا أسرهم ووالديهم واخوتهم، وكانوا ضحية للقصف المتواصل، كما فقدوا أطرافهم.

هناك 1.1 مليون طفل بحاجة إلى دعم نفسي هائل، وله تبعات طويلة الأمد، وتعمل «يونيسف» على تقديم الدعم النفسي حاليًا من خلال نشاطات ترفيهية في مراكز الإيواء ومقدمي الرعاية النفسية، واستطعنا الوصول لـ60 ألف طفل، ولكن إذا قارننا النسبة بعدد الأطفال، فالاحتياجات الإنسانية هائلة، وبسبب الأوضاع الراهنة، فلا يمكن أن نوسع استجابتنا في الدعم النفسي إلا بوقف إطلاق النار، لأنه الحل الوحيد لوقف قتل الأطفال وحمايتهم من تبعات القصف والأوضاع النفسية المترتبة، وهذا سيساعد المنظمات الدولية ويونيسف بتوسيع استجابتها بشكل كبير بوضع برامج متوسطة وطويلة الأمد فيما يتعلق بالدعم النفسي للأطفال في هذه الظروف.

الأطفال تظهر عليهم علامات الخوف طوال اليوم

* كيف ترى التغير الكبير في مظهر الأطفال وحالتهم قبل الحرب وبعدها؟

رأيت أطفالًا انتشر الشيب في رؤسهم وأطفالًا تغيرت لون بشرتهم. وعندما نقوم بنشاطات ترفيهية أو أنشطة نفسية مع الأطفال في مراكز الإيواء المختلفة، يبدأ الطفل في الاستجابة ويبتسم ويلعب وتتغير نفسيته كأنّه طفل مرة أخرى، لكن بعد انتهاء النشاط يعود إلى الحياة والأوضاع الإنسانية الكارثية والقصف المتواصل، فبالتالي هو يعيش في دوامة لا تنته من التبعات النفسية المتكررة التي ستتركه شخص مؤذي لنفسه ومن حوله، أي «توكسيك»، هناك عدد كبير من الأطفال تظهر عليهم علامات الخوف طوال اليوم ولا يستطع النوم، إضافة إلى صراخ وبكاء متواصل ولا يتفاعلون مع أقرانهم، هناك تبعات نفسية هائلة نراها على الأطفال في غزة.

* قالت «يونيسف» إن عدم إدخال المساعدات سيؤدي إلى وفاة أطفال غزة.. هل يمكن تحديد المدة التي سيبدأ عدم إدخال المساعدات في التأثير بشكل كبير بحيث يؤدي إلى استشهاد أطفال غزة؟

نتيجة الأوضاع الإنسانية وارتفاع الحاد في معدلات سوء التغذية بين الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات، سيُشكل ذلك تهديدًا خطيرًا على صحة الأطفال، والأزمة الإنسانية، فيما يتعلق بعدم الوصول إلى مياه الصالحة للشرب وانتشار الأمراض، كل هذه العوامل مع بعضها ستشهد انفجارات في حالات وفاة الأطفال، ويمكن تجنبها بوقف القتال، وبالتالي دخول المساعدات إلى غزة.

* ما الجهود التي تحاول «يونيسف» بذلها لمساعدة الأطفال في غزة؟

يونيسف تقوم بتقديم المساعدات وتوصيلها وتقديم الدعم النفسي، وهناك برامج الحماية فيما يتعلق بالأطفال المنفصلين عن أهاليهم ومن ليس لديهم مرافق، وتحديد أماكنهم وتقديم المساعدات العاجلة ووضعهم في أماكن آمنة مع شركاء حتى يتم تحديد ما إذا والديهم أو أقاربهم على قيد الحياة.

نوفّر الأغذية العلاجية للأطفال والحفاضات، بالإضافة إلى النظافة والاحتياجات الخاصة بالنساء، ونقوم مع شركائنا ببناء دورات مياه، ونحاول توفير الوقود أيضًَا لمحطات التحلية التي تعمل بشكل جزئي وتوفير المياه الصالحة للشرب، فهناك العديد من المساعدات والنشاطات التي توفرها يونيسف، لكن بسبب الاحتياجات الإنسانية الهائلة في قطاع غزة لا تكفي المساعدات التي تقدمها يونيسف أو حتى المنظمات الأخرى.

المساعدات التي تدخل إلى غزة غير كافية، ويجب بشكل أساسي زيادة دخول عدد الشاحنات إلى غزة والمساعدات الإنسانية، ويجب رفع القيود فيما يتعلق بوصول المساعدات إلى الشمال، لأنّ ما يصل إلى شمال غزة غير كافٍ، وأيضًا دخول الوقود للمساعدة في نقل المواد إلى المناطق المختلفة، كما أنّ انقطاع الاتصالات يعوق تنسيق العملية الإنسانية في غزة.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: اليونيسيف قطاع غزة أطفال غزة الأزمة الإنسانية في غزة الأمم المتحدة إلى الدعم النفسی فی مراکز الإیواء الذین یعانون من الأطفال فی غزة یعانون من سوء سوء التغذیة فی قطاع غزة فیما یتعلق من الأطفال بحاجة إلى أطفال غزة أطفال ا ألف طفل

إقرأ أيضاً:

تغيير أسماء وأنساب.. كيف غيّب نظام الأسد أطفال المعتقلين في دور الأيتام؟

أعلنت السلطات السورية الأسبوع الماضي اعتقالها عددا من الشخصيات -من بينها كندة الشماط وريما القادري اللتان كانتا في فترتين مختلفتين على رأس وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل خلال حكم نظام الأسد المخلوع- على خلفية تورطهم بملف إخفاء أطفال المعتقلين المعارضين للنظام، في إطار ما تعرف إعلاميا بقضية "أطفال المعتقلين" أو "الإيداعات الأمنية" بحسب وثائق النظام.

وشملت الاعتقالات مسؤولات إداريات لدور أيتام مختلفة، مثل المديرة السابقة لمجمّع لحن الحياة ندى الغبرة، وهنادي خيمي ولمى الصواف وفداء الفندي، وهن مسؤولات إداريات في المجمّع نفسه، بالإضافة إلى مديرة جمعية المبرة لكفالة الأيتام لمى البابا، وأختها رنا البابا التي تولت مسؤوليات إدارية في الجمعية أيضا، ورئيسة مجلس إدارة "ميتم دفا" فداء دقوري.

وتضاف إلى هذه الأسماء المديرة الحالية لمجمّع لحن الحياة ميس عجيب التي تولت هذا المنصب قبل سقوط نظام الأسد بفترة وجيزة، لكن السلطات السورية أطلقت سراحها لاحقا، وأضيف اسمها إلى قائمة الشهود في القضية.

ويلخص هذا التقرير أهم مفاصل هذه القضية الشائكة التي لاقت صدى حقوقيا وإعلاميا واسعا في أعقاب سقوط نظام الأسد.

ريما القادري وزيرة الشؤون الاجتماعية السابقة في عهد النظام السوري المخلوع (الصحافة السورية) ما مضمون قضية الأطفال المفقودين؟

يُقصد بالأطفال المفقودين هم أطفال اعتقلتهم القوات الأمنية التابعة لنظام الأسد السابق مع ذويهم، ثم فصلتهم قسرا عنهم وأرسلتهم إلى دور أيتام مختلفة، منها مجمّع لحن الحياة وجمعية المبرة ودار الرحمة للأيتام وقرى الأطفال "إس أو إس" (SOS).

أصدر نظام الأسد أوامر بمنع الأهالي والأقارب من التواصل مع أطفالهم أو معرفة أي تفاصيل عنهم، والتحفظ التام على معلومات هؤلاء الأطفال، حتى أن دور الأيتام قامت بتغيير اسم العائلة في بعض الحالات وتحريف السجلات الرسمية.

وهناك من المؤشرات والوثائق ما يدل على أن ذلك جرى وفقا لسياسة ممنهجة بتنسيق بين وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ودور الأيتام والأجهزة الأمنية، وأبرزها جهاز المخابرات الجوية.

والأهم من ذلك أن ملف هؤلاء الأطفال كان تحت الإشراف المباشر من أسماء الأسد زوجة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد كما كشفت ميس عجيب.

إعلان

حازت هذه القضية على اهتمام شعبي وإعلامي واسع في أعقاب إسقاط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024 على غرار قضايا أخرى تكشفت خيوطها بعد سقوط النظام، بالإضافة إلى سعي الكثير من الأهالي لمعرفة مصير أبنائهم بعد سقوطه.

ما جهود كشف مصير الأطفال المفقودين؟

أجرت بعض مديرات دور الرعاية مقابلات إعلامية عقب سقوط النظام كشفن فيها بعض التفاصيل عن هذه القضية، وقلن إنهن سلّمن سجلات للحكومة المؤقتة الجديدة.

وفي يناير/كانون الثاني 2025 كشفت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أنها عثرت على كتب سرية عدة أرسلتها أفرع أمنية بخصوص إرسال أطفال إلى دور أيتام، وطلبت من عائلات الأطفال المفقودين تقديم أي معلومات قد تفيد الوزارة في هذا الملف، وأصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بيانا ينادي بإجراء تحقيق عاجل وشامل في هذه القضية.

وشكلت الحكومة لجنة تحقيق مختصة بمتابعة مصير أبناء وبنات المعتقلين والمغيبين قسرا، وضمت هذه اللجنة -وفقا لتصريحات المتحدث الرسمي باسمها سامر قربي لوكالة "سانا" بتاريخ 5 يوليو/تموز- ممثلين من وزارات العدل والداخلية والأوقاف، وأيضا منظمات المجتمع المدني وذوي المفقودين.

وفي أول مؤتمر صحفي للجنة بعد تشكيلها أوضح ممثل وزارة الداخلية في اللجنة قربي أن توقيف بعض العاملين في دور الرعاية تم بناء على معلومات أولية وادعاءات شخصية من الأهالي الذين أكدوا أنه لا يوجد تعاون من الموظفين معهم، وتحفّظهم على المعلومات الخاصة بالأطفال، وللاشتباه بتورطهم في تجاوزات وانتهاكات محتملة تتعلق بمصير الأطفال.

ولفت قربي إلى أن اللجنة بدأت عملها عبر وضع الخطط لمعرفة عدد الأطفال الذين تم تحويلهم إلى دور الرعاية، إضافة إلى الكشف عن مصير هؤلاء الأطفال، مشيرا إلى أن هدف اللجنة هو البحث وإحصاء وكشف مصير الأطفال الذين تم تغييبهم في سجون النظام المخلوع.

من جانبه، أكد ممثل وزارة العدل المحامي العام الأول في عدلية دمشق القاضي حسام خطاب أن جميع الإجراءات تتم وفق الأصول القانونية، وتتم متابعة حالات السفر غير النظامية للأطفال، ودور الرعاية غير الرسمية، وحالات الإلحاق التي يجري فيها تغيير نسب الأطفال، وأن الجناة الذين يثبت تورطهم بإخفاء الأطفال وتغييبهم ستتم محاسبتهم.

أسماء الأسد في زيارة لجمعية قرى الأطفال لرعاية الأيتام بريف دمشق (سانا) كيف نُقل الأطفال من السجون إلى دور الرعاية؟

تبين المعلومات المتوفرة أن عملية فصل الأطفال القسرية ونقلهم إلى دور الأيتام كانت تتم على نحو ممنهج، حيث تبدأ باعتقال الأطفال مع ذويهم، وقد جرت تلك الاعتقالات بشكل جماعي خلال اجتياح المنازل أو عند الحواجز الأمنية، بالإضافة إلى الأطفال الذين يتم إبعادهم عن أمهاتهم بعد ولادتهم داخل السجون، إما لاعتقال الأم وهي حامل، أو الأطفال الذين حملت بهم أمهاتهم بعد اغتصابهن من عناصر الأمن داخل السجون.

يتبع ذلك صدور كتب رسمية سرية من الجهات الأمنية -وأبرزها في هذا الملف المخابرات الجوية- إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بنقل هؤلاء الأطفال، ويتكفل بعملية النقل عناصر مخابرات في شاحنات بيضاء أو في حافلات.

وتفرض أوامر الجهات الأمنية -وقت إيصال الأطفال- التعامل مع هذا الملف بسرية تامة، ومنع كشف أي معلومات عن الأطفال أو السماح لهم بالتواصل مع ذويهم أو أقاربهم أو حتى كشف وجودهم تحت أي ظرف كان.

إعلان

وعلى هذا النحو، كانت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تؤدي دور الوسيط، إذ تقوم بتوجيه دور رعاية الأيتام لاستقبال هؤلاء الأطفال.

وفي هذا السياق، ظهرت بعض الوثائق المذيلة بتوقيع الوزيرتين كندة الشماط وريما القادري على أوامر بنقل الأطفال وتغيير ألقابهم، كما قالت المديرة الحالية لمجمّع لحن الحياة ميس عجيب إن أسماء الأسد كانت تشرف شخصيا على ملف هؤلاء الأطفال.

وقال بعض العاملين في هذه الدور إنه لا خيار لهم سوى استقبال هؤلاء الأطفال، خوفا من تعرّضهم لبطش الأجهزة الأمنية.

واستقبلت دور رعاية الأيتام الأطفال في حال يُرثى لها، فمنهم من كان مريضا أو هزيلا أو نهش القمل رأسه، وكان من الحالات التي وصلت إلى دار الرحمة للأيتام طفلة حديثة الولادة ماتت بعد فترة وجيزة من إيصالها إلى الدار.

كما أن عددا كبيرا من الأطفال كانوا يُجلبون إلى هذه الدور دون أي أوراق ثبوتية أو رسمية، وجرت العادة بتغيير أسمائهم أو أنسابهم بعد وصولهم أو حتى تسجيلهم على أنهم متوفّون، منعا لمعرفة أي أحد مكانهم أو حتى وجودهم.

وأوردت الوثائق والتحقيقات أسماء عدد من دور رعاية الأيتام التي نُقل إليها هؤلاء الأطفال، ومنها قرى الأطفال ومجمّع لحن الحياة لرعاية الطفولة ودار الرحمة للأيتام وجمعية المبرة لكفالة الأيتام وجمعية الأنصار الخيرية وميتم سيد قريش وميتم دار الأمان وجمعية دفا لرعاية الأطفال.

ما حجم هذه القضية؟ وكم عدد هؤلاء الأطفال؟

تشير تقديرات مختلفة إلى أن عدد أطفال المعتقلين يتراوح بين 3 آلاف و5 آلاف طفل، فمثلا أوردت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير لها صدر بتاريخ 11 يونيو/حزيران الماضي أن 4536 طفلا لا يزالون في عداد المختفين قسريا حتى تاريخ التقرير.

وقال تحقيق لقناة الجزيرة إن نظام الأسد اعتقل قرابة 4 آلاف طفل منذ عام 2011، كما صرح المتحدث الرسمي باسم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل سعد الجابري لـ"وول ستريت جورنال" بأن الحكومة وجدت 300 ملف لأطفال نُقلوا إلى 4 دور أيتام في دمشق، وتقدّر عدد المفقودين بـ3700 طفل مفقود.

كما استطاعت شبكة الإذاعة الوطنية العامة الأميركية (إن بي آر) تحديد أكثر من 350 طفلا وزعتهم أجهزة المخابرات التابعة لنظام الأسد على دور رعاية الأيتام في دمشق.

في المقابل، كشفت بعض دور رعاية الأيتام في بيانات مختلفة عدد الأطفال الذين استقبلتهم، فأقرت جمعية قرى الأطفال بأنها استقبلت 139 طفلا من الأجهزة الأمنية دون أي وثائق رسمية بين عامي 2013 و2019، وطلبت بعد ذلك من السلطات عدم إرسال أطفال إلى فروع قرى الأطفال، وكشفت المنظمة في أبريل/نيسان أن 21 طفلا عادوا إلى أسرهم حتى ذلك الوقت.

وقالت مديرة دار الرحمة للأيتام براءة الأيوبي في مقابلة لها مع موقع "إن بي آر" أجريت بداية عام 2025 إن المؤسسة استقبلت نحو 100 طفل من أبناء المعتقلين بين عامي 2015 و2024 من أجهزة المخابرات مع أوامر بالتعامل معهم بسرية تامة، وعاد منهم 24 إلى عائلاتهم.

وأظهرت وثيقة لمجمّع لحن الحياة لرعاية الطفولة وجود 45 طفلا أرسلتهم مخابرات نظام الأسد، مع تقديرات بوجود مئات الأطفال الذين تم إرسالهم بهذه الطريقة.

وقالت مديرة جمعية المبرة لكفالة الأيتام رنا البابا في إفادة للموقع السابق إن الجمعية استقبلت 50 طفلا.

وأثارت قضية أطفال المعتقلين ضجة عالمية حول منظمة قرى الأطفال، مما دفعها إلى إصدار بيان عبّرت فيه عن ندمها على استقبال هؤلاء الأطفال، واتخاذها خطوات لمنع حدوث ذلك مجددا، ورفعت المنظمة أيضا طلبا إلى المدعي العام في دمشق لفتح تحقيق رسمي باختفاء أطفال إحدى العائلات.

ما الذي تعرّض له هؤلاء الأطفال؟ وما مصيرهم؟

إلى جانب تغيير أسمائهم وألقاب عائلاتهم لإبعادهم عن أهلهم مر أطفال المعتقلين بتجارب صعبة خلال فترات اعتقالهم وبعد إرسالهم إلى دور الأيتام.

إعلان

وُضع الأطفال وأمهاتهم -حسب شهادة سكينة الجيباوي لشبكة الإذاعة الوطنية العامة الأميركية، والتي اعتقلت مع ابنتها هبة- في زنازين مظلمة وباردة ورطبة ومكتظة بالأمهات والأطفال، ولم يكن يُسمح لهم باستخدام الحمام سوى بشكل محدود، وكانت كمية الطعام أيضا ضئيلة جدا، إذ تقول إحدى الأمهات إن حصتهم من الطعام كانت بيضة واحدة و15 حبة زيتون في الأسبوع، ولبنا كل 4 أيام.

وفي دور الأيتام تعرّض الأطفال إلى اعتداء جسدي رافقته بطبيعة الحال صدمات نفسية، فتقول سكينة التي سُمح لها بزيارة نادرة لابنتها في دار الرحمة إنها رأت جروحا واضحة على شفاه وظهر وسيقان ابنتها، لكن دار الرحمة أنكرت تعرّض ابنتها للاعتداء، كما أن الأم قالت إن ابنتها كانت تبكي كلما سألتها عما حدث معها في الميتم.

ومما أجّج هذه المخاوف ورود أخبار عن حدوث اعتداءات في دار الرحمة، وسماع الجيران الذين يسكنون بالقرب من دار الأيتام أصوات أطفال يتم ضربهم والاعتداء عليهم، بحسب ما تم تداوله على بعض وسائل التواصل.

يضاف إلى ذلك وجود بعض المخاوف من الاتجار بالأطفال والإلقاء بهم في شبكات الدعارة، وفقا لخبيرة حماية الأطفال زينة إسماعيل علوشي في تصريحات أدلت بها لـ"فورين بوليسي"، أو التبنّي غير القانوني خارج سوريا، أو حتى التجارة بأعضائهم.

كما أظهرت وثائق مسربة وشهادات أن من أسباب تغيير أسماء الأطفال تسهيل تبنّيهم من قبل عائلات مقربة من نظام الأسد.

وقد وردت شهادات أيضا عن إرسال بعض الأطفال للتجنيد القسري بعد بلوغهم سنا معينة، وهذا ما أكده قربي في تصريحاته، إذ قال إن نظام الأسد أرسل بعض أطفال المعتقلين للقتال مع الجيش أو مع "فصائل طائفية"، على حد تعبيره.

وبعد سقوط نظام الأسد سعت العديد من العائلات بشكل حثيث للبحث عن أطفالها، وقد كُتب لبعض هؤلاء الأطفال العودة إلى أحضان عائلاتهم، لكن مصير الكثير من أطفال المعتقلين المفقودين في سوريا لا يزال مجهولا حتى اليوم.

ومما يزيد الموضوع تعقيدا هو تغيير نظام الأسد أنساب هؤلاء الأطفال وتقدمهم في العمر، مما يعني تغير ملامحهم وصعوبة تمييز أهاليهم لهم، بالإضافة إلى ضياع العديد من الوثائق كما ذكر المتحدث الرسمي باسم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الحالية سعد الجابري، مشيرا إلى أن الإجابة التي تبحث عنها عائلات 3700 طفل مفقود قد تكون في مكان آخر.

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة: ضرورة إيصال المساعدات بشكل آمن إلى السودان
  • الاتحاد الأوروبي يُعلن التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل لـ "توسيع" تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة
  • يونيسف: 519 طفلًا في غزة دخلوا دائرة سوء التغذية الحاد في مايو الماضي
  • يونيسف: سكان غزة يتضورون جوعا جراء قصف مراكز المساعدات
  • أطفال غزة.. ضحايا الحصار الغذائي والتجويع المتعمّد
  • رغم الجدل.. مسؤول أمريكي يُسرّع إقرار منحة لمؤسسة غزة الإنسانية بقيمة 30 مليون دولار
  • تغيير أسماء وأنساب.. كيف غيّب نظام الأسد أطفال المعتقلين في دور الأيتام؟
  • الخارجية الإسرائيلية: نريد إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة دون وصولها إلى حماس
  • الأونروا: حياة أطفال غزة موسومة بالحرب والدمار
  • وزير الخارجية يشدد على أهمية نفاذ المساعدات الإنسانية لغزة ووقف إطلاق النار