صرخة أسرة: المرض والغلاء سرق بهجة رمضان «تقرير مصور»
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
لا يخفى على أحد، أن الظروف الاقتصادية المعيشية التي يعيشُها كثير من المواطنين في هذه الفترة الحرجة من تاريخنا المعاصر، أرهقت معيشتهم واقلقت مضجعهم، خاصة ممن لا دخل لهم ثابت، والذين حرموا من الإستفادة من حزمة الحماية الاجتماعية التي اقرها مؤخرا الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيادة الحد الأدنى للأجور لـ 6000 جنيه.
من هذه الأسر التي تأمل أن يشملهم توجيهات القيادة السياسية بالرعاية والمساعدة حتى تتمكن من العبور من مرحلة «عنق الزجاجة» كما يطلق عليها السياسيون، بدون أضرار؛ سمير أبو وردة عبد العاطي، 65 عاما، يعيش مع أسرته المكونة من 4 أفراد، هو وزوجته ذات الـ 45 ربيعًا، وأبنائه مريم 10 سنوات، ومحمد عامين ونصف.
يجلس أبو وردة وأسرته البسيطة على بُساط صغير «حصيرة»، منسوج من خيوط البلاستيك، يقبعون في أحد أركان صالة منزله الصغير المُعرش بالسدة والخشب، والمغطى بالمشمع البلاستيك لحمايتهم من مطر الشتاء، والذي لا يقوى على منع المياه من السقوط عليها وقت ما تعرضت البلاد إلى السيول خلال الفترة الماضية.
ويشير الرجل المسن إلى أن منزله صغير جدًا، مساحته لا تتجاوز الـ 40 مترًا، ويضم غرفة نوم وصالة وحمام ومطبخ صغير، ويقع منزله المشيد بالطوب البلوك الخرساني في منطقة المقابر بأطراف قرية منشأة أبو عامر التابعة لمركز الحسينية بمحافظة الشرقية؛ وحيدا لا يطلب أمرًا أو شيئًا من أحد، ولسان حالة لأولاده « لا تحزنوا إن الله معنا».
« أربكتني ظروف الحياه، وارهقني المرض، أصبحت قعيد في البيت، لا أقدر على العمل» هكذا حال أبو وردة، الذي يؤكد لـ «الوفد» إنه مريض فشل كلوي، ويذهب 3 مرات أسبوعيًا إلى مدينة الحسينية، للخضوع لجلسات الغسيل الكلوي التي يتلقاها في مستشفى الحسينية المركزي، الأمر الذي اضعف قواه وقلل نشاطه، وذلك لشعوره الدائم بالإعياء والتعب والإرهاق، وبالتالي أفقده القدرة على القيام بأي عمل.
«أنا قاعد في منطقة خارج البلد، في مكان مهجور، بمدخل المقابر، لا أخاف الوحدة والمكان، لكني أخاف على مستقبل ابنائي وزوجتي، خاصة عندما لا استطيع أن أوفر متطلبات حياتهم الأساسية، عاوز أجيب لوزم رمضان لعيالي، اقطر دمعًا عندما يطلبون مني شيئًا ولا استطيع»، كلمات أبو وردة المُسن؛ هي تعبير صادق عن حال كثير من الأسر التي أُجبرت على التخلي عن كثير من متطلباتهم، وقد يطول حالهم على هذا -لا قدر الله- مع قدوم شهر رمضان والمعروف بأطباقه الشعبية الشهيرة ومشروباته التقليدية الرمضانية، والتي أصبح وجودها على الموائد أمرًا صعبًا، في ظل تزايد أسعار المواد الغذائية أكثر من مرة في اليوم الواحد، إلا أن هناك بارقة أمل في صفقة «رأس الحكمة» والمتوقع لها أن تعمل على انخفاض أسعار السلع الغذائية بشكل نسبي أو ثباتها طوال الشهر الكريم، خاصة وأن الدولار فقد أكثر من 20 جنيهًا من قيمته أمام الجنيه خلال الأيام القليلة الماضية.
يقول الرجل المسن: أملي في هذه الأيام أن يشملنا توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، في جمهوريته الجديدة، والتي من شأنها تحسين الظروف المعيشية للمواطنين، وحتى تواكب تلك التغيرات الطارئة على الأسعار في الأسواق، لافتًا إلى إنه يعيش هو وأسرته على مساعدات أهل الخير فقط، والتي تكاد أن تُحيهم في هذه الظروف، خاصة وإنه حاليًا بدون أي معاش تضامني من الحكومة بعدما انقطع عنه الـ 400 التي كان يتقاضاها من التضامن من قبل، بدون أي سبب، ولم يعلم حتى الآن سببًا في هذا الحرمان، مطالبًا دعمًا حقيقيًا من القيادة السياسية وفق توجيهات الرئيس السيسي، ومراعاة كبر سنه، وإنه أب لطفلين لا يملكون من حطام الدنيا إلا والديهما ورئيس الجمهورية والدولية الحنونة، ولهم مطالب كباقي الأطفال خاصة ونحن على أبواب شهر رمضان الكريم.
IMG-20240226-WA0025 IMG-20240226-WA0026 IMG-20240226-WA0024 IMG-20240226-WA0028 IMG-20240226-WA0019 IMG-20240226-WA0017 IMG-20240226-WA0018 IMG-20240226-WA0023المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الحسينية محافظة الشرقية رأس الحكمة السيسي بهجة رمضان أبو وردة IMG 20240226
إقرأ أيضاً:
الخوف الذي لا ينتهي إلا بالرحيل!
لم أكن أعلم أن ثمة خوفًا جبارًا يترسخ في الذات الإنسانية، يعصف بالقلب والعقل وسائر الجسد مدى الحياة، هذا الخوف كان حاضرًا في مسارات الحياة جليا في عيون «أبي وأمي»، كنت كغيري من الأطفال الذين ينزعجون كثيرا من المراقبة الشديدة للخطوات والعثرات، ومن الحصار المطبق أينما توجهنا في سيرنا البطيء والتوجيه المستمر بالنهي والشدة، وأحيانا قسوة العتاب الذي لا يغيب عن البيت يوما واحدا، لكن عندما يداهمني المرض أجد أن لدي طاقمًا طبيًا وتمريضيًا يحيط بي من كل جانب، اهتمام لا يوصف وحلقة مترابطة تشد بعضها البعض من أجل العناية بي.
كان أبي مولعًا بجلب عصير البرتقال المعلب، كان حباته بمثابة حبوب أتناولها عند المرض، وأمي تشدد على ضرورة احتسائي لبعض المشروبات الساخنة كالزنجبيل والليمون وغيرها معتبرة كل هذه المحفزات أمرا ضروريا لطرد المرض الذي يتربص بي وبصحتي.
فلا تكاد أي وعكة صحية تمر بي، إلا وأجد «أبي وأمي» بجانب رأسي يراقبون الوضع عن كثب، وتفاصيل وجوههم تفضح ما يسرون في أعماقهم من قلق وخوف خاصة عندما تهاجمني الحمى بشدتها، أو تنهار مصادر القوة التي تعينني على الحركة بسهولة من آثار المرض.
هذا الخوف لم أحس بقوته وسطوته إلا عندما أصبحت في مكانهم، فالأطفال هم الدم الذي يسري في شرايين الجسد، والأم والأب هما الشموس التي تنثر خيوطها وضياءها في أركان المنزل والأماكن بشكل عام، وعندما تغرب شمس الضياء وترحل هذه الكواكب التي تحيط بنا تتهاوى أركان المنازل شيئا فشيئا وكأن الريح هي التي تعصف بكوخ أرهقته السنين وفقد الحياة برحيل من كان فيه، لا يموت الخوف إلا عندما يموت أصحابه.
فكم من منازل كانت عامرة بالحب والحياة؛ لأن أركانها كانت متينة وصلبة أمام التغيرات التي تحدثها السنين، المنازل التي كنا نحسبها بأنها صامدة أمام عجلة الزمن تهاوت عندما لم يعد هناك عائل يخاف على أطفاله.
لأول مرة أوقن بأن الخوف هو شيء إيجابي، رغم أن الصورة القديمة التي أحفظها له أنه شيء مرعب ومحزن، فكلما كان هناك خوف من الفقد كان هناك اهتمام بالغ يشعرنا بأننا نعيش الحياة بوجه مختلف.
الأجيال تسلم بعضها البعض... حقيقة لا جدال فيها، فهناك ترافق وتتالٍ ما بين جيل وآخر، الآباء والأمهات خوفهم يمتد منذ ولادتنا وحتى لحظة الفراق، البيت الذي تنطفئ فيه شمعة الأب أو الأم أو كليهما هو بيت مظلم لا حياة فيه ولا بقاء لسكانه.
سنوات من العمر تمضي ويزداد الخوف على الأبناء حتى وإن كبروا لا ينقص من حبهم وخوفهم يوما، أطفالنا لا يشعرون بمدى القلق الذي ننزفه كل لحظة حزن وألم نمر بصحرائها نحن الأمهات والآباء، هم لا يدركون بأننا نتمنى أن يبقوا ونحن من يرحل، لا يعرفون أننا نموت ونحيا معهم في كل عارض صحي أو نفسي أو اجتماعي أو أي خطر يحدق بحياتهم.
أطفالنا الصغار يكبرون أمام أعيننا ولا نزال نحس بأنهم لا يزالون صغارا حتى وإن تغيرت ملامحهم، رائحتهم القديمة، وتفاصيل مراحل أعمارهم لا تزول من أنوفنا، حتى وإن بلغوا من العمر ما بلغوا، بل تظل أشياؤهم معنا تتجدد كنهر يتدفق كل صباح ومساء ولا ينبض إلا عندما تجف ينابيع الحياة في أجسادنا التي ستبلى مع الزمن.