يعرف كل مَنْ له علاقة بالجراح بكل أنواعها أن تطهيرها هو الخطوة الأولى في شفائها، يستوي في هذا الأمر الفردُ والجماعات والأنظمة والدول، ومن المعروف المكرور أن تجاوز الجراح الدامية وتوهم الشفاء منها بخطوة واحد تقفز فوق أسبابها عبث طبي وسياسي وتنظيمي فضلا عن الخُلقي، فماذا حينما تخطو المأساة المصرية المزلزلة التي تكاد تكون غير مسبوقة تاريخيا -إن لم تكن كذلك بالفعل- عامها الحادي عشر دون أمل في خط نهاية لها أو مجرد أفق له؟!
تعودنا منذ 3 تموز/ يوليو 2013م على تناول الأعداء بألسنة حداد، استفضنا في مكر الليل والنهار الذي دبروه ورتبوه لنا، وكيف ألجأونا إلى الحائط وجعلونا بلا رؤية أو سائق أو حتى دليل، فأبادوا آلاف الشهداء -أو الذين نحسبهم كذلك ونرجو الله لهم الرحمة- فضلا عن سجن نيف وستين ألفا من خيرة العقول والقدرات وإصابة أضعافهم، فإذا زدنا تردي أحوال الوطن وغرقه في ديون خارجية وداخلية تضاعفت مرات عما كانت عليه منذ بدأت تلك السنوات، وكذلك التناقص في مياه النيل للثلث على الأقل، وتراجع مكانة مصر والأمة للخلف مئات السنوات الذي أدى لمأساة غزة التي تمثل سُبَّة في تاريخ البشرية لا الأمة فحسب، سنعلم إلى أي حد أدى تدهور الأحوال بداية من مصر.
لم تُفقْ أمة ولا حركة أو جماعة أو فصيل من أزماتها بالتمني ووأد محاولة كل مُراجع لها مشيرٍ إلى جراحها، فإن كان العدو يمكر بنا فإن هذه هي مهمته الرئيسية وسر وجوده في الحياة، وإن كنا نراه يتفنن في تعذيبنا وإيلامنا بشر ما تقترف يداه ومن قبل عقله، فإنه ليرى في الخير الذي نريد تقديمه للبشرية إفناء له وضررا أكثر يصيبه مما يتسبب لنا فيها
لم تُفقْ أمة ولا حركة أو جماعة أو فصيل من أزماتها بالتمني ووأد محاولة كل مُراجع لها مشيرٍ إلى جراحها، فإن كان العدو يمكر بنا فإن هذه هي مهمته الرئيسية وسر وجوده في الحياة، وإن كنا نراه يتفنن في تعذيبنا وإيلامنا بشر ما تقترف يداه ومن قبل عقله، فإنه ليرى في الخير الذي نريد تقديمه للبشرية إفناء له وضررا أكثر يصيبه مما يتسبب لنا فيها.
وهكذا هي الحياة والأمور منذ خلقها الله وإلا لوأد -سبحانه- إبليسَ قبل أن يأذن لآدم بالوجود؛ ولكننا نحب -إلا القليل من الصادقين- تعليق مآسينا على "شماعات" نُبرّئ بها أنفسنا، نسبُّ أعداءنا ونلعنهم ليلا ونهارا ونصمهم بالغدر والخيانة، نقيس أفعالهم على مقاييس خلقية ودينية نتفنن في تبديلها وتعديلها كما تهوى أنفسنا لا كما هي الحقائق، وإلا فمن متطلبات الشريعة والحياة أن نلتفت لمقومات وجودنا فنعمد لحفظها جيدا بالتفكير والتدبر في مراد الأعداء وتفويت الفرص عليهم، لا أن نترك أنفسنا للاتكال وضعيف الأفعال والتحالفات الظاهرية المريرة مع العدو الأمريكي الرسمي ليسمح لنا بالحكم في دولة مركزية له ولمصالحه وأطماعه بل وجوده كمصر؛ دون أن تكون لدينا قدرة ولا دراية ولا دربة ولا حتى مجرد تعقل وموازنة فيما نحن مقبلون عليه، وإنما نكتفي بمقولات معلبة للأسف المرير وليتنا كنا عندها؛ من آن أوان التمكين قد آن وحان وفق نظرية وضعها رجل مخلص شريف لكن الله توفاه إليه على يد طرف من شرار خلقه منذ أكثر من 60 عاما، فإذا كانت الأمور أمام أعيننا بالغة الإظلام ارتكنا إلى أن الله مطّلع وشاهد ومدبر لكونه لن يسمح لنا بالهزيمة، ويا لها من اتكالية لم يسمح الله بوجودها حتى مع أحب الخلق إليه سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- فلما تواكل بعض صحابته وبوجود رسوله وآخرين لم يقصّروا؛ أتت الهزيمة.
ثم هل من المفترض أن نسعى في الخير بالتمني والتأنق والتألق في التخيل وينتظر أعداؤنا حتى نسحقهم ونبيدهم وهم صامتون مطمئنون؟ فإذا كادوا ودبّروا لنا أمعنّا في النواح والعويل على أننا مجرد "ضحايا" لم تترك لهم الفرصة ليتألّوا ويحكموا وينيروا دروب الحضارة وصدق أحمد شوقي -رحمه الله -:
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
إذا كنا نعمل -إلا القليل النادر- من باب الثقة لا الكفاءة، ونستبعد الرأي الآخر، ولا ننصف المظلوم فينا، ولا نحب مراقبتنا ماديا في الإجمال، ونظن أنفسنا مميزين فوق الآخرين، ونتعامل بالمحبة ولو على حساب العدل، ونترك التدرج التنظيمي يعمل فينا عمل القيادة في جميع مجالات الحياة ولا نتذكر أنه حتى المصطفى العظيم قال لصحابته في حادث تلقيح النخيل: "أنت أعلم بشئون دنياكم".. فأنى لنا أن نساوي أعداءنا ومن ثم ننصف -لاحقا- بلدنا وأمتنا؟!
وهو البيت الذي كانت تتغنى به السيدة الراحلة أم كلثوم في زمن الهزائم وفترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في بعض حفلاتها الممتدة حتى الفجر؛ وهي تظن أنها والنظام الحاكم يحاربان العدو النائم حتى يتمكن من الاستيقاظ مبكرا والعمل لإلحاق مزيد من الهزائم بنا.
فإذا كنا كمقاومة سلمية مصرية تعرف باسم المعارضة أصابنا ما أصاب المجتمع بوجه عام، فأصبحنا نجيد الكلام والبكاء على اللبن المسكوب ووصم الأعداء بكل نقيصة على طريقة الرئيس الراحل محمد حسني مبارك: "نحن لم نحارب في 67 وإنما انتظرنا هجوم العدو من جهة فبادرنا من الأخرى"، وإذا كنا نعتقد "مثله" أن العدو من أخشاب كـ"دون كيشوت" مصنوع أو مُعد خصيصا لنهزمه، وإذا لم تكن مقولة الفاروق عمر -رضي الله عنه- تتحقق فينا: "لستُ بالخب ولكن الخب لا يخدعني"، وإذا كنا نعمل -إلا القليل النادر- من باب الثقة لا الكفاءة، ونستبعد الرأي الآخر، ولا ننصف المظلوم فينا، ولا نحب مراقبتنا ماديا في الإجمال، ونظن أنفسنا مميزين فوق الآخرين، ونتعامل بالمحبة ولو على حساب العدل، ونترك التدرج التنظيمي يعمل فينا عمل القيادة في جميع مجالات الحياة ولا نتذكر أنه حتى المصطفى العظيم قال لصحابته في حادث تلقيح النخيل: "أنت أعلم بشئون دنياكم".. فأنى لنا أن نساوي أعداءنا ومن ثم ننصف -لاحقا- بلدنا وأمتنا؟!
ولعل للحديث بقية ما دام في العمر بقية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصرية المعارضة مصر المعارضة الفساد التغيير أزمات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
الحوثي: العدو يفتقر إلى المعنويات وبات يستعين بأطباء نفسيين لرفع روح معنويات جنوده
الجديد برس| خاص|
أكد عضو المجلس السياسي الأعلى في صنعاء محمد علي الحوثي، أن التحركات الأمريكية والبريطانية في اليمن تعكس مطامع استعمارية قديمة وجديدة، مشيرًا إلى أن هذه القوى “لا تزال تحلم بالعودة إلى اليمن” رغم طردها في الماضي.
وفي حوار مع قناة المسيرة، التابعة لحركة أنصار الله، قال الحوثي: “اليوم الوضع مختلف تمامًا، فقد أصبح لدى اليمن تكنولوجيا متقدمة وصواريخ، منها الفرط صوتي، إلى جانب قدرات عسكرية تمكنها من استهداف البحر الأبيض المتوسط، المحيط الهندي، البحر العربي وبحر عدن”.
وأضاف: “رغم الظروف الصعبة التي بدأنا بها عام 2004 دون تدريب أو تسليح، إلا أننا واجهنا بقوة التحرك الثقافي الذي أسسه الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي. واليوم بفضل الله والتحرك الجهادي، أصبحنا نمتلك إمكانات كبيرة ولن نخاف مهما كانت التحديات”.
وتطرق الحوثي إلى ضعف الجانب المعنوي لدى القوات الأمريكية، خاصة على متن حاملة الطائرات “أيزنهاور”، موضحًا أن “العدو يفتقر إلى المعنويات حتى إنهم باتوا يستعينون بأطباء نفسيين لرفع الروح المعنوية لجنودهم”.
واختتم الحوثي تصريحاته بالتأكيد على أن “الإمكانات المادية لدى الأعداء ليست الأهم، بل إن الجانب المعنوي والإيماني للفرد وللقيادة وللمقاتل اليمني هي التي تصنع الفرق”.