مركبة أوديسيوس الأميركية تحط على سطح القمر.. بعد انقطاع لأكثر من 50 عاما
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
حققت مركبة الهبوط القمرية "أوديسيوس" هبوطا ناجحا على سطح القمر في الساعات الأولى من يوم الجمعة 23 فبراير/شباط الجاري بتوقيت مكّة المكرمة، وذلك بعد انقطاع بعثات الهبوط الأميركية عن القمر لأكثر من 50 عاما.
ويمثّل هذا الإنجاز كذلك تمكن أوّل مركبة تجارية من الهبوط على سطح القمر، بعد فشل محاولة الهبوط السابقة في الشهر الماضي، وتُعد الرحلة ضمن سياق مهام الشحن التي تعتمدها وكالة الفضاء الأميركية ناسا ضمن برنامجها الجديد.
ما هي مركبة الهبوط القمرية أوديسيوس؟
تمثل مركبة الهبوط القمرية أوديسيوس الملقبة بـ "أودي"، أول مركبة أميركية تهبط على سطح القمر منذ رحلة "أبولو 17" في عام 1972. وصُممت المركبة بواسطة شركة "إنتيوتيف ماشينز"، وهي مجموعة تجارية للمهمات القمرية. وتُعد أوديسيوس جزءا من خطّة أوسع تهدف إلى توصيل حمولات وشحنات صغيرة إلى سطح القمر خلال الفترة القادمة.
وفي سياق البعثات الفضائية، يُقصد بـ"الحمولة" المكونات المسؤولة عن تحقيق الأهداف الأساسية للمهمة، مثل الأجهزة العلمية أو معدات الاتصالات أو أي معدات متخصصة أخرى.
وصَممت الشركة مركبة الهبوط القمرية على نمط "نوفا سي"، لتكون بحجم كابينة الهاتف البريطانية بأرجل مرفقة. وتشير ناسا إلى أنّ مركبة أوديسيوس أقرب لشكل المنشور السداسي بطول 4 أمتار وعرض 1.57 متر. ويصل وزن الحمولة المرسلة نحو 100 كيلوغرام.
ووفقا لبيان لوكالة الفضاء ناسا، فإنّها تستهدف إرسال الحمولات المعنيّة باختبار تقنيات الاتصال والتنقل والهبوط الدقيق، وجمع البيانات العلمية حول تفاعل عادم الصواريخ مع تربة القمر، بالإضافة إلى دراسة الطقس في الفضاء والتفاعلات التي تحدث على سطح القمر وتؤثر في علم الفلك الراديوي "الإشعاعي".
وفي إطار برنامج "خدمات الحمولة القمرية التجارية" التابع لوكالة الفضاء، وقّعت الشركة المصنّعة عقدا بقيمة 118 مليون دولار لإنهاء هذه المهمة لغرض استكشاف بيئة القمر عند أحد قطبيه.
وأشار جويل كيرنز نائب المدير المساعد للاستكشاف في مديرية المهام العلمية التابعة لناسا، في حديث مع الجزيرة أنّ هذه المهمة أقرب لأن تكون خدمة توصيل بضائع، إذ تعمل ناسا عميلا يدفع للشركة المصنّعة للقيام بالمهام المطلوبة من إدراة المهمة وتصميم مركبة الهبوط وشراء الصاروخ وإنشاء أنظمة الاتصالات، ومن ثمّ استرجاع البيانات الضرورية من القمر إلى الأرض.
وإلى جانب الأدوات العلمية ثمّة بعض المنتجات الفنيّة، كما يتضح بأنّ الفنان الأميركي جيف كونز ساهم بصندوق يحتوي على 125 كرة صغيرة من الفولاذ المقاوم للصدأ تمثل مختلف أطوار القمر خلال الشهر، وتعقّب الشركة المصنّعة إنتيوتيف ماشينز على أنّ هذا العمل يخلّد الإنجازات السابقة ويلهم الأجيال القادمة.
تفاصيل رحلة الهبوطفي 15 فبراير/شباط أُطلقت مركبة أوديسيوس من مركز كينيدي للفضاء التابع لناسا في فلوريدا بواسطة صاروخ "فالكون 9" التابع لشركة "سبيس إكس"، وحقق الصاروخ سرعات قصوى تجاوزت 40 ألف كيلومتر في الساعة ليجع المركبة الفضائية في مدار حول الأرض. وبعد 48 دقيقة من لحظة الإقلاع، استنفد الصاروخ وقوده كاملا وانفصل عن المركبة ليعود أدراجه إلى الأرض، بينما انطلقت مركبة الهبوط القمرية مبتعدة وعلى متنها خريطة خاصة لتوجيهها في الفضاء.
وبعد رحلة استمرت لحوالي 400 ألف كيلومتر، شرعت المركبة الفضائية بعملية الهبوط التي استغرقت 73 دقيقة. وأشار الرئيس التنفيذي للشركة المصنّعة ستيفن ألتيموس إلى أنّ احتمالية نجاح المهمة تصل إلى 80% تقريبا.
وكان قد اتضح للمراقبين طوال المهمة أنّ ثمة عقبة تقنية كبيرة تهدد إنهاء المهمة على وجه سليم، ففي الساعات التي سبقت الهبوط، تعطّل نظام الملاحة بالليزر في المركبة وفقا لما ذكرته وكالة "أسوشيتد برس"، ونتيجة لذلك اضطر الفريق المتحكّم بعملية الطيران للجوء إلى نظام ليزر تجريبي تابع لوكالة ناسا على متن المركبة، وهو نظام الملاحة "دوبلر ليدار". وتطلّب هذا التغيير الطارئ إضافة رحلة مدارية أخرى حول القمر لتحقيق الاستجابة السريعة في اللحظات الأخيرة.
ويقول براسون ديساي نائب المدير المساعد لمديرية مهمة تكنولوجيا الفضاء التابعة لناسا: "لقد وضعنا جهاز الملاحة دوبلر ليدار كعرضٍ تقني، ولم نكن فعليا نخطط لاستخدامه في المهمة، ولكننا اضطررنا لاستخدامه، وهو في الأساس النظام الأساسي للمساعدة على توفير معلومات تتعلّق بالسرعة والارتفاع عن السطح".
وبعد تحقيق هبوط ناجح، لم تكن تصل أي إشارة من مركبة الهبوط القمرية أديسيوس في اللحظات الأولى. وزاد الأمر سوءا مع مرور بضع دقائق، حتى أثيرت بعض المخاوف إزاء حالة المركبة الفضائية. ولكن في غضون ساعتين، استجابت مركبة أديسيوس مع طاقم إدارة المهمة، وبدأت بإرسال بعض الصور إلى الأرض من القمر.
"We can confirm without a doubt our equipment is on the surface of the Moon and we are transmitting," said flight director Tim Crain after controllers detected a weak signal from Odysseus' high gain antenna. We are awaiting an update on the condition of the spacecraft. pic.twitter.com/mFoPpM8k7a
— Spaceflight Now (@SpaceflightNow) February 23, 2024
(لحظة إعلان نجاح المهمة وبدء عملية البث الحي لسطح القمر)
ونظرا لاعتمادها على الألواح الشمسية، فإنه من المقرر أن تعمل المركبة الفضائية يوميا حتى غروب الشمس من سطح القمر. وخلال فترة الليل ستدخل المركبة في وضع السكون للحفاظ على طاقتها.
ما الذي يمكن أن تحققه أديسيوس؟لم تتكفّل مركبة أديسيوس بإرسال الحمولات إلى القمر فحسب، بل كلّفت أيضا بتقييم البيئة القمرية، وخاصة في القطب الجنوبي للقمر حيث نقطة الهبوط، واستعدادا لمهمة ناسا المأهولة المقررة في سبتمبر/أيلول 2026 والمعروفة بمهمة "أرتميس 3".
وتصبّ وكالة ناسا جلّ اهتمامها بالمنطقة القطبية الجنوبية بسبب وفرة الجليد المائي فيها، وهو ما يدفعها إلى تكثيف بعثاتها العلمية لدراسة مدى وفرة المياه الموجودة، وجمع بيانات إضافية لفهم كافة التفاصيل المتعلّقة ببناء أولى المستعمرات البشرية على سطح القمر، ولتكون لاحقا نقطة انطلاق للبعثات الفضائية نحو المريخ.
وشددت سو ليدرير العالمة بمشروع خدمات الحمولة القمرية التجارية في مركز جونسون الفضائي في هيوستن، خلال مؤتمر صحفي، على أهمية استكشاف القمر استعدادا لرحلات أرتميس القادمة، مشيرة إلى أنّ الهدف الأساسي هنا هو استكشاف القمر وتهيئته لاستقبال بعثات أرتميس.
وبالإضافة إلى ذلك، سلطت ليدرير الضوء على طموح ناسا لتعزيز مفهوم "الاقتصاد القمري"، إذ تسعى الوكالة لبناء سوق تتنافس فيه الشركات المملوكة للقطاع الخاص لتكون جزءا من رحلات الفضاء مستقبلا.
واحتفاء بهذا الإنجاز، شارك المدير العام لوكالة ناسا بيل نيلسون عبر منشور على منصة إكس بالقول: "اليوم، ولأول مرة منذ أكثر من نصف قرن، تعود الولايات المتحدة إلى القمر. اليوم هو اليوم الذي تظهر فيه قوة الشراكات التجارية مع ناسا. يا له من انتصار للبشرية".
وشوهِد في الآونة الأخيرة زيادة ملحوظة في جهود استكشاف القمر على مستوى العالم، فقد نجحت الهند واليابان في إنزال مسبارين على سطح القمر خلال العام الماضي، في حين أنّ الصين لديها مركبات جوّالة على سطح القمر منذ أكثر من 10 سنوات.
وبعد نجاح مهمة أوديسيوس، من المتوقع أن تكون المركبة الفضائية التالية المقرر إرسالها إلى القمر هي "تشانغ 6" الصينية وفقا لما أعلنته إدراة الفضاء الوطنية الصينية، وإذا ما سارت الأمور وفقا للمخطط فستجري الرحلة في مايو/أيار هذا العام.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: مرکبة الهبوط القمریة المرکبة الفضائیة على سطح القمر ل مرکبة
إقرأ أيضاً:
ترامب يغزو أعالي البحار بحثا عن المعادن المهمة ويغضب الصين.. ما القصة؟
أثار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فتح باب التعدين، في أعماق البحار، وخاصة المياه الدولية، غضب الصين، ووصفت الأمر بالانتهاك للقانون الدولي.
ولجأ ترامب إلى توقيع مرسوم، بالتنقيب خارج مياه الأمم المتحدة، والتي يعد العمل فيها من صلاحية السلطة الدولية لقاع البحر، المختصة بتنظيم أعمال التنقيب في المناطق الخارجة عن سيطرة أي دولة حول العالم.
ما الذي يريده ترامب ؟
يسعى ترامب من وراء قراره، إلى جميع مليار طن من المواد والمعادن النادرة، على مدى عشر سنوات من التنقيب في أعالي البحار وقيعانها، مستغلا عدم عضوية واشنطن في المنطقة والقدرات والإمكانيات التي يملكها، فضلا عن عدم حاجته إلى توقيع اتفاقيات مع أحد، كما يجري مع أوكرانيا.
وتقدر إدارة ترامب أن التعدين في أعماق البحار قد يستحدث 100 ألف وظيفة ويضيف 300 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة على مدى عشر سنوات.
كما تسعى الولايات المتحدة إلى التفوق على الصين، في قطاع التعدين والبحث عن المعادن النادرة، التي تدخل في العديد من الصناعات الدقيقة.
هذا ما سيستخرجه من البحار
يركز ترامب في قراره، على استخرج العقيدات المتعددة المعادن، وهي نوع من الصحى متواجد في قاع البحر، وغنية بالمعاد مثل المنغنيز والنيكل والكوبالت والنحاس ومعادن نادرة أخرى.
تتمتع هذه المعادن، بخصائص مغناطيسية، تمتلك أهمية كبرى في المركبات الكهربائية والألواح الشمسية، والهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة.
ما الذي يعنيه حصول أمريكا على هذه المعادن؟
استخراج هذه المعادن من قبل الولايات المتحدة بصورة مباشرة، يعني أنها ستستغني عن الكثير سلاسل الإمداد الاستراتيجية، سواء من الصين أو روسيا أو دول أفريقية تتواجد بها.
كما سيوفر عليها، مصدرا مجانيا بعيدا عن الدخول في نزاعات والحاجة إلى دول من خصومها مثل الصين وروسيا، للحصول على المعادن الهامة، لتصنيع البطاريات الكهربائية الثورة العالمية الجديدة في عالم الصناعات، فضلا عن الألواح الشمسية والأسلحة المتطورة والشرائح الإلكترونية الدقيقة.
غضب صيني
المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية غوو جياكون قال خلال مؤتمر صحفي، إن موافقة الولايات المتحدة على نشاطات التنقيب عن المعادن واستغلالها، على ما يسمى بالجرف القاري الخارجي، تنتهك القانون الدولي وتضر بمصالح المجتمع الدولي ككل.
ما الذي نعرفه عن "سلطة قاع البحر"؟
السلطة الدولية لقاع البحر، منظمة دولية، أنشئت بموجب اتفاقية الأمم المتحدة، لقانون البحار، لعام 1982، ومقرها كينغستون في جامايكا، وتقوم صلاحياتها على تنظيم كافة شؤون الاستكشاف واستغلال الموارد المعدنية في قاع البحر، والمحيطات خارج حدود الولاية الوطنية لأي دولة أو ما يطلق عليه "المنطقة".
أعضاء المنظمة
تتألف المنظمة من كافة الدول المصدقة على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، لعام 1982، وحتى نيسان/أبريل 2025، يبلغ عددا الأعضاء 168 دولة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي.
والأعضاء هم كافة الدول العربية، باستثناء سوريا والإمارات، وغالبية دول أمريكا اللاتينية، وغالبية الدول الأفريقية، ودول آسيا الكبرى، وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا والسويد، فضلا عن الاتحاد الأوروبي كهيئة، ودول أوقيانونسيا.
أمريكا ليست عضوا في الاتفاقية.. لماذا؟
رغم أن الاتفاقية عرضت على الولايات المتحدة منذ عام 1982، ومررت إلى الكونغرس، لكن جرى رفض التصديق عليها والانضمام لها بشكل رسمي، باعتبارها تقيد السيادة البحرية لأمريكا.
كما ترفض الولايات المتحدة، إخضاع أنشطتها البحرية، مثل التنقيب في أعماق البحارن أو مرور السفن الحربية، لأي نوع من الرقابة أو التنظيم الدولة، خاصة لسلطة قاع البحر.
وعلى غرار سياستها بشكل عام، يؤدي الانضمام للاتفاقية، إلى إلزام أمريكا، بنظام دولي دائم، قد يستخدم في لحظة من اللحظات ضد مصالحها الاقتصادية أو الأمنية، ولذلك تتحلل من هذه الاتفاقية وترفض الانضمام إليها، كذلك تتخوف من أن تجبر على الامتثال لأحكام محكمة قانون البحار الدولية.
كما تنص الاتفاقية على أن موارد قاع البحار، خارج حدود الدول، تعتبر تراثا مشتركا للبشرية، وينبغي تقاسم الفوائد مع الدول النامية، وشكل أشبه بإعادة توزيع دولية للثروة وهو ما يتعارض مع السياسة الاقتصادية لأمريكا ومصالح شركاتها.
توزيع المساحات البحرية
بحسب القانون الدولي للبحار، تتوزع المساحات البحرية للدول، ودرجة السيادة، وفقا لدرجات سواء بسيادة كاملة، أو كمنطقة اقتصادية أو الملكية المشتركة.
✅ المياه الإقليمية، تتمتع الدول فيها بسيادة كاملة على مياهها، وتمتد حتى 12 ميلا بحريا، من خط الساحل للدولة، بما فيها سماء المنطقة البحرية.
✅ المنطقة الاقتصادية، فتمتد حتى 200 ميل بحري من خط الساحل للدول، وهي مساحة لا تقع ضمن سيادة الدولة الكاملة، لكن فيها حقوقا اقتصادية، مثل الثروات الطبيعة كالنفط والغاز، والأسماك، والملاحة والمرور الجوي كحق مكفول لكافة الدول.
✅ أعالي البحار، هي المنطقة التي تلي الـ 200 ميل بحري للدول، وهي مناطق لا سيادة فيها لأي دولة، وفيها حرية الملاحة والصيد والبحث العلمي بصورة مشتركة وفقا للقانون الدولي لكافة البشر، وتنظم كافة أعمال استغلال الموارد الطبيعية فيها من خلال السلطة الدولية لقاع البحر.