«المتحدة» تخصص ميزانية ضخمة لإنتاج «الحشاشين».. وكريم عبد العزيز يجسّد المعلم الأول لتنظيم الإخوان
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
بمجرد عرض "40" ثانية، هو زمن «برومو مسلسل الحشاشين»، على شاشات الفضائيات، اتسعت الأحداق، وانفتحت الأفواه دهشة وانبهاراً باللقطات، والكادرات، التي لا نبالغ في تشبيهها بالملحمة الدرامية الأمريكية الشهيرة "صراع العروش " Game Of Thrones"، من روعة القلاع القديمة، وفخامة الديكورات، والملابس التي حملت المشاهدين معها إلى أغوار سحيقة من تاريخ مثير للشغف، لم يعشه أحد من قبل، وربما لم يقرأ عنه إلا أقل القليل.
ثارت في رؤوسنا عشرات الأسئلة، حول المسلسل المقرر عرضه في رمضان، بقيادة المخرج بيتر ميمي، ويتصدر بطولته نجم بحجم كريم عبد العزيز، في مغامرة كبرى هي الأولى في تاريخ "كريم" المرصّع بالرومانسية وخفة الظل وأدوار البطل الطيب المنقذ، ها هو يتحوّل "180" درجة، ويصبح زعيم أكبر فرقة دينية نسجت الأساطير حول جرائم القتل والاغتيالات التي مارستها بدم بارد، تحت مسميات مختلفة، ليجسد "حسن بن الصباح"، الذي اختلف حوله المؤرخون في الشرق والغرب، ولكنه بقي "السيئ في روايات الجميع"، الزعيم السفاح الذي ظهر في القرن "11م"، واتخذ من الدعوة لمذهبه "الإسماعيلي" بداية للتمرد على سلطة الدولة، وتنفيذ عمليات اغتيالات، والتباهي بنقش أسماء الضحايا على ألواح تذكارية!
نسج النص الدرامي، السيناريست والكاتب الكبير عبد الرحيم كمال، صاحب روائع "جزيرة غمام، الخواجة عبد القادر، أهو ده اللي صار"، ولا نخفي إشفاقنا عليه، فالحِمل ثقيل، والروايات تحتاج سنوات لهضمها، وعشرات الزوايا طرحها مستشرقون وكتّاب تاريخ لا نعرف نواياهم، سردوا توليفة من الأحداث المتشابكة ذات الحبكات المربكة لأعتى كتاب السيناريو، ولكن "مربط الفرس" معلوم للجميع، زعيم الحشاشين الذي صال وجال من بلاد فارس (إيران)، مروراً بالعراق وسوريا وفلسطين، وصولاً إلى مصر، وحياته بالقاهرة والإسكندرية، واشتباكاته مع العديد من قادة هذه الدول، انتهاء باستقراره في قلعة "الموت" في إيران، حيث عاش هناك ما يزيد على "30" عاماً، حتى قضى نحبه (وقيل إن التتار قتلوه بأيدي زعيمهم هولاكو).
كان "حسن بن الصباح" أسطورة تتحاكى بها كتب التاريخ التي سطرها الرحالة الأجانب، أمثال ماركو بولو، وبرنارد لويس، وبارتوليميه هيربولت، وسلفستر دي ساسي، أو الفرس أمثال الأصفهاني ورشيد والجويني، واستلهم العراب أحمد خالد توفيق من أحداثها الدموية روايته "قلعة السفاحين"، وهو ما ظهر في أول لقطة بـ"البرومو": (كريم يفتح باباً للنيران المستعرة، ويقف معطياً ظهره للكاميرا)، في دلالة واضحة على سير أحداث المسلسل الذي يتناول ملحمة تاريخية لم تتطرق لها الدراما المصرية من قبل، وتعتبر تجربة رائدة لشركة "المتحدة"، بتخصيص مئات الملايين كميزانية هي الأضخم في تاريخ الدراما، بسبب تكاليف الديكورات والملابس التاريخية (التي كانت سبباً رئيسياً في هروب صناع الدراما في السنوات الأخيرة).
يستعرض "الحشاشين" تفاصيل تمزج الواقع بالخيال، لفئة متمردة، قادها "حسن الصباح"، مجنداً أتباعه من "الخارجين عن الملة والقانون"، يأتمرون بأوامره، ويرتكبون أبشع جرائم القتل، تحت راية "الجهاد المقدس"، وتباينت الروايات بين "مزاعم تبرير القتل بالاستشهاد"، أو "الترغيب بالجنة التي بنى لها نموذجاً أرضياً بالقلعة"، أو "تقديم مخدر الحشيش والقنب الهندي لضمان الطاعة العمياء"، وبرغم اختلاف المؤرخين حول استخدام هذه الوسائل، إلا أنهم اتفقوا جميعاً على أن أتباع "الحشاشين" كان يربطهم "الولاء المطلق للزعيم"، كأول وأقوى تنظيم سري اتخذ من الدين ستاراً لتنفيذ الاغتيالات ضد قادة السلاجقة والفاطميين والعباسيين والأيوبيين، وأشهرهم محاولة اغتيال صلاح الدين الأيوبي، واغتيال عدد من الأمراء "الكاثوليك"، مما كان "مصدر إلهام" لـ"حسن البنا"، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، بعدهم بقرون، لدرجة أن الشيخ سيد قطب، كان يمازح ابن شقيقته الإخوانى أحمد محمد موسى، دائماً بقوله: "ماذا فعل بكم حسن الصباح وجماعته الحشاشون؟"، فكلاهما (الإخوان والحشاشون) قاما في بداية الحركة برفع لواء الدفاع عن الدين، ضد الدولة (الغاشمة من وجهة نظرهما)، اعتماداً على ضم أتباع "صم بكم عمي لا يفقهون إلا أوامر القائد الملهم"، وشيئاً فشيئاً فاضت بحار من دماء المسلمين، لأسباب تتعلق بالسلطة والنفوذ، بأيدي الميليشيات المسلحة.
اعتمد الحشاشون (والإخوان) على سياسة المراوغة في تنفيذ الاغتيالات وتصفية الخصوم السياسيين، وفي الوقت الذي كان حسن الصباح ينتمي للطائفة الإسماعيلية الشيعية، كان حسن البنا يروج للشيعة (ولكن في الخفاء)، لدرجة أن نواب صفوي (رئيس منظمة فدائيان إسلام التي اشتهرت بتنفيذ الاغتيالات) قال، مطلع الخمسينيات: "من أراد أن يكون جعفرياً حقيقياً، فلينضم لصفوف الإخوان المسلمين"، ومن المعروف أن الجعفرية هي المذهب الشيعي الإثنى عشري.
لا شك أننا تابعنا، في حقبة حكم الإخوان، الطاعة العمياء، والقسم بـ"دين الإخوان"، وفي كتاب "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم"، قال "ابن الجوزي" إن رسول السلطان "ملك شاه" السلجوقي، ذهب لأمير الحشاشين، الذي طلب من أحد أتباعه أن "يقتل نفسه" أمام الرسول، فـ"دبّ السكين في قلبه ليخرّ ميتاً"، ثم طلب من آخر أن يلقي بنفسه من شرفة القلعة، ففعلها، وهوى من قمة الجبل، وسط ذهول رسول السلطان، ليلتفت له زعيم الحشاشين قائلاً: "أخبر سلطانك أن عندي من هؤلاء عشرين ألفًا هذا حدّ طاعتهم لي".
وتذكر بعض الروايات، أن أحد كبار "الحشاشين"، كان يدعى "الطائر عمر بن لا أحد"، وهو الاسم الذي ذكّرنا، من جديد، بإحدى حلقات المسلسل الأمريكي الأشهر "صراع العروش/ Game Of Thrones"، وكانت بعنوان "لا أحد/No One"، تناولت قصة انضمام إحدى بطلات المسلسل (آريا ستارك)، لتنظيم سري قاتل يطلق عليه "لا أحد"!!
وحتى لو لم يكن مصطلح "الحشاشين" ذا علاقة بمخدر الحشيش، واشتقاقه من "ASSASSIN"، أو القتلة باللغة الإنجليزية، إلا أنها تظل الفرقة الإسلامية الأكثر جدلاً في التاريخ، ومثار إلهام الأدباء، خصوصاً أميرهم "حسن الصباح"، الملقب بـ"شيخ الجبل"، أو "سيدنا"، الذي بث الرعب في القلوب، وألهب خيال صناع السينما في "هوليوود"، عام 2010، بفيلم " Prince of Persia: The Sands of Time "، وجسد الممثل الأيسلندي Gísli Örn Garðarsson، دور حسن الصباح، وبعدها تناول طائفة الحشاشين فيلم "Assassin's Creed"، في 2016، لتأتي الملحمة التركية "نهضة السلاجقة العظمى"، في 2020، إذ جسد الممثل "جوركان أويجون"، دور الصباح، وبعد أن أبدى كل من طارق لطفي وباسم سمرة، أمانيهم لتجسيد الدور، ها هو النجم كريم عبد العزيز يطل في "الحشاشين 2024"، والذي سبق أن طرح "برومو" للمسلسل "من عرض البحر"، يحاول النجاة من الغرق، وهو يردد: "اطمّن.. مفيش ألم.. مفيش موت.. فيه طيران أسرع من البرق لروحك.. من هنا للجنة.. أنا صاحب مفتاح الجنة.. أنا حسن بن الصباح"!
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الحشاشين المتحدة تنظيم الإخوان كريم عبد العزيز مسلسل الحشاشين حسن الصباح
إقرأ أيضاً:
معهد أمريكي: ما الذي يمكن أن يخلفه سقوط الأسد من تأثير مباشر على اليمن؟ (ترجمة خاصة)
سلط معهد أمريكي الضوء على الانقسام في ردود الفعل باليمن جراء سقوط نظام بشار الأسد في دمشق على يد قوات المعارضة السورية في الثامن من ديسمبر الجاري.
وقال "المعهد الأمريكي للسلام" في تحليل للخبيرة في شؤون الخليج واليمن أبريل لونجلي ألي ترجمه للعربية "الموقع بوست" إن الحكومة اليمنية، رحبت بسقوط نظام الأسد، وهنأت الشعب السوري على عودته إلى الحضن العربي ورفضه "الوصاية الأجنبية الإيرانية". وأعلن رئيس المجلس الرئاسي القيادي رشاد العليمي أن الوقت قد حان لإيران "لرفع يدها عن اليمن".
وأضاف "من ناحية أخرى، دعمت جماعة أنصار الله (المعروفة شعبيا باسم الحوثيين) نظام الأسد منذ فترة طويلة، ومن المتوقع أن يكون لها وجهة نظر مختلفة. ففي خطاب عاطفي في الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول، حاول زعيمهم عبد الملك الحوثي إعادة تركيز الاهتمام على غزة ، مؤكدا دفاع الحوثيين الثابت عن فلسطين، في حين وصف التطورات في سوريا وأماكن أخرى بأنها مؤامرة أمريكية إسرائيلية لإضعاف المنطقة.
وتابع "لكن من غير الواضح ما إذا كان سقوط نظام الأسد سيخلف أي تأثير مباشر على اليمن. وعلى مستوى الصورة الكبيرة، فإن الضربة التي تلقتها إيران تخلق تصوراً بأن الحوثيين معرضون للخطر".
وأوضح "نتيجة لهذا، يستغل أنصار الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً الفرصة للقول بأن الوقت قد حان الآن لضرب الحديد وهو ساخن ضد ما يبدو بشكل متزايد وكأنه العقدة الشاذة في محور المقاومة قبل أن يصبح أكثر تهديداً".
وقال ومع ذلك، فمن غير الواضح ما إذا كانت دعواتهم ستُقابل بالعمل. فالحكومة منقسمة وستحتاج إلى دعم عسكري لاستئناف القتال الذي توقف إلى حد كبير منذ الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة في عام 2022".
وأردف التحليل "لا تريد المملكة العربية السعودية ولا الإمارات العربية المتحدة العودة إلى الحرب، والموقف السياسي للإدارة الأمريكية الجديدة غير مؤكد. وهناك أيضًا فرصة لأن تحول إسرائيل انتباهها نحو اليمن، خاصة في ظل استمرار هجمات الحوثيين على الأراضي الإسرائيلية".
وترى الخبيرة ألي أن تصور الحوثيين لنقاط ضعفهم غير واضح أيضاً. فحتى الآن، كانوا يضاعفون هجماتهم على إسرائيل ــ التي أكسبتهم شعبية في الداخل ولكنها ألحقت أضراراً محدودة بتل أبيب ــ والسفن في البحر الأحمر، في حين صعدوا من خطابهم ضد الولايات المتحدة.
وقالت "ربما يرى البعض في الجماعة أن التطورات الإقليمية تشكل فرصة وحتى التزاماً بمحاولة تأكيد دور قيادي في محور المقاومة والأهم من ذلك قضية معارضة إسرائيل والنفوذ الغربي في المنطقة، ولو أن هذه الطموحات سوف تتشكل وفقاً لاستعداد إيران لمواصلة المساعدة".
وزادت "ربما يرى آخرون سبباً لمحاولة جني المكاسب التي تحققت في أقرب وقت ممكن وإعادة تركيز الاهتمام على اتفاق السلام في اليمن".