سودانايل:
2024-11-22@10:24:58 GMT

كيف انهارت الدولة القديمة؟

تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT

إسماعيل عبد الله
تتعدد الأسماء والدولة واحده، دولة ست وخمسين، السودان القديم، دولة النخبة الفاشلة، دولة المركز، جميعها مصطلحات طرأت على الواقع السياسي منذ قيام دولة ما بعد الخروج الآمن للمستعمر، وقد أرخ بعض المهتمين بالمشهد السوداني لبدايات تشكل هذه الدولة بمؤتمر الخريجين (مؤتمر الأفندية) – الصفوة، وآخرون أرخوا لها بموعد الغزو التركي - المصري للسودان، الذي جاء على صهوة جواد محمد علي باشا حاكم مصر، فالشاهد في الموضوع أن السودان لم يشعر بالتعافي منذ ما يقرب القرنان من الزمان، برغم حدوث الثورة الكبرى التي هزمت امبراطورية الحكم العثماني – الإسلامي – وأسست للدولة الوطنية الأولى القصيرة الأجل، التي سرعان ما كسر شوكتها الغزو البريطاني، الذي قضى نصف القرن وهو جاثم على جسد الوطن، ثم خرج مطمئناً ورهن البلاد لحفنة من أفندية حديثي التخرج من مدرسة غردون باشا التذكارية، فحلت الفوضى الدستورية، وطفح كيل التكالب العسكري على السلطة المدنية، وضرب السودان مثالاً بارعاً في عدد الانقلابات العسكرية المرتكبة بحق حكوماته المدنية والشرعية، التي كان آخرها انقلاب الجبهة الإسلامية – الاخوان المسلمين، الذي انتج حكومات متتالية على مدى خمسة وثلاثين عاماً لم تهتم لأمر التنمية، بل صوبت كل جهدها وبددت طاقاتها في سبيل تحقيق أجندة واهمة ومشروع (حضاري) هلامي، لم نقرأ عنه كتيب واحد من خمس صفحات حتى لحظة اندلاق هذا الحبر، فوصول جهابذة التيارات الإسلامية المتطرفة لسدة الحكم، كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر بعير الدولة السودانية، وذلك لأن المشروع الإسلاموي الوهمي ولكي يتم تطبيقه، بالضرورة هو بحاجة لوصول الفئة المتطرفة لقصر الحكم.


لم تنعم الدولة القديمة بالاستقرار السياسي لكون برنامجها بني على باطل، وهو السباحة عكس تيار الوجدان الغالب لأهل السودان، وهو وجدان متعدد الروافد، التصوف والتسامح والتراث المحلي من كجور وطقوس كوشية، زحفت مع زحف الشعوب البانية لحضارة وادي النيل من نوير وشلك ودينكا ونوبة، لا يمكن لأي بارع في علوم التنبؤ والكشف الصوفي أن يصل للمحصلة المأساوية التي نحن بصددها اليوم، ألا وهي تصفير عداد الدولة القديمة وانهيارها الكامل بين طرفة عين وانتباهتها، فتاريخ منتصف أبريل الماضي سيذكره المؤرخون بتركيز واهتمام كبيرين، ذلك لأنه حدد مصير الدولة القديمة، وأكد على حتمية انهيارها وزوالها، وقد كان، ولكل عاقل وقارئ لابد وأن يتوصل لحقيقة أن فوضى الدولة القديمة، لابد وأن تصطدم بالرغبة الجماهيرية العاتية والعارمة، التي بانت ووضحت في إعصار ثورة ديسمبر المجيدة والمجدية، ذلك التسونامي الذي أرغم أنوف المغرورين من سدنة معبد كهنوت الجبهة الإسلامية – الاخوان المسلمين، وجعلهم يخرجون من عاصمة البلاد مقهورين نازحين بما تبقى من أجهزتهم الحكومية لميناء السودان الأول، والسؤال الذي نحن بصدده اليوم هو: من كان يحلم بمجرد إخراج رموز التطرف والإرهاب الإخواني من (المنشية)؟، ناهيك عن أن يكون إخراجهم من مركز الحكم الذي يحوي المطارين المدني والحربي الرئيسيين، والمصنعين الحربيين الأساسيين (اليرموك وجياد)، ومقار الأسلحة الذكية، هذه الانهيارات تعتبر بدايات شاخصة لنهايات الدولة القديمة، وهي شبيهة باستسلام حاميات الحكم التركي لمحمد أحمد المهدي حامية بعد أخرى.
خلافاً للدعاية المسمومة التي يبثها الفاشلون، فإنّ هنالك واقع مؤلم للمؤسسة العسكرية، وتحد لها سافر لم تشهده منذ أن كانت تحت مسمى قوة دفاع السودان، فإنّ العالم يشهد على خروج الخرطوم (العاصمة المثلثة) عن يد الجنرالات العسكريين الذين يدينون بالولاء لتنظيم الاخوان المسلمين، وهذا الواقع لم يحدث حتى للكنغو عندما دخلها لوران كابيلا، وبمقياس المعارك التي تدور رحاها في محيط العواصم، تعتبر معركة الخامس عشر من أبريل مخالفة لجميع الظواهر الحربية، ومجافية للتكتيكات العسكرية في إفريقيا، إذ أن الزحف المنادي بالحرية والديمقراطية وسيادة الحكم المدني، قد التف حول المعتدين من أنصار وحلفاء ومرتزقة و(فلاقنة) الدولة القديمة، ولقنهم الدرس تلو الدرس، حتى لاذوا بالكذب ليكون لهم نصير وظهير، دون أن ينتبهوا لقول المولى عز وجل:(أفلا يقرؤون القرآن أم على قلوب أقفالها)، وأن كيد الشيطان كان ضعيفا، وأن الفلاح ليس في الاعتداء على الصائمين القائمين الليل، ولا في قصف النائمين صباح يوم أغر من أيام الشهر الفضيل – (المدينة الرياضية وطيبة)، وإنما يكمن في درء الفتنة وعدم الانسياق وراء نوازع النفس المجبولة على حب الدنيا وكراهية الآخرة، وهذه المخالفات الأخلاقية جميعها تصب في مصلحة من تم الاعتداء عليهم وليس لصالح المُعتدي (بكسر الدال)، وعلى هذا السياق فقس، وقد أخبرنا العالم بن خلدون بأن انهيار الدولة يسبقه تفشي الظواهر السالبة والشخصيات الباهتة، الكتبة الزائفون والقوالون والأفاكون والكذابون، وما أكثرهم اليوم؟.

إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
26فبراير2024  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدولة القدیمة

إقرأ أيضاً:

الإمارات تقدم 30 ألف سلة غذائية لإغاثة اللاجئين السودانيين في أوغندا

قدّمت دولة الإمارات 30 ألف سلة غذائية لدعم اللاجئين السودانيين في مخيم كيرياندونغو بأوغندا. وتأتي هذه الخطوة - التي تستهدف مد يد العون لقرابة 100 ألف شخص – في إطار المرحلة الثانية ‏من المساعدات الإنسانية الإماراتية الموجّهة للاجئين السودانيين التي شُرع في تنفيذها مطلع شهر أبريل الماضي.
وشهد عملية توزيع المساعدات سعادة عبدالله حسن الشامسي ‏سفير دولة الإمارات لدى أوغندا وعدد من كبار المسؤولين في الحكومة الأوغندية وقادة المجتمعات ‏الأهلية المحلية في المنطقة الذين ثمّنوا الجهود الإماراتية في دعم اللاجئين السودانيين.
وأكد الشامسي على أهمية التضامن الدولي في أوقات الأزمات، مشيراً إلى النهج الراسخ لدولة الإمارات وفق توجيهات القيادة الرشيدة وتنفيذاً لأوامر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة 'حفظه الله' في دعم الشعوب المتضررة من الأزمات والكوارث دون تمييز، والتزامها بالعمل مع الشركاء الدوليين لبناء قدرات الحكومات والشعوب حول العالم.
وأوضح الشامس، أنّ هذه المساعدات تأتي ضمن تعهد دولة الإمارات لدعم الجهود الإنسانية في السودان الذي أُعلن خلال المؤتمر الدولي الإنساني بشأن السودان الذي انعقد في العاصمة الفرنسية باريس بقيمة 100 مليون دولار أمريكي، معرباً عن أمله في أن توفّر هذه الإغاثة الغذائية الدعم المنشود للأسر السودانية المتأثرة أطفالاً ونساءً ورجالاً، وأكد على أنّ دولة الإمارات ستواصل دعم الأشقاء في السودان – وفي دول الجوار بما في ذلك أوغندا – حتى استعادة السلام في وطنهم.
من جهته، أشاد بالام بياروهاغارا وزير الدولة للشباب وشؤون الأطفال الأوغندي بالدعم المقدّم من دولة الإمارات، وقال إنّ 'هذه المساهمة السخية تعد امتداداً للمبادرات الإماراتية المستمرة في العمل الإنساني والتنموي المعززة للجهود الدولية للحد من معاناة اللاجئين في عدد من الدول المستضيفة لهم مثل ‏أوغندا'.
يُذكر أن المساعدات الإماراتية تشمل خطة مستقبلية لتنفيذ مشاريع تنموية إضافية مثل حفر 8 آبار مياه وتشييد 16 مرفقاً صحياً في منطقة مخيم كيرياندونغو بهدف تحسين الظروف المعيشية للاجئين السودانيين.

مقالات مشابهة

  • ما الدول التي يواجه فيها نتنياهو وغالانت خطر الاعتقال وما تبعات القرار الأخرى؟
  • حسن الجوار… مبدأ وسياسة
  • بعد قرار الجنائية الدولة باعتقال نتنياهو وجالانت.. هل يمكن إيقاف الحكم ؟
  • إدارة التوحش من داعش إلیٰ مليشيا آل دقلو!!
  • وزير الاستثمار: الحكومة تعمل على إزالة التحديات التي يواجها مجتمع الأعمال
  • الإمارات تقدم 30 ألف سلة غذائية لإغاثة اللاجئين السودانيين في أوغندا
  • الإمارات تعزز الدعم الإغاثي للاجئين السودانيين في أوغندا
  • وزير الميزانية: الحكومة تمدد دعم الأسر المتضررة من زلزال الحوز 5 أشهر إضافية
  • بيان حول: إفشال إصدار قرار أممي ضد دولة السودان
  • أشهر ألعاب الكمبيوتر القديمة التي لا تزال تلاقي شعبية في 2024