إسماعيل عبد الله
تتعدد الأسماء والدولة واحده، دولة ست وخمسين، السودان القديم، دولة النخبة الفاشلة، دولة المركز، جميعها مصطلحات طرأت على الواقع السياسي منذ قيام دولة ما بعد الخروج الآمن للمستعمر، وقد أرخ بعض المهتمين بالمشهد السوداني لبدايات تشكل هذه الدولة بمؤتمر الخريجين (مؤتمر الأفندية) – الصفوة، وآخرون أرخوا لها بموعد الغزو التركي - المصري للسودان، الذي جاء على صهوة جواد محمد علي باشا حاكم مصر، فالشاهد في الموضوع أن السودان لم يشعر بالتعافي منذ ما يقرب القرنان من الزمان، برغم حدوث الثورة الكبرى التي هزمت امبراطورية الحكم العثماني – الإسلامي – وأسست للدولة الوطنية الأولى القصيرة الأجل، التي سرعان ما كسر شوكتها الغزو البريطاني، الذي قضى نصف القرن وهو جاثم على جسد الوطن، ثم خرج مطمئناً ورهن البلاد لحفنة من أفندية حديثي التخرج من مدرسة غردون باشا التذكارية، فحلت الفوضى الدستورية، وطفح كيل التكالب العسكري على السلطة المدنية، وضرب السودان مثالاً بارعاً في عدد الانقلابات العسكرية المرتكبة بحق حكوماته المدنية والشرعية، التي كان آخرها انقلاب الجبهة الإسلامية – الاخوان المسلمين، الذي انتج حكومات متتالية على مدى خمسة وثلاثين عاماً لم تهتم لأمر التنمية، بل صوبت كل جهدها وبددت طاقاتها في سبيل تحقيق أجندة واهمة ومشروع (حضاري) هلامي، لم نقرأ عنه كتيب واحد من خمس صفحات حتى لحظة اندلاق هذا الحبر، فوصول جهابذة التيارات الإسلامية المتطرفة لسدة الحكم، كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر بعير الدولة السودانية، وذلك لأن المشروع الإسلاموي الوهمي ولكي يتم تطبيقه، بالضرورة هو بحاجة لوصول الفئة المتطرفة لقصر الحكم.
لم تنعم الدولة القديمة بالاستقرار السياسي لكون برنامجها بني على باطل، وهو السباحة عكس تيار الوجدان الغالب لأهل السودان، وهو وجدان متعدد الروافد، التصوف والتسامح والتراث المحلي من كجور وطقوس كوشية، زحفت مع زحف الشعوب البانية لحضارة وادي النيل من نوير وشلك ودينكا ونوبة، لا يمكن لأي بارع في علوم التنبؤ والكشف الصوفي أن يصل للمحصلة المأساوية التي نحن بصددها اليوم، ألا وهي تصفير عداد الدولة القديمة وانهيارها الكامل بين طرفة عين وانتباهتها، فتاريخ منتصف أبريل الماضي سيذكره المؤرخون بتركيز واهتمام كبيرين، ذلك لأنه حدد مصير الدولة القديمة، وأكد على حتمية انهيارها وزوالها، وقد كان، ولكل عاقل وقارئ لابد وأن يتوصل لحقيقة أن فوضى الدولة القديمة، لابد وأن تصطدم بالرغبة الجماهيرية العاتية والعارمة، التي بانت ووضحت في إعصار ثورة ديسمبر المجيدة والمجدية، ذلك التسونامي الذي أرغم أنوف المغرورين من سدنة معبد كهنوت الجبهة الإسلامية – الاخوان المسلمين، وجعلهم يخرجون من عاصمة البلاد مقهورين نازحين بما تبقى من أجهزتهم الحكومية لميناء السودان الأول، والسؤال الذي نحن بصدده اليوم هو: من كان يحلم بمجرد إخراج رموز التطرف والإرهاب الإخواني من (المنشية)؟، ناهيك عن أن يكون إخراجهم من مركز الحكم الذي يحوي المطارين المدني والحربي الرئيسيين، والمصنعين الحربيين الأساسيين (اليرموك وجياد)، ومقار الأسلحة الذكية، هذه الانهيارات تعتبر بدايات شاخصة لنهايات الدولة القديمة، وهي شبيهة باستسلام حاميات الحكم التركي لمحمد أحمد المهدي حامية بعد أخرى.
خلافاً للدعاية المسمومة التي يبثها الفاشلون، فإنّ هنالك واقع مؤلم للمؤسسة العسكرية، وتحد لها سافر لم تشهده منذ أن كانت تحت مسمى قوة دفاع السودان، فإنّ العالم يشهد على خروج الخرطوم (العاصمة المثلثة) عن يد الجنرالات العسكريين الذين يدينون بالولاء لتنظيم الاخوان المسلمين، وهذا الواقع لم يحدث حتى للكنغو عندما دخلها لوران كابيلا، وبمقياس المعارك التي تدور رحاها في محيط العواصم، تعتبر معركة الخامس عشر من أبريل مخالفة لجميع الظواهر الحربية، ومجافية للتكتيكات العسكرية في إفريقيا، إذ أن الزحف المنادي بالحرية والديمقراطية وسيادة الحكم المدني، قد التف حول المعتدين من أنصار وحلفاء ومرتزقة و(فلاقنة) الدولة القديمة، ولقنهم الدرس تلو الدرس، حتى لاذوا بالكذب ليكون لهم نصير وظهير، دون أن ينتبهوا لقول المولى عز وجل:(أفلا يقرؤون القرآن أم على قلوب أقفالها)، وأن كيد الشيطان كان ضعيفا، وأن الفلاح ليس في الاعتداء على الصائمين القائمين الليل، ولا في قصف النائمين صباح يوم أغر من أيام الشهر الفضيل – (المدينة الرياضية وطيبة)، وإنما يكمن في درء الفتنة وعدم الانسياق وراء نوازع النفس المجبولة على حب الدنيا وكراهية الآخرة، وهذه المخالفات الأخلاقية جميعها تصب في مصلحة من تم الاعتداء عليهم وليس لصالح المُعتدي (بكسر الدال)، وعلى هذا السياق فقس، وقد أخبرنا العالم بن خلدون بأن انهيار الدولة يسبقه تفشي الظواهر السالبة والشخصيات الباهتة، الكتبة الزائفون والقوالون والأفاكون والكذابون، وما أكثرهم اليوم؟.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
26فبراير2024
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدولة القدیمة
إقرأ أيضاً:
التأكيد على استثناء الجامعات والكليات التي ليس لها إدارة ومركز لاستخراج الشهادات داخل السودان من القبول القادم
قام بروفيسور محمد حسن دهب وزير التعليم العالي والبحث العلمي يرافقه عدد من قيادات الوزارة بزيارة إلى ولايتي كسلا والقضارف للوقوف ميدانياً على وضع الجامعات في الولايتين والتأكد من استمرارية الدراسة وتنفيذ المشروعات المستقبلية،
وبدأت الزيارة بولاية القضارف، حيث اجتمع الوزير بالإدارة العليا لجامعة القضارف بحضور والي الولاية الفريق ركن محمد أحمد حسن أحمد وعدد من اعضاء لجنة أمن الولاية ومدير الجامعة بروفيسور ابتسام الطيب الجاك وعدد من المسؤولين المحليين.
وخلال اللقاء، اطمأن الوزير على سير الدراسة وخطط الجامعة المستقبلية، مشيداً بدور حكومة الولاية في دعم الجامعة ومساندتها لمواصلة الدراسة وتنفيذ مشروعاتها التي تهدف إلى تطوير البنية التحتية للجامعة، وأكد الوزير أن زيارته تأتي للتأكد من أن الجامعة تعمل بكفاءة عالية في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، مؤكدًا على أهمية التعاون بين الجامعة والحكومة لتحقيق الاستقرار الأكاديمي والتطوير المستمر.
وأكمل الوزير زيارته إلى ولاية كسلا، حيث وصل إلى مطار كسلا برفقة عدد من مديري الإدارات العليا بالوزارة وكان في استقباله نائب والي الولاية، عمر عثمان آدم، ومدير جامعة كسلا بروفيسور أماني عبد المعروف بشير، ووزير التربية والتعليم بالولاية، ماهر الحسين، إضافة إلى عدد من أعضاء هيئة التدريس والعمداء بالجامعة.
واستهل الوزير زيارته بعقد اجتماع مع لجنة عمداء الجامعة وخلال الاجتماع، تم التأكيد على استقرار الجامعة وإسهاماتها في تعزيز التعليم العالي في المنطقة، كما تم تسليط الضوء على أهمية إرسال رسائل إيجابية إلى المجتمع المحلي والدولي، تؤكد أن السودان قادر على مواصلة نشاطه الأكاديمي والبحثي رغم الحرب.
هذا وتأتي هذه الزيارات في إطار الجهود المستمرة لدعم التعليم العالي والبحث العلمي والتأكيد على أن السودان لا يزال يسعى للارتقاء والتقدم رغم التحديات.
وفي اجتماعه بمديري ومنسقي الجامعات والكليات الأهلية والخاصة المستضافة بجامعة كسلا، أكد بروفيسور دهب حرص وزارته على مستقبل الطلاب، في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وأشاد بالجهود المبذولة من قِبَلْ إدارات هذه الجامعات والكليات في تهيئة البيئة الدراسية وتحقيق الاستقرار الأكاديمي مؤكداً أن الجامعات والكليات المستضافة والتي ليس لها إدارة ومركز لاستخراج الشهادات داخل السودان لن يفتح لها باب القبول العام القادم.
سونا