تركيا تساوم العراق بالمياه وبغداد تبحث عن حلّ مع قسد
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
بغداد اليوم - بغداد
قال عضو مجلس النواب ثائر الجبوري، اليوم الاثنين (26 شباط 2024)، إن تركيا تساوم بغداد بشأن ملف المياه، فيما أشار الى أن قوات سوريا الديمقراطية تقطع أغلب الكميات القادمة من المياه باتجاه العراق في سوريا.
وأوضح الجبوري لـ"بغداد اليوم"، إن "ازمة المياه مع تركيا لاتزال قائمة وهي تحمل في جعبتها مطالب عدة تريد من خلالها مساومة بغداد خاصة حيال خلق شراكة اقتصادية ودفع شركاتها ليكون لها حيزًا كبيرًا في المشاريع وخاصة طريق التنمية العراقي الذي سينطلق قريبا بمشاركة شركات عالمية معروفة".
واضاف، ان" انقرة قللت بالفعل الحصة المائية للعراق من اجل اهداف اقتصادية"، لافتا الى ان "الدبلوماسية هي خيار بغداد والتي نرى بانها ستاخذ مجالًا اوسع خاصة اذا ما تشكل المجلس الأعلى للمياه في بغداد والذي بات مطلبًا ضروريًا من اجل وضع خارطة طريق شاملة لحل الاشكالية ليس مع انقرة فحسب بل دول اخرى".
واشار الجبوري الى ان "ازمة بغداد في ملف المياه لاتنحصر في تركيا بل الملف يزداد تعقيدا مع نهر الفرات مع قطع قسد اغلب الكميات القادمة من سوريا باتجاه المناطق الغربية"، مبينا إن "قسد غير مرتبطة بالحكومة السورية ما يستدعي مفاوضات تحافظ على حقوق بغداد في المياه وضمان وصول حصة عادلة".
وشهد كانون الثاني الماضي اتصالات متتالية مع تركيا، منها مكالمة هاتفية بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ناقشا فيها تأمين حصة العراق من مياه نهري دجلة والفرات.
ويعاني العراق للعام الثالث على التوالي من انخفاض في الأمطار ومستوى الأنهار؛ ما تسبب في تداعيات كارثية، منها تراجع المحاصيل الزراعية، حسب استبيان صادر عن منظمّة "المجلس النرويجي للاجئين" غير الحكومية.
وفق الاستبيان، الذي شمل 1341 عائلة من خمس محافظات، منها الأنبار غربا، والبصرة جنوبا، ونينوى شمالا، فإمكانية وصول 61 بالمئة من العائلات إلى مياه الشرب والاستخدامات اليومية تناقصت، وقالت واحدة من بين كل خمس عائلات إن المياه نفدت لديها تماما، وباتت مرغمة على مياه نوعيتها متدنية.
وأجبر الجفاف ربع الأسر على الاعتماد على المساعدات الغذائية بعد نقص المحاصيل، كما أجبر 35 بالمئة من العائلات على تخفيض استهلاكها الغذائي.
المصدر: وكالة بغداد اليوم
إقرأ أيضاً:
أحمد ياسر يكتب: مثلث التوترات (إسرائيل - سوريا - تركيا)
الرسالة واضحة: إسرائيل لا تريد تركيا كجار في سوريا ما بعد الحرب
ما يحدث في سوريا ليس مجرد إعادة تشكيل للديناميكيات الداخلية للبلاد، بل يكشف عن صراع أعمق في الرؤى بين تركيا وإسرائيل، وجهات النظر متباعدة للغاية في تصورهما لمستقبل سوريا.
بينما تدعو إسرائيل إلى هيكل فيدرالي مجزأ يُعلي من شأن الأقليات مثل الأكراد والدروز، تدعم تركيا دولة سورية موحدة بحكومة مركزية قوية، قادرة على السعي لتحقيق أجندة شاملة لجميع مواطنيها.
فكرة دعم تركيا لسوريا موحدة تعدي الإجراءات الدبلوماسية الشكلية، بل يمثل ضرورة استراتيجية واضحة، فمع تبني الحكومة الانتقالية نهجًا أكثر شمولية تجاه الأقليات، رفضت إسرائيل هذه المبادرات إلى حد كبير، وصوّرت نفسها على أنها "الوصي الفعلي" على جماعات مثل الأكراد والدروز.
في ظل هذه الخلفية، تُمثل خطوات المصالحة الأخيرة بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تهيمن عليها وحدات حماية الشعب والنظام السوري نقطة تحول مهمة، فرغم ترددها الظاهر، إلا أن هذه الخطوة كانت ضرورة استراتيجية لقوات سوريا الديمقراطية في ضوء الانسحاب الأمريكي من سوريا. والأهم من ذلك هو انحياز حزب العمال الكردستاني الواضح لدعوة أوجلان لنزع سلاحه، مما قد يُشير إلى بداية النهاية لصراع لطالما أثقل كاهل تركيا.
مع تزايد الاستقرار وتحسن المشهد الأمني، تهدف تركيا إلى تدريب جيش البلاد المُعاد هيكلته، مُشيرةً إلى موقف استباقي ضد أي عودة لداعش أو تهديدات مماثلة، لكن بالنسبة لإسرائيل، يُعد وجود تركيا الديناميكية والحازمة في الجوار تطورًا غير مرغوب فيه.
قد يُفسر هذا سبب استهداف الغارات الجوية الإسرائيلية - التي يُزعم أنها تستهدف بقايا ذخائر النظام - مؤخرًا للطرق والبنية التحتية بالقرب من قاعدة T4 الجوية، حيث تخطط تركيا لإقامة وجود عسكري.
مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن تركيا أيضًا لا ترغب في رؤية إسرائيل المُزعزعة للاستقرار تُوسّع نطاق وجودها العسكري في المنطقة، لم يكن الاتفاق على إنشاء قاعدة عسكرية بالقرب من مطار T4 عملًا إكراهيًا، بل كان نتاجًا لموافقة متبادلة بين أنقرة والإدارة السورية الجديدة.
بالنسبة لإسرائيل، لا يزال شعار "التهديد الأمني" المألوف يُشكّل درعًا مناسبًا لسياساتها التوسعية، فمن احتلالها طويل الأمد لمرتفعات الجولان إلى ضرباتها المتواصلة خارج الحدود، استخدمت إسرائيل لغة إدراك التهديد لتبرير الوضع الراهن الذي يُشبه بشكل متزايد تجاوزًا استراتيجيًا.
من جانبها، تبدو الولايات المتحدة حذرة من التصعيد، قبل توليه منصبه بوقت طويل، حذّر دونالد ترامب من توريط أمريكا في صراع آخر في الشرق الأوسط.
وقد تجلى هذا الحذر جليًا خلال اجتماع متوتر بشكل واضح مع نتنياهو في البيت الأبيض، وقد كشفت الأجواء التي تلت الاجتماع عن كل شيء: رئيس وزراء إسرائيلي كئيب، مُحبط من إحجام واشنطن عن إعطاء الضوء الأخضر لجبهة أخرى.
تُمثّل المحادثات الأخيرة بين المسؤولين الأتراك والإسرائيليين في أذربيجان خطوة دبلوماسية حاسمة - خطوة صُممت لتجنب صدام مباشر في سوريا، ويكمن في جوهر أي اختراق محتمل مبدأ بسيط: الاعتراف المتبادل بشرعية الإدارة السورية الجديدة وتخفيف العقوبات، فدون هذا الأساس، يبقى كل شيء مجرد هراء.
بالنسبة لأنقرة، الطريق إلى الأمام واضح.. فقد عززت بالفعل اعترافها الدبلوماسي، وبنت علاقات مؤسسية، وأقامت شراكة أمنية متجذرة في الاستقرار الإقليمي.
لا تحتاج تركيا إلى بذل المزيد من الجهد، فقد قامت بالفعل بالجزء الأكبر من العمل، ويبدو أن واشنطن توافق على ذلك، فقد أقرّ المسؤولون الأمريكيون صراحةً بأن أي خارطة طريق جادة بشأن سوريا تمر عبر أنقرة.
لا يزال الانزعاج قائمًا في واشنطن، وخاصةً بين صانعي السياسات في عهد ترامب، إزاء إدراج أفراد يصفونهم بـ "الجهاديين السابقين" في الحكومة الانتقالية السورية… لكن هذه التسميات تبدو جوفاء، وهي صادرة عن مؤسسة سياسية لطالما دعمت الإرهابيين والجهات الفاعلة العنيفة، بدءًا من عملاء مناهضي كاسترو وقوات الكونترا في نيكاراغوا، وصولًا إلى لوس بيبس في كولومبيا ووحدات حماية الشعب في سوريا.
ولا يمكن للخطاب أن يخفي نفاق الاستناد الانتقائي إلى المعايير الأخلاقية عندما يخدم ذلك المصالح الجيوسياسية.
في الوقت الحالي، تُقدم القنوات الدبلوماسية المفتوحة إشارة مُطمئنة: إن المواجهة العسكرية المباشرة بين تركيا وإسرائيل ليست وشيكة… لكن صمود هذا الضبط يعتمد على تل أبيب أكثر منه على أنقرة.
إذا كان من المُحتمل أن يُحوّل أي طرف الوضع نحو التصعيد، فهو "إسرائيل"، بتاريخها الحافل بالسياسات التوسعية والاستفزازات بدافع الاحتلال.
في غضون ذلك، ترسم تركيا مسارًا مختلفًا - مسارًا يهدف إلى الاستقرار ومكافحة الإرهاب وإعادة الاندماج الإقليمي، لكن خطوطها الحمراء واضحة، إذا بدأ عدم الاستقرار في سوريا بالتصاعد مرة أخرى، وخاصةً من قِبل جهات تُقوّض البنية الأمنية لتركيا، فلن تبقى أنقرة مكتوفة الأيدي.