أعلنت الصين أرسال أسطول حربي إلى منطقة البحر الأحمر، بعد ما تسببت هجمات الحوثيين على سفن الشحن البحري هناك في إضطرابات شديدة في التجارة الدولية. ولم يؤثر كثيرا التحالف الذي شكلته الولايات المتحدة في ردع الحوثيين.

 

وأفادت وكالة الأنباء الصينية الرسمية، أن الأسطول 46 أبحر، السبت 24 من شباط/ فبراير 2024، من ميناء عسكري في مدينة تشانجيانغ الساحلية بمقاطعة قوانغدونغ بجنوب الصين، لتولي مهمة مرافقة وحماية الأسطول 45 قرابة سواحل الصومال.

 

والأسطول 46 الصيني مكون من مدمرة صواريخ موجهة تسمى جياوتسوه وفرقاطة الصواريخ شيويتشانغ وسفينة الإمداد الشامل هونجهو، وسيتولى الأسطول حماية حركة الملاحة في أهم ممر مائي للتجارة العالمية، التي يمر منه أكثر من ثلث حاويات الشحن التجاري، ما يقدر بنحو 40% من التجارية بين قارتي آسيا وأوروبا.

 

مخاوف على الاستثمارات

 

وتتصاعد المخاوف الحقيقية على سلاسل الامداد والتجارة مع استمرار هجمات الحوثيين، وتسعى الصين لحماية مصالحها في هذه المنطقة وفى أفريقيا، حيث ضخت عشرات المليارات من الدولارات في استثمارات في العديد من الدول الأفريقية خاصة المطلة على البحر الأحمر. فبخلاف الممرات التجارية الأخرى، استثمرت الشركات الصينية أكثر من 20 مليار دولار في تلك البلدان، خاصة في مصر والمملكة العربية السعودية، وفقا لمعهد الأبحاث الأمريكي "أميركان إنتربرايز". كما يستورد ثاني أكبر اقتصاد في العالم أكثر من 70% من حاجاته النفطية عبر ذلك الممر.

 

ومن المؤكد أن أمن المنطقة وتأمين مرور السفن في البحر الأحمر وقناة السويس مهمان بالنسبة للصين، إذ أظهرت بيانات نشرتها مجلة "ذي إيكونوميست" أنه قبل كانون الأول/ديسمبر كانت 99% من سفن الحاويات التي تبحر بين أوروبا والصين تمر عبر قناة السويس. لكن بحلول الأسبوع الثاني من كانون الثاني/يناير الماضي، حول أكثر من نصف عدد تلك السفن طريقه إلى رأس الرجاء الصالح، رغم أن الطريق الجديد يضيف حوالي أسبوعين إلى زمن الرحلة ويزيد من تكاليف النقل.

 

يذكر أن الصين رفضت المشاركة في التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة باسم عملية "حارس الازدهار"، لكن في المقابل، ذكرت وسائل إعلام حكومية صينية إن خط الشحن الصيني "Sea Legend" يعرض مرافقة البحرية الصينية لعمليات نقل البضائع عبر البحر الأحمر، حيث تتمتع الصين بخبرة كبيرة في مثل هذه المهام، إذ أنها منذ 2009، تساعد في حماية الشحن التجاري في خليج عدن من هجمات القراصنة الصوماليين.

 

نفوذ لدى إيران

 

وكانت رويترز قد نقلت في وقت سابق أن المسؤولين الصينيين طلبوا بالفعل من نظرائهم الإيرانيين الضغط على الحوثيين لإيقاف هجماتهم على السفن المارة بالبحر الأحمر. ونقلت وكالة الأنباء الصينية عن مسؤول إيراني قوله إن الرسالة الصينية كانت كالتالي "إذا تضررت مصالحنا بأي شكل من الأشكال، فسوف يؤثر ذلك على أعمالنا مع طهران".

 

ونتيجة للتجاذبات السياسية في المنطقة، تحظى الصين بنفوذ ملحوظ لدى إيران، إذ يجمعهما مشاعر الريبة تجاه الولايات المتحدة، لكن وفقا لمراقبين، لن تكون بكين مستعدة لاستخدام نفوذها لدى طهران إلا بما يخدم مصالحها المباشرة، وفي هذه الحالة حرية مرور سفنها عبر البحر الأحمر.

 

ويعتقد بعض المحللون أن الوجود العسكري المتزايد في منطقة البحر الأحمر، قد يزيد من خطورة نشوب صراعات أوسع، إذا ما استمرت إسرائيل في حربها على غزة، أو وسعت نطاق عملياتها البرية لتشمل مدينة رفح الفلسطينية.

 

وشهدت جلسة مجلس الأمن الدولي حول غزة، الأسبوع الماضي، تراشق بين روسيا والصين من جانب والولايات المتحدة الأمريكية من جانب، على خلفية الضربات العسكرية لواشنطن ضد الحوثيين ومدى مشروعيتها وأثرها على استمرار الهجمات في البحر الأحمر.

 

دعا مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، تشانغ جيون، إلى الوقف الفوري للهجوم العسكري الإسرائيلي على مدينة رفح الفلسطينية جنوب غزة، وفى كلمته أمام مجلس الأمن الدولي، الخميس، جدد المبعوث الصيني الدعوة إلى وقف فورى لإطلاق النار في قطاع غزة.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن الصين أمريكا البحر الأحمر صراع البحر الأحمر أکثر من

إقرأ أيضاً:

البحر الأحمر..الخليج الجديد في لعبة النفوذ

منذ أن انطلقت عمليات "عاصفة الحزم" في مارس 2015، كان يُفترض أن تكون عدن هي نقطة التحول الإستراتيجي التي تُعيد رسم خرائط الأمن القومي العربي على ضفاف البحر الأحمر، ذلك البحر الذي ظل طويلا مجرد ممر تجاري في حسابات الدول الكبرى، قبل أن يتحول تدريجياً إلى مسرح مفتوح لتصادم الإرادات، وتنافس المشاريع، واختبار التحالفات.

تحرير عدن في يوليو 2015 لم يكن مجرد انتصار عسكري موضعي، بل كان لحظة نادرة في التاريخ العربي الحديث: لحظة يمكن فيها للعرب، وبقيادة خليجية فاعلة، أن يصنعوا توازنا جديدا في الإقليم، يمنع تمدد إيران، ويغلق الباب أمام مغامرات الإسلام السياسي، ويُعيد للبحر الأحمر موقعه الطبيعي كحزام أمني عربي لا يُسمح باختراقه.

لكن بدلا من تحويل هذا الانتصار إلى نقطة انطلاق نحو إعادة بناء منظومة أمنية عربية فاعلة، دخل الملف في دوامة التشويش، وخضعت الأولويات لمساومات جانبية، وتداخلت الحسابات الإقليمية مع المزايدات الأيديولوجية، وأُفرغت عدن من مدلولها الرمزي والسيادي، ودُفع بالملف اليمني من مساره العربي إلى منطقة التدويل، حيث فقدت العواصم العربية زمام المبادرة، وبدأت القوى الدولية ترسم حدود النفوذ، وتوزّع الأدوار وفق مصالحها لا وفق الضرورات الأمنية للمنطقة.

هنا، ضاعت فرصة تاريخية كان يمكن فيها للعرب أن يفرضوا سرديتهم الخاصة، ويعيدوا تعريف البحر الأحمر بوصفه شأناً عربيا خالصا لا يُخترق إلا بإرادتهم، فلحظة عدن كانت قابلة للتحوّل إلى رافعة لإعادة تشكيل مفهوم الأمن القومي العربي، لكنها أُهملت، بل وأُحبطت بفعل التردد من جهة، والحسابات السياسية الضيقة من جهة أخرى، والمناكفة غير الموضوعية والمراهنة على جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، واعتبارهم امتداداً قبلياً دون النظر إلى توجهاتهم الأيديولوجية أوقع طرفاً عربياً في تقديرات خاطئة ها هو ومعه المنطقة والعالم كاملا يدفع أثمانا باهظة لم يكن أحد في حاجة إلى دفعها لو أنه استحكم العقل والمنطق وقدم أولوية الأمن القومي العربي على المزايدة والرهانات المحكومة بالفشل سلفا.

ومع ذلك، يُحسب للإمارات، وهي أحد أبرز الفاعلين في التحالف العربي، أنها لم تتورط في الفوضى، بل تصرّفت كفاعل عقلاني يُوازن بين ضرورات الأمن والاستقرار وبين تعقيدات الداخل اليمني، فحافظت على مكتسبات تحرير عدن، ولم تفرّط في التوازنات الدقيقة التي تحكم المشهد، ولم تتعامل مع اليمن كحديقة خلفية، بل كفضاء إستراتيجي يرتبط بأمن الخليج والبحر الأحمر معا، بل يمكن القول إنها، حتى اللحظة، هي الطرف الوحيد الذي يتصرف بهدوء، ويعمل على تثبيت معادلات الحضور من دون ضجيج، وبمنطق إستراتيجي يراعي الجغرافيا والتاريخ معا.

فالبحر الأحمر، ببساطة، يتحول اليوم إلى "خليجٍ جديد". خليج لا تُطلق فيه الحروب بالصواريخ فقط، بل بالموانئ، وبالقواعد العسكرية، وبالتحالفات التجارية. من قناة السويس في الشمال إلى مضيق باب المندب في الجنوب، يتشكل خط جيوبوليتيكي أشبه بحزام النار، تمر عبره أكثر من  10 في المئة من تجارة العالم، ويتحكم في رئات الاقتصاد العالمي من الصين حتى أوروبا، هذا البحر، الذي ظل لعقود في الظل، بات الآن في قلب الصراع الدولي على النفوذ، وربما في طليعة الحروب القادمة.

تركيا أعادت التموضع في الصومال، وتسعى إلى موطئ قدم دائم في السودان، إيران وجدت في الحوثيين ذراعا إستراتيجية لتهديد الممرات البحرية، بل وتحويل البحر الأحمر إلى ورقة ضغط دائمة على خصومها، إسرائيل فتحت قنواتها مع السودان وإريتريا ضمن هندسة أمنية قديمة–جديدة، الصين تمتلك قاعدة عسكرية في جيبوتي، وتُراكم استثماراتها في الموانئ الأفريقية ضمن مشروع "الحزام والطريق"، وواشنطن، التي كانت غائبة عن مسرح البحر الأحمر لعقود واقتصر دورها على مكافحة القراصنة الصوماليين منذ تسعينات القرن العشرين، ها هي تحاول الآن بناء تحالف بحري موجه ضد هجمات الحوثيين التي أربكت شريان التجارة العالمية، وفضحت هشاشة المعادلات الراهنة.

كل من هذه القوى يتصرف وفق منطق مصالحه، ويعيد رسم خرائط نفوذه، ويُراكم حضوره العسكري والسياسي والاقتصادي، فيما العرب يراوحون مكانهم، أو يتنافسون على المساحات الصغيرة، ويفرّطون بالمشهد الكبير،  فلا يزال العقل العربي أسير البرّ، وكأن الجغرافيا البحرية ليست امتدادا لأمنه، ولا معبرا حيويا لسيادته.

تاريخيا، ظل العرب ينظرون إلى البحار بوصفها حدوداً لا فضاءات. لم تكن لدينا إستراتيجية بحرية إلا حين استشعرنا الخطر، ولم يكن هناك تعريف للأمن القومي العربي في العصر الحديث إلا بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. عند تلك الحرب، اتخذ الزعيم جمال عبدالناصر قراره بدعم الثوار في عدن، ليتحقق الاستقلال الأول في 30 نوفمبر 1967، وبعدها، شرعت بريطانيا في الجلاء عن مستعمراتها في شرق قناة السويس، ما أسهم في تحقيق معظم البلاد العربية لاستقلالها الوطني.

ما نعيشه بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 هو مأزقٌ في البحر الأحمر. حين وصل التهديد إلى السفن والناقلات، تذكرنا أن لدينا ساحلاً طويلاً، لكنه بلا مظلة أمنية عربية مشتركة، ولا مشروعاً جيوسياسياً قادراً على مقاومة التدويل. ما يحدث في البحر الأحمر اليوم لا يمكن فصله عن مأزق العقل الإستراتيجي العربي، الذي لم يُحسن استثمار لحظات القوة، ولم يُدرك أن السيطرة على البر لا تكتمل إلا بالهيمنة على البحر. هذا ما صنعه المصريون عندما كانوا يقودون العالم العربي، حيث ربطوا أمن باب المندب بقناة السويس، فتحقق أمن واحد من أطول البحار في العالم، وفرض العرب سيادتهم عليه لعقود.

لولا ذلك التشويش الذي صاحب تحرير عدن، لربما كان المشهد اليوم مختلفا: ربما كان هناك تحالف عربي صلب، يمنع تدويل باب المندب، ويضع قواعد اشتباك واضحة ضد أي تمدد إيراني أو تركي أو غيره.

ومع ذلك، فإن الوقت لم يفُت بعد، ما زال ممكنا استعادة زمام المبادرة، لا عبر المغامرات، بل ببناء مشروع عربي واضح في البحر الأحمر، يستند إلى ثوابت الأمن القومي، ويضع خطوطاً حمراء لأيّ تمدد معادٍ، ويُعيد تعريف دور الدول العربية في هذه المنطقة التي تُعاد هندستها على نار هادئة.

البحر الأحمر ليس مجرد ممر ملاحي،  إنه مرآة لمستقبل الإقليم، ومن لا يملك وزناً فيه، لن يملك صوتاً في تحديد مستقبل المنطقة، فليتحدث العرب مع أنفسهم بصراحة ويعيدوا تصويب المسار، فلا يمكن استمرار الرهان على جماعة الإخوان ولا يمكن أن يترك البحر الأحمر ليقرر مصيره الأتراك أو الإيرانيون أو حتى العم سام، فالقرار يجب أن يكون عربياً خالصاً ولا أخلص من الجنوبيين الذين كانوا وسيبقون في عدن لهم أرضهم وبحرهم.

مقالات مشابهة

  • غارة أمريكية تقتل مدنيين في اليمن.. والحوثيون يردون بتكثيف الهجمات البحرية
  • لا يملكون سوى عشرات الصواريخ.. إسرائيل تكشف قدرات «الحوثيين» العسكرية!
  • تقرير إسرائيلي يكشف عدد صواريخ الحوثيين الباليستية
  • إيران تهدد باستهداف قاعدة أمريكية حال تعرضها لهجوم عسكري
  • الصين تحذر الفلبين من تصعيد التوترات في البحر الجنوبي
  • خبير عسكري: اليمن أصبح ساحة حرب رئيسية والضربات تستهدف قادة الحوثيين
  • أسوشيتد برس: العملية الأميركية ضد الحوثيين في عهد ترمب أكثر شمولا
  • ملاك السفن يستعدون للرسوم الأمريكية بتعديل عقود الشحن الصينية
  • البحر الأحمر..الخليج الجديد في لعبة النفوذ
  • خبير: لا يمكن هزيمة الحوثيين عسكريًا والقوة الجوية وحدها غير كافية