رأي: إليك ما هو معرض للخطر إذا لم تعالج شركات التكنولوجيا الكبرى محتوى الذكاء الاصطناعي المخادع
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
تيموثي كار هو مدير في Free Press، منظمة غير حزبية وغير ربحية تدعو إلى نظام إعلامي أكثر عدلاً وديمقراطية. الآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة رأي شبكة CNN.
وافقت 20 منصة تكنولوجية، قبل حوالي أسبوع، على تصنيف وتقليص المعلومات المضللة التي ينتجها الذكاء الاصطناعي والتي يتم نشرها عبر الإنترنت لخداع الناخبين خلال عام انتخابي مزدحم.
وتعهدوا بتقديم "ردود سريعة ومتناسبة" على محتوى الذكاء الاصطناعي المخادع حول الانتخابات، بما في ذلك مشاركة المزيد من المعلومات حول "الطرق التي يمكن للمواطنين من خلالها حماية أنفسهم من التلاعب أو الخداع".
هذا الالتزام الطوعي، الموقع من قبل غوغل، مايكروسوفت، ميتا، "أوبن أيه آي"، تيك توك و"إكس"، تويتر سابقا، من بين شركات أخرى، لا يحظر تمامًا استخدام ما يسمى بخاصية "التزييف العميق" (Deep Fake) - مقاطع فيديو أو مقاطع صوتية زائفة - للمرشحين والقادة وغيرهم من الشخصيات العامة المؤثرة. كما أن المنصات لا توافق على اعادة الفرق الكبيرة التي كانت موجودة لديها لحماية نزاهة الانتخابات في عام 2020. وحتى عند تلك المستويات السابقة، كافحت هذه الفرق لوقف انتشار المعلومات المضللة حول نتيجة الانتخابات، مما ساعد على تأجيج العنف في مبنى الكابيتول الأمريكي بينما كان يستعد الكونغرس للتصديق على فوز الرئيس جو بايدن.
ردًا على ذلك، تعهدت المنصات بوضع توقعات عالية في عام 2024 حول كيفية "إدارة المخاطر الناشئة عن محتوى الذكاء الاصطناعي الخادع المرتبط بالانتخابات"، وفقًا للاتفاقية المشتركة. وستسترشد أعمالهم بعدة مبادئ، بما في ذلك الوقاية والكشف والتقييم والتوعية العامة.
إذا كانت المنصات ترغب في منع تكرار ما حدث في عام 2020، فيتعين عليها أن تفعل المزيد الآن بعد أن أصبح بإمكان التكنولوجيا خداع الناخبين بهذه الصور المطابقة الخادعة التي يمكن تصديقها. وعليهم أن يطابقوا تعهداتهم بأداء أفضل في عام 2024 مع التنفيذ الفعلي وفضح الزيف الذي يمكن توثيقه ومشاركته مع الجمهور، وهو أمر فشلوا في القيام به بأي اتساق في الماضي.
في ديسمبر/كانون الأول، وجدت "فري برس" أنه في الفترة بين نوفمبر/تشرين الثاني 2022 ونوفمبر/تشرين الثاني 2023، قامت "ميتا" و"إكس" و"يوتيوب" بإلغاء ما مجموعه 17 سياسة مهمة عبر منصاتهم. وشمل ذلك التراجع عن سياسات المعلومات الخاطئة المتعلقة بالانتخابات المصممة للحد من محتوى "الأكذوبة الكبيرة" حول تصويت عام 2020. خلال الفترة الزمنية نفسها تقريبًا، قامت شركات غوغل وميتا وإكس مجتمعة بتسريح ما يقرب من 40 ألف موظف، مع حدوث تخفيضات كبيرة في فئات الإشراف على المحتوى والثقة والسلامة. في ذلك الوقت، وصفت المنصات التخفيضات في عدد الموظفين بأنها ضرورية لمواءمة شركاتها مع "واقع اقتصادي مختلف" (غوغل) أو لأن النفقات الرأسمالية السابقة "لم تسر كما هو متوقع" (ميتا).
يؤدي هذا التراجع إلى تعزيز قدر أقل من المساءلة عبر المنصات البارزة، حيث تدير شركات التكنولوجيا ظهرها لسنوات من الأدلة التي تشير إلى الدور الضخم الذي تلعبه في تشكيل الخطاب العام الذي يؤثر على المشاركة المدنية والديمقراطية. ومن المرجح أن يتزايد دورها كقنوات للمعلومات المضللة مع تزايد إتاحة أدوات الذكاء الاصطناعي المتطورة اللازمة لإنشاء صور مزيفة للسياسيين على نطاق أوسع لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي. وبدون قيام المنصات بإنفاذ هذه القواعد بشكل واضح وحتى قواعد أقوى ضد انتشار معلومات مضللة للناخبين، سنواجه المزيد من الجهود عالية التقنية لاختطاف الانتخابات في جميع أنحاء العالم.
إن الأمر يحدث بالفعل. في العام الماضي، في سباق رئاسة بلدية شيكاغو، تم تداول تسجيل صوتي مزيف يهدف إلى تقليد المرشح بول فالاس على "إكس". وادعى التسجيل الصوتي كذبًا أن فالاس كان يدعم عنف الشرطة في المدينة.
وفي نهاية عام 2023، حثت Free Press شركات مثل غوغل وميتا وإكس على تنفيذ مجموعة مفصلة من حواجز الحماية ضد إساءة الاستخدام المتفشية لأدوات الذكاء الاصطناعي خلال عام الانتخابات 2024. ويشمل ذلك إعادة الاستثمار في أناس حقيقيين، وخاصة أولئك اللازمين لحماية الناخبين، والإشراف على المحتوى. ويجب عليها أيضًا أن تصبح أكثر شفافية من خلال تبادل بيانات أساسية بانتظام مع الباحثين والمشرعين والصحفيين.
وفي الوقت نفسه، طالبنا المشرعين بوضع قواعد واضحة ضد إساءة استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، خاصة في ضوء الاستخدام المتزايد للتزييف العميق في الولايات المتحدة وخارجها. يتضمن ذلك إصدار قوانين تتطلب من منصات التكنولوجيا نشر تقارير شفافية منتظمة حول أدوات الفحص والإشراف الخاصة بالذكاء الاصطناعي والكشف عن عملية صنع القرار عند إزالة الإعلانات السياسية المشكوك فيها.
لقد كان هناك الكثير من النشاط حول هذا الموضوع في الكونغرس، بما في ذلك العديد من الإحاطات والمنتديات وجلسات الاستماع، ولم يحقق سوى عدد قليل جدًا من النتائج القابلة للتنفيذ. وقد قدم أعضاء مجلس الشيوخ والنواب العشرات من مشاريع القوانين - بعضها جيد، وبعضها سيئ - ولكن لم يصل أي منها إلى التصويت. وفي الوقت نفسه، تتدخل لجنة التجارة الفيدرالية لملء الفراغ التنظيمي، حيث اقترحت الأسبوع الماضي قاعدة جديدة تجعل من غير القانوني استخدام الذكاء الاصطناعي لانتحال شخصية أي شخص، بما في ذلك المسؤولين المنتخبين. قد تقوم الوكالة بالتصويت على قاعدة جديدة في وقت مبكر من فصل الربيع بعد دعوة ومراجعة التعليقات العامة حول هذه القضية.
مع الاستخدام واسع النطاق للذكاء الاصطناعي، تغير مشهد الإنترنت بشكل كبير منذ عام 2020. ولكن الحقيقة تظل: لا يمكن للديمقراطية أن تستمر من دون مصادر موثوقة للأخبار والمعلومات الدقيقة. بعد تصويت عام 2020، هناك عواقب خطيرة وواقعية عندما تتراجع شركات المنصات عن التزاماتها باستئصال المعلومات المضللة.
ويجب أن تكون التعهدات الطوعية أكثر من مجرد ممارسة للعلاقات العامة. فما لم تعمل الشركات بشكل دائم على استعادة فرق نزاهة الانتخابات وفرض القواعد فعليا ضد إساءة الاستخدام المتفشية لأدوات الذكاء الاصطناعي، فإن الديمقراطية في جميع أنحاء العالم يمكن أن تظل على المحك.
نشر الاثنين، 26 فبراير / شباط 2024تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2024 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی بما فی ذلک فی عام عام 2020
إقرأ أيضاً:
المخاطر الحقيقية في سباق الذكاء الاصطناعي
ترجمة: نهى مصطفى -
يسود في واشنطن وبكين وغرف الاجتماعات حول العالم شعور بأن المنافسة التكنولوجية العالمية أصبحت لعبة محصلتها صفر، وأن بقية القرن الحادي والعشرين ستُصاغ على صورة الفائز. هذا الشعور يغذي سياسات صناعية طموحة، ولوائح احترازية صارمة، واستثمارات تقدر بمليارات الدولارات. وبينما تتسابق الحكومات والقطاع الخاص لتحقيق التفوق في الذكاء الاصطناعي، تظل الرؤية غامضة بشأن ماهية «الفوز» والمكاسب الجيوسياسية التي قد تنتج عن تلك الاستثمارات.
الصراع حول تفوق الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة والصين والقوى المتوسطة وشركات التكنولوجيا الكبرى، هو في جوهره منافسة على من سيحدد شكل النظام العالمي.
بالنسبة للولايات المتحدة، يمثل الذكاء الاصطناعي حدودًا جديدة يجب الحفاظ فيها على هيمنتها التكنولوجية العالمية. وفي هذا السياق، يعمل صانعو السياسات الأمريكيون على استخدام أدوات تنظيمية لعرقلة تطور التكنولوجيا في الصين وضمان البقاء في الطليعة. في المقابل، تسخر الصين قوة الدولة لسد الفجوة التكنولوجية مع الولايات المتحدة.
في الوقت ذاته، تسعى القوى المتوسطة، التي تحاول تفادي الوقوع تحت هيمنة أي من القوتين العظميين، إلى استغلال تطوير الذكاء الاصطناعي لتشكيل عالم متعدد الأقطاب. وبالتوازي، تعمل شركات التكنولوجيا الكبرى، الملتزمة بنشر التكنولوجيا عالميًا من خلال الأسواق المفتوحة، على تعزيز هذا التوجه نحو التعددية.
تؤدي الضوابط التكنولوجية التي تفرضها الولايات المتحدة، وردود الفعل التصعيدية من جانب الصين، إلى خلق تأثير كرة الثلج. ففي سعيها للحفاظ على تفوقها التكنولوجي، تلجأ واشنطن إلى تدابير أكثر عدوانية لعرقلة تطوير الذكاء الاصطناعي في الصين، مما يدفع الصين المحاصرة للبحث عن وسائل ضغط مضادة، بما في ذلك استغلال نقاط التوتر الأمني مثل مضيق تايوان. وفي المقابل، تحاول القوى المتوسطة وشركات التكنولوجيا الكبرى تطوير أنظمة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي بعيدًا عن إطار التنافس بين القوتين العظميين، إلا أنها تواجه خطر الوقوع في مرمى النيران الجيوسياسية المتبادلة. ومع تزايد أهمية سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، فإن المخاطر المرتبطة بشركات التكنولوجيا والقوى العالمية تهدد باندلاع صراعات جيوسياسية أكثر حدة.
تقوم الاستراتيجية الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي على ركيزتين رئيسيتين: الأولى هجومية، حيث تراهن على التفوق الابتكاري الذي يميز التكنولوجيا الأمريكية؛ والثانية دفاعية، عبر فرض ضوابط تكنولوجية صارمة تهدف إلى شلّ قدرة الصين، خصمها الجيوسياسي الأكبر. وتشمل هذه الإجراءات قيودًا على التصدير والاستثمار، مصممة لقطع تدفق السلع ورأس المال والمعرفة التقنية إلى بكين. ترتكز هذه الاستراتيجية على فرضية أن الصين تعاني من تدهور اقتصادي هيكلي، وأن نهجها القائم على الدولة يعيق تطور اقتصادها، الذي بات خاضعًا بالكامل لسيطرة الحزب الشيوعي وأمينه العام شي جين بينج.
في الوقت ذاته، تراهن واشنطن على هيمنة التكنولوجيا الأمريكية وقدرتها التنافسية. تعتمد الولايات المتحدة على افتراض أن حلفاءها وشركاءها، رغم تحفظهم أحيانًا على سياستها الحمائية، سيجدون أنفسهم في النهاية مصطفين مع التكنولوجيا الأمريكية ووعد الابتكار الغربي في مجال الذكاء الاصطناعي، بدلاً من المخاطرة بالتعامل مع الصين وتحمل تبعات العقوبات الأمريكية.
في الواقع، تهيمن الولايات المتحدة على مختلف مستويات صناعة الذكاء الاصطناعي. فمسرعات الذكاء الاصطناعي من «إنفيديا» تعزز قوة الحوسبة بشكل غير مسبوق، مما يدفع عجلة الثورة في هذا المجال. كما توفر شركات الخدمات السحابية الأمريكية، مثل «أمازون ويب سيرفيسز» و«مايكروسوفت أزور» و«منصة جوجل السحابية»، بنية تحتية حاسوبية هائلة. إضافة إلى ذلك، تطور شركات مثل «جوجل» و«ميتا» و«أوبن إيه آي» و«أنثروبيك» و«إكس إيه آي» نماذج أساسية تُستخدم كمرجع لضبط تطبيقات الذكاء الاصطناعي على مستوى عالمي.
تعتمد الولايات المتحدة على قدر كبير من الثقة في انتشار التكنولوجيا الأمريكية وقدرتها التنافسية. وتراهن واشنطن على أن شركاءها، رغم تردد بعضهم في الاصطفاف مع استراتيجيتها الحمائية، سيعتمدون في النهاية على التكنولوجيا الأمريكية ووعد الابتكار الغربي في مجال الذكاء الاصطناعي، بدلاً من المجازفة بالرهان على الصين لسد الفجوة وتحمل خطر العقوبات الأمريكية.
في الواقع، تهيمن التكنولوجيا الأمريكية والملكية الفكرية على كل مستويات صناعة الذكاء الاصطناعي. تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ استثنائي في المرحلة المبكرة من تطوير الذكاء الاصطناعي. تعتمد نماذج الذكاء الاصطناعي واسعة النطاق، خاصة تلك المستخدمة في الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يُنتج محتوى جديدًا بناءً على أنماط مستخلصة من بيانات موجودة، على كميات هائلة من البيانات وقوة حسابية ضخمة.
ومع ذلك، فإن هيمنة التكنولوجيا الأمريكية ليست منيعة. فمع تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي ونشرها على نطاق واسع، قد تتقلص المزايا التنافسية الحالية للولايات المتحدة. يعتمد تطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل أساسي على الوصول إلى كميات هائلة من القوة الحاسوبية والطاقة والبيانات لتدريب النماذج واسعة النطاق، حيث تلعب الرقائق المتقدمة دورًا حيويًا في هذا المجال.
لقد مكّنت الهيمنة الأمريكية على إنتاج هذه الرقائق، من خلال شركات مثل «إنفيديا» و«أيه إم دي»، الحكومة الأمريكية من فرض ضوابط صارمة على التصدير للحد من وصول الصين إلى هذه الموارد الحيوية. تهدف هذه السياسات إلى عرقلة تطوير الذكاء الاصطناعي المحلي في الصين عن طريق قطع إمداداتها من الرقائق المتطورة والمكونات الأساسية لتصنيع أشباه الموصلات المتقدمة.
في هذا السياق، يستثمر المهندسون الصينيون بكثافة من موارد الدولة لتجاوز القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على صناعة الرقائق. وقد بدأ تطوير الذكاء الاصطناعي في التحول من التركيز على تعظيم القوة الحاسوبية لتدريب النماذج واسعة النطاق، إلى تحسين استخدام النماذج المدربة مسبقًا لتوليد استجابات أكثر تعقيدًا ودقة. في الوقت نفسه، تركز شركات مثل «إنفيديا» وغيرها من الشركات الرائدة، بشكل متزايد، على تحسين الأداء عبر النظام البيئي الكامل للذكاء الاصطناعي، بدءًا من تصميم الرقائق وصولاً إلى أنظمة التبريد المستخدمة في مراكز البيانات.
عند فرض الجولة الأولى من قيود الرقائق في أكتوبر 2022، افترض صناع السياسات الأمريكيون أن تصغير عقد العمليات كان نقطة الاختناق الأساسية التي يمكن أن «تجمّد» قدرة الصين على إنتاج الرقائق. ولكن مع قيادة هواوي جهود الاعتماد الذاتي للصين، أثبتت الأخيرة قدرتها على هندسة العمليات وتعبئة القوى العاملة واستخدام المثابرة لتقليص الفجوة الصناعية وتحسين الأداء.
هذا الوضع المتغير أثار قلق واشنطن بشأن قدرتها على تحقيق تقدم واسع ومستدام يكفي لتفوقها على الصين في سباق الذكاء الاصطناعي. ومن المتوقع أن يؤدي هذا القلق إلى فرض ضوابط أكثر صرامة، وصبر أقل تجاه الشركاء الذين لا يتماشون مع قيود التصدير الأمريكية، وتسريع تطبيق التدابير خارج الحدود الإقليمية. على سبيل المثال، في ديسمبر، أصدرت وزارة التجارة الأمريكية حزمة جديدة من ضوابط أشباه الموصلات تمثل هذا النهج المتشدد، حيث تضمنت قيودًا بعيدة المدى لإجبار الشركاء على الامتثال وخنق الإنتاج الصيني.
ومع ذلك، إذا واصلت الشركات الصينية زيادة قوتها الحاسوبية وظهرت فجوات في التزام الشركاء بضوابط التصدير الأمريكية، فمن المرجح أن تتجه واشنطن نحو فرض عقوبات حجب أكثر صرامة على «هواوي»، وتوسيع القيود التجارية لتشمل عمالقة الذكاء الاصطناعي في الصين. ولكن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى ضربة قاسية للاقتصاد الصيني، مما يعزز المخاطر المرتبطة بحرب الذكاء الاصطناعي والرقائق، ويعمق التوترات الجيوسياسية.
خصصت الصين موارد ضخمة لتحسين توليد الطاقة لمراكز البيانات، مما جعلها الأسرع نموًا عالميًا في هذا المجال. كما تراهن بكين على أن التمويل الحكومي الكبير للصناعات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي سيحقق عوائد مجزية، خاصة إذا أدت الضوابط التجارية والتكنولوجية الأمريكية المشددة إلى نفور الشركاء الدوليين للولايات المتحدة، ما قد يدفعهم نحو التكنولوجيا الصينية، ويفتح أسواقًا جديدة أمامها. في ظل هذه المعطيات، ترى الصين أن هذه الاستراتيجية تمثل أفضل أمل لها -وربما الوحيد - لوقف تدهور اقتصادها وتجنب الوقوع في تبعية اقتصادية للولايات المتحدة.
ومع ذلك، تواجه الصين تحديات كبرى، أبرزها ضعف قدرتها على تطوير أجهزة الذكاء الاصطناعي اللازمة لمنافسة الولايات المتحدة. ففي حين يواصل خبراء التكنولوجيا الأمريكيون ابتكار رقائق ذكاء اصطناعي أكثر كفاءة ونماذج أكثر تطورًا، تجد مصانع أشباه الموصلات الصينية نفسها مضطرة لتخصيص موارد ضخمة فقط للحفاظ على قدراتها الإنتاجية. كما تعمل القيود الأمريكية المشددة على تقييد وصول الصين إلى المكونات الأساسية، مما يضيف عقبات إضافية أمام تحقيق قفزات نوعية في هذا المجال.
إلى جانب ذلك، يُعد التحول إلى الطاقة اللازمة لتشغيل مراكز البيانات تحديًا آخر، إذ يصبح من الصعب على الصين مواكبة الابتكارات الأمريكية في هذا القطاع. ويواجه مطورو الذكاء الاصطناعي في الصين تحديًا مزدوجًا: يتمثل الأول في السعي لتحقيق الابتكار وسط القيود الأمريكية الخانقة، بينما يتمثل الثاني في الامتثال لتوجيهات الحزب الشيوعي الصيني الغامضة، التي تشدد على ضرورة أن تدعم نماذج الذكاء الاصطناعي «القيم الاشتراكية».
تعتقد الصين أنها تسير على قدم المساواة مع الولايات المتحدة في النظام العالمي الثنائي القطبية. بالنسبة لبكين، يعد تطوير الذكاء الاصطناعي طريقًا للحفاظ على توازنها مع واشنطن، بالإضافة إلى كونه حلاً لتحدياتها الاقتصادية الداخلية. تمتلك الصين نقاط قوة هائلة: من حجم سكانها الكبير إلى صناعاتها الضخمة، ما يمنحها مصدرًا هائلًا من البيانات لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي وفرصة لقيادة تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال التصنيع. كما أن شركات التكنولوجيا الكبرى مثل علي بابا وبايدو وهواوي قادرة على التنافس مع الشركات الأمريكية في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية السحابية. أما فيما يخص الطاقة، فقد أصبحت الصين أسرع دولة في تطوير مصادر الطاقة لمراكز البيانات.
في هذا السياق، تمثل الضوابط الأمريكية على الرقائق تحديًا كبيرًا للصين، التي قد تجد نفسها خارج التكتلات التكنولوجية والتجارية التي تقودها الولايات المتحدة، ما يضر بقدرتها على التوسع في الأسواق العالمية. وإذا استمرت الضوابط في التوسع، قد تجد الصين نفسها مجبرة على توجيه جهودها نحو مركزية موارد الحوسبة، وهو ما قد يعرضها لمزيد من القيود الأمريكية.
وفي الوقت نفسه، ترى القوى المتوسطة أن المنافسة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي تمثل فرصة لإقامة أنظمة ذكاء اصطناعي سيادية تعكس ثقافاتها واحتياجاتها الوطنية.
بالنسبة لمعظم البلدان، يمثل تحقيق السيادة على الذكاء الاصطناعي تحديًا أكبر مما يراه قادة التكنولوجيا. فبينما تستطيع القوى المتوسطة بناء بنية تحتية للذكاء الاصطناعي، فإنها غالبًا ما ستعتمد على أشباه الموصلات الأمريكية والبنية السحابية، بالإضافة إلى الاستفادة من المواهب الأمريكية ونماذج الذكاء الاصطناعي ذات الأصول الأمريكية. انتشرت التكنولوجيا الأمريكية إلى حد يمكّن واشنطن من فرض شروط على شركائها، مثل استبعاد الشركات الصينية من سلاسل التوريد ومنع وصولها إلى الأنظمة التي تبنيها الولايات المتحدة بدعوى حماية الأمن القومي.
تنظيم الذكاء الاصطناعي سيكون تحديًا أيضًا. يفضل العديد من قادة التكنولوجيا تنظيمًا خفيفًا لتمكين الابتكار الصناعي دون التورط في متطلبات الامتثال الثقيلة، لكن هذا قد يتعارض مع أولويات الحكومة الأمريكية التي تفرض قيودًا على الدول المتعاونة مع الصين. على سبيل المثال، تثير نماذج الأعمال مفتوحة المصدر قلق صانعي السياسات، حيث يخشون من أن الوصول غير المقيد قد يسمح للخصوم بتطوير أو استغلال التكنولوجيا الحساسة.
من جهة أخرى، تسعى القوى المتوسطة التي تفتقر إلى قاعدة تقنية محلية قوية إلى فرض تنظيمات تخلق معايير عالمية لتطوير الذكاء الاصطناعي. في هذا السياق، دخل قانون الذكاء الاصطناعي للاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ في أغسطس الماضي كأول قانون شامل في العالم، لكنه قوبل بانتقادات من البعض الذين حذروا من أن التنظيمات المفرطة قد تؤدي إلى تأخر الابتكار مقارنة بالولايات المتحدة والصين.
في سياق المنافسة على الهيمنة التكنولوجية، قد تؤدي التدابير الأمريكية الصارمة مثل فرض حصص على رقائق الذكاء الاصطناعي إلى تقليص نفوذ واشنطن في الأسواق سريعة النمو، بينما تحقق الصين تقدمًا كبيرًا في هذا المجال بدعم حكومي. إذا ضاقت الفجوة التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين، قد تتخذ واشنطن خطوات أكثر صرامة مثل فرض عقوبات على الشركات الصينية، مما قد يثير رد فعل صينيًا عكسيًا ويؤدي إلى تصعيد في المجال الأمني، خاصة في مضيق تايوان. في الوقت نفسه، ستستمر المنافسة الجيوسياسية على الذكاء الاصطناعي بين الدول الكبرى، مما قد يؤثر على الإمكانات التحويلية لهذه التكنولوجيا.
ريفا جوجون استراتيجية جيوسياسية تمتلك ما يقرب من عقدين من الخبرة في العمل مع كبار المسؤولين التنفيذيين والوكالات الحكومية.
نشر المقال في Foreign Affairs