رأي: الصراع هو الوضع الطبيعي الجديد بظل توترات جيوسياسية تشبه الحرب الباردة
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
هذا المقال بقلم المحلل السياسي ومقدم برنامج GPS على CNN، فريد زكريا. الآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس بالضرورة رأي شبكة CNN.
بالنظر إلى الأزمات المنتشرة في جميع أنحاء العالم، فمن الواضح أننا في عصر التوترات الجيوسياسية التي تشبه الحرب الباردة ــ وقت التهديدات المستمرة للنظام الدولي.
ولكن هذه المرة، يتعامل الغرب مع كل من هذه التهديدات باعتبارها تهديدات لمرة واحدة، ثم يتعين التعامل معها بشكل منفصل على أمل عودة الحياة إلى طبيعتها قريبا. لكن الصراع هو الوضع الطبيعي الجديد.
انظر حولك. تسير الحرب بشكل سيئ بالنسبة لأوكرانيا، التي يتفوق عليها خصمها الأكبر بكثير من حيث التسليح والعدد. ميزتها الرئيسية، القدرة على الوصول إلى الأسلحة والأموال الغربية، أصبحت في خطر. ويبدو أن الكونغرس الأمريكي غير راغب في إصدار تشريع لإرسال المزيد من الأسلحة والأموال إليها. ويتدخل الاتحاد الأوروبي ويسد جزءاً من هذه الفجوة، لكن أوروبا لا تمتلك المجمع الصناعي العسكري اللازم لتزويد أوكرانيا بمستوى الأسلحة الذي تحتاجه لمحاربة روسيا.
لقد صمد الجيش الأوكراني ببطولة في مواجهة الهجوم الروسي. ولكن كما قال لي أحد كبار الدبلوماسيين الأوروبيين مؤخراً: "إن الأوكرانيين شجعان وجريئون، ولكنهم ليسوا رجالاً خارقين. لن يتمكنوا من الصمود إذا لم يكن لديهم الأسلحة والإمدادات".
ويعمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التأكد من قدرته على مواصلة الحرب، من خلال الحصول على الأسلحة من كوريا الشمالية وتجنيد الرجال من أماكن بعيدة مثل كوبا. وهو يواصل الاستفادة من حقيقة مفادها أن العديد من الاقتصادات الكبرى في العالم - من الصين والهند إلى تركيا ودول الخليج - تتاجر بحرية مع روسيا. وإذا نجح العدوان الروسي، فإنه يمزق القاعدة التي ظلت قائمة إلى حد كبير لمدة 80 عاما: عدم تغيير الحدود بالقوة.
ومن ناحية أخرى، تصور كثيرون في الشرق الأوسط عندما بدأت الحرب في غزة أنها سوف تكون قصيرة، وأن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سوف تسقط. وهذا ليس مرجحًا أن يحدث.
إن قوات الجيش الإسرائيلي، التي أذلها الهجوم المفاجئ الذي وقع يوم 7 أكتوبر / تشرين الأول، عازمة على استئصال حماس بالكامل من غزة. وهذا يعني أشهراً أخرى من القصف والقتال والتجريف. إن التوترات والمناقشات الداخلية التي ستنتجها تصرفات إسرائيل في بلدان أخرى سوف تتصاعد.
نتنياهو لن يذهب إلى أي مكان. ربما لا يحبه أغلب الإسرائيليين، لكنهم يوافقون على سياساته الحربية. هذا الأسبوع، وفي توبيخ واضح للدعوات الدولية - بما في ذلك الأمريكية والبريطانية - لمتابعة حل الدولتين، وافق الكنيست الإسرائيلي على قرار يعلن أنه يعارض أي اعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية بأغلبية 99 صوتا من أصل 120. (يضم ائتلاف نتنياهو 64 عضوا فقط، وهو ما يعني انضمام عدد كبير من برلمانيي المعارضة إليه).
كان هناك مسرح واحد أقل شهرة في الشمال. لقد دأبت إسرائيل على ضرب وقتل مقاتلي حزب الله، لدرجة أنها قتلت، بحسب إحدى الروايات، أكثر من 200 منهم. ستستمر هذه الحملة، وربما تتسارع.
هدف الجيش الإسرائيلي هو إضعاف حزب الله إلى درجة تمكن حوالي 80 ألف إسرائيلي فروا من منازلهم في شمال إسرائيل من العودة. وفي مرحلة ما، قد يرد حزب الله بقوة، الأمر الذي قد يؤدي إلى توغل إسرائيلي في لبنان، وهو ما من شأنه أن يوسع الحرب حقاً.
ثم لدينا الحوثيون، الذين تمكنوا من فرض أنفسهم من خلال سلسلة من الضربات التي أدت، وفقا لإحدى الشركات الاستشارية، إلى خفض عدد سفن الحاويات عبر قناة السويس بنحو 72% منذ أن بدأت في ديسمبر/كانون الأول. وقد باءت الجهود الأمريكية لتنظيم تحالف فعال للحفاظ على تدفق التجارة عبر البحر الأحمر بالفشل. ولم تتسبب جهودها للرد على هجمات الحوثيين في وقف هجماتهم.
ويشكل هذا الفشل ضربة لمصداقية ضمان الولايات المتحدة لحرية البحار، وهو عنصر أساسي في الاقتصاد العالمي المفتوح الذي تم بناؤه على مدى قرنين من الزمان، أولا مع البحرية البريطانية ثم البحرية الأمريكية. وهناك المزيد من التهديدات للأسس البحرية لهذا النظام تلوح في الأفق. تعمل كل من روسيا والصين على بناء القدرة على قطع الكابلات البحرية، والتي أصبحت الآن جزءًا لا يتجزأ من "السحابة" التي يتم تخزين البيانات عليها في جميع أنحاء العالم. إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من ردع جهة فاعلة مثل الحوثيين عن سلوكها التخريبي في البحر الأحمر، فما هي الفرصة المتاحة لها ضد قوى مثل الصين وروسيا؟
هناك طرق لمعالجة كل هذه المشاكل. ولكنها تتطلب نقلة نوعية في العالم الغربي. نحن الآن في عصر الأمن المشدد. وهذا يعني أنه يتعين على الحكومات أن تنفق المزيد على الدفاع، وأن تنفق بشكل أكثر كفاءة.
تولت الولايات المتحدة دور الضامن لحرية البحار في عام 1945 وأصبحت سيدة البحار منذ ذلك الحين. وفي الثمانينيات، كان لديها ما يقرب من 600 سفينة، ولكن اليوم لديها أقل من 300. وفقدت أوروبا مجمعها الصناعي العسكري، الذي سمح لها بإنتاج الذخائر على أساس شبه ثابت.
في هذه الأوقات الجديدة الخطيرة، قرر الجمهوريون في الكونغرس العودة إلى الانعزالية، على أمل أن يتمكنوا من دفن رؤوسهم في الرمال ومن ثم تختفي المشاكل بطريقة أو بأخرى. تجدر الإشارة إلى أنه خلافًا للاعتقاد السائد، فإن النعام لا تدفن رأسها في الرمال هربًا من التهديدات. في الواقع، سيؤدي ذلك إلى اختناقهم. ربما تفهم الطيور شيئًا لا يفهمه الجمهوريون في الكونغرس.
أمريكاأوكرانيانشر الاثنين، 26 فبراير / شباط 2024تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2024 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.المصدر: CNN Arabic
إقرأ أيضاً:
المرأة التي أيقظت العالم بطريقتها
"حينما ينام العالم"، هو عنوان لكتاب صدر قبل أسابيع، للمقررة الخاصة للأمم المتحدة حول الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيزي، وصدرت ترجمته إلى الفرنسية، بالتزامن مع صدوره بالإيطالية، وهو تشخيص لما أسمته الكاتبة بـ"إغفاءة العالم"، أو نوعٍ من اللامبالاة، والإخلال في التعاطف مع الفلسطينيين.
غزة ليست شأن الفلسطينيين وحدهم ولكنها امتحان للضمير الإنساني، واختبار للقانون الدولي، وللمؤسسات الدولية، وضرورة وضع حد لهيمنة الأحكام المسبقة، والمَعْبر لمستقبل البشرية، يعيد الأمل بعد اليأس.
العالم تكلس، وينبغي -وفق ألبانيزي- أن يستلهم من الفلسطينيين الدروس: الكرامة رغم المعاناة، والجمال رغم الخراب، والحقيقة رغم التسييج والحصار.
في مستهل الكتاب، تستشهد ألبانيزي بامرأة، كنسية أميركية، أليسا وايز، إذ تقول إن التضامن هو الشكل السياسي للمحبة. تعرف ألبانيزي قضايا الشرق الأوسط، وقضايا الفلسطينيين؛ لأنها كانت مقررة للأمم المتحدة عن الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 2022، واشتغلت قبلها مع وكالة الأونروا، وعرفت ما يتعرض له الفلسطينيون في الضفة من سلب ممتلكاتهم، وحرمانهم وإخضاعهم.
اصطدمت في مسرى مهامها، بسلاح الأحكام المسبقة، والتمثلات، والقراءات المغرضة، وبناء الآخر، ولذلك وظفت في كتابها إدوارد سعيد عن الاستشراق حول بناء الآخر والتمثلات، والسرديات الموجهة، واستنجدت بالمفكر الإيطالي الكبير "أنطونيو غرامشي"، وكيف أن الثقافة تدعم السلطة.
ولذلك استشعرت الحاجة إلى إعادة النظر في السرديات، من أجل أن تكون الشاهد الحق، حسب تعبير لإدوارد سعيد. وكما تقول، مما أترجمه عن النص الفرنسي: " فالحياد لا يعني اللامبالاة، و(النزاهة) تفترض التنقيب بصرامة، ومواجهة الأحداث بالقانون، وقول الحقيقة للسلطة، ولو أزعجت، وفي فلسطين يتعين كشف عدم التوازن بين المحتل، ومن هو ضحية الاحتلال، بين المستعمِر والمستعمَر، وكيف أن عقودا من سلب الحقوق أضحت أمرا طبيعيا من قِبل منتظم دولي عاجز".
إعلانالرهان أمس كما اليوم، ليس بروفة غائمة وغامضة حول إحلال السلام، بل في احترام القانون الدولي بإنهاء الاحتلال، والمستوطنات، وإيقاف الضم.
ترى ألبانيزي أن السلم ممكن، ولكن وفق شروط، من شأنها أن تجعل المنتظم الدولي يكتشف معنى التضامن، في إطار أسرة واحدة.
اختارت الكاتبة أن تتحدث، بعد هذه المقدمة، من خلال فصول عشرة، عبر أشخاص، التقتهم في مسرى حياتها، ويرتبطون بمأساة الفلسطينيين، وكل فصل يحيل إلى جانب منها.
أول فصل هو عن "مَلك معطر" الفتاة التي التقتها في القسم الثانوي 2010 وأحدث اهتمامها رسوما تعبق بحب الحياة أو شوق الحياة، لكن شوق الحياة لا ينفصل عن الحدث المؤسس الذي يسكن وجدان الفلسطيني ألا وهو النكبة، ولذلك أفردت في الكتاب مقطعا أوليا عن النكبة، قبل أن تقف عند مَلك، من تحمل مأساة الفلسطينيين، وتُعبر عنها برسوماتها، ومنها اختارت رسما لغلاف كتابها.
تختار ثلاثة أصوات فلسطينية من الداخل، منها الطفلة هند ذات الست سنوات، من وُجدت قتيلة في سيارة، عليها آثار 300 قذيفة أثناء الحرب على غزة، وقرب السيارة، سيارة إسعاف، مع مسعفين قتيلين، ومن خلال هند تستحضر وضع طفولة الفلسطينيين، وتذكر ما قالته لها وديعة الفتاة ذات الـ 14 سنة: "الخوف من الموت لا يمنعك من الموت، يمنعك من الحياة".
أبو حسن دليل مدينة القدس، التقته ألبانيزي، هي وزوجها ماكس، منذ أن حلت بالقدس سنة 2010، حيث يأخذهما إلى أوجه الحياة، وأوجه المعاناة، في مخيم بلاطة، وجنين، والمستوطنات، وأزقة القدس، ولكن أكثر ما علمته من الدليل أبو حسن هو الاعتقال، والمعاناة اليومية، والثقل البيروقراطي.
جورج، مهندس فلسطيني من القدس، قدِم من الولايات المتحدة سنة 2000 لكي يسهم في بناء الدولة الفلسطينية، ولكنه لا يستطيع أن يشتغل مع المنظمات غير الحكومية الغربية التي تشترط عليه عدم إثارة الاحتلال، والأبارتيد، ولا يمكنه العمل مع الإسرائيليين، مَن يُبدون مركب استعلاء حيال الفلسطينيين.
"الحياة في القدس، بالنسبة للفلسطينيين، تقول ألبانيزي، هي التعرض للدونية البنيوية التي تفرضها إسرائيل". تتحدد الهوية، في القدس، ليس بين فلسطيني وإسرائيلي، ولكن بين عربي ويهودي.
وتلحظ ألبانيزي الاستحواذ الثقافي، أو تبني الطبخ الفلسطيني، والمزج مع موروثات أوروبا الوسطى، وهو أمر مقبول، وطبيعي، لولا أنه يقترن بالأبارتيد. كيف تأخذ نتاج من ترفضه أصلا، أو تزري به؟
من الضفة الأخرى، أو الشهود الحق، تختار ألبانيزي ألون كونفيو، وهو إسرائيلي إيطالي يُدرّس في الولايات المتحدة، من يختص في تاريخ الإبادات عبر التاريخ. تقف عند إنغريد من تنتصب ضد الأبارتيد، وتعيش في بيت جالا، مع زوجها محمد جاردات.
تستشهد بغسان أبو ستة، وهو طبيب جراح، وُلد بالكويت من أسرة فلسطينية، وزاول الطب في غزة، إلى أن اضطر للمغادرة في 2023، إذ يرى أن الإبادة هي الجانب الظاهر من الجبل الثلجي، وأن هناك ما لا يظهر، من تواطؤ إعلام دولي.
هناك من الشهود الحق إيال ويزمان، وهو مهندس معماري إسرائيلي بريطاني، من يقف على أسلوب القضاء على الآخر، من خلال إخراجه من بيته. غابور ماتي، وهو طبيب نفسي، كندي من أصول هنغارية، يلح على ضرورة حفظ الذاكرة. يرى أن ديانته اليهودية تم توظيفها، باسم أيديولوجية تمييزية. يتولد عن واقع الاحتلال كدمة، ولتجاوزها يلزم الوعي، والتعاطف، ويبقى المهم هو حفظ الذاكرة.
إعلانوالفصل الأخير، عن ماكس، شريك حياة ألبانيزي من عاش معها المغامرة، في القدس، والضفة وغزة، حمل معها عبء أسرة، وشاطرها توجهها.
تُنهي ألبانيزي سردها بأشعار من الشاعر الفلسطيني، رفعت العرعير، من قُتل في غزة في 6 ديسمبر/كانون الأول 2023.
وحين ينام العالم، تقول ألبانيزي: إنه مع اللامبالاة أو سيادة الأحكام المسبقة، يتوجب أن توقظه الشعوب.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline