في القاهرة بحثت عن كتابين من النشر القديم (الجديد)، سمعت أنه أعيد نشرهما، الأول لسلامة موسى (هؤلاء علموني)، وهو كتاب فيه من الوفاء للمعلمين الحقيقيين والافتراضيين، ما يجل العلم ويعلي مكانته، والثاني هو (ما بعد الأيام) لمحمد حسن الزيات، حول سيرة طه حسين، وجدت الأول بسهولة نسبية، أما الثاني فكان صعباً الحصول عليه، حتى من أحد الأصدقاء بنسخة إلكترونية.
المقال عن الكتاب الثاني، والمؤلف هو محمد حسن الزيات، وقد عمل في أكثر من موقع رسمي في الدولة المصرية الحديثة، حتى وصل إلى وزير خارجية، وقد تتلمذ على يد طه حسين، وتزوج ابنته أمينة، وكان أميناً لأستاذه الذي صاحبه لتسعة وثلاثين عاماً، لم يكن غريباً عن عائلة طه حسين، فقد كان أخوه الأكبر أحمد حسن الزيات، رفيقاً لطه حسين في الأزهر.
ما بعد الأيام، هو إعادة زيارة لمسيرة وأفكار طه حسين، والذي يقول المؤلف إن أفكاره ما زالت مرحباً بها من جهة، ومنتقدة من (حراس الضمائر) من جهة أخرى، كما هي أفكار الكبار. قراءة الكتاب متعة بحد ذاتها، لأنها تضيء مسيرة الرجل الذي حرم من نور العين، فتلقى نور العقل.
طه حسين عادة يلقب بعميد الأدب العربي. ربما في عصره (النصف الأول من القرن العشرين) كان الأدب يعني كل شيء مكتوب، إلا أنه في الحقيقة رجل الاجتماع السياسي الأول في الثقافة العربية المعاصرة، كما أعتقد. لقد كان نتاج مكانين مضيئين، الأول الأزهر في عز استقلاله، وخضم حواراته في بداية القرن الماضي في مصر، وانخراط رجاله في العمل الوطني، ومدينة باريس، التي كانت تشهد وقتها نتاج عصر التنوير الذي انتشر في القرن التاسع عشر، وأطل على القرن العشرين، وفي فترة حاسمة من تاريخ مصر الحديثة، وهي ثورة الشعب المصري عام 1919، بعد الحرب العظمى الثانية وما تلاها.
طه حسين لم يكن مردداً للنصوص، كان مفسراً لها، وفرض على طلابه المشاركة في التعلم، وليس التعليم الهرمي، وقد كانت أطروحة الماجستير التي حضرها في القاهرة عن أبو العلاء المعري (الذي يشببه في نور العقل وكفاف البصر)، كان ذلك في عام 1914، ومن ثم الدكتوراه في عام 1918، وكانت عن ابن خلدون. باختياره تلك الشخصيات، يدل على توجهه الفكري المبكر الناقد المبتكر.
عيّن أستاذاً للتاريخ القديم في الجامعة الأهلية في مصر (لاحقاً جامعة فؤاد ثم القاهرة)، وقد عكف على تدريس طلابه الفكر اليوناني، على رأسه كتاب أرسطوطاليس (نظام الاثنين)، الذي يشرح التنظيم السياسي لأثينا في عزها (الديمقراطي). ولأن الكتاب اكتشف في مصر عام 1891، فكان له قيمة خاصة للمثقفين المصريين، وقد ترجم إلى معظم اللغات الغربية، ووصف فيه المؤلف الحكم الرشيد كما يراه، وهو (حكم العلماء)، إلا أن طه حسين طور الفكرة، فوجد أن حكم العلماء لم يعد ممكناً في عصر الساسة، فقال برأي آخر، إن العلماء والمثقفين يجب ألا ينخرطوا في العمل السياسي المباشر، بل يكونوا بمثابة (القضاة) المحايدين، لمتابعة عمل السياسيين، فإن أخطآ الطريق بعضهم صوب بصرامة، فهو يرى أن السياسي يجب عليه الإفادة لمجتمعه، وليس الاستفادة منه.
انخرط في متابعة المفاوضات مع بريطانيا، التي تمت بعد ثورة 1919، حيث كانت الوطنية المصرية ترغب في الاستقلال التام عن بريطانيا، وكان هاجسه أن يظل الصف المصري موحداً بين السياسيين، وأيضاً بين (الهلال والصليب). وفي رأيه أن شق الصف الوطني يفقد القضية الزخم الذي تستحق، في مقارنة محزنة مع الصف الفلسطيني الممزق، الذي نراه اليوم، والذي، مع الأسف، يفقد القضية ما تستحق من تأييد. ولو كان معنا اليوم، لطالب بوحدة البيت الفلسطيني قبل أي شيء آخر.
عقيدة طه حسين في النهضة، لها ركنان أساسيان، الحرية والعلم، دونهما لا تحقق النهضة المرجوة، وأحسب أن ذلك صحي في الزمان والمكان الذي نعيش.
محمد الرميحي – صحيفة البيان
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: طه حسین
إقرأ أيضاً:
إيكونوميست: شراء ترامب المحتمل لغرينلاند قد يكون صفقة القرن
سلط تقرير بمجلة إيكونوميست الضوء على إمكانية شراء الولايات المتحدة لجزيرة غرينلاند، مقارنا ذلك بصفقات تاريخية مشابهة مثل شراء لويزيانا من فرنسا في 1803، وألاسكا من روسيا 1867، وكلاهما ينظر إليهما الآن على أنهما نجاحات هائلة.
وقد لمّح الرئيس المنتخب دونالد ترامب بنيته استخدام القوة أو الضغط الاقتصادي للاستحواذ على غرينلاند، وهو ما ينتقده تقرير الإيكونوميست بشدة، ويرى أن الحصول على المنطقة بالإكراه سيضر بسمعة الولايات المتحدة على الصعيد العالمي.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نيوزويك: من يتحكم في القطب الجنوبي؟list 2 of 2البرلمان التركي وحزب العمال الكردستاني يمهدان الطريق نحو السلامend of listوبدلا من ذلك، يدعو التقرير إلى اتباع نهج دبلوماسي، والتفاوض مباشرة مع سكان غرينلاند، إذ أن ذلك يحترم استقلالهم الذاتي ويتماشى مع قانون دنماركي صدر عام 2009 يمنح الجزيرة الحق في إعلان استقلالها عن طريق الاستفتاء.
خريطة لجزيرة غرينلاند التي يرغب ترامب في الاستيلاء عليها (الجزيرة) سعر غرينلادويقدر التقرير قيمة غرينلاند بـ 50 مليار دولار أميركي، ما يمثل حوالي 5% من الإنفاق الدفاعي السنوي الأميركي، ويمكن أن يربح كل ساكن حوالي مليون دولار من الصفقة.
وبالنظر إلى موارد غرينلاند الهائلة وأهميتها الاستراتيجية، قد تعرض الولايات المتحدة أكثر من ذلك مع المحافظة على تحقيق مكاسب كبيرة، حسب التقرير.
إعلان صفقة مفيدةويقترح التقرير أن مثل هذه الصفقة يمكن أن تكون مفيدة للطرفين، فمع أن إمكانات غرينلاند الاقتصادية هائلة، إلا أن قلة عدد سكان الجزيرة البالغ عددهم 57 ألف نسمة واعتمادها على الدنمارك لتمويلها قد يعيق قدرتها على النهضة باقتصادها، وتزيد مخاطر الحوكمة والفساد والصعوبات اللوجستية الناجمة عن العمل في بيئة المنطقة القاسية من تعقيد الأمور.
التفاوضوبالتالي، يمكن أن يخفف بيع غرينلاند إلى الولايات المتحدة من هذه التحديات عبر الاستفادة من الأنظمة الإدارية والأمنية الأميركية، كما سيحصل سكان غرينلاند على الأمن المالي وفرص التنمية .
وفسر التقرير جاذبية غرينلاند بمواردها الطبيعية الهائلة ومعادنها النادرة، والتي تشمل 43 من 50 معدنا تعتبرهم الولايات المتحدة مهمين للغاية، ما يجعل المنطقة موردا حيويا لصناعات التكنولوجيا والطاقة الخضراء.
كما تقدّر احتياطيات النفط قبالة سواحلها بنحو 52 مليار برميل، أو 3% من الاحتياطيات العالمية، ورغم أن الناتج المحلي الإجمالي يبلغ 3 مليارات دولار فقط، فإن الإمكانيات الاقتصادية الكبيرة تعد بنمو كبير إذا استُغلت الموارد بفعالية.
ومع ذلك، نوه التقرير إلى أن أهمية غرينلاند الحقيقية لترامب تكمن في موقعها الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وروسيا، ومن شأن ذلك أن يعزز الأمن العسكري الأميركي خصوصا في مراقبة ممرات الغواصات.
ولجعل تحقيق هذه المكاسب أمرا ممكنا، يرى التقرير أنه سيتحتم على ترامب التراجع عن التهديدات وتقديم عرض بيع طوعي مقنع.
ويخلص المقال إلى أن عملية شراء سلمية متفاوض عليها يمكن أن تكون "صفقة القرن"، وتعزز الرخاء والأمن لكل من غرينلاند والولايات المتحدة.