في ساعات الصباح الباكر يشق أطفال بلدة “وادي الخليل” طريقهم إلى المدرسة الخيرية، وهم يغالبون بقايا النعاس ولسعات البرد على أجسادهم النحيلة.

ويرسم الأطفال في الشارع بأزيائهم الملونة وحقائبهم الصغيرة صورة من صور الاستجابة المجتمعية المتحدية لواقع غياب التعليم الرسمي النظامي الذي فرضته تداعيات الحرب بين قوات الجيش السوداني ومسلحي الدعم السريع في العاصمة الخرطوم ومدنها منذ 15 أبريل/نيسان الماضي، والتي أصابت العملية التعليمية بالشلل.

والمدرسة الخيرية هي واحدة فقط من المبادرات المجتمعية التي يقف وراءها مجموعة من المتطوعين والمتطوعات من أبناء المنطقة أو النازحين إليها من الخرطوم، بسبب ظروف الحرب، بالإضافة إلى أعداد من المعلمين المتقاعدين.

وفي منطقة “وادي الخليل” الصغيرة التابعة لمحلية البرقيق بالولاية الشمالية، يتلقى الطلاب دروسهم في مقر يقع وسط المنطقة السكنية اصطلح على تسميتها “بالمركز” كونه يضم إلى جانب التعليم، خدمات علاجية ودورات مهنية ودينية.

وهو مبنى مجهّز لاستضافة أنشطة الدعم المجتمعي كافة. ووهبه مالكه وقفا خيريا مجانيا لأهله في الوادي والمناطق القريبة.

عبرت المتطوعة روان، عوض للجزيرة نت، عن حماستها الشديدة للمشاركة مع فريق المركز في مهمة تعدّها مقدّسة، وتتعلق بتعويض الطلاب عن خسارة عام دراسي بأكمله وتقليل الأضرار الناتجة عن إغلاق المدارس.

ودرست روان الهندسة المعمارية بجامعة العلوم الطبية في الخرطوم، وكانت بدأت لتوها مسيرة البحث عن وظيفة مناسبة قبل أن تقطع الحرب عليها الطريق، وتجبرها على النزوح إلى أرض الأجداد.

ويقيم “المركز” دورات منتظمة للطلاب في مرحلة التعليم ما قبل المدرسي ولليافعين والشبان في المرحلتين المتوسطة والثانوية.

وتقول روان إن الدورة الحالية تضم 120 طالبا في المراحل الثلاث. وهي مرحلة متقدمة عن المرحلة الأولى التي ضمت 64 طالبا فقط، ويتلقى طلاب هذه الدورة دروسا في 4 مواد رئيسة هي اللغة العربية واللغة الإنجليزية والرياضيات والتربية الإسلامية.

وتضيف روان، التي تتولى مع زميلة أخرى تدريس اللغة الإنجليزية، أن عدد طاقم التدريس ارتفع ليبلغ 9 معلمات متطوعات في هذه الدورة.

وعلى عكس هذه الشابة قليلة التجربة في مجال التدريس، فإن طالبة الآداب بجامعة الخرطوم ريم القناوي عملت لفترات في حقول التعليم النظامي في مستوى رياض الأطفال ومدارس الأساس ومحو أمية الكبار، وذلك منذ دراستها في المرحلة الثانوية وصولا إلى دراستها الجامعية.

وتركت هي الأخرى مقاعد الدراسة في الجامعة وطباشير المعلّم في المدارس بعد اندلاع الحرب، واضطرت إلى النزوح إلى بلدة وادي خليل الصيفية.

وتقول القناوي إنها “تملك شغفا شديدا لممارسة التدريس ونقل العلوم والمعارف إلى الطلاب منذ حداثة سنها”.

وتضيف، للجزيرة نت، أنها لم تتردد كثيرا في الانضمام إلى فريق المتطوعين بالمركز. وأوضحت أن التجربة أضافت لها كثيرا من الخبرة والمعرفة، وعززت لديها مشاعر الاستقرار الروحي والرضا عن الذات وسط ظروف النزوح الصعبة.

وقد مكنتها تجربة التدريب الحالية المتحررة من قيود المنهج الحكومي من وضع أفكارها الخاصة في المجال موضع التطبيق، واختبار نتائجها على أرض الواقع. وهو أمر لم يكن ممكنا في عملها السابق كمتعاونة ومقيدة بأساليب وطرائق تدريس جامدة، حسب تعبيرها.

أما مناسك عوض قناوي، وهي أم لطفلة في الثامنة، فقد كان دافعها للمشاركة مع فريق المتطوعين مشاعر القلق التي انتابتها بعد اكتشاف أن ابنتها الصغيرة بدأت تنسى بشكل تدريجي مبادئ القراءة والكتابة والمهارات الأساسية للعملية التعليمية.

ولاحظت بحكم خبرتها كمعلمة سابقة في رياض الأطفال أن مساحات اللعب خلال هذه الإجازة الطويلة المفتوحة قد تضخمت كثيرا، وأصبح الأطفال يفتقرون للمساحات الزمانية والساحات المكانية لتلقي التعليم.

وتقول مناسك إن الدورات التي يقدمها المركز تُسهم في إنعاش ذاكرة الطلاب، وفي تأهيلهم للانخراط مجددا في مسارات التعليم الرسمي عند استئناف الدراسة النظامية.

تسببت الحرب، التي نشبت في مركز السلطة بالعاصمة الخرطوم، في توقّف العملية التعليمية بشكل كامل في أنحاء البلاد. وهو ثاني إغلاق من نوعه في تاريخ العملية التعليمية السودانية، إذ علقت حكومة السودان الدراسة لمدة 6 أشهر إبان حرب يونيو/حزيران 1967 بين الجيوش العربية وإسرائيل، بسبب مخاوف من تمدد العدوان الإسرائيلي إلى أراضي السودان.

لكن التعطيل هذه المرة كان قهريا وطويل الأمد ومفتوحا بلا نهاية معلنة، وتسبب في فقدان الطلاب بمختلف مراحلهم الدراسية عاما دراسيا كاملا.

ويقول المعلم بمدارس وحدة “كرمة” التعليمية الوليد محمد علي إنه من الناحية النظرية كان ممكنا احتواء الوضع وتقليل خسائره عبر اللجوء إلى وسائل بديلة مثل التعليم عن بُعد أو استمرار الدراسة في الولايات الأخرى مع إدماج الطلاب القادمين من الخرطوم.

ويضيف أن ضعف البنى التحتية في مجال تكنولوجيا الاتصالات بالولايات والمناطق الريفية حال دون اعتماد هذا النظام المتطور.

كما أن عوامل أخرى أسهمت في تأخير صدور قرارات حكومية باستئناف الدراسة بعدد من الولايات. وفي مقدمتها العدد الكبير للطلاب القادمين من الخرطوم (250 ألف طالب) في الولاية الشمالية وحدها. وهو عدد هائل يصعب استيعابه ودمجه دون تحضيرات واستعدادات تتصل بتوفير مواد الدراسة من كتب ومقاعد وفصول دراسية إضافية، وتوسيع في أعداد المدارس وطواقم التدريس.

ومن بين العوامل الأخرى أن مدارس عديدة في الولايات أصبحت بالفعل مراكز إيواء للنازحين الذين شرّدتهم الحرب.

ويضاف إلى كل ذلك تأرجح البيانات والتكهنات بشأن مواعيد انتهاء العمليات العسكرية، مما أربك اتخاذ القرار بشأن استئناف الدراسة بالولايات في الوقت المناسب وبالتالي فشل نوايا إنقاذ العام الدراسي للطلاب.

يوضح المعلّم الوليد، للجزيرة نت، أن العملية التعليمية لم تكن على ما يرام حتى قبل نشوب الحرب الأخيرة حيث ألقت الخلافات والانقسامات العميقة وحالة الفوضى التي صاحبت فترة الهيجان الشعبي والحكومات الانتقالية الثلاث بظلالها على الاستقرار الأكاديمي بين عامي 2019 و2022.

ويشير الوليد إلى أن خبراء التعليم يعتبرون 210 أيام من العمل المتواصل معيارا لنجاح العام الدراسي على أعلى مستوى، و170 يوما على المستوى المتوسط. ومع ذلك، فإن متوسط الأيام التي عملت بها المدارس خلال تلك الفترة لا يتجاوز 120 يوما في العديد من الحالات.

وكانت العملية التعليمية واحدة من ضحايا فوضى الحكم الانتقالي كما هي اليوم ضحية لحرب الخرطوم، على حد قوله.

ومع بروز إشارات من مسؤولين في حكومة الولاية الشمالية حول صدور قرار وشيك باستئناف الدراسة في المراحل الثلاث، نشطت حركة اللجان والمنظمات الأهلية والحكومية لتقديم الدعم والمساندة لاستئناف عام دراسي جديد وتوفير عناصر النجاح والاستمرار وتحقيق الاستقرار الأكاديمي.

ويقول جمال عباس من لجنة تطوير التعليم بوحدة كرمة الإدارية، أن اللجنة نظمت بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم المحلية دورة تدريبية بمشاركة 128 متدربا من المدراء والموجهين الإداريين ووكلاء المدارس الابتدائية والمتوسطة بهدف تأهيلهم في المجالات الإدارية والفنية ومجال الامتحانات المرحلية.

الجزيرة نت

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: العملیة التعلیمیة

إقرأ أيضاً:

وزير التعليم يزور مدرسة "فولكس فاچن للتكنولوجيا التطبيقية" ويتفقد الورش والمعامل ويجري حوارا مع الطلاب

قام  محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم والتعليم الفني بزيارة مدرسة "مجموعة فولكس فاچن للتكنولوجيا التطبيقية" بمنطقة المقطم بمحافظة القاهرة.

وتفقد الوزير الورش واستمع لشرح أحد المعلمين على نموذج لمحرك سيارة ومدى استفادة الطلاب من هذه النماذج المصنعة، كما تفقد معمل الكيمياء والفيزياء وعددًا من الفصول.

كما أجرى الوزير حوارا أبويا مع الطلاب والطالبات حول شغفهم بدراسة مجال السيارات فى المدرسة وأهدافهم بعد انتهاء الدراسة، ومدى استفادتهم من الدراسة بالمدرسة، حيث أكد الطلاب والطالبات من جانبهم على تطلعهم للعمل فى هذا المجال والالتحاق بكليات الهندسة لاستكمال مسيرتهم التعليمية.

مقالات مشابهة

  • رئيس جامعة القاهرة يناقش مع سفير الخرطوم سبل دعم ورعاية الطلاب السودانيين
  • الدكتور حسن مكي: ما حدث في الخرطوم غريب وقد نحتاج إلى سنوات لنفهمه
  • رئيس جامعة القاهرة يناقش مع سفير الخرطوم سبل الدعم والرعاية للطلاب السودانين
  • الجنس مقابل الطعام.. نساء السودان يدفعن النزاع بأجسادهن
  • الجنس مقابل الطعام.. نساء السودان يدفعن ثمن النزاع بأجسادهن
  • وزير التعليم يزور مدرسة "فولكس فاچن للتكنولوجيا التطبيقية" ويتفقد الورش والمعامل ويجري حوارا مع الطلاب
  • وزير التعليم يتفقد مدرسة فولكس فاچن للتكنولوجيا التطبيقية ويجري حوارا مع الطلاب
  • زيارة مفاجئة لوزير التعليم لعدد من المدارس بإدارة المقطم
  • وزير التعليم يتابع انتظام العملية التعليمية خلال جولة مفاجئة في عدد من مدارس محافظتي الجيزة والقاهرة
  • الجيش السوداني يكثف ضرباته على مواقع الدعم السريع في الخرطوم وبحري