هَـل نسـيَ العـالم ثورة السّودانيين؟
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
جمال محمد ابراهيم
(1)
حين ثار الشعب السوداني على الحكومة العسكرية لتي حكمت السودان لست سنواتمن 1058 وإلى 1964 ونجح في إسقاطها ، شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن قبل أن يشهد العالم أجمع ، أوّل هبة شعبية تسقط حكماً شمولياً جاء عبر انقلاب عسكري. كانت المشاهد في تلك المنطقة حافلة بأنظمة شمولية قابضة جاء أكثرها عبر انقلابات عسكرية ، أو أنظمة أخرى عليها ملوك وأمراء وشيوخ، لا تقلّ شمولية عن تلك التي جاءت عبر الانقلابات العسكرية.
(2)
حين حملت افتتاحية صحيفة الأهرام كلمة هيكل الافتتاحية بعد نجاح الثورة السودانية في إسقاط النظام العسكري الشمولي ، عنوانا يقول: “ماذا بعد في السودان؟” ، فهم الشارع السوداني أن المقال عكس رد فعل سلبي على ثورة السودانيين وكأن شعب السودان انقلب على حكومة تتعاطف معها القاهرة ، فخرجوا على الفور في تظاهرات كبيرة وحاصرت السفارة المصرية في الخرطوم ، وحصبوا مبانيهابالحجارة وأسمعوها هتافات مناوئة لمصر ولقيادتها.
في الحقيقة أن ثورة أكتوبر 1964م هي المرة الأولى التي نجح فيها حراك شعبي في إسقاط حكومة عسكرية في منطقةٍ محتشدة بحكومات شمولية جاءت عبر انقلابات عسكريةً. إنها موسم “الربيع العربي” الأول الذي لم يتكرر إلا بعد قرابة نصف قرنٍ من ثورة السودانيين.
تلك الظاهرة تعكس أمرا واضحاً خلاصته أن الأنظمة الشمولية التي لا تعير الديمقراطية أو احترام إ{ادة الشعوب نظرا يذكر، هي التي سادت خلال تلكم السنوات ، وأنّ ثورة السودانيين كانت تسير في الاتجاه المعاكس تماما.
أما في انتفاضة السودانيين في ديسمبر من عام 2018م ، فهل بدت في عيون ذات ذلك الإقليم ، سائرة في ذات الاتجاه المعاكس الذي سارت عليه ثورة أكتوبر عام 1964م. .؟
(3)
الإجابة على هذا السؤال فيما يرى – وبلا تردد- هي نعـم. .
تنظر حولك في وسط وجوانب وأطراف ما يسمى بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، سترى إدمان معظمها على التعاطي والتماهي مع أنظمة شمولية أو شبه شمولية لا تنظر كثير نظر جاد إلى أقدار شعوبها إلا بعض أفعالٍ تبدو كذرٍ للرماد في عيون تلك الشعوب ،أو بعضها سراب يحسبه الظمئآن ماء . ضعف تلك الجدية في تهيئة شراكة لتلك الشعوب في تســـيير شئون بلدانها، شكلت مغريات للطامعيـن في التحكّـم في أقــدار المنطقة وامتـلاك مقــدراتـها وقدراتها، بما يتجاوز السيطرة السياسية والاقتصادية ليصل إلى المقـدرات الفكـرية والثقافية لتلك الشعوب، فيكون القهر والانشعال بالصراعات والحروبات مدخـلاً شـــرعياً للتحكّم عن بعـد في أقـــدار ومصائر شعوب تتنفس وترى وتسمع، لكنها مغلوبة على أمورها. ذلك ما ترصده العين الفاحصة لتطور أوضاع ذلك الإقليم في العقود الأخيرة من القرن العشرين وفي خلال العقدين الأخيرين من الألفية الثالثة.
(4)
وإني أعود ثانية للثورة التي أسقطت نظام الإسلامويين في السودان ، هذا البلد الثري بالثروات الزراعية والواعـد لملء أفواه شعوب القارة والإقليم بالغذاء، والغني بالموارد النفطية والمعدنية في باطن أرضه بما يكفي الإقليم ويزيد، فإلى انتهى بها الأمر. للمرة الثانية تجد ثورة السودانيين التي أذهلت العالم أجمع، ما يشبه الإهمال من عناصرها الداخلية قبل الخارجية ، فجاء الطامعون لسرقة ثروات البلاد وتداعوا تداعي الأكلة على قصعات الموائد الشهية، أو تناهش الصقور على صغار الطير .
تكرّر لثورة السودانيين في عام 2018م، ما وقع لثورتهم الأولى عام 1964مو قبل أكثر من ستين عاماً . من الطبيعي أن لا تتماهى أنظمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، جلّها ينظر شذراً لمتطلبات الشعوب من حقها في إدارة شئونها وأحوالها، فبقي السودان مثلاً لطريد سار في اتجاهٍ معاكس لن يظفر فيه بتعاطف يذكر. لم يقف الأمر عند حدود الإهمال والتجاهل ، بل كثرت أصابع الطامعين من أقرب الأقربين ومن أبعدهم. تجاسر بعضهم يزيد أوار الخلافات ليس بالتشجيع والتحريض بل بتزويد أطراف الصراعات الناشــبة في السودان بالأســـلحة والذخائر والمُسيّرات . قال أطـراف تلـك الحرب عنها- ويا للعجب- أنها عبثـية . كــلا . إنـها حــربُ أغبياءٍ يتبارون في تدمير مقوّمات بلادهم ، سكانا وموارد وثروات ، ويفتحون صفحة دامية لممارسات إبادة جماعية عنصرية وإثنـيـة ، تقـتل وتذبـح على الهــوية واللـون واللســان. أكثر من نصف السـكان هم نازحون بلا موارد ، داخل البــلاد أو خارجـها، أوهـم لاجـئــون يكاد يلفـظهـم من ضيقٍ اللآئذون بهم في بعض بلدان الجوار.
(5)
الذي جرى ويجري في واحــدٍ من أكبر وأغنى بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وصحرائها هو السودان ، لا تقلّ كارثيته عمّا وقع شـبيهاً له في مناطق أخرى من أنحــاء العـالم ، سواءاً في أوكرانيا أو في قطاع غزة وهو جزء من دولة فلسطين المحتلة. إذ المتوقع أن بلتفـت المجتمع الـدولي للمآســي والكوارث ، وبذات القدر من الاســـتجابة لوقــف تصـعـيد الحروبات وضحاياها من قتلى ومن جرحى ، ومن إهلاك للزرع والضرع ولإفـناء للموارد
وللثروات .
ليس ثمة مفاضلة بين شعب و شعب ولا بين قتل وقتل ، ولا بين إهلاك وإهـلاك، إنما للبشرية ضمير واحـد لا يستيقظ هنا أو ينام هناك، ومـا نطــق الفرنســيون إلّا عــن حـق فـي توصيفهم لحرب السودان أنها الحرب المنسية، وليس في ذلك ما قد يغضب السودانيين ولا فيه ما يدين طرفاً من الإطراف، بل هو تذكير للإلتفات لكارثة إنسـانية على المجتمع الـدولي أن ينبري لمعالجتها بما في مواثيقه وتعهـداته ما يعزّز صحوة الضمير الإنساني لإيقـاف نزيف الدّم في كلّ مكان : في أوكرانيا وفي غـزّة أوفي الســودان ، بل في أيّ مكان تنتهـك فيه حقـوق البشر، أطفالاً ونساءاً ورجالا ، وتهدر استحقاقاتهم في الحياة. .
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: جمال محمد إبراهيم الشرق الأوسط وشمال أفریقیا
إقرأ أيضاً:
«الشيخ خالد الجندي»: مصر البلد الوحيد في العالم التي سمعت كلام الله مباشرةً (فيديو)
فسر الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مطلع سورة الطور، حيث قال الله تعالى: "والطور.. وكتاب مستور.. في رقٍّ منشور" (الطور: 1-3).
وأوضح أن "الطور" هو جبل الطور الموجود في جنوب سيناء بمصر، مؤكدًا أنه الجبل الذي تجلى الله له وكلم عنده سيدنا موسى عليه السلام، مما يدل على عظمة مصر ومكانتها الدينية.
كما أشار إلى أن مصر هي البلد الوحيدة في العالم التي سمعت كلام الله مباشرةً، وكانت ملجأً للأنبياء، مستشهدًا بقول الله تعالى: "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين" (يوسف: 99).
أما عن معنى "كتاب مستور"، أشار إلى أن العلماء فسروها بأنها تشير إلى اللوح المحفوظ، موضحًا أن كلمة "مستور" تعني المكتوب في سطور، كما ورد في بعض التفاسير، مضيفا أن "مستور" في بعض المواضع تعني المحجوب والمخفي، وهو ما يدل على قدسية هذا الكتاب وكونه محفوظًا عند الله.
وأشار إلى أن الآيات الواردة في سورة الذاريات تكشف لنا تفاصيل ما حدث مع قوم لوط، مشيرًا إلى قول الله تعالى: "قالوا إنا أُرسِلنا إلى قومٍ مُجرمينَ.. لِنُرسِلَ عليهم حجارةً من طينٍ.. مُسَوَّمةً عندَ ربِّك للمسرفينَ" (الذاريات: 32-34).
وأوضح عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، خلال حلقة برنامج "لعلهم يفقهون"، المذاع على قناة "dmc"، اليوم الخميس، أن كلمة "مسوّمة" تعني مُعلَّمة، أي أن هذه الحجارة لم تكن عشوائية، بل كانت موجهة بدقة، كل حجر منها معروف وجهته ولمن سيصيب.
وأضاف: "هذه الحجارة كانت ذخيرة موجهة، وكل واحدة منها تحمل رقمًا وعلامة خاصة بها، مما يعني أنها لم تُرسل جزافًا، بل كانت معتمدة ومعدّة خصيصًا لهؤلاء القوم".
وأشار إلى أن قوم لوط لم يتعرضوا لعقوبة واحدة فقط، بل نزلت عليهم عقوبات متتالية. جعل الله عاليها سافلها، فقُلبت مدينتهم رأسًا على عقب، ثم أمطرهم بحجارة من سجيل، وهي حجارة طينية محروقة شديدة العقاب، لم يكن ذنبهم فقط في الفاحشة، بل جمعوا بين مشكلات عقدية تمثلت في الكفر، ومشكلات أخلاقية جسدتها الفاحشة، وسلوكيات اجتماعية سيئة مثل قطع الطريق والاعتداء على الآخرين وعدم توقير الضيفان، لم يكتفوا بذلك، بل حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرّم، وهذا جعل عقابهم مضاعفًا، فقد جمعوا بين الفساد الديني والفساد الأخلاقي.