خليل المعلمي
يمتلك الفلسطينيون كغيرهم من الشعوب العربية تراثاً شعبياً وحضارياً تمتد جذوره إلى آلاف السنين، حيث سعى الباحثون والأكاديميون خلال العقود الماضية إلى توثيق هذا التراث والحفاظ عليه وتم إصدار العديد من المؤلفات حول ذلك.
نشر الفلسطينيون أولى مقالاتهم وأبحاثهم المتخصصة بالتراث الشعبي الفلسطيني في فترة مبكرة من القرن العشرين، وممن كتبوا في هذا الموضوع عمر صالح البرغوثي وتوفيق كنعان وإسطفان إسطفان وغيرهم، لكن ما تركوه من أدبيات -على أهميتها- كانت نخبوية، ولم تكن في الأساس موجهة إلى الجمهور الفلسطيني والعربي، وجاءت في إطار المدرسة الاستشراقية الغربية التي اهتمت بدراسة التراث الشعبي، وصدر هذا الجهد الفلسطيني بالإنجليزية، وبعضه كان بالألمانية، ونُشر جزء مهم منه في مجلة غربية.


وبعد حدوث النكبة في العام 1948م انقطع الاهتمام بالتراث الشعبي، ومضت فترة الخمسينيات والستينيات من دون أي إنجازات تُذكر على هذا الصعيد، سوى بعض الرسائل الجامعية في الجامعات الغربية، والتي تناولت الحياة الاجتماعية في الريف الفلسطيني، مثل رسالة عبدالله أبو لطفية عن قرية بيتين في محافظة رام الله والبيرة، ورسالة عبداللطيف البرغوثي بشأن الأغنيات العربية الشعبية في الأردن وفلسطين، كما كانت تقام في الستينيات مهرجانات صيفية في رام الله، تُنفّذ فيها بعض الفعاليات المتعلقة بالتراث الشعبي، وكان لبعض المهتمين الفلسطينيين مشاركات في مجلة “الفنون الشعبية” الصادرة في الأردن، منهم نمر سرحان وعمر الساريسي، لكن مستوى الاهتمام البحثي بقي ضعيفاً.
أما بعد أن وقعت حرب 1967م، فقد دخل الاهتمام بالتراث الشعبي مرحلة جديدة من الانتعاش والتطور، ارتبطت في مضامينها بصعود الحركة الوطنية واشتداد الصراع مع الاحتلال وتعدُّد أشكاله، وبالتالي تصاعدت الرغبة في توثيق التراث الشعبي الفلسطيني، وكانت ادعاءات الاحتلال الصهيوني أن فلسطين أرض بلا شعب، محفِّزاً للمثقفين على زيادة الاهتمام بالتراث والأكثر دلالةً على التأكيد أن “جذور الشعب الفلسطيني موجودة في أعماق أرضه منذ آلاف السنين”، ولاقت هذه الرغبة حاضنة مؤسساتية تمثَّلت، في حينه، بعدد من الجمعيات، من أهمها “جمعية إنعاش الأسرة” في البيرة، تأسست هذه الجمعية سنة 1965م، وتركز اهتمامها بالتراث الشعبي على بند في النظام الأساسي للجمعية يتعلق بالهدف السادس، وهو الحفاظ على التراث الشعبي.

دراسات في التراث الشعبي
كما أسست “جمعية إنعاش الأسرة” لجنة في منتصف العام 1972م، وهي لجنة الأبحاث الاجتماعية والتراث الشعبي الفلسطيني، والتي جعلت في صلب اهتماماتها “الإشراف على دراسات تاريخية واجتماعية وثقافية واقتصادية للمجتمع الفلسطيني، بهدف تحليل المشاكل الراهنة التي يواجهها البلد وتقديم الاقتراحات التي قد تسهم في معالجة هذه المشاكل،” والمحافظة على التراث الشعبي “في وثائق مدونة ومصورة ومسجلة خوفاً عليه من الضياع والاندثار، وتحويل تطلعات المثقفين الفلسطينيين إلى حفظ الثقافة الشعبية “إلى واقع عملي بجمع المواد التراثية وأرشفتها، وكذلك نشر الدراسات والأبحاث المتعلقة بالتراث الشعبي،” وقد أشرفت اللجنة على إصدار أولى الأدبيات التراثية، فكان لها الفضل في إصدار كتاب “دراسة في المجتمع والتراث الشعبي الفلسطيني- قرية ترمسعيا”، سنة 1973م، بالتزامن مع إصدار الأعداد الأولى من مجلة التراث والمجتمع.
ويعتبر الكتاب من أوائل ما صدر باللغة العربية عن القرى الفلسطينية، على، وشكَّل نشره حدثاً استثنائياً شغل الأوساط الثقافية والمجموعات المهتمة بإحياء التراث الشعبي الفلسطيني، وفتح الطريق أمام مشاريع بحثية لاحقة اهتمت بدراسة القرى من النواحي المختلفة، الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية.
وقد برزت إسهامات نوعية أُخرى في هذا المضمار، فكان لمؤسسة الدراسات الفلسطينية مشاركتها في الجهود الرامية إلى الحفاظ على التراث الشعبي، فصدر عنها عدة كتب، منها: “قول يا طير: نصوص ودراسة في الحكاية الشعبية الفلسطينية” (2013)، و”طلع الرنجس والحنون: أزهار مطرزة من ربيع فلسطين” (2014م)، و”الإرث الفلسطيني المرئي والمسموع، نشأته وتشتته والحفاظ الرقمي عليه: دراسات أولية وتطلعات مستقبلية” (2020م)، كما اهتمت المؤسسة بدراسات عن القرى الفلسطينية، فنشرت كتابها المشهور: “كي لا ننسى: قرى فلسطين التي دمرتها إسرائيل سنة 1948م وأسماء شهدائها” (2001)، ونشرت قبله بعامين كتاب “دير ياسين: الجمعة، 9 /4 /1948م».

التراث الثقافي للقدس
ولا شك أن هناك الكثير من المؤلفات التي تتناول مثل هذه المواضيع ونذكر منها كتاب “دراسات في التراث الثقافي لمدينة القدس” الصادر عن مركز الزيتونة، حيث تناول الكتاب التراث الثقافي لمدينة القدس ضمن فعاليات الحملة الأهلية لاحتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية للعام 2009م، وهو كتاب تأصيلي ينتمي إلى تصنيفات الحضارة، ويختلف في مضامينه عن موضوعات المركز السياسية والاستراتيجية التي يصدرها عادة.
ويتناول الكتاب 13 فصلاً موضوعياً، شارك في تحرير كل فصل كاتب واحد أو عدة كتاب، وقام بتحريره د.محسن محمد صالح، فتناول الفصل الأول تاريخية الصراع على القدس، وتناول الفصل الثاني نماذج لأعلام مقدسية تعود للحقب المملوكية والعثمانية والانتدابية أسهمت في ترقية الفكر الإنساني وإعطاء دور ثقافي وحضاري للمدينة، وسلط الضوء على الهوية الهندسية والمعمارية في المدينة المقدسة، وعلاقتها بالأديان الثلاثة، وتفنيد الادعاءات الصهيونية بشأنها، وفي الفصل الثالث تركز اهتمام الباحث على تصحيح مفاهيم تاريخية تتعلق بالدور العثماني في الحفاظ على الدور الثقافي والحضاري للقدس، بينما ركز الفصل الرابع على إعادة قراءة ملف واقع مؤسسات الوقف في القدس قبل احتلال المدينة وبعده، ودور الأوقاف في تثبيت هوية المدينة ونموذج التعايش الحضاري فيها، ويكشف الفصل الخامس عن الممتلكات والأوقاف المسيحية في المدينة وما تتعرض له من اعتداءات.
وفي الفصلين السادس والسابع تم الحديث عن مؤسسات الوقف الإسلامي والمسيحي من خلال تقرير بحثي مفصل عن واقع المؤسسات التعليمية والمكتبات العربية والإسلامية والأجنبية فيها، ويتلو هذا الفصل تقرير وصفي يركز على أدوار بعض هذه المؤسسات وإمكاناتها في خدمة المشروع التعليمي والثقافي في القدس.
وفي الفصل الثامن يتحول البحث إلى قضايا الصراع على المستوى الثقافي، وأسس الفكرة الصهيونية وفلسفتها في احتواء المكان ونفي الصبغة العربية الإسلامية عنها، وتطبيقات ذلك على الأرض.
ويتحول الفصل التاسع لتوصيف واقع التعامل مع تراث القدس الثقافي في المعاهدات والقرارات الدولية، والروافع القانونية التي يمكن استخدامها في حماية التراث الثقافي لمدينة القدس من وجهة نظر دولية.
ثم يستمر الحديث في الفصل العاشر عن نوع مختلف من الصراع الثقافي على المدينة، من خلال استخدام الموسوعات العلمية اليهودية والأجنبية ذات الامتدادات الأكاديمية في تأكيد انتماء القدس للتراث اليهودي، وأثر ذلك في التطبيقات السياسية والدينية على العقلية الغربية، وهذا الفصل خطير وهام للغاية يجدر بالباحثين إثارته على الصعد العلمية كافة.
والفصل الحادي عشر يعود إلى تفصيل آخر عن الجمعيات التي تعنى بحفظ التراث المقدسي من التزوير الإسرائيلي ودور هذه الجمعيات وإمكانية تعميم الانتفاع بها. وفي الفصل الثاني عشر تظهر لنا قلة الكتب التي اهتمت بالبيلوغرافيا الثقافية لمدينة القدس وأهمية الاستدراك على ذلك، وضرورة تأهيل متخصصين في هذا الجانب لكتابة رواية تاريخية حضارية للقدس خالية من العبث والتزوير.
ويشتمل الفصل الأخير وهو الفصل الثالث عشر، على ثلاثة مباحث هامة، ركزت على الأبعاد العملية للحفاظ على التراث الثقافي للقدس، فتناول المبحث الأول المستوى الرسمي الفلسطيني والعربي والإسلامي في هذا الجهد والإطار السياسي العام الذي تعمل عليه هذه الجهات، ومدى هذا الدور، ويتناول المبحث الثاني المستوى العلمي الممثل بالعلماء والأكاديميين في مواجهة المخاطر التي يتعرض لها التراث الثقافي المقدسي، فيما يتناول المبحث الأخير أدوار مؤسسات المجتمع المدني في المجال الثقافي وواقعها مع قراءة تطبيقية لتجربة مؤسسة القدس الدولية في حماية التراث الحضاري والثقافي لمدينة القدس.

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: على التراث الشعبی التراث الثقافی وفی الفصل فی الفصل فی هذا

إقرأ أيضاً:

طبق المصريين الشعبي يخطف الأضواء عالميا.. الكشري تراث إنساني معتمد

في إنجاز ثقافي جديد يعزز حضور مصر على خريطة التراث العالمي، أعلنت منظمة اليونسكو إدراج طبق الكشري المصري ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية لعام 2025، ليصبح العنصر الحادي عشر المسجَّل باسم مصر. 

وأكدت الدكتورة نهلة إمام، مستشار وزير الثقافة للتراث الثقافي غير المادي، أن إدراج طبق الكشري على قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو يُعد اعترافاً دولياً واضحاً بالهوية الثقافية المصرية. 

 اتفاقية صون التراث الثقافي

وأشارت إلى أن هذا الإدراج يأتي ضمن إطار اتفاقية "صون التراث الثقافي غير المادي للإنسانية" لعام 2003، التي كانت مصر من أوائل الدول المنضمة إليها، وتضم حالياً 185 دولة مشاركة.

الكشري المصري في اليونسكو.. إدراج الأكلة الشعبية بقائمة التراث الثقافي غير المادي 2025اليونسكو يدرج ”الكشري المصري” ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي

وفي مداخلة هاتفية مع الإعلاميين محمود السعيد ومنة فاروق في برنامج "ستوديو إكسترا" على قناة "إكسترا نيوز"، أوضحت إمام أن تسجيل أي عنصر تراثي لا يعني امتلاكه حصرياً، بل يمثل تأكيداً دولياً على ارتباطه بثقافة الدولة التي تقدمت به.

وأضافت أن مصر تمتلك بالفعل عشرة عناصر مسجلة في اليونسكو، لكنها لم تتضمن أي شيء متعلق بالمطبخ المصري، وهو ما دفعها للتفكير في اختيار طبق يعكس الهوية المصرية، ورغم ميلها المبدئي لتسجيل الفول المدمس لرمزيته الاجتماعية، فإن الرغبة الشعبية الواسعة مالت نحو الكشري، وهو ما لمسَت أهميته خلال مشاركتها الحالية في الهند، حيث لاقى الإعلان احتفاءً كبيراً من الحاضرين.

 خريطة التراث الدولي

وأكدت إمام أن إدراج الكشري يمثل مكسباً حقيقياً للمصريين، لأنه يجسد اعترافاً عالمياً بثقافتهم ويعزز حضور مصر على خريطة التراث الدولي، تماماً كما تفعل مختلف الدول عند تسجيل عناصرها التراثية.

الاحتفال بطهي الكشري

وأشارت إلى أن التفاعل الدولي مع الخبر كان لافتاً، إذ تلقت دعوات من مصريين بالخارج للاحتفال بطهي الكشري، إضافة إلى دعم كبير من السفارة المصرية في نيودلهي التي نظمت مأدبة خاصة بالكشري احتفالاً بهذا الإنجاز الثقافي.


إدراج الأكلة الشعبية بقائمة التراث الثقافي غير المادي 2025

أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” إدراج “الكشري المصري” على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية لعام 2025، وذلك خلال اجتماعات اللجنة الحكومية للتراث غير المادي المنعقدة في العاصمة الهندية نيودلهي.

وأعرب الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، عن سعادته بتسجيل الكشري المصري ليصبح العنصر الحادي عشر المسجَّل باسم مصر على قوائم التراث غير المادي، وهو تأكيد جديد على مكانة التراث المصري وقدرته على الإلهام والتجدد، وعلى تقدير المجتمع الدولي لهذا التراث الذي حافظ عليه المصريون عبر السنين.

وأكد وزير الثقافة أن إدراج “الكشري المصري” يعكس الاهتمام بثقافة الحياة اليومية للمصريين، التي تمثّل جزءًا أصيلًا من الهوية، وقال إن “الكشري” أول أكلة مصرية يتم تسجيلها، وستشهد السنوات القادمة تسجيل المزيد من العناصر المرتبطة بممارسات اجتماعية وثقافية تتوارثها الأجيال وتُعبّر عن روح المشاركة والتنوع داخل المجتمع المصري.

وأضاف الدكتور هنو أن هذا الإدراج يعكس نجاح الجهود التي تبذلها الدولة المصرية في توثيق تراثها وحمايته، مؤكدًا استمرار دعم الوزارة لكافة العناصر التراثية، وتعزيز التعاون مع المجتمعات المحلية والممارسين والجماعات التي تحافظ على هذه الممارسات الحية.

وفي كلمة الوفد المصري أمام اللجنة الحكومية للتراث غير المادي عقب التسجيل، وجّهت الدكتورة نهلة إمام، مستشار وزير الثقافة للتراث غير المادي وممثل مصر باتفاقية التراث غير المادي، الشكر والتقدير إلى اللجنة على اعتماد إدراج عنصر “الكشري… طبق الحياة اليومية” ضمن القائمة التمثيلية للتراث الإنساني.

وأكدت أن هذا الإدراج يعكس التزام مصر الدائم بالعمل مع الممارسين داخل المجتمعات المحلية ومن أجلهم، مشيرة إلى أن إعداد ملف الترشيح اعتمد على تعاون وثيق مع الجماعات والأفراد الذين يمارسون هذا العنصر يوميًا، مما أتاح إبراز تنوعه وثراءه، ودوره كعنصر اجتماعي موحَّد يعكس تواصلًا مستمرًا داخل البيئات الطبيعية والاجتماعية.


 

طباعة شارك التراث العالمي الكشري وزير الثقافة طبق الكشري

مقالات مشابهة

  • طبق المصريين الشعبي يخطف الأضواء عالميا.. الكشري تراث إنساني معتمد
  • رئيس الوزراء الفلسطيني يطالب بتحرك دولي لمواجهة إعلان الاحتلال بدء إقامة 17 مستوطنة جديدة
  • بريطانيا تستنكر اقتحام الاحتلال الإسرائيلي لمجمع الأونروا في القدس
  • الاحتلال الإسرائيلي يقتحم جامعة القدس
  • دليل مرضى القلب لمواجهة فيروسات الشتاء والحفاظ على الصحة
  • الاحتلال الإسرائيلي يُصعد عمليات الهدم في الضفة الغربية المحتلة
  • الأردن يُدين اقتحام الاحتلال الإسرائيلي لمقر الأونروا في القدس
  • الاحتلال الإسرائيلي يقتحم مقر "الأونروا" بالقدس
  • دون أسباب .. الاحتلال الإسرائيلي يقتحم مقر أونروا
  • مراسل "القاهرة الإخبارية": الاحتلال الإسرائيلي اقتحم مقر "أونروا" دون أسباب