"أقسم بالله العظيم أن أراقب الله في مهنتي، وأن أصون حياة الإنسان في كافة أدوارها، في كل الظروف والأحوال باذلًا وسعي في استنقاذها من الهلاك والمرض والألم والقلق، وأن أحفظ للناس كرامتهم، وأستر عورتهم، وأكتم سرهم، وأن أكون على الدوام من وسائل رحمة الله.. " الكلمات السابقة جزء من قسم "إبقراط" الذى يقسم عليه الأطباء عند تخرجهم، نسبة الى الطبيب اليوناني الشهير أو"أبو الطب"كما يطلقون عليه.
الكلمات لخصت معني أن تكون طبيبا، فالطب فى المقام الأول مهنة سامية ورسالة، لأنها تختص بأرواح عباد الله، ومن ثم فهي ليست مهنة للتجارة والجشع واستغلال ظروف المرضي، وإنما مهنة "إنسانية"تستطيع أن تحصل من خلالها على الرزق الوفير، دون أن يكون ذلك على حساب "أوجاع "المرضي.
هناك من الأطباء من يؤمن بهذه الرسالة السامية، ويسعى بكل ما أوتي من قوة لبذل الجهد لتكريس هذه القيمة، ومن بين هؤلاء الدكتور هاني الناظر أستاذ الأمراض الجلدية والرئيس الأسبق للمركز القومي للبحوث، والذى وافته المنية قبل أيام، وشيعته دعوات الآلاف وربما الملايين من متابعيه ومن مرضاه، جسد الناظر نموذجا حيا لـ"طبيب"الخير، فقد كان يخصص أوقاتا فى عيادته الخاصة للكشف المجاني لغير القادرين، وفى أيام مرضه الأخيرة كتب على صفحته على الفيس بوك، أنه أوصي ابنه الطبيب أيضا بزيادة أعداد الكشوفات المجانية، بالإضافة الى منح خصم الى النصف على عمليات الليزر.
لم يمنعه المرض من تقديم النصائح والاستشارات الطبية لكل محبيه ومتابعيه على صفحات التواصل الاجتماعي، وعندما كان يفيق لبعض الوقت من جلسات الكيماوي وآلام المرض، كان يكتب على صفحته أنه يمكنه تلقي الاستفسارات والإجابة عليها، وكانت صفحته على الفيس بوك من أنشط الصفحات نظرا لكثرة متابعيه، وكنت شخصيا أندهش من قدرته على تخصيص وقت وسط مشاغله للرد على كل حالة وكل سؤال سواء أثناء مرضه أو قبله، وهو ما حفراسمه فى قلوب مرضاه ومتابعيه، الذين ضجت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بسرد كثير من المواقف التى جمعت أصحابها بطبيب الإنسانية رحمه الله.
ونحن نتحدث عن أطباء الخير أيضا تتجسد أمامنا صورة الدكتورأو "السير" مجدى يعقوب "طبيب القلوب" كما يطلق عليه، وهو النموذج الأبرز والعلامة والأيقونة فى الإيمان بسمو مهنة الطب والإحساس بـ"الغلابة" والذى أسس مستشفى فى أسوان لعلاج القلب بالمجان و حصل عام 2018 على لقب أسطورة الطب في العالم، من جمعية القلب الأمريكية بشيكاغو، ضمن أكبر خمس شخصيات طبية أثرت في تاريخ الطب، وهو نموذج لن توفيه الكلمات حقه مهما طالت.
أما الطبيب الراحل محمد مشالي المعروف بـ"طبيب الغلابة" فقد كان يمارس عمله في ريف مصر، ويعالج الفقراء، من خلال عيادة صغيرة في طنطا وبأجر رمزي 10 جنيهات، عرفته مصر كلها بعد أن سلطت عليه وسائل الإعلام الأضواء، وكان نموذجًا للزهد الغريب.
هؤلاء واخرون كثر هم أطباء الخير والانسانية، وبأمثالهم ترتقي وتسمومهنة الطب.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
جمعة: شُعَب الإيمان مدخل دقيق لفهم النفس الإنسانية
أكد الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، أن الإيمان لا يقتصر على أركانه المعروفة، بل له شعب وخصال متعددة، مستدلًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون -أو بضع وستون- شعبة، فأفضلها قول (لا إله إلا الله)، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" [رواه مسلم].
جهود العلماء في جمع شُعَب الإيمانأوضح جمعة أن العلماء اهتموا بجمع شُعَب الإيمان وتصنيفها، وكان من أبرزهم الإمام البيهقي، الذي ألف كتاب "الجامع لشعب الإيمان"، حيث استعرض فيه هذه الشعب بالتفصيل، مستندًا إلى نصوص النبي صلى الله عليه وسلم وأوامره وإرشاداته.
وأصبح هذا الكتاب مرجعًا أساسيًا في علم الحديث، حيث يُعد الأضخم من نوعه، إذ طُبع في نحو 15 مجلدًا، مقارنةً بكتاب الإمام الحليمي، الذي جاء في ثلاثة مجلدات فقط.
الإيمان وشُعَبه.. فهم أعمق للنفس البشريةأكد جمعة أن مفهوم "شُعب الإيمان" يعكس فهمًا عميقًا لطبيعة النفس البشرية، التي تتميز بتركيبها المعقد، مما يجعل وصف الإيمان بالشعب تعبيرًا دقيقًا، كما أن ترتيب هذه الشعب من الأعلى إلى الأدنى يحمل دلالة على أهميتها، حيث تأتي في مقدمتها "لا إله إلا الله"، باعتبارها القضية الجوهرية التي توجه فكر الإنسان وتؤثر في مواقفه الحياتية.
أثر الإيمان في حياة الإنسانأضاف جمعة أن الإيمان بالله والتصديق باليوم الآخر والتكليف الإلهي ينعكس بشكل مباشر على تصرفات المؤمن، مقارنةً بمن يغفل عن قضية الألوهية أو ينكرها. فالبعد عن الإيمان قد يؤدي بالبعض إلى الاستغراق في الدنيا ونسيان حقيقة الموت، مما يجعل الفرح لديهم مذمومًا، على عكس الفرح المحمود الذي ذكره الله في قوله: "إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الفَرِحِينَ".
الإيمان بين الغيب والشهادةأوضح جمعة أن الإيمان الحقيقي يوازن بين التصديق بالغيب والواقع المشهود، مما يجعل الإنسان أكثر وعيًا بمسؤولياته في الدنيا، وأكثر استعدادًا للحياة الآخرة. وهذا الفهم العميق للإيمان هو ما يميز المؤمن في سلوكه وقراراته اليومية.