لجريدة عمان:
2024-12-26@02:19:07 GMT

«نزوى» والبنت التي تذرفُ الدموع !

تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT

ثمّة غبشٌ يُشوشُ ذكرى ذلك اليوم الذي حاولتُ تذكّره الأسبوع الماضي بنستولوجيا عالية، شيء خفيّ ومتوارٍ في طبقات ذكرياتي البعيدة، شيء ظننته في الوهلة الأولى عبثيًا، لكن خيوط حياتي وتشابكاتها كانت تقودني إليه في كلّ مرّة!

في نهاية التسعينيات كنتُ ضمن جماعة الصحافة في المرحلة الثانوية، عندما قررتْ المعلمة أن تصطحبنا في رحلة للتعرُّف على الصحافة الحقيقية وعملية الطباعة المعقّدة.

أكثر ما يُضيء في عقلي من تلك الذكرى الضبابية، أننا حصلنا -جوار الجرائد- على نسخة من مجلة «نزوى». أحدهم قال لنا عفو الخاطر: بأنّ الكُتّاب يكتبون في هذه المجلة. آنذاك قبضتُ عليها بكلتا يديّ وكأنّها ستطيرُ من بينهما فيما لو أفلتها، وأخذ الخفقان يعبثُ بقلبي، ربما لأنّي كنتُ أضمرُ في طياتِ روحي تلك النوايا المبكرة بأن أصير كاتبة.

أردتُ أن تنتهي الرحلة بسرعة لأنفرد بها، بمتعتي التي لم تكن تتغذى جيدا في قريتي النائية والبعيدة، بمكتباتها الصغيرة التي لا تحتوي أكثر من القرطاسيات. لم تتعد قراءاتي آنذاك الروايات والقصص ومجلات الأطفال، ولم تخدش عوالمي الأسئلة الكبرى رغم ما يعتمل بداخلي من فوران، ولم يتزود عقلي بزوادة النقد ومفاتيحه، ولم تقدح الفلسفة شرارتها ومقترحاتها الجمالية في روحي بعد.

لكن وما إن خلوتُ إلى نفسي وفتحتُ صفحاتها، انتابني العجز وقصور الفهم، وجدتُ نفسي ألهثُ دون أن أقبض المعنى، وفي خذلان اللحظة طويتُ نفسي كحنين غير مكتمل وبكيت!

أذكرُ جيدا بكاء تلك الليلة الغامض والحارق في آن، كان ثمّة صوت في رأسي يؤكدُ لي المسافة التي تفصل بيني وبين الكتابة. صوت مُعذب يُعمق بداخلي الفروقات. أذكر أنّي حاولتُ في اليوم التالي القراءة مجددا. بدت الأشياء أقلّ حدّة، والحذر أقل وحشة، إلا أنّ ذلك لم يُخفف للحظة من شعوري باستحالة أن أصير كاتبة! كنتُ أضع كُتّاب «نزوى» معيارا مُتطرفا لأوغل في إيذاء بداياتي الهشة والمضطربة بالاحتقان والفوضى.

عندما قُدر لي أن أدرس في جامعة «حلب» بداية الألفية، شاهدتُ أساتذتي ينظرون لها على أنها مصدر أساسي نُوثق بواسطته أبحاثنا، ينظرون لها بتقدير لا مثيل له. كان من النادر آنذاك أن يدرس العُمانيون في سوريا، ولذا كلما قلتُ «عُمان» كلما قال أساتذتي «نزوى»، هكذا تجلّى فضولهم في أبهى صوره تجاه الأنموذج المتخيّل لديهم عن عُمان ومثقفيها من خلال التصور الذي تخلقه «نزوى» فأدركتُ آنذاك أنّها علامة لا تتكرر.

في السنة الثالثة غامرتُ بإرسال نصّ لنزوى، كنتُ راغبة بكسر الرعب الأول الذي أحدثته بداخلي، في وقت كانت تلتبس فيه المفاهيم عليّ، ولم أتيقّن من نشر النصّ إلا عقب أن وصلني أول بريد من «نزوى» يطلبُ رقم حسابي لصرف المكافأة.

أخذتُ آنذاك أذرعُ الشقة ذهابا وإيابا، أصعد السلالم وأنزل، غير قادرة على ضبط إيقاع نبضي المُتسارع. كان ذلك أشبه باعتراف يكسرُ شبحية الانفصال القاسي الذي توهمته أول مرّة.

عندما عدتُ في ٢٠٠٥ للعمل في جريدة عُمان، وجدتُ نفسي أجاور المجلة مكانيًا لأول مرّة، لكني كنتُ أرغب دوما في إبقاء المسافة الآمنة بيننا.. إلا أنّ المغامرة الكبرى تمثلت في انتقالي للعمل فيها، فتخلخل الرعب وتزعزع.

وبينما تحتفل مجلة نزوى بإكمالها العقد الثالث هذا العام، كنتُ أفكر في خيوط لعبة المصائر التي قادتني بصورة لا تخلو من عجائبية لأصبح جزءا من فريق عملها. لقد تذكرتُ البنت التي كنتها يوما تذرفُ دموعها، وفهمتُ الآن أنّها كانت تريدُ من أعمق نقطة في روحها أن تنصهر في مشروع بهذه الرصانة، أن تتجذر في متنها وأن تجمح للمغاير والفارق عبرها.

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

أستاذ طب نفسي: 4 مراحل للتعصب أصعبها التمسك بـ«المعتقدات»

أكد الدكتور فتحي الشرقاوي أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، أن التعصب ليس مجرد موقف عابر أو مجرد رأي، بل هو ظاهرة نفسية تتطور عبر مراحل متعددة تؤثر على الأفراد بشكل عميق.

مراحل التعصب

وأوضح أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، خلال حوار مع الإعلامية مروة شتلة، ببرنامج «البيت»، المذاع على قناة الناس، اليوم الثلاثاء، أن التعصب يمر بأربعة مراحل، المرحلة الأولى وهي التعصب في الرأي، حيث يتخذ الشخص رأيًا ثابتًا حول قضية ما ولا يقبل أي وجهة نظر مخالفة، ويرفض حتى مناقشة رأيه أو سماع آرائكم الأخرى، مما يجعل الحوار مستحيلًا، ويمكن أن يتغير الموقف بسهولة من خلال النقاش العقلاني والتفاهم.

ولفت إلى أن المرحلة الثانية، فهي عندما يصبح الشخص متعصبًا لوجهة نظره بشكل أكثر تعقيدًا، مثل رفض فكرة معينة أو اتباع اتجاهات محددة في الحياة، مثل القيم الاجتماعية أو المهنية، ويصبح الشخص أكثر قسوة في مواقفه، ويصعب على الآخرين إقناعه بتغيير وجهة نظره.

أما المرحلة الثالثة أوضح، هي التعصب في القيمة، حيث يتعصب الشخص لقيمه ومعتقداته الأساسية، سواء كانت دينية أو ثقافية أو اجتماعية، وهذا النوع من التعصب يكون أكثر تعقيدًا وصعوبة في التعامل معه، حيث يصبح الشخص غير قادر على تقبل أي نقاش أو حوار حول هذه القيم.

وعن المرحلة الرابعة، أشار إلى أن الشخص يصل إلى التعصب في المعتقد، حيث يعتقد أن معتقداته هي الوحيدة الصحيحة، ويصبح غير مستعد للتسامح مع أي شخص أو فكرة تختلف معه في المعتقدات، وتعتبر هذه المرحلة من أخطر مراحل التعصب، مشيرًا إلى أن هذه المراحل تشكل تحديات كبيرة في العلاج النفسي، حيث إن تعديل المعتقدات الخاطئة أو الانفعالات التي تؤدي إلى التطرف يتطلب جهودًا كبيرة، موضحا أن العلاج لا يكون من خلال تغيير السلوكيات الظاهرة فقط، مثل منع الشخص من التصرف بطريقة معينة، بل يتطلب العمل على تعديل الأفكار والمعتقدات الجذرية التي تحرك هذه السلوكيات.

كيفية علاج التعصب

وأضاف أن العلاج النفسي المعتمد على تعديل الأفكار والمشاعر، المعروف بالـ الانفعال العقلاني السلوكي، يعد من الأساليب الفعالة في معالجة هذه الحالات، حيث إن تعديل المعتقدات المشوهة في عقل الشخص يؤدي بشكل تدريجي إلى تغير في مشاعره وسلوكياته.

مقالات مشابهة

  • شاب يـ ـذبح والده المسن في الإسماعيلية .. والتحريات: مريض نفسي
  • مجلة “الشرطة” تستحضر مآثر ثورة التحرير المجيدة بمناسبة الذكرى الـ 70 لاندلاعها
  • 14.5 مليون ريال لمشاريع خدمية وتنموية بالداخلية
  • جامعة نزوى تسلط الضوء على "تقنيات أشباه الموصلات" بمشاركة خبراء من تايوان
  • طبيب نفسي إسرائيلي يكشف عن فظائع وجرائم وحشية ارتكبها الجيش ضد الفلسطينيين
  • أستاذ طب نفسي: 4 مراحل للتعصب أصعبها التمسك بـ«المعتقدات»
  • مجلة دولية تفند الأنباء المتضاربة بشأن اسقاط المقاتلة الأمريكية "إف18".. هل أسقطها الحوثيون؟ (ترجمة خاصة)
  • جورجينا تحيي موضة التسعينات في موسم الرياض (صور)
  • «على القد».. مجلة وقاية تلقي الضوء على أهمية ترشيد استهلاك المياه
  • التفكك الأسرى يدمر المجتمع.. «الأوقاف» تصدر العدد الأول من مجلة وقاية