لجريدة عمان:
2024-09-18@22:59:02 GMT

هذا الإنسان.. قضايا من التهميش والعشوائيات

تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT

اخترع الإنسان رمزية «هرم ماسلو» للاحتياجات الإنسانية» ليوجد مقاربة لعل لها أن تعيد صياغة الكثير مما تفقده الإنسانية على امتداد تطلعاتها نحو العلا، ومن الملفت للنظر حقًا أن قمة هرم ماسلو احتوت على العناوين العريضة التالية: (الابتكار، حل المشاكل، تقبل الحقائق) بينما احتوت قاعدة الهرم ذاته على العناوين العريض التالية: (التنفس، الطعام، الماء، النوم، الجنس، التوازن، الإخراج) وهذه كلها تندرج ضمن الاحتياجات الطبيعية للبشر، ومن إحدى هذه الاحتياجات وقعت جريمة القتل بين ابني آدم «قابيل وهابيل» وما بين قمة الهرم وقاعدته، تتباين الممارسات، وتتصادم الآراء، وتتقاطع المواقف، ومن هنا تأتي هذه المناقشة اليوم، ومنذ ذلك العهد الزمني الممتد، وإلى اليوم، لا تزال البشرية تقتتل على الاحتياجات البشرية الطبيعية، حيث لم تصل إلى مستوى من الإشباعات الفطرية، والفسيولوجية، والنفسية، هل لأن الإنسان لم يستطع إدراك أهمية هذه الاحتياجات الأساسية في حياته فيعمل على توفيرها؟ أو عدم تجريدها من واقع حياته بصورة ملحة ففقدت قيمتها؟ حتى يستطيع جاره، قريبه، صديقه، أن ينعم بمثل ما ينعم به هو؟ وهذا ما يحدث فعلا عندما يصل الإنسان إلى موضع قمة الهرم حسب التصور ولذلك فمجمل المآسي التي تحصل للآخرين هي نتاج عمل من هم في قمة الهرم حسب التدرج المعرفي للبشرية، فالمستويات البشرية - الاجتماعية منها والإدارية السياسية منها والثقافية - ابتدعها الإنسان نفسه، لا ليرتقي إنسانيا، وسلوكيا، وينقي نفسه من الإضرار بالآخر، ولكن ليمارس مغالطاته، وتشنجاته، ويعمم قذاراته، والمصيبة أنه يرى في كل ذلك استحقاقات واجبة ومستردة متى ما أتيح له ذلك، بغض النظر إن كان ذلك سيؤدي إلى تدمير الآخر من حوله، فالمهم أن يكون هو حيث يريد.

وهذا ما هو حاصل عبر الزمن المستقطع من عمر البشرية، حتى الآن، وهذا ما يؤسف له حقًا أن بعد هذا العمر كله من الإنجاز البشري لا تزال البشرية ذاتها تعاني من التهميش، الذي أوصلها لأن تعيش في العشوائيات، وفي بيوت الصفيح، وفي أماكن القذارة، كل ذلك فقط، لكي يبقى لها نفسا تتجرعه حتى آخر لحظة من رمق الحياة.

تشكل قاعدة الهرم المقياس الحقيقي لقدرة الإنسان على كبح جماح تطلعاته، بحيث تبقى الاحتياجات الرئيسية دون مساس، وتحت كل الظروف، وعلى امتداد العصور ظلت هذه القناعة مؤكد على بقائها واستمرارها، ولا تزال هي القاعدة العريضة التي يقوم عليها العمود الفقري للبشرية مهما تقاربت الزوايا والمربعات إلى بعضها البعض، لتصل إلى قمة الهرم، الذي تستولي عليها زاوية بشرية واحدة، أو مربع بشري واحد.

وعلى امتداد هذا التطاول المختزل في مساحته الأفقية شيئًا فشيئًا، يظل هناك نوع من النحت الممنهج أو العشوائي حتى يتم التسليم بضرورة العودة إلى قاعدة الهرم، حيث الأساس، وحيث القدرة على وضع قراءة واعية للحقيقة الإنسانية في تجاذباتها المختلفة، ومعنى هذا أن الهرم البشري، بتفاصيله المتدرجة بدءًا من قاعدته العريضة، وصولًا إلى قمة هرمه «المنحوتة» بفعل مجموعة من التصنيفات التي وضعتها البشرية ذاته للتميز، تتخلله مجموعة من المنغصات التي لم تشفع لقمة الهرم بشيء من هذا التميز، وفي المقابل لم تسعف قاعدة الهرم للخروج من مآزقها الإنسانية المعقدة، فلا تزال تراوح نفسها كما كان التأسيس منذ الانطلاقة الأولى مع بدء النشأة، التي بدأت بحادثة مخيفة «قتل أخ لأخيه» هذه صورة مؤلمة للغاية؛ لأن الأثمان تدفع فيها بلا مقابل، إلا أنه علل على أن المقابل هو رخاء، وانبساط مجموعة صغيرة من ذات القطاع العريض من البشرية، والسؤال: لماذا يدفع ثمن ذلك البسطاء في قاعدة الهرم؟

من المسؤول عن تهميش المرتكزات المعززة للبقاء الإنساني - التنفس، الطعام، الماء، النوم، الجنس، التوازن، الإخراج - وهي الواردة في قاعدة هرم ماسلو، وماذا يقال عن الفضاءات المعززة لها والمتمثلة في الأبعاد: الدينية، والاجتماعية، والثقافية؟ فإذا كان الإنسان هو من يكدح ليل نهار؛ لكي يحقق هذه الاحتياجات، وهو من يؤمن بأهمية هذه المرتكزات، ويضعها للحفاظ على هذه الاحتياجات وديمومتها واستمرارها، إذن فأين الخلل؟ هل يحضر هنا العنصر السيكولوجي ليغير القناعات، والتوافقات، وهذا العنصر هل يمثله شخص، أم المجموع؟ وهل هذه الصورة تشي إلى أن الإنسان غير قادر على قول كلمة الفصل فيما يطمح إليه، وما يؤمن به؟ لأن واقع الحياة بهذه الصورة المرتبكة، يظل واقعا مؤلما، ولا ينبئ أبدا على أن هذا الإنسان وفق ما يقوم به من سلوكيات متناقضة، على أنه إنسان عاقل، يصل به عقله إلى القوة الماكنة في التحكم بعواطفه، وبمآلات الحياة التي يريد تحقيقها، وبما ينادي به ليل نهار أنه يعمل على إسعاد نفسه، قد يكون مجموعة السلوكيات المتصادمة التي يقوم بها الإنسان والمؤدية إلى تحجيم مستويات الحياة اليومية عند الفرد والمجموع على حد سواء، ليس من عمل الفرد الواحد، فليس هناك عاقل كما قلنا يسعى إلى تدمير نفسه، وقد لا يتفق المجموع على الإتيان بالسلوك نفسه؛ لأنه فيه هلاكم، إذن ستتجه الأنظار في هذه الحالة إلى شيء آخر، يكون خارج هذين السياقين (الفرد/ المجموع) وهو الجانب المظلم للذات، وهو الجانب الذي يسعى إلى التدمير، والقتل، والتشريد، وهذا ما يجب أن يجابه من الجميع، وهل يحدث ذلك بشكل متقصد أم هو الاستثناء؟ يمكن القول: إن الكفة الثانية للمعادلة «الجانب المنير» هي الاستثناء؛ لأنه وكما يقال: «الخير في بطن الشر» فحتى يتحقق السلام، والوئام للبشرية، عليها أن تدفع الكثير مقابل ذلك، وهذه إشكالية موضوعية في العلاقة بين الفرد وذاته، وإشكاليتها أن هذا الفرد الذي يطالب بحقوقه «المهدرة» هو في الوقت نفسه يهدر حقوق من حوله، متى ما تيسر له أمر ذلك.

أين غابت السيادة الحقيقة للإنسان ومعززاته لنفسه؟ سؤال ملح، وأهمية الإلحاح لطرحه أن كل هذه التجربة الإنسانية الطويلة، منذ بدء الخليقة بخلق أبينا آدم -عليه السلام- وإلى اليوم، لم تستطع هذه الإنسانية أن توفر لنفسها غطاء يقيها برد الشتاء، وحرارة الصيف، فلا تزال تتلظى سعار كليهما، وسط إنجازات مادية لا حصر لها، وإنجازات معرفية كبرى، لا تحصى أعدادها، بينما ظلت الإنجازات الإنسانية تتموضع في أماكنها المعروفة، حيث تجاذبات الذات المستعرة أوارها، ولم تهدأ حتى هذه اللحظة الزمنية الفارقة في الإنجاز المادي، والباقية في مربعها الأول «قاعدة الهرم» مع أن المعززات الموضوعية للتقارب الإنساني أكثر من الفوارق الموضوعية أيضا، فالإنسان بأخيه الإنسان يدًا بيد لإعمار الحياة، فهل يستطيع أن يبدله بحيوان؟ وحتى الإنسان الآلي الذي اخترعه في الأزمنة الأخيرة لن يستطيع أن يحل بديلا عن الإنسان الحقيقي في كثير من مجالات الحياة، وأقربها، وأهمها ذلك الشعور الإنساني بوجود إنسان، وليس آلة صماء توجه بـ «الريموت كنترول» فما الذي أصاب هذا الإنسان لأن يصل إلى هذا المستوى من جفاف إنسانيته، ويتنكر لحقيقتها المطلقة، في إضفاء الأمن والاستقرار.

إن التطرف الذي تعيشه البشرية ليس في زمن دون آخر فكل الأزمان متساوية في الإساءة في نمو هذا التطرف، أصبح من الاشمئزاز سماعه فضلا عن قبوله، وما هو حادث على امتداد الكرة الأرضية لشيء يندى له الجبين، وما ذلك إلا نتاج عنصرية متجذرة في الذات الإنسانية نفسها، ولأنها كذلك فمن المستحيل اقتلاعها، كما أنه من المستحيل قبولها، وهي ذاهبة في التوغل والتطرف أكثر فأكثر، بفعل الوسيلة الحديثة التي امتلكها الإنسان، ويوغل من خلالها في الإساءة إلى الآخر، وبالتالي اتساع رقعة التهميش والعشوائيات، والسؤال هنا أيضا: لماذا لم يستطع الإنسان أن يستحضر قدرته على فهم ذاته، بحيث يستطيع من خلالها ذلك أن ينعتق من هذا التموضع ويسجل للبشرية إنجازا موضوعيا يكون للحياة نبراسا لا يمكن تجاوزه حفاظا على هذا الإنجاز؟ تظل هذه الأسئلة كلها معلقة إلى حين العودة النهائية من توهان البشرية عن ذاتها الحقيقية.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه الاحتیاجات على امتداد وهذا ما لا تزال

إقرأ أيضاً:

متحدث الصحة: المشروع القومي للتنمية البشرية "بداية جديدة" يهدف للاستثمار في الإنسان (فيديو)

أكد الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة والسكان، أن رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي أطلق أمس من ساحة الشعب بالعاصمة الإدارية، المشروع القومي للتنمية البشرية “بداية جديدة” الذي يتبناه الرئيس عبدالفتاح السيسي، لافتًا إلى أن المشروع يهدف إلى الاستثمار في الإنسان المصري من خلال تطوير قدراته الصحية، التعليمية، الثقافية، والرياضية، إضافة إلى تعزيز القيم الأخلاقية والاجتماعية الأصيلة.

محافظ كفر الشيخ: مبادرة “بداية جديدة لبناء الإنسان” غير مسبوقة مقرر القومي للسكان: مبادرة بداية هتفرق معانا في الفترة المقبلة

وأضاف "عبدالغفار"، خلال مداخلة هاتفية مع برنامج "صباح الورد" عبر فضائية "ten"، اليوم الأربعاء، أن المشروع يشارك فيه أكثر من 29 وزارة وجهة حكومية، بإشراف المجموعة الوزارية للتنمية البشرية برئاسة الدكتور خالد عبدالغفار، وزير الصحة والسكان، ويشمل المشروع أيضًا مشاركة المجتمع المدني، القطاع الخاص، واتحاد البنوك، لضمان توفير الدعم الشامل للفئات المستهدفة.

وأوضح المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة والسكان، أن المشروع يركز على جميع المراحل العمرية بدءًا من مرحلة رياض الأطفال، ويهدف إلى تطوير التعليم والصحة بشكل متناغم، مع التركيز على تكثيف البرامج التعليمية للأطفال في السنوات الأولى.

وأشار، إلى أن المبادرة تشمل حملات توعوية وبرامج صحية تنطلق في جميع المحافظات لتحسين صحة المواطنين، خاصة في المراحل العمرية الحرجة من حياة الإنسان.

مقالات مشابهة

  • متحدث الصحة: المشروع القومي للتنمية البشرية "بداية جديدة" يهدف للاستثمار في الإنسان (فيديو)
  • محافظ المنوفية يُدشن فاعليات المشروع القومي للتنمية البشرية «بداية جديدة لبناء الإنسان»
  • "بداية جديدة لبناء الإنسان": إطلاق المشروع القومي للتنمية البشرية في البحيرة
  • نائب رئيس الوزراء: السكان ومحو الأمية أهم قضايا ملف التنمية البشرية
  • حزب المؤتمر: مبادرة «بداية» تعكس رؤية شاملة لتحقيق التنمية البشرية
  • مدبولي: «بداية جديدة لبناء الإنسان» تبرز استثمارات الدولة في التنمية البشرية
  • نائب رئيس الوزراء: التنمية البشرية والاقتصادية أساس النمو وبناء الإنسان
  • «عبد الغفار»: تحسن كبير في معدلات التنمية البشرية لمصر عبر المنصات الدولية
  • اختطاف الموظفين الأمميين يعرقل الجهود الإنسانية في اليمن
  • السيسي في احتفالية المولد النبوي: ذكرى تبعث في قلوبنا معاني الإنسانية الحقيقية