لجريدة عمان:
2024-11-22@22:42:10 GMT

هذا الإنسان.. قضايا من التهميش والعشوائيات

تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT

اخترع الإنسان رمزية «هرم ماسلو» للاحتياجات الإنسانية» ليوجد مقاربة لعل لها أن تعيد صياغة الكثير مما تفقده الإنسانية على امتداد تطلعاتها نحو العلا، ومن الملفت للنظر حقًا أن قمة هرم ماسلو احتوت على العناوين العريضة التالية: (الابتكار، حل المشاكل، تقبل الحقائق) بينما احتوت قاعدة الهرم ذاته على العناوين العريض التالية: (التنفس، الطعام، الماء، النوم، الجنس، التوازن، الإخراج) وهذه كلها تندرج ضمن الاحتياجات الطبيعية للبشر، ومن إحدى هذه الاحتياجات وقعت جريمة القتل بين ابني آدم «قابيل وهابيل» وما بين قمة الهرم وقاعدته، تتباين الممارسات، وتتصادم الآراء، وتتقاطع المواقف، ومن هنا تأتي هذه المناقشة اليوم، ومنذ ذلك العهد الزمني الممتد، وإلى اليوم، لا تزال البشرية تقتتل على الاحتياجات البشرية الطبيعية، حيث لم تصل إلى مستوى من الإشباعات الفطرية، والفسيولوجية، والنفسية، هل لأن الإنسان لم يستطع إدراك أهمية هذه الاحتياجات الأساسية في حياته فيعمل على توفيرها؟ أو عدم تجريدها من واقع حياته بصورة ملحة ففقدت قيمتها؟ حتى يستطيع جاره، قريبه، صديقه، أن ينعم بمثل ما ينعم به هو؟ وهذا ما يحدث فعلا عندما يصل الإنسان إلى موضع قمة الهرم حسب التصور ولذلك فمجمل المآسي التي تحصل للآخرين هي نتاج عمل من هم في قمة الهرم حسب التدرج المعرفي للبشرية، فالمستويات البشرية - الاجتماعية منها والإدارية السياسية منها والثقافية - ابتدعها الإنسان نفسه، لا ليرتقي إنسانيا، وسلوكيا، وينقي نفسه من الإضرار بالآخر، ولكن ليمارس مغالطاته، وتشنجاته، ويعمم قذاراته، والمصيبة أنه يرى في كل ذلك استحقاقات واجبة ومستردة متى ما أتيح له ذلك، بغض النظر إن كان ذلك سيؤدي إلى تدمير الآخر من حوله، فالمهم أن يكون هو حيث يريد.

وهذا ما هو حاصل عبر الزمن المستقطع من عمر البشرية، حتى الآن، وهذا ما يؤسف له حقًا أن بعد هذا العمر كله من الإنجاز البشري لا تزال البشرية ذاتها تعاني من التهميش، الذي أوصلها لأن تعيش في العشوائيات، وفي بيوت الصفيح، وفي أماكن القذارة، كل ذلك فقط، لكي يبقى لها نفسا تتجرعه حتى آخر لحظة من رمق الحياة.

تشكل قاعدة الهرم المقياس الحقيقي لقدرة الإنسان على كبح جماح تطلعاته، بحيث تبقى الاحتياجات الرئيسية دون مساس، وتحت كل الظروف، وعلى امتداد العصور ظلت هذه القناعة مؤكد على بقائها واستمرارها، ولا تزال هي القاعدة العريضة التي يقوم عليها العمود الفقري للبشرية مهما تقاربت الزوايا والمربعات إلى بعضها البعض، لتصل إلى قمة الهرم، الذي تستولي عليها زاوية بشرية واحدة، أو مربع بشري واحد.

وعلى امتداد هذا التطاول المختزل في مساحته الأفقية شيئًا فشيئًا، يظل هناك نوع من النحت الممنهج أو العشوائي حتى يتم التسليم بضرورة العودة إلى قاعدة الهرم، حيث الأساس، وحيث القدرة على وضع قراءة واعية للحقيقة الإنسانية في تجاذباتها المختلفة، ومعنى هذا أن الهرم البشري، بتفاصيله المتدرجة بدءًا من قاعدته العريضة، وصولًا إلى قمة هرمه «المنحوتة» بفعل مجموعة من التصنيفات التي وضعتها البشرية ذاته للتميز، تتخلله مجموعة من المنغصات التي لم تشفع لقمة الهرم بشيء من هذا التميز، وفي المقابل لم تسعف قاعدة الهرم للخروج من مآزقها الإنسانية المعقدة، فلا تزال تراوح نفسها كما كان التأسيس منذ الانطلاقة الأولى مع بدء النشأة، التي بدأت بحادثة مخيفة «قتل أخ لأخيه» هذه صورة مؤلمة للغاية؛ لأن الأثمان تدفع فيها بلا مقابل، إلا أنه علل على أن المقابل هو رخاء، وانبساط مجموعة صغيرة من ذات القطاع العريض من البشرية، والسؤال: لماذا يدفع ثمن ذلك البسطاء في قاعدة الهرم؟

من المسؤول عن تهميش المرتكزات المعززة للبقاء الإنساني - التنفس، الطعام، الماء، النوم، الجنس، التوازن، الإخراج - وهي الواردة في قاعدة هرم ماسلو، وماذا يقال عن الفضاءات المعززة لها والمتمثلة في الأبعاد: الدينية، والاجتماعية، والثقافية؟ فإذا كان الإنسان هو من يكدح ليل نهار؛ لكي يحقق هذه الاحتياجات، وهو من يؤمن بأهمية هذه المرتكزات، ويضعها للحفاظ على هذه الاحتياجات وديمومتها واستمرارها، إذن فأين الخلل؟ هل يحضر هنا العنصر السيكولوجي ليغير القناعات، والتوافقات، وهذا العنصر هل يمثله شخص، أم المجموع؟ وهل هذه الصورة تشي إلى أن الإنسان غير قادر على قول كلمة الفصل فيما يطمح إليه، وما يؤمن به؟ لأن واقع الحياة بهذه الصورة المرتبكة، يظل واقعا مؤلما، ولا ينبئ أبدا على أن هذا الإنسان وفق ما يقوم به من سلوكيات متناقضة، على أنه إنسان عاقل، يصل به عقله إلى القوة الماكنة في التحكم بعواطفه، وبمآلات الحياة التي يريد تحقيقها، وبما ينادي به ليل نهار أنه يعمل على إسعاد نفسه، قد يكون مجموعة السلوكيات المتصادمة التي يقوم بها الإنسان والمؤدية إلى تحجيم مستويات الحياة اليومية عند الفرد والمجموع على حد سواء، ليس من عمل الفرد الواحد، فليس هناك عاقل كما قلنا يسعى إلى تدمير نفسه، وقد لا يتفق المجموع على الإتيان بالسلوك نفسه؛ لأنه فيه هلاكم، إذن ستتجه الأنظار في هذه الحالة إلى شيء آخر، يكون خارج هذين السياقين (الفرد/ المجموع) وهو الجانب المظلم للذات، وهو الجانب الذي يسعى إلى التدمير، والقتل، والتشريد، وهذا ما يجب أن يجابه من الجميع، وهل يحدث ذلك بشكل متقصد أم هو الاستثناء؟ يمكن القول: إن الكفة الثانية للمعادلة «الجانب المنير» هي الاستثناء؛ لأنه وكما يقال: «الخير في بطن الشر» فحتى يتحقق السلام، والوئام للبشرية، عليها أن تدفع الكثير مقابل ذلك، وهذه إشكالية موضوعية في العلاقة بين الفرد وذاته، وإشكاليتها أن هذا الفرد الذي يطالب بحقوقه «المهدرة» هو في الوقت نفسه يهدر حقوق من حوله، متى ما تيسر له أمر ذلك.

أين غابت السيادة الحقيقة للإنسان ومعززاته لنفسه؟ سؤال ملح، وأهمية الإلحاح لطرحه أن كل هذه التجربة الإنسانية الطويلة، منذ بدء الخليقة بخلق أبينا آدم -عليه السلام- وإلى اليوم، لم تستطع هذه الإنسانية أن توفر لنفسها غطاء يقيها برد الشتاء، وحرارة الصيف، فلا تزال تتلظى سعار كليهما، وسط إنجازات مادية لا حصر لها، وإنجازات معرفية كبرى، لا تحصى أعدادها، بينما ظلت الإنجازات الإنسانية تتموضع في أماكنها المعروفة، حيث تجاذبات الذات المستعرة أوارها، ولم تهدأ حتى هذه اللحظة الزمنية الفارقة في الإنجاز المادي، والباقية في مربعها الأول «قاعدة الهرم» مع أن المعززات الموضوعية للتقارب الإنساني أكثر من الفوارق الموضوعية أيضا، فالإنسان بأخيه الإنسان يدًا بيد لإعمار الحياة، فهل يستطيع أن يبدله بحيوان؟ وحتى الإنسان الآلي الذي اخترعه في الأزمنة الأخيرة لن يستطيع أن يحل بديلا عن الإنسان الحقيقي في كثير من مجالات الحياة، وأقربها، وأهمها ذلك الشعور الإنساني بوجود إنسان، وليس آلة صماء توجه بـ «الريموت كنترول» فما الذي أصاب هذا الإنسان لأن يصل إلى هذا المستوى من جفاف إنسانيته، ويتنكر لحقيقتها المطلقة، في إضفاء الأمن والاستقرار.

إن التطرف الذي تعيشه البشرية ليس في زمن دون آخر فكل الأزمان متساوية في الإساءة في نمو هذا التطرف، أصبح من الاشمئزاز سماعه فضلا عن قبوله، وما هو حادث على امتداد الكرة الأرضية لشيء يندى له الجبين، وما ذلك إلا نتاج عنصرية متجذرة في الذات الإنسانية نفسها، ولأنها كذلك فمن المستحيل اقتلاعها، كما أنه من المستحيل قبولها، وهي ذاهبة في التوغل والتطرف أكثر فأكثر، بفعل الوسيلة الحديثة التي امتلكها الإنسان، ويوغل من خلالها في الإساءة إلى الآخر، وبالتالي اتساع رقعة التهميش والعشوائيات، والسؤال هنا أيضا: لماذا لم يستطع الإنسان أن يستحضر قدرته على فهم ذاته، بحيث يستطيع من خلالها ذلك أن ينعتق من هذا التموضع ويسجل للبشرية إنجازا موضوعيا يكون للحياة نبراسا لا يمكن تجاوزه حفاظا على هذا الإنجاز؟ تظل هذه الأسئلة كلها معلقة إلى حين العودة النهائية من توهان البشرية عن ذاتها الحقيقية.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه الاحتیاجات على امتداد وهذا ما لا تزال

إقرأ أيضاً:

القائمة الكاملة لجوائز الدورة 45 لمهرجان القاهرة السينمائي.. من حصد «الهرم الذهبي»؟

أُسدل الستار على فعاليات الدورة الـ45 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، اليوم الجمعة، داخل دار الأوبرا المصرية، بحضور وزير الثقافة أحمد فؤاد هنو، والفنان حسين فهمي، رئيس المهرجان، إلى جانب عدد كبير من النجوم والنجمات.

جائزة الهرم الذهبي

وأعلنت لجان التحكيم عن جوائز الدورة، حيث ذهبت جائزة الهرم الذهبي في المسابقة الدولية إلى فيلم «العام الجديد الذي لم يأتِ أبداً» (رومانيا) إخراج بوجدان موريشانو. بينما حصل فيلم «طوابع البريد» (روسيا) إخراج ناتاليا نزاروفا على جائزة الهرم الفضي (لجنة التحكيم الخاصة). أما جائزة الهرم البرونزي، فقد فاز بها فيلم «مالو» (البرازيل) إخراج بيدرو فريري.

وحصل الثنائي أليساندرو كاسيجولي وكيسي كوفمان على جائزة نجيب محفوظ لأفضل سيناريو عن فيلم «فيتوريا» (إيطاليا). أما جائزة أفضل ممثل، فذهبت مناصفة بين ليي كانج شنج عن دوره في فيلم «قصر الشمس الزرقاء» (أمريكا) إخراج كونستانس تسانغ، وماكسيم ستويانوف عن دوره في فيلم «طوابع البريد» (روسيا) إخراج ناتاليا نزاروفا.

وفازت بجائزة أحسن ممثلة يارا دي نوفايس عن دورها في فيلم «مالو» (البرازيل) إخراج بيدرو فريري، بينما حصلت الممثلة ألينا خويفانوفا على شهادة تقدير عن دورها في فيلم «طوابع البريد» (روسيا) إخراج ناتاليا نزاروفا.

جائزة الإسهام الفني هنري بركات

أما جائزة الإسهام الفني (هنري بركات) فقد ذهبت مناصفة إلى فيلمي «آيشا» (تركيا) إخراج نجمي سنجاك، و«دخل الربيع يضحك» (مصر) إخراج نهى عادل.

وفي مسابقة آفاق السينما العربية، حصل فيلم «حالة عشق» (فلسطين) إخراج كارول منصور ومنى خالدي، على جائزة سعد الدين وهبي لأفضل فيلم عربي، والتي تبلغ قيمتها 10 آلاف دولار. بينما نالت نهى عادل جائزة صلاح أبو سيف لأفضل مخرج، وقيمتها 7 آلاف دولار، عن فيلمها «دخل الربيع يضحك» (مصر).

وحصد الثنائي لؤي خريش وفيصل شعيب جائزة يوسف شريف رزق الله لأفضل سيناريو، وقيمتها 6 آلاف دولار، عن فيلم «أرزة» (لبنان) إخراج ميرا شعيب.

وفازت بجائزة أفضل ممثلة، وقيمتها ألفا دولار، الممثلة اللبنانية دايموند عبود عن دورها في فيلم «أرزة»، في حين حصل الممثل المغربي محمد خوي على جائزة أفضل ممثل، وقيمتها ألفا دولار، عن دوره في فيلم «المرجا الزرقا» (المغرب) إخراج داوود أولاد السيد.

ونالت الممثلة المصرية رحاب عنان تنويهاً خاصاً عن دورها في فيلم «دخل الربيع يضحك» (مصر).

وذهبت جائزة أفضل فيلم وثائقي طويل مناصفة إلى فيلمي «أبو زعبل 89» (مصر) للمخرج بسام مرتضى، و«حالة عشق» (فلسطين) إخراج كارول منصور ومنى خالدي.

أما في مسابقة جوائز أسبوع النقاد، ففاز فيلم «ألماس خام» (فرنسا) إخراج أجاث ريدينجر بجائزة شادي عبد السلام لأفضل فيلم، بينما حصل فيلم «سيمون الجبل» (الأرجنتين) إخراج فيديريكو لويس على جائزة فتحي فرج (لجنة التحكيم الخاصة). وحصل فيلم «أبو زعبل 89» إخراج بسام مرتضى على تنويه خاص.

وحققت المخرجة نهى عادل فيلمها «دخل الربيع يضحك» (مصر) جائزة لجنة تحكيم النقاد الدولية (فيبرسي). بينما ذهبت جائزة منظمة ترويج السينما الآسيوية «نيتباك» لأفضل فيلم آسيوي إلى «تاريخ موجز لعائلة» (الصين) إخراج لين جيانجي.

حصل فيلم «ديفيد» (الصين) إخراج كاي شويه وهونج جييشي على جائزة يوسف شاهين لأفضل فيلم قصير. ونال فيلم «انصراف» (السعودية) للمخرجة جواهر العامري جائزة التحكيم الخاصة. بينما حصل فيلم «الأم والدب» (مصر) للمخرجة ياسمينا الكمالي على تنويه خاص.

كما نال جائزة أفضل فيلم أفريقي فيلم «داهومي» (السنغال) للمخرجة ماتي ديوب، في حين ذهبت جائزة لجنة التحكيم الخاصة لأفضل فيلم أفريقي إلى «أبو زعبل 89» (مصر) للمخرج بسام مرتضى.

وفي جوائز اتحاد إذاعات وتليفزيونات دول منظمة التعاون الإسلامي، فاز فيلم «أحلام كيلو متر مربع» (فلسطين) إخراج قسام صبيح بالجائزة الأولى وقيمتها 125 ألف جنيه. بينما فاز فيلم «حالة عشق» (فلسطين) إخراج كارول منصور ومنى خالدي بالجائزة الثانية وقيمتها 75 ألف جنيه. وحصل فيلم «أحلام عابرة» (فلسطين) إخراج رشيد مشهراوي على الجائزة الثالثة وقيمتها 50 ألف جنيه.

شهادات تقدير

ومنحت لجنة التحكيم شهادات تقدير لكل من الأستاذ الدكتور غسان أبو سنة الطبيب بمستشفى الشفا والعودة بغزة، والمخرج رشيد مشهراوي، والمخرج سيف حشاش عن فيلم «سن الغزال».

أما جوائز شركة «مصر العالمية» لأفلام (المسافة صفر) وقيمة كل منها 1000 دولار، فذهبت إلى أفلام «جلد ناعم» إخراج خميس مشهراوي، «خارج التغطية» إخراج محمد الشريف، «يوم دراسي» إخراج أحمد الدنف.

مقالات مشابهة

  • القائمة الكاملة لجوائز الدورة 45 لمهرجان القاهرة السينمائي.. من حصد «الهرم الذهبي»؟
  • عضو «الاستثمار العقاري»: المدن الجديدة حجر الزاوية في مواجهة التوسع السكاني والعشوائيات
  • مصرع شاب سقط أرضا بعد المزاح مع صديقه فى الهرم
  • اليوم.. ختام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ 45
  • ترودو: كندا ستلتزم بكافة قرارات المحاكم الدولية في قضايا الجرائم ضد الإنسانية
  • مصرع مسن في حادث مروري بالجيزة
  • منح الأيرلندي جيم شيريدان جائزة الهرم الذهبي بالقاهرة السينمائي
  • والعالم يحتفل بيوم الطفل .. أطفال اليمن وغزة ولبنان نموذج لأبشع الجرائم الإنسانية التي ارتكبتها أمريكا والعدو الصهيوني في ظل صمت دولي (تفاصيل)
  • ضبط 37 ميكروباصًا لتقسيم الطريق على خطوط الهرم وفيصل وأكتوبر
  • إصابة 5 أشخاص إثر حادث تصادم سيارتين فى الهرم