لجريدة عمان:
2025-01-03@19:21:01 GMT

هذا الإنسان.. قضايا من التهميش والعشوائيات

تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT

اخترع الإنسان رمزية «هرم ماسلو» للاحتياجات الإنسانية» ليوجد مقاربة لعل لها أن تعيد صياغة الكثير مما تفقده الإنسانية على امتداد تطلعاتها نحو العلا، ومن الملفت للنظر حقًا أن قمة هرم ماسلو احتوت على العناوين العريضة التالية: (الابتكار، حل المشاكل، تقبل الحقائق) بينما احتوت قاعدة الهرم ذاته على العناوين العريض التالية: (التنفس، الطعام، الماء، النوم، الجنس، التوازن، الإخراج) وهذه كلها تندرج ضمن الاحتياجات الطبيعية للبشر، ومن إحدى هذه الاحتياجات وقعت جريمة القتل بين ابني آدم «قابيل وهابيل» وما بين قمة الهرم وقاعدته، تتباين الممارسات، وتتصادم الآراء، وتتقاطع المواقف، ومن هنا تأتي هذه المناقشة اليوم، ومنذ ذلك العهد الزمني الممتد، وإلى اليوم، لا تزال البشرية تقتتل على الاحتياجات البشرية الطبيعية، حيث لم تصل إلى مستوى من الإشباعات الفطرية، والفسيولوجية، والنفسية، هل لأن الإنسان لم يستطع إدراك أهمية هذه الاحتياجات الأساسية في حياته فيعمل على توفيرها؟ أو عدم تجريدها من واقع حياته بصورة ملحة ففقدت قيمتها؟ حتى يستطيع جاره، قريبه، صديقه، أن ينعم بمثل ما ينعم به هو؟ وهذا ما يحدث فعلا عندما يصل الإنسان إلى موضع قمة الهرم حسب التصور ولذلك فمجمل المآسي التي تحصل للآخرين هي نتاج عمل من هم في قمة الهرم حسب التدرج المعرفي للبشرية، فالمستويات البشرية - الاجتماعية منها والإدارية السياسية منها والثقافية - ابتدعها الإنسان نفسه، لا ليرتقي إنسانيا، وسلوكيا، وينقي نفسه من الإضرار بالآخر، ولكن ليمارس مغالطاته، وتشنجاته، ويعمم قذاراته، والمصيبة أنه يرى في كل ذلك استحقاقات واجبة ومستردة متى ما أتيح له ذلك، بغض النظر إن كان ذلك سيؤدي إلى تدمير الآخر من حوله، فالمهم أن يكون هو حيث يريد.

وهذا ما هو حاصل عبر الزمن المستقطع من عمر البشرية، حتى الآن، وهذا ما يؤسف له حقًا أن بعد هذا العمر كله من الإنجاز البشري لا تزال البشرية ذاتها تعاني من التهميش، الذي أوصلها لأن تعيش في العشوائيات، وفي بيوت الصفيح، وفي أماكن القذارة، كل ذلك فقط، لكي يبقى لها نفسا تتجرعه حتى آخر لحظة من رمق الحياة.

تشكل قاعدة الهرم المقياس الحقيقي لقدرة الإنسان على كبح جماح تطلعاته، بحيث تبقى الاحتياجات الرئيسية دون مساس، وتحت كل الظروف، وعلى امتداد العصور ظلت هذه القناعة مؤكد على بقائها واستمرارها، ولا تزال هي القاعدة العريضة التي يقوم عليها العمود الفقري للبشرية مهما تقاربت الزوايا والمربعات إلى بعضها البعض، لتصل إلى قمة الهرم، الذي تستولي عليها زاوية بشرية واحدة، أو مربع بشري واحد.

وعلى امتداد هذا التطاول المختزل في مساحته الأفقية شيئًا فشيئًا، يظل هناك نوع من النحت الممنهج أو العشوائي حتى يتم التسليم بضرورة العودة إلى قاعدة الهرم، حيث الأساس، وحيث القدرة على وضع قراءة واعية للحقيقة الإنسانية في تجاذباتها المختلفة، ومعنى هذا أن الهرم البشري، بتفاصيله المتدرجة بدءًا من قاعدته العريضة، وصولًا إلى قمة هرمه «المنحوتة» بفعل مجموعة من التصنيفات التي وضعتها البشرية ذاته للتميز، تتخلله مجموعة من المنغصات التي لم تشفع لقمة الهرم بشيء من هذا التميز، وفي المقابل لم تسعف قاعدة الهرم للخروج من مآزقها الإنسانية المعقدة، فلا تزال تراوح نفسها كما كان التأسيس منذ الانطلاقة الأولى مع بدء النشأة، التي بدأت بحادثة مخيفة «قتل أخ لأخيه» هذه صورة مؤلمة للغاية؛ لأن الأثمان تدفع فيها بلا مقابل، إلا أنه علل على أن المقابل هو رخاء، وانبساط مجموعة صغيرة من ذات القطاع العريض من البشرية، والسؤال: لماذا يدفع ثمن ذلك البسطاء في قاعدة الهرم؟

من المسؤول عن تهميش المرتكزات المعززة للبقاء الإنساني - التنفس، الطعام، الماء، النوم، الجنس، التوازن، الإخراج - وهي الواردة في قاعدة هرم ماسلو، وماذا يقال عن الفضاءات المعززة لها والمتمثلة في الأبعاد: الدينية، والاجتماعية، والثقافية؟ فإذا كان الإنسان هو من يكدح ليل نهار؛ لكي يحقق هذه الاحتياجات، وهو من يؤمن بأهمية هذه المرتكزات، ويضعها للحفاظ على هذه الاحتياجات وديمومتها واستمرارها، إذن فأين الخلل؟ هل يحضر هنا العنصر السيكولوجي ليغير القناعات، والتوافقات، وهذا العنصر هل يمثله شخص، أم المجموع؟ وهل هذه الصورة تشي إلى أن الإنسان غير قادر على قول كلمة الفصل فيما يطمح إليه، وما يؤمن به؟ لأن واقع الحياة بهذه الصورة المرتبكة، يظل واقعا مؤلما، ولا ينبئ أبدا على أن هذا الإنسان وفق ما يقوم به من سلوكيات متناقضة، على أنه إنسان عاقل، يصل به عقله إلى القوة الماكنة في التحكم بعواطفه، وبمآلات الحياة التي يريد تحقيقها، وبما ينادي به ليل نهار أنه يعمل على إسعاد نفسه، قد يكون مجموعة السلوكيات المتصادمة التي يقوم بها الإنسان والمؤدية إلى تحجيم مستويات الحياة اليومية عند الفرد والمجموع على حد سواء، ليس من عمل الفرد الواحد، فليس هناك عاقل كما قلنا يسعى إلى تدمير نفسه، وقد لا يتفق المجموع على الإتيان بالسلوك نفسه؛ لأنه فيه هلاكم، إذن ستتجه الأنظار في هذه الحالة إلى شيء آخر، يكون خارج هذين السياقين (الفرد/ المجموع) وهو الجانب المظلم للذات، وهو الجانب الذي يسعى إلى التدمير، والقتل، والتشريد، وهذا ما يجب أن يجابه من الجميع، وهل يحدث ذلك بشكل متقصد أم هو الاستثناء؟ يمكن القول: إن الكفة الثانية للمعادلة «الجانب المنير» هي الاستثناء؛ لأنه وكما يقال: «الخير في بطن الشر» فحتى يتحقق السلام، والوئام للبشرية، عليها أن تدفع الكثير مقابل ذلك، وهذه إشكالية موضوعية في العلاقة بين الفرد وذاته، وإشكاليتها أن هذا الفرد الذي يطالب بحقوقه «المهدرة» هو في الوقت نفسه يهدر حقوق من حوله، متى ما تيسر له أمر ذلك.

أين غابت السيادة الحقيقة للإنسان ومعززاته لنفسه؟ سؤال ملح، وأهمية الإلحاح لطرحه أن كل هذه التجربة الإنسانية الطويلة، منذ بدء الخليقة بخلق أبينا آدم -عليه السلام- وإلى اليوم، لم تستطع هذه الإنسانية أن توفر لنفسها غطاء يقيها برد الشتاء، وحرارة الصيف، فلا تزال تتلظى سعار كليهما، وسط إنجازات مادية لا حصر لها، وإنجازات معرفية كبرى، لا تحصى أعدادها، بينما ظلت الإنجازات الإنسانية تتموضع في أماكنها المعروفة، حيث تجاذبات الذات المستعرة أوارها، ولم تهدأ حتى هذه اللحظة الزمنية الفارقة في الإنجاز المادي، والباقية في مربعها الأول «قاعدة الهرم» مع أن المعززات الموضوعية للتقارب الإنساني أكثر من الفوارق الموضوعية أيضا، فالإنسان بأخيه الإنسان يدًا بيد لإعمار الحياة، فهل يستطيع أن يبدله بحيوان؟ وحتى الإنسان الآلي الذي اخترعه في الأزمنة الأخيرة لن يستطيع أن يحل بديلا عن الإنسان الحقيقي في كثير من مجالات الحياة، وأقربها، وأهمها ذلك الشعور الإنساني بوجود إنسان، وليس آلة صماء توجه بـ «الريموت كنترول» فما الذي أصاب هذا الإنسان لأن يصل إلى هذا المستوى من جفاف إنسانيته، ويتنكر لحقيقتها المطلقة، في إضفاء الأمن والاستقرار.

إن التطرف الذي تعيشه البشرية ليس في زمن دون آخر فكل الأزمان متساوية في الإساءة في نمو هذا التطرف، أصبح من الاشمئزاز سماعه فضلا عن قبوله، وما هو حادث على امتداد الكرة الأرضية لشيء يندى له الجبين، وما ذلك إلا نتاج عنصرية متجذرة في الذات الإنسانية نفسها، ولأنها كذلك فمن المستحيل اقتلاعها، كما أنه من المستحيل قبولها، وهي ذاهبة في التوغل والتطرف أكثر فأكثر، بفعل الوسيلة الحديثة التي امتلكها الإنسان، ويوغل من خلالها في الإساءة إلى الآخر، وبالتالي اتساع رقعة التهميش والعشوائيات، والسؤال هنا أيضا: لماذا لم يستطع الإنسان أن يستحضر قدرته على فهم ذاته، بحيث يستطيع من خلالها ذلك أن ينعتق من هذا التموضع ويسجل للبشرية إنجازا موضوعيا يكون للحياة نبراسا لا يمكن تجاوزه حفاظا على هذا الإنجاز؟ تظل هذه الأسئلة كلها معلقة إلى حين العودة النهائية من توهان البشرية عن ذاتها الحقيقية.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه الاحتیاجات على امتداد وهذا ما لا تزال

إقرأ أيضاً:

مجلس الأمن يناقش الأوضاع الإنسانية في السودان

 

يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة، يوم  الإثنين المقبل  6 يناير 2025، لمناقشة تداعيات الأوضاع الإنسانية في السودان.

الخرطوم ــ التغيير

و ترأس الجزائر مجلس الأمن في الدورة الحالية وتعتبر هذه الجلسة الأولى التي يخصصها مجلس الأمن لمناقشة الأوضاع في السودان خلال العام الجديد.
وكان المجلس قد خصص عدد من الجلسات في العام 2024 لمناقشة تطورات الحرب والأوضاع الإنسانية في السودان آخرها جلسة على المستوى الوزاري ترأسها وزير الخارجية الأمريكي، انتوني بلينكن، في 19 ديسمبر الماضي.
وأصدر مجلس الأمن 4 قرارات بشأن السودان خلال العام الماضي آخرها في 19 يونيو بشأن الأوضاع في مدينة الفاشر، بجانب قرار آخر في 8 مارس دعا فيه إلى وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان. كما أصدر المجلس قرارين بتمديد ولاية فريق الخبراء في دارفور في مارس وسبتمبر ولمدة 6 أشهر في كل مرة.
ومن أبرز  محطات مجلس الأمن بشأن السودان كانت في 18 نوفمبر الماضي حينما استخدمت روسيا حق النقض الفيتو لمنع تبني مشروع قرار قدمته بريطانيا وسيراليون وبموافقة 14 عضوا يتعلق بوقف فوري لإطلاق النار وحماية المدنيين والسماح بمرور المساعدات الإنسانية.
وتعقد جلسة يوم الاثنين المقبل في ظل الرئاسة الجزائرية لمجلس الأمن في شهر يناير الحالي. فيما ينتظر أن يخصص مجلس الأمن خلال شهر يناير الحالي جلسة يقدم فيها المدعي العام للمحكمة الدولية، كريم خان، احاطته نصف السنوية حول أنشطة المحكمة المرتبطة بإقليم دارفور.
ولم تضع الدبلوماسية الجزائرية الأوضاع في السودان ضمن قائمة أولوياتها بالرغم من دعمها المعلن لحكومة بورتسودان، وإن كانت الجزائر قد صوتت بجانب مشروع القرار البريطاني الذي عارضته الحكومة في بورتسودان بقوة.
وحددت الدبلوماسية الجزائرية أولويات الرئاسة الجزائرية في تنظيم المناقشة الفصلية حول الوضع في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية على المستوى الوزاري وسيترأس وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، الجلسة المخصصة لهذا الغرض.
كما ستنظم الرئاسة الجزائرية اجتماعا رفيع المستوى حول مكافحة الإرهاب في افريقيا. فيما ينتظر أن يترأس وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، المناقشة السنوية بشأن التعاون بين الأمم المتحدة والجامعة العربية وبحضور الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط.

الوسومالأوضاع الإنسانية الجزائر السودان مجلس الأمن

مقالات مشابهة

  • مجلس الأمن يناقش الأوضاع الإنسانية في السودان
  • الدولية للهجرة: الأمطار تفاقم الكارثة الإنسانية غير المسبوقة على النازحين بغزة
  • المنظمة الدولية للهجرة: الأمطار تفاقم الكارثة الإنسانية غير المسبوقة على النازحين بغزة
  • انتفاضة في أبين.. دعوة للاحتجاج الحاشد على التهميش والفساد
  • المنظمة الدولية للهجرة: الأمطار ودرجات الحرارة المنخفضة تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
  • دبي الإنسانية و"ثنك سمارت" تتعاونان لدعم القضايا الإنسانية
  • الداخلية تضبط قضايا تجارة عملة بقيمة 11 مليون جنيه
  • حصاد 2024.. أجمل الكتب التي بقيت راسخة في ذاكرة المبدعين
  • ألعاب نارية.. احتفالات باستقبال العام الجديد من الهرم| صور
  • هيئة قضايا الدولة تهنئ الرئيس السيسي بالعام الميلادي الجديد 2025