غزة تغيّر الموازين العالمية
تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT
هناك تغيير كبير في العالم لصالح القضية الفلسطينية، أحدثته المقاومة بصمودها الأسطوري في غزة أمام القوى العالمية الغاشمة، بعد عقود من التجاهل العالمي، أدى هذا التغيير إلى جرّ الكيان الصهيوني إلى محكمة العدل الدولية، يومي الحادي عشر والثاني عشر من يناير الماضي، على مرأى من العالم أجمع، بسبب الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا - وليس الدول العربية - بخصوص الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان المحتل ضد أهل غزة، في ملف قانوني تألف من أربع وثمانين صفحة، يشير إلى أنّ أفعال إسرائيل «تحمل طابع الإبادة، لأنها تهدف إلى الدمار بجزء كبير من الفلسطينيين في غزة».
مع بداية العدوان الصهيوني لقطاع غزة، حظي الكيان المحتل بدعم كبير من حلفائه، وصارت تل أبيب قِبلةً يقصدها قادة الغرب، تأييدًا لها لتحقيق أهدافها بتصفية القضية الفلسطينية، عن طريق القضاء على المقاومة، وهو الذي لم يتحقق، ولن يتحقق.
وإذا كانت جنوب إفريقيا قد نجحت في جر الكيان الإسرائيلي إلى محكمة العدل الدولية لأول مرة، حتى وإن كان قرار المحكمة دون التوقعات، إذ اعتبرت أنّ ادعاءات جنوب إفريقيا بأنّ إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة «معقولة»، وأمرت إسرائيل بـ«اتخاذ جميع التدابير للحد من الموت والقتل والدمار الذي سببته حملتُها العسكرية، ومنع التحريض على الإبادة الجماعية والمعاقبة عليه، وضمان وصول المساعدات الإنسانية»، فإنّ الفظائع التي يرتكبها الكيان المحتل ضد الأبرياء من أهل غزة، قد حرّكت المياه العالمية الراكدة منذ أكثر من سبعة عقود؛ فلأول مرة انتفضت شعوب العالم - بهذا الحجم - احتجاجًا على الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، حيث نظم آلاف المحتجين المؤيدين للفلسطينيين مظاهرات في لندن وبرلين وباريس وأنقرة وإسطنبول وواشنطن وغيرها من العواصم العالمية، للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة. وأظهرت لقطات تلفزيونية في لندن حشودًا كبيرة من المحتجين، أغلقت أنحاء من وسط المدينة، ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها «الحرية لفلسطين»، وهتفوا «أوقفوا إطلاق النار الآن» و«بالآلاف وبالملايين كلنا فلسطينيون».
وفي واشنطن نظمت عدة مؤسسات وجماعات مظاهرة، هي الأضخم منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في «ساحة الحرية» في قلب العاصمة، على بعد خطوات من البيت الأبيض، وعلى بعد كيلو متر من الكونجرس، بهدف وضع حد «للتواطؤ الأمريكي في الإبادة الجماعية المستمرة للشعب الفلسطيني والاستعمار الاستيطاني لفلسطين»، وسار آلاف المحتجين في شوارع واشنطن ملوحين بالعلم الفلسطيني، مرددين هتافات «بايدن، بايدن لا يمكنك الاختباء، لقد اشتركت في الإبادة الجماعية»، و«يداك ملطخة بالدماء». ولم تكن تلك المظاهرة الوحيدة، فمنذ بدء عملية «طوفان الأقصى» وما تبعها من عدوان إسرائيلي بربري، نظمت العديد من الجمعيات الفلسطينية والعربية والإسلامية واليهودية في أمريكا، فعاليات تضامنية مع سكان غزة، مطالبة بوقف الهجمات الإسرائيلية، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، ووقف الدعم الأمريكي الكامل للجانب الإسرائيلي.
ولم تكن العاصمة الفرنسية بعيدة عن مشهد الاحتجاجات، فقد شهدت تظاهرات حاشدة، حيث سار آلاف المحتجين في وسط العاصمة للمطالبة بوقف إطلاق النار رافعين لافتات كتب عليها «أوقفوا دائرة العنف» و«عدم فعل شيء، وعدم قول شيء، يعني التواطؤ»، واعتبرت تظاهرات باريس، أحد التجمعات الكبيرة الأولى لدعم الفلسطينيين. أما في برلين فقد لوّح المتظاهرون بالأعلام الفلسطينية، وطالبوا بوقف إطلاق النار.
لقد ركزتُ في مقالي هذا على العواصم العالمية المهمة، التي تقف حكوماتُها مع الكيان الصهيوني، للدلالة على أنّ شعوب العالم قد فهمت اللعبة جيدًا، وأنها كانت مخدوعة تحت الإعلام المضلل والمُوَجّه، لكن وسائل الاتصال الحديثة غيّرت الموازين.
ومؤخرًا وفي خطوة غير مسبوقة، وقّع أكثر من ثمانمائة مسؤول من الولايات المتحدة وأوروبا على رسالة مفتوحة، تتضمن انتقادات لاذعة للسياسة الغربية تجاه إسرائيل وغزة، واتهموا حكوماتهم بـ«التواطؤ المحتمل في جرائم حرب»، واعتبروا أنّ هناك خطرًا من أنّ سياسات حكوماتهم تساهم في الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي، وجرائم الحرب، وحتى التطهير العرقي أو الإبادة الجماعية. واتهم المسؤولون الموقِّعون على الرسالة حكوماتهم بالفشل في إلزام إسرائيل بنفس المعايير التي تطبقها على الدول الأخرى وإضعاف مكانتهم الأخلاقية في العالم، ودعا هؤلاء حكوماتهم إلى «استخدام كلّ نفوذها» للوصول إلى وقف إطلاق النار، والتوقف عن القول بأنّ هناك «أساسًا منطقيًّا استراتيجيًا يمكن الدفاع عنه وراء العملية الإسرائيلية».
تقول الرسالة، إنه تم تنسيقها من قبل موظفي الخدمة المدنية في مؤسسات الاتحاد الأوروبي ونيذرلاندز والولايات المتحدة، وأيَّدها موظفون في بلجيكا والدنمارك وفنلندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والسويد وسويسرا والمملكة المتحدة. ولا تشير إلى أسماء موقعيها رغم انتشارها الواسع في وسائل الإعلام العالمية.
وكم كان كاتبو تلك الرسالة محقين بأنّ «العملية لم تساهم في تحقيق هدف إسرائيل المتمثل في هزيمة حماس، بل عززت بدلا من ذلك قبول حماس وحزب الله وغيرهما من الجهات الفاعلة»، وعزوا ذلك إلى الدعم الغربي اللامحدود لإسرائيل، وهذه في الواقع حقيقة أصبحت مشاهدة في العالم، إذ التعاطف العالمي مع الفلسطينيين هو الأعلى الآن منذ عام 1948.
وإذا كانت هذه الرسالة ليست فاعلة في الوقت الراهن، بسبب اعتبارات الخوف من إعلان أسماء الموقعين عليها، فإنه يكفي أنها خطوة تكشف أنّ «السياسات المؤيدة لإسرائيل بين القادة الأمريكيين والبريطانيين والأوروبيين» تلقى معارضة من موظفي الخدمة المدنية، بما في ذلك العديد من الذين ينفذون السياسات الخارجية لحكوماتهم، حسب صحيفة «نيويورك تايمز»، التي نشرت نص الرسالة، ضمن العديد من المواقع الأمريكية والأوروبية التي نشرتها.
جاءت الرسالة في وقت أظهر فيه استطلاع رأي مشترك، أجرته وكالة «أسوشيتد برس»، والمركز الوطني لأبحاث الرأي، وأجري في الفترة من 25 إلى 28 يناير الماضي، وشمل 1152 شخصًا، أنّ نصف الأميركيين البالغين، يرون أنّ إسرائيل تجاوزت الحدود كثيرًا في حربها ضد الفلسطينيين، وما ميز هذا الاستطلاع أنّ العينة المستهدفة كانت من فئة الشباب.
بعيدًا عن استطلاعات الرأي، فإنّ التوجهات الرسمية الغربية بدأت تتجه اتجاهات أخرى عكس الريح الإسرائيلية؛ من ذلك - مثلا - ما قاله ديفيد كاميرون وزير الخارجية البريطاني إنّ بلاده يمكن أن تعترف رسميَّا بالدولة الفلسطينية بعد وقف إطلاق النار في غزة، «دون انتظار نتيجة ما ستُسفر عنه محادثاتُ السلام بين إسرائيل والفلسطينيين بشأن حل الدولتين»، كما أنّ ليو فارادكار رئيس الحكومة الأيرلندية كشف أنه بصدد إجراء محادثات مع دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي، لمراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، التي من المحتمل أن تكون قد انتهكت بند حقوق الإنسان بالاتفاقية، فيما قرأنا أكثر من تصريح من الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، تتحدث أيضًا عن احتمال الاعتراف المشترك بدولة فلسطينية بعد انتهاء الصراع الحالي، وقد أكدت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، أنّ القضية تسببت في توترات دبلوماسية بين إسرائيل وبريطانيا، بعد أن فتحت الشرطة البريطانية، المعروفة أيضًا باسم «سكوتلاند يارد»، تحقيقًا في اتهامات بارتكاب إسرائيل جرائم حرب في قطاع غزة. وعلقت شرطة لندن لافتات في المطارات بالمملكة المتحدة تحمل رسائل باللغة الإنجليزية والعبرية والعربية، كتب عليها «إذا كنت في إسرائيل أو الأراضي الفلسطينية، وتشهد أو كنت ضحية إرهاب أو جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، بإمكانك الإبلاغ عن ذلك للشرطة البريطانية». وبالتأكيد فإنّ هذه الخطوة تُعتبر بمثابة تطور مهم في الجهود المبذولة لمحاسبة إسرائيل على جرائمها ضد الفلسطينيين»، وتأتي بعد سنوات من الضغط من قبل النشطاء والحقوقيين والمؤثرين.
إنّ صمود المقاومة في غزة، هو الذي أدّى إلى تغيير وجهة النظر العالمية تجاه القضية الفلسطينية، لأنّ إسرائيل لم تتوقف عن إجرامها ضد الشعب الفلسطيني منذ أكثر من سبعين عامًا؛ لكن ذلك الصمود هو الذي أظهر للشعوب الغربية، أنّ هناك ظلمًا وإجرامًا ضد الشعب الفلسطيني، وأنّ الدول الغربية تتعامل مع الأمر بازدواجية، وأنّ هذه الدول لا تعرف إلا منطق القوة، وهو ما فعلته المقاومة الفلسطينية، التي رفضت ذل السلام الواهم فلجأت إلى القوة، وتحملت عبء مقاتلة العدو.
لكن السؤال الذي يجب أن يطرح هو: هل استثمر العرب تلك المتغيرات؟
زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلّف كتاب «الطريق إلى القدس»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الإبادة الجماعیة إطلاق النار أکثر من فی غزة
إقرأ أيضاً:
صباغ : سورية تجدد إدانتها للاعتداءات الإسرائيلية السافرة على دول المنطقة وشعوبها، وإدانة جرائم الحرب، وجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني
2024-11-25Aliسابق 25 شهيداً جراء العدوان الإسرائيلي على لبنان انظر ايضاً 25 شهيداً جراء العدوان الإسرائيلي على لبنان
بيروت-سانا ارتقى اليوم 25 شهيداً جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل على البلدات والمناطق اللبنانية.
آخر الأخبار 2024-11-2525 شهيداً جراء العدوان الإسرائيلي على لبنان 2024-11-25وزير الخارجية والمغتربين بسام صباغ خلال الاجتماع الوزاري الافتراضي الطارئ لمجموعة أصدقاء الدفاع عن ميثاق الأمم المتحدة: ضرورة اتخاذ إجراءات حازمة وفاعلة وفورية لوقف جرائم وانتهاكات الكيان الصهيوني للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني 2024-11-25طقس الغد… الحرارة أدنى من معدلاتها والجو غائم شديد البرودة 2024-11-25اعتداء إرهابي يستهدف حافلة مبيت عسكري على طريق حمص مصياف 2024-11-25مراسلة سانا: مؤسسة “وثيقة وطن” تكرم الفائزين بجوائز مسابقة “هذي حكايتي” لعام 2024 وذلك خلال احتفالية في مكتبة الأسد الوطنية بحضور رسمي ودبلوماسي وثقافي ومجتمعي وإعلامي 2024-11-25معارض وندوات توعية حول العنف القائم على النوع الاجتماعي في دير الزور 2024-11-25ريابكوف: لا نستبعد نشر صواريخ متوسطة المدى في آسيا رداً على السلوك الأمريكي 2024-11-25وصول شحنة مساعدات باكستانية تشمل 60 طناً من الأغطية للوافدين من لبنان 2024-11-25القوات الروسية تسقط 8 صواريخ باليستية و45 طائرة مسيرة أوكرانية 2024-11-25أولويات الاحتياج خلال عام 2025 في ورشة عمل بين مكاتب المنظمات العاملة بالحسكة والمديريات الرسمية
مراسيم وقوانين الرئيس الأسد يصدر قانوناً يشدد الغرامات والعقوبات على كل أفعال التخريب أو سوء استخدام شبكة الاتصالات وبنيتها 2024-11-25 مرسومان بتحديد الـ 21 من كانون الأول القادم موعداً لإجراء انتخابات تشريعية لمقعدين شاغرين في دائرة دمشق وآخر في دائرة مناطق حلب 2024-11-20 الرئيس الأسد يصدر ثلاثة قوانين تسهم في تطوير آليات العمل بالقطاع السياحي 2024-11-14الأحداث على حقيقتها عدوان إسرائيلي يستهدف معبر جوسية على الحدود السورية اللبنانية 2024-11-23 القوات الروسية تقيم 9 نقاط مراقبة بريفي القنيطرة ودرعا قرب “منطقة فصل القوات” 2024-11-18صور من سورية منوعات الصين تطلق قمرين صناعيين جديدين 2024-11-25 شابة سورية تدخل موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية لأطول مسافة “سبليت” على دراجتين معاً 2024-11-24فرص عمل الخارجية تعلن عن برنامج تدريب المقبولين للتقدم إلى المرحلة الثالثة من مسابقتها 2024-11-06 التعليم العالي تسمح للجامعات الخاصة فتح التسجيل المباشر لملء الشواغر في كلياتها 2024-11-04الصحافة فلا تَخـشوهم واخشـونِ..بقلم: أ. د.بثينة شعبان 2024-11-25 متوالية الأحداث الصعبة… بقلم: منهل إبراهيم 2024-11-22حدث في مثل هذا اليوم 2024-11-2525 تشرين الثاني 1992 -الموافقة على تقسيم تشيكوسلوفاكيا إلى دولتين 2024-11-2424 تشرين الثاني 1989- انتخاب إلياس الهراوي رئيساً للجمهورية اللبنانية 2024-11-2323 تشرين الثاني 1989- هدم جدار برلين بالكامل 2024-11-2222 تشرين الثاني عيد الاستقلال في لبنان 2024-11-2121 تشرين الثاني-اليوم العالمي للتلفاز 2024-11-2020 تشرين الثاني- اليوم العالمي للطفل
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |