هدف نتانياهو تصفية القضية الفلسطينية
تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT
الترجمة عن الفرنسية: حافظ إدوخراز -
في عالمنا الذي أصبحت فيه وسائل الإعلام تنقل كل شيء، تطرد المعلومات بعضها البعض قبل أن يتأتّى لنا ما يكفي من الوقت لنستوعب منها المعنى. إن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، والتشكيك المتطرّف في الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)، والهجوم البري الوشيك للجيش الإسرائيلي على رفح، كلّها تشكّل كلًّا منسجما للغاية يكشف عن الهدف الحقيقي لحكومة نتنياهو، وهو تصفية القضية الفلسطينية.
تُجمع كل التصريحات التي يدلي بها المسؤولون الإسرائيليون على التأكيد عن رغبتهم في التخلّص، لا من حركة حماس وحدها، وإنما من سكان غزّة جميعا من خلال جعل القطاع غير صالحٍ للعيش. وتملأ تصريحاتهم صفحات الجرائد الإسرائيلية كل يوم. يمثّل الثالث من نوفمبر 2023 بالنسبة إلى بنيامين نتانياهو «حربا بين أبناء النور وأبناء الظلام. ولن نتراجع عن مهمّتنا قبل أن ينتصر النور على الظلام».
ومن جانبه، قال رئيس حزب العمل إسحاق هرتسوغ في الثاني عشر من أكتوبر: «إن أمّةً بأكملها هي المسؤولة. وكل الخطابات الرنّانة حول المدنيّين الذين لم يعرفوا ولم يفعلوا شيئا هي خاطئة... وسنقاتل إلى أن نكسر عمودهم الفقري». أما وزير الدفاع يوآف غالانت، فقد فرض حصارا كاملا على غزة في التاسع من أكتوبر، وقال: «لا كهرباء، لا طعام، لا ماء، ولا وقود. كل شيء مغلق». وأضاف: «من نقاتلهم هم حيوانات ونحن نتصرّف على هذا الأساس».
صرّح وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير (اليمين المتطرف)، في العاشر من نوفمبر قائلا: «لكي نكون واضحين، فعندما نقول إنه لا بدّ من تدمير حماس، فإن ذلك يشمل كل من يقدّم الدعم لهم... كلهم إرهابيون ويجب أيضا تدمير هؤلاء جميعا». وكرّر الجنرال غيورا آيلاند، في التاسع من أكتوبر، دعوته من أجل جعل قطاع غزة غير صالحٍ للعيش: «ليس أمام دولة إسرائيل خيار سوى جعل غزة مكانا يستحيل العيش فيه مؤقّتًا، أو إلى الأبد».
لقد وُضعت هذه الكلمات قيد التنفيذ على الفور، وأشار مسؤول رفيع المستوى في الأمم المتحدة إلى أن «الوضع قد أصبح مأساويا بالنسبة إلى الفلسطينيين الذين تم دفعهم إلى النزوح نحو الجنوب ويعيشون في رعبٍ مطلق». إنهم «لا يزالون يتعرّضون للقصف الإسرائيلي بلا هوادة، ويرزحون تحت الحصار والدمار، محرومين من الضروريات مثل الغذاء والماء والإمدادات الطبية الحيوية».
خاطب أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، المجتمع الدولي في السادس من نوفمبر 2023، متحدّثا عن «أزمةٍ إنسانية»، كما استنكرت مديرة اليونيسيف كاثرين راسل، في الأول من ديسمبر، تحويل غزة إلى «أخطر مكان في العالم يمكن أن يعيش فيه الأطفال». وفي وضعٍ كهذا، تشكّل الأونروا بالنسبة إلى إسرائيل عقبة كبيرة، لأنها تقع في قلب منظومة الدعم الحيوي الذي يستفيد منه ستة ملايين لاجئ فلسطيني في غزة والضفة الغربية والدول المجاورة.
ويصدق هذا على نحوٍ أكبر منذ السابع من أكتوبر، حيث لعبت الوكالة دورا حاسما في تقديم يد العون لسكان غزة الذين سقطوا في براثن الفقر المدقع. ولا يفتأ المفوّض العام للوكالة، فيليب لازاريني، يحذّر من الوضع المأساوي السائد في القطاع، ويدين الهجمات على مباني الوكالة التي أصبحت ملجأً للفلسطينيين المطرودين من منازلهم. وفي الرابع من يناير 2024، قالت مسؤولة إسرائيلية (نوغا أربيل): «من المستحيل أن نكسب الحرب إن لم ندمّر الأونروا، ويجب أن يبدأ هذا التدمير على الفور».
إذا كانت قضية الموظفين الاثني عشر في الوكالة (من أصل ثلاثين ألف موظف يوجد ثلثهم في غزة) المتّهَمين بتورّطهم في هجوم السابع من أكتوبر يجب أن تكون موضوع تحقيق بالفعل، فإن هذه القضية تمثّل بالنسبة إلى نتنياهو فرصة لمواصلة عملية تشويه سمعة الوكالة من أجل «تدميرها»، معتقدا بذلك أنه يصفّي القضية الفلسطينية. وفي هذا السياق ينبغي فهم الهجوم الوشيك على رفح، حيث يعيش أكثر من مليون شخص يواجهون العوز الشديد والمجاعة.
يشكّل اجتياح رفح المرحلة الأخيرة في استراتيجية التصفية هذه، بحيث يتم إجبار سكان غزة على مغادرة أراضيهم بشكل جماعي والذهاب إلى مصر أو إلى أي مكان آخر، ولمَ لا إلى أوروبا كما كتب السياسيان الإسرائيليان داني دانون ورام بن باراك في صحيفة وول ستريت بتاريخ 13 نوفمبر 2023، مع الإلحاح بأن على «أوروبا أن تظهر تعاطفا». ومن جهته، لا يفتأ إيتمار بن غفير يذكّر باستمرار أن «هجرة سكان غزة ضرورية». مما سيسمح بعودة المستوطنين اليهود إلى غزة...
إن هدف التطهير العرقي هذا مأخوذٌ على محمل الجدّ من قبل المفوّض السامي لحقوق الإنسان، والذي قال في الرابع من يناير 2024: «إني منزعج للغاية من سماعي لتصريحات مسؤولين إسرائيليين كبار بشأن خططٍ لنقل المدنيين من قطاع غزة نحو بلدان أخرى». يسمح لنا كل هذا بأن نستوعب على نحوٍ أفضل مدى خطورة الوضع، وأن نفهم إلى أي مدى تعدّ ردود أفعال الدول الغربية التي قرّرت تعليق دعمها المالي للأونروا غير مسؤولة.
إنهم بذلك، ومن دون حتى انتظار نتائج التحقيقات الجارية، يزيدون من مفاقمة وضعٍ هو أصلا مأساوي، ويدوسون على التزاماتهم بخصوص إنفاذ قرارات محكمة العدل الدولية، التي تقول في حكمها الصادر يوم 26 يناير 2024 إن المحكمة «تعتبر أن على إسرائيل أن تتّخذ جميع التدابير التي في وسعها من أجل منع ومعاقبة التحريض المباشر والعلني على ارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة... ويجب عليها أن تتّخذ بشكل عاجل تدابير فعّالة من أجل توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية المطلوبة للتخفيف من الظروف المعيشية الصّعبة التي يرزح تحتها الفلسطينيون في قطاع غزة».
إن العكس تماما هو المرجّح أن يحصل في الأيام المقبلة، بينما يستمر الاستيطان بوتيرة سريعة في الضفّة الغربية. ولا بدّ من التحرّك بشكل عاجل قبل أن يتم ارتكاب ما لا يمكن إصلاحه خلال الهجوم المرتقب على رفح، والذي سيكون «كارثة» حتى وفقا لواشنطن.
جون بول شانيولو رئيس معهد الأبحاث والدراسات حول البحر المتوسط والشرق الأوسط، وأستاذ فخري للعلوم السياسية بجامعة سيرجي بونتواز (Cergy-Pontoise)
أنييس لوفالوا نائبة رئيس معهد الأبحاث والدراسات حول البحر المتوسط والشرق الأوسط، وأستاذة محاضرة في مؤسسة البحث الاستراتيجي
عن صحيفة لوموند الفرنسية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بالنسبة إلى من أکتوبر قطاع غزة من أجل
إقرأ أيضاً:
نمو نشاط قطاع التصنيع في الصين خلال فبراير
تسارعت وتيرة نمو نشاط قطاع التصنيع في الصين خلال الشهر الماضي، بفضل زيادة الإنتاج والطلبيات، وفقًا للنتائج النهائية لمسح مؤسسة إس أند بي غلوبال الصادرة اليوم الاثنين.
وحسب المسح، ارتفع مؤشر كايشين لمديري مشتريات قطاع التصنيع إلى 50.8 نقطة في فبراير، مقابل 50.1 نقطة في يناير، في حين كانت القراءة الأولية للمؤشر 50.4 نقطة خلال الشهر الماضي.
وتشير قراءة المؤشر فوق 50 نقطة إلى نمو النشاط الاقتصادي في القطاع، بينما تشير القراءة أقل من 50 نقطة إلى انكماشه، بحسب وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ).
واستمر المؤشر فوق مستوى 50 نقطة للشهر الخامس على التوالي، مما يعكس تحسنًا طفيفًا في أوضاع تشغيل قطاع التصنيع في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ليصل إلى أعلى مستوى له منذ نوفمبر الماضي.
وسجل المؤشران الفرعيان للإنتاج والطلبيات الجديدة ارتفاعات متزامنة، ليبلغا أعلى مستوياتهما منذ نوفمبر.
وتعكس الزيادة في الطلبيات الجديدة تحسنًا عامًا في الظروف الاقتصادية وإدخال منتجات جديدة. كما ارتفعت أعمال التصدير الجديدة لأول مرة منذ نوفمبر.
وساهم ارتفاع الإنتاج في زيادة نشاط المشتريات، في حين انخفضت مخزونات مستلزمات التصنيع لدى الشركات المصنعة لأول مرة منذ يوليو الماضي.
ورغم تحسن النشاط، استمر تراجع التوظيف في قطاع التصنيع للشهر السادس على التوالي.
وعلى صعيد الأسعار، ارتفعت أسعار مستلزمات الإنتاج بنسبة طفيفة، مما أتاح للشركات تقديم خصومات للعملاء، ليستمر تراجع أسعار المنتجات للشهر الثالث على التوالي.