المُسيَّرات القاتلة أسلحة المستقبل
تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT
ترجمة: قاسم مكي -
الأسلحة دقيقة التوجيه ظهرت في شكلها الحديث لأول مرة في ميدان القتال أثناء حرب فيتنام قبل ما يزيد قليلا على 50 عاما. ومع بحث الجيوش منذ ذلك التاريخ عن الدقة والقوة التدميرية ارتفعت تكلفة مثل هذه الأسلحة إلى عنان السماء. فقذيفة المدفعية الأمريكية الموجهة بنظام تحديد المواقع العالمي تكلف 100 ألف دولار.
ذلك هو السبب في نفادها من البلدان الأوروبية في ليبيا عام 2011. وإسرائيل الحريصة على الحفاظ على مخزونها أكثر من حرصها على تجنب الخسائر الجانبية (في أوساط المدنيين) أمطرت غزة بوابل من القنابل الغبية. لكن ماذا لو أمكن الجمع بين الدقة والوفرة؟
لأول مرة في تاريخ الحروب تمت الإجابة على هذا السؤال في ميادين المعارك بأوكرانيا. لقد سبق أن نشرنا تقريرا يوضح كيفية انتشار مسيرات «اف بي في» على طول خطوط القتال (طائرة اف بي في مسيَّرة يتم التحكم بها عن بعد ومزودة بكاميرا تبث مباشرة ما يراه عبرها قائدها الأرضي - المترجم).
إنها طائرات صغيرة ورخيصة ومحمَّلة بالمتفجرات. لقد تم اقتباسها من نماذج استهلاكية. وهي تشكل خطورة أكبر على حياة الجندي. فهذه المسيرات تدخل أبراج الدبابات والمخابئ الأرضية. وهي تتريث وتتعقب فريستها قبل أن تنقض عليها لتفتك بها. إنها تلحق خسائر جسيمة بالمشاة والدروع.
الحرب أيضا تنشر استخدام مسيرات «اف بي في» الجوية وشقيقاتها البحرية. لقد شهد شهر يناير 3 آلاف ضربة محققة بهذه المسيرات. وفي أوائل هذا الشهر أسس فولوديمير زيلينسكي رئيس أوكرانيا «قوة أنظمة آلية» مخصصة لحرب المسيرات. وفي عام 2024 ستكون أوكرانيا في سبيلها إلى تصنيع مليون إلى مليوني طائرة مسيرة. ومن المدهش أن ذلك سيغطي النقص في القذائف لدى أوكرانيا (التي تراجع مخزونها لأن الكونجرس منع تزويدها بالذخائر).
الطائرة المسيرة ليست سلاحا عجائبيا. فلا يوجد مثل هذا الشيء. هي مهمة لأنها تجسد اتجاهات كبيرة استجدَّت في مجال الحرب. أي التحول إلى الأسلحة الصغيرة والرخيصة التي يمكن استخدامها لمرة واحدة، وتزايد استخدام التقنية الاستهلاكية والاتجاه نحو التسيير(التوجيه) الذاتي في القتال.
بسبب هذه التوجهات الحربية الجديدة ستنتشر تقنية المسيرات ويشيع استخدامها بسرعة من الجيوش إلى المليشيات والإرهابيين والمجرمين. وستتحسن تقنية المسيرات بوتيرة تماثل تسارع منتجات الإلكترونيات الاستهلاكية التي تسعى لتلبية طلب السوق وليس بطء الصناعات العسكرية المحكومة بدورات الموازنات الحكومية.
المسيَّرة الأساسية بالغة البساطة. فهي سليلة المروحية الرباعية ويتم تصنيعها بمكونات عادية ومتوافرة في المتاجر ويمكن أن تكلف مبلغا زهيدا لا يتعدى بضع مئات من الدولارات.
مسيرات «اف بي في» في الغالب مداها قصير وحمولتها من المتفجرات صغيرة وتواجه مصاعب في أجواء الطقس السيئة. لهذه الأسباب لن تحل (بعد) محل المدفعية. لكن يمكنها إحداث قدر كبير من الدمار. فخلال أسبوع واحد في الخريف الماضي ساهمت المسيرات الأوكرانية في تدمير 75 دبابة روسية و101 مدفع كبير من بين أشياء أخرى كثيرة.
لدى روسيا مسيرات «اف بي في» الخاصة بها. لكنها تنحو إلى استهداف المخابئ الأرضية والخنادق والجنود. والمسيرات تعين على تفسير الصعوبة التي يواجهها طرفا الحرب الأوكرانية في شن هجمات.
يشير النمو المتسارع في عدد المسيرات الروسية والأوكرانية إلى اتجاه ثانٍ. فهي مستوحاة ومعدلة من نماذج التقنية الاستهلاكية المتوافرة على نطاق واسع.
ويمكن للمتطوعين استخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد لصنع المكونات الرئيسية وتجميع هياكل المسيرة في ورش صغيرة ليس فقط في أوكرانيا ولكن أيضا في ميانمار التي دحر فيها الثوارُ القواتِ الحكومية مؤخرا. ولسوء الحظ من المستبعد أن تتخلف العصابات الإجرامية والإرهابيون كثيرا عن المليشيات في القيام بذلك.
هذا يعكس الانتشار الواسع النطاق للأسلحة الدقيقة. ففي اليمن استخدمت جماعة الثوار الحوثيين كتيبات إرشاد رخيصة لتصنيع صواريخ مضادة للسفن تشكل تهديدا خطيرا للسفن التجارية في البحر الأحمر. وإيران نفسها أوضحت كيف يمكن أن تكون لتشكيلة متنوعة من المسيرات الضاربة والصواريخ الباليستية البعيدة المدى تأثيرا جيوسياسيا يفوق كثيرا تكلفتها.
وحتى إذا كانت المعدات المطلوبة للتغلب على التشويش على المسيرات تزيد كثيرا على تكلفة الأسلحة كما يتوقع البعض ألا أنها رخيصة بالقياس إلى تأثيرها. السبب في ذلك يعود إلى الإلكترونيات الاستهلاكية التي تحرَّك الابتكار بإيقاع بالغ السرعة مع تراكم القدرات في كل دورةِ منتَج.
هذا يطرح مشاكل تتعلق بالأخلاق وأيضا بالتقادم (بطلان استخدام المنتَج)، فلن يكون هنالك دائما وقتٌ لإخضاع الأسلحة الجديدة للاختبار الذي تستهدفه البلدان الغربية في أوقات السلم والمطلوب بواسطة معاهدات جنيف.
الابتكار يقود أيضا إلى الاتجاه الأخير وهو الاستقلال الذاتي للسلاح. اليوم يحِدّ من استخدام المسيرات التوافرُ الكافي للطيارين المهرة وتأثير التشويش الذي يمكن أن يفصل الارتباط بين المسَيَّرة وقائدها الأرضي.
للتغلب على هذه المشاكل تعكف روسيا وأوكرانيا على تجريب استقلال المسيرة ذاتيا في الملاحة الجوية وتمييز الأهداف. فالذكاء الاصطناعي ظل متاحا في المسيرات الاستهلاكية منذ سنوات وهو يتحسن بسرعة. لقد وُجِدَت درجةٌ من الاستقلال الذاتي للذخائر المتقدمة منذ سنوات ولصواريخ كروز منذ عقود. أما الجديد فهو أن الشرائح الدقيقة والبرمجيات الرخيصة ستجعل الذكاء الاصطناعي يتموضع داخل ملايين الذخائر البسيطة التي تزخر بها ميادين القتال.
الطرف الذي يبادر بإتقان توظيف تقنية الاستقلال الذاتي للمسيرات في أوكرانيا يمكن أن يتمتع بميزة مؤقتة لكنها حاسمة في قوة النيران. وهذا وضع ضروري لتحقيق أي اختراق. لقد كانت البلدان الغربية بطيئة في استيعاب هذه الدروس. الأسلحة البسيطة والرخيصة لن تحل محل المنصات المتقدمة والكبيرة لكنها ستتكامل معها.
أخيرا شرع البنتاجون في تنفيذ مبادرة «ربليكيتور» التي يستهدف بها إنتاج آلاف المسيرات والذخائر زهيدة التكلفة لمواجهة قوات الصين الضخمة. أما أوروبا فأكثر تأخرا في اللحاق بالركب. واقع الحال، يعتقد وزراؤها وجنرالاتها باطِّراد أنهم قد يواجهون حربا أوروبية كبرى ثانية بنهاية هذا العقد. إذا كان ذلك كذلك يلزم أن يتزايد بسرعة الاستثمار في المسيرات الرخيصة. إلى ذلك شيوع المسيرات يتطلب شيوع الإجراءات الدفاعية ليس فقط في ميادين القتال ولكن أيضا في المدن في أوقات السلم.
أيضا ستثير المسيرات الذكية أسئلة حول الكيفية التي تخوض بها الجيوش الحربَ وإذا ما كان في مقدور البشر السيطرة على ميدان القتال. فمع تكاثر المسيرات سيكون من الممكن إنتاج أسراب منها تتولى التنسيق فيما بينها دون تدخل خارجي. وسيواجه البشر عنتا في مراقبة وفهم اشتباكاتها القتالية. ليس ذلك فقط بل أيضا حتى السماح بها.
اكتظاظ سماء أوكرانيا بأسلحة تُستخدم لمرة واحدة وتجمع بين الدقة وقوة النيران يشكل تحذيرا. فالطائرات الصائدة والقاتلة والتي يتم إنتاجها بكميات كبيرة تعيد تشكيل التوازن بين البشر والتقنية في الحروب.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: اف بی فی یمکن أن
إقرأ أيضاً:
باحث في العلاقات الدولية لـ«الأسبوع»: «مايك هاكابي» ينفذ الأجندة الأمريكية التي تخدم إسرائيل
يشكل الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، حكومة جديدة تساعدة في اتخاذ القرار داخل إلادارة الأمريكية داخليًا وخارجيًا، وكان من ضمن تلك الاختيارات، ترشيح «مايك هاكابي» ليكون سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل.
في هذا السياق، قال الدكتور محمد ربيع الديهي، الباحث المتخصص في العلاقات الدولية، في تصريحات خاصة لـ«الأسبوع»، إن تصريحات «مايك هاكابي» حول الضفة الغربية ليست محض صدفة، فقد عبر ترامب أثناء حملته الانتخابية عن رغبته بتوسيع مساحة دول الاحتلال، مؤكدًا أن مساحة إسرائيل صغيرة ويجب أن تتوسع، ورغم أن الولايات المتحدة الأمريكية كما يصفها البعض بدولة مؤسسات إلا أن الرئيس الأمريكي يلعب دورًا مهمًا في عملية صنع السياسة الخارجية وتوجهاتها، إما بصورة مباشرة أو اختيار شخصيات تؤيد رؤية وتوجه قيادات مؤسسات الولايات المتحدة الأمريكية.
وأوضح الديهي، أن ترشيح مايك هاكابي جاء لتلبية تطلعات ترامب في توسع رقة دولة الاحتلال، وهو ما قد يشغل المنطقة العربية والشرق الأوسط في المستقبل، ولن يكون عامل استقرار اقليمي، ولا شك في أن تلك التصريحات تؤكد توجه أمريكا في المستقبل لزيادة الدعم المقدم لدولة الاحتلال، وعلى ما يبدو أن عودة هاكابي للمنطقة وكممثل في فلسطين هو مجرد تمهيد لـ تغيرات جيوسياسية ستشهدها المنطقة، ومن ثم العالم وربما نحن سنكون أمام مشهد جيوسياسي مضطرب للغاية.
اقرأ أيضاًالخارجية الفلسطينية: الفشل الدولي في وقف حرب الإبادة شجع الاحتلال على إعلان مخططاتها لضم الضفة
8 شهداء بينهم 3 أطفال و3 نساء في قصف لقوات الاحتلال على دوحة عرمون بلبنان
حزب الله يجبر طائرتين مسيرتين لقوات الاحتلال الإسرائيلي على مغادرة الأجواء اللبنانية