الخرطوم- بعد مضي 100 يوم على اندلاع القتال في العاصمة السودانية الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، شرعت قيادات الأخيرة في دراسة خيارات عديدة ستحدد مستقبلها بعد وقف الحرب، منها البحث عن دور عسكري وسياسي أو التحول إلى حركة مسلحة قومية لها ذراع سياسية تنطلق من غرب السودان، وفق ساسة ومراقبين.

وكشف مبارك الفاضل المهدي مساعد رئيس الجمهورية السابق، وزعيم حزب الأمة عن أن الدعم السريع يتفاوض على الاستسلام مقابل الحصول على دور سياسي وعسكري في السودان، مضيفا في تغريدة على تويتر أن قوات الدعم السريع تفاوض على شروط الاستسلام وفقا لمعلومات مؤكدة.


ما قبل التسوية

وأضاف المهدي أن عبد الرحيم دقلو -القائد الثاني للدعم السريع- التقى في مدينة أم جرس التشادية مندوبا أميركيا وآخر كينيا وثالثا خليجيا؛ كل واحد منهم على حدة، ونقل إليهم رغبة الدعم السريع في خروج آمن مع دور عسكري سياسي، مشيرا إلى أنه بناء على ذلك، اتصل الرئيس الكيني وليام روتو برئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، رغم رفض السودان نقل روتو لطلب عبد الرحيم دقلو.

وللسبب ذاته المتعلق بتفاوض قوات الدعم السريع لأجل الاستسلام، أوضح أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اتصل بالبرهان وأطلعه على الأمر، وعلى هذا الأساس وافق البرهان على عودة وفد الجيش إلى طاولة التفاوض في مدينة جدة السعودية، وفق المهدي.

وفي حديث آخر للجزيرة نت، يرى المهدي أن عبد الرحيم دقلو خرج من الخرطوم إلى تشاد بعدما أيقن بخسارته معركة العاصمة، حيث بات يبحث عن مخرج لما تبقى من قواته والسعي إلى موطئ قدم في المستقبل، معتقدا أن ممارسات قوات الدعم السريع بالعاصمة ونهبها ممتلكات المواطنين واحتلال منازلهم وحوادث القتل والاغتصاب والانتهاكات الواسعة بحق المدنيين دمرت مستقبلها السياسي.

وقد لا يقف الأمر عند ذلك فقط، إذ يرى المهدي أن الانتماء إلى قوات الدعم السريع كان يعتمد على الولاء القبلي والمال، وبعد فقدان قيادة الحركة مصادر التمويل وتجميد أموالها في السودان والعقوبات الأميركية على شركاتها، فإن وضعها المالي سيضعف، فضلا عن أن الولاء القبلي مرتبط بمصالح المجموعات القبلية التي تستمر في معركة خاسرة.


تشاد وليبيا وتوغو

وكشفت مصادر أمنية وثيقة الصلة بالملف الأفريقي أن مهمة القائد الثاني لقوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو في تشاد -التي زارها الأسبوع الماضي- لم تحقق أهدافها في إيجاد تسوية لجرائم الحرب التي تُتهَم قواته بارتكابها في مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور.

وفي حديث للجزيرة نت، أوضحت المصادر الأمنية أن حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، ووزير المالية وزعيم حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم رفضا لقاء دقلو في العاصمة التشادية نجامينا، حيث إن دعوتهما من قبل الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي كانت للتشاور بشأن تطورات الأوضاع في دارفور وتنفيذ اتفاق جوبا للسلام وليس لأجل التباحث مع قيادة قوات الدعم السريع.

ووفق المصادر ذاتها، رفض سلطان قبيلة المساليت سعد بحر الدين وقيادات القبيلة لقاء دقلو الذي كان يعتزم تقديم اعتذار لرموز القبيلة عما حدث في الجنينة من ممارسات صنفتها منظمات دولية على أنها "تطهيرا عرقيا".

وانتقل دقلو من تشاد إلى ليبيا التي وصلها برا إلى سبها ثم جوا إلى بنغازي في شرق ليبيا، ورجحت معلومات أن زيارة دقلو إلى ليبيا كانت تستهدف الحصول على دعم عسكري بعد نقص العتاد لدى قواته، الأمر الذي أفقدها روح المبادرة في القتال وضاعف من خسائرها، وفق المصادر نفسها.

وأضافت المصادر الأمنية أن قيادة الدعم السريع وجهات داخلية وخارجية تدعمها، تخطط لخلق كيان سياسي يعبر عنها خلال المرحلة المقبلة بعد وقف الحرب، خاصة خلال العملية السياسية التي ستنطلق عقب التوصل إلى وقف شامل ونهائي للقتال، مبينة أن قيادة الدعم السريع ليست بعيدة عن ملتقى تشاوري سيعقد في مدينة لومي -عاصمة دولة توغو- الأحد والاثنين المقبلين، بمشاركة 25 من القيادات السياسية وقيادات حركات الكفاح المسلح في دارفور لمناقشة الاختلالات في الإقليم وبحث أسباب الحرب الحالية.

المصادر أوضحت أن الملتقى سيشهد مشاركة المستشار السياسي لقائد قوات الدعم السريع يوسف عزت، فضلا عن شخصيات تعمل مع الدعم السريع من وراء ستار وأخرى متعاطفة معها، مبينة أن الهدف الحقيقي من الملتقى سيبحث كيفية معالجة ممارسات الدعم السريع في دارفور التي خلقت صورة سيئة عنها وصارت تشكل عائقا تجاه مواطني الإقليم، فضلا عن هدف آخر يتمثل بالتفكير في استحداث كيان سياسي تقوده شخصيات غير منتمية رسميا للدعم السريع للتعبير عنه خلال المرحلة المقبلة.


حركة مسلحة

وفي الشأن ذاته يعتقد المحلل السياسي عبد الله إسماعيل أن قيادة الدعم السريع تسعى إلى تسوية تحصل بموجبها على ضمانات للاحتفاظ ببعض قواتها فترة زمنية محددة، ودمج من يرغب منها بالقوات النظامية الحكومية، فضلا عن سعيها لتشكيل كيان سياسي أو الدخول في تحالفات سياسية مع قوى وفصائل أخرى لأجل المشاركة في البرلمان الذي سينشأ بعد نهاية الفترة الانتقالية، لافتا إلى أن محمد حمدان دقلو "حميدتي" معجب بتجربة حزب الله في لبنان، وفق إسماعيل.

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى إسماعيل أنه في حال تعذر على قيادة الدعم السريع تحقيق ما تريد عبر المفاوضات، فإنها ستتحول إلى حركة مسلحة يشمل نطاق نشاطها العسكري ولايات دارفور وولايتي غرب وشمال وكردفان، فضلا عن إنشاء جناح سياسي يضم طيفا واسعا يتيح لها طرح نفسها بصفتها حركة قومية وليست إقليمية أو جهوية حتى تأتي إلى الخرطوم مرة أخرى عبر تسوية سياسية.

غير أن مسؤولا في المكتب الإعلامي لقوات الدعم السريع -طلب عدم الإفصاح عن هويته- رفض تأكيد أو نفي مغادرة عبد الرحيم دقلو إلى تشاد وليبيا، وقال للجزيرة نت إنه يقود قواته، كما نفى أي صلة لهم بالملتقى التشاوري لقيادات دارفور الذي يعقد في توغو، موضحا أن منظمة معروفة هي التي تنظم الملتقى.

ويضيف أن قواتهم تحقق تقدما في الخرطوم وتسيطر على معظم مدن العاصمة الثلاث وهي من تفرض شروطها عبر طاولة المفاوضات وليس الطرف الخاسر، واعتبر أي حديث عن إنشاء جسم سياسي أو عسكري جديد سابق لأوانه وغير مطروح حاليا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: قیادة الدعم السریع قوات الدعم السریع للجزیرة نت فی مدینة

إقرأ أيضاً:

الواجب دعم الجيش في الإتجاه الصحيح

الواجب دعم الجيش في الإتجاه الصحيح

خالد فضل

أولاً، لابد في تقديري من التأكيد، أنّ الأفراد المنتسبين للقوات المسلحة السودانية حتى تاريخ 15 أبريل 2023م على الأقل، هم من المواطنين السودانيين، ذلك بتوقع أنّ إجراءات التنسيب للقوات المسلحة في أي بلد تقريباً تشترط مستندات تثبت انتمائهم لهذا البلد، عطفاً على ذلك، يتوقع كذلك أنّ أفراد قوات الدعم السريع تنطبق عليهم نفس الشروط، على فرضية أن تكوين هذه القوات أساساً قد تم على يدي القوات المسلحة ذاتها، فهل يمكن أن يصدر من الجيش نفي لهذه الفرضية، أي إنكار تكوين قوات الدعم السريع على يديه ووفقاً لشروطه؟ في حالة صدور بيان من الجيش ينفي فيه تكوينه لهذه القوات وأنها لم تولد من رحمه الولود، وأنها لم تك جزءاً منه في يوم من الأيام، ولم تؤد أدواراً وطنيةً مشهودةً- كما قال السيد أحمد هرون حاكم ولاية شمال كردفان ذات يوم- وأن الرئيس المخلوع عمر البشير والقائد الأعلى للجيش كان يكذب ويتحرى الكذب عندما أشار إلى قوات الدعم السريع بأنها سنده وعضده، وأن حميدتي (حمايتي) في هذه الحالة يمكن للإنسان الذي ميزه الله بالعقل عن سائر المخلوقات أن يصدق أي مزاعم قيلت وتقال عن المرتزقة والأجانب و… إلخ. لأن إطلاق الكلام وخطاب الكراهية والوصم بالمرتزقة والأجانب وغيرها من صفات التحقير للمختلفين ودمغهم مباشرة بالعمالة، هذا حديث مكرر وماسخ وفوق هذا وذاك فاقد للقيمة- مثله مثل الجنيه السوداني الآن- فقد قيلت كل هذه الخطابات الكريهة من قبل بل ظلت تتردد بصورة خاصة في فترات الحكومات العسكرية الديكتاتورية من أيام المرحوم النميري إلى عهد المخلوع البشير القريب، ويمكن الجزم بضمير مرتاح؛ إذا صحت هذه الإدعاءات الزائفة أن نائب رئيس مجلس سيادة الجيش ووزير ماليته وحاكم إقليم دارفور على سبيل المثال لا الحصر يحملون رتبة المشير ركن خائن عميل مرتزق، مثلما كان يجب أن يحملها الراحل العظيم د. جون قرنق والفريق سلفا كير وكلاهما ممن شغلوا منصب النائب الأول في حكومة الإسلاميين الغابرة والإرشيف موجود في وسائل الإعلام من صحف وإذاعة وتلفزيون خاضعة للحكومات الديكتاتورية المتتالية على حكم الشعب السوداني عن طريق الانقلابات العسكرية وآخرها وليس الأخير حكم الإسلاميين المسمى الإنقاذ.

ثانياً، بما أن المعادلة الصحيحة، هي أن الحرب الراهنة تدور بين أطراف سودانية، وعلى أرض السودان، والضحايا من البشر والزرع والضرع والجمادات أغلبها من المنتمين للسودان؛ مع وجود نسبة أقل من الضحايا غير المواطنين وممتلكاتهم، يبقى أنّ أي سانحة لوقف الحرب ومحاولة وأد أسبابها مستقبلاً يجب أن تحظى ابتداءً بتأييد كل السودانيين، ووفقاً لخبرة تاريخية يعرفها القاصي والداني، عاش في كنفها من مات منهم، وبالضرورة يعرفها الأحياء، خلاصة هذه الخبرة ببساطة شديدة أن ما من حرب أهلية في السودان وبين السودانيين، حتى على مستوى نزاعات القبائل إلا وتوقفت بالتفاوض. يعني ليس هناك ما يسعف دعاة انتهاء الحرب بالحرب في طول خبرتنا التاريخية، اللهم إلا في حالة الرغبة في اجتراح خبرة جديدة، تفضي لإنهاء الحرب عن طريق الحرب على قول المثل الشعبي (النار لو ما لاقتا نار ما بتقيف)، لاحظ أن النارين اللتين ستتقابلان في المبارزة النهائية ستكونان قد قضتا على أي شئ أمامهما لم يبق سوى مقابلتهما وحدهما وجهاً لوجه عنئذ تهمد النيران من الجانبين، وبتحويل المعادلة للطرفين ستكون كالآتي: الجيش يقضي على كل ما يقابله ومن يصادفه، والدعم السريع في الجهة المقابلة يفعل نفس الشئ، ليكون اللقاء النهائي بينهما على أرض خالية من البشر (48 مليون) ومن الوضر، فيتفانيان لوحدهما باعتبارهما آخر ما تبقى في السودان، ومن ظل بعد ذلك على قيد الحياة من الجياشة ومليشياتهم، أو الدعامة أم المليشيا ووليداتها الصغار يمكنه ساعتذاك الاحتفال بانتهاء الحرب وتحقيق النصر.

الواجب الآن، وهو الكلام الجد والمعقول أن نساند الجيش في الإتجاه الصحيح، إتجاه التفاوض غير المشروط، وبمثلما رحب الدعم السريع بالدعوة الأمريكية مشتركة سعودية للتوجه إلى جنيف لبدء خطوة نحو وقف إطلاق النار، وإغاثة المتضورين جوعاً، والمرضى والحيارى والمشردين والنازحين، نأمل أن الجيش سيلبي النداء الوطني الملحاح والعاجل دون تلكؤ فالوقت يمضي بالعذاب لملايين السودانيين، ولا نهاية للحرب إلا عبر طاولة التفاوض.

ومهما تذرع  دعاة الحرب، فإن الوقت ليس في صالح ما يتوهمون، والفشل في وقف الحرب اليوم يعني زيادة الهوة أكثر وأكثر غداً، أما ما تطرحه وزارة الخارجية من شروط، فإن مكانه التفاوض، وبيوت المواطنين ليست ذريعة، لأن المواطن يعرف أن احتلال بيته حدث كنتيجة للحرب وليس سبباً فيها، الواجب أخذ الأمور بجدية بعيداً عن أوهام جماعة الإسلام السياسي، والذين عليهم (دعونا نفهم بوضوح ونتقبل بوعي أنّه انطوت صفحة من كتاب الإسلاميين السياسي، ومرحلة من مراحلهم السياسية. نقطة سطر جديد) هذا ما كتبته الأستاذة سناء حمد العوض في مقال لها بعنوان على أعتاب الفجر؛ تداولته وسائط الإعلام السودانية مطلع شهر يوليو2024م.

الوسومالجيش الدعامة الدعم السريع السودان جعفر نميري جون قرنق حاكم إقليم دارفور خالد فضل سلفا كير عمر البشير

مقالات مشابهة

  • تطورات حرب السودان – الاغتيالات السياسية والتصفيات الجسدية
  • السودان.. ما هو اتفاق جدة ولماذا أثير الجدل حوله؟
  • ما سبب اندلاعها ومن الفائز؟ «حرب السودان» ..دور القوى الدولية ومخاطر النزاع
  • مرصد عالمي للجوع: المجاعة تتفشى في إقليم دارفور بالسودان
  • الحرب في السودان.. دور القوى الدولية ومخاطر النزاع
  • محاولة اغتيال البرهان.. ما هدفها؟ ومن وراءها؟
  • الواجب دعم الجيش في الإتجاه الصحيح
  • البرهان ينجو من محاولة اغتيال بطائرات مسيرة خلال احتفال عسكري في جبيت
  • محاولة اغتيال البرهان.. تكثيف استخدام المسيّرات يُنذر بتوسّع الحرب
  • قوات الدعم السريع: بيان بشأن مفاوضات جنيف ومراوغات عناصر الحركة الاسلامية بالقوات المسلحة