قبل مطلع الألفية الثالثة بقليل أطلق المفكر والناقد الكبير الدكتور جابر عصفور رحمه الله، مقولته الشهيرة «إنه زمن الرواية» ليؤسس لمرحلة جديدة فى تاريخ الإبداع العربي، يتحول فيها المسار بقوة وجموح واهتمام وتجريب إلى فن السرد الروائى بعد أن وصل التطور بالشعر إلى أقصى مراحله لينغمس فى متاهات مُلغزة، مبتعداً عن الجمهور العام، وصار أشبه بفن تجريدى نخبوى.
والمُلاحظ أن السنوات الأخيرة شهدت جنوحاً وانحيازاً كبيراً ناحية الرواية ذات الخلفية التاريخية، لتُصبح مساراً غالباً فى السرد، وهو ما استلزم إضافة مهارات جديدة للروائى تخُص البحث والاستقصاء التاريخى للوصول إلى عوالم جديدة يُمكن إظهارها بصورة ماتعة.
ولقد تعددت التفسيرات بشأن الجنوح ناحية التاريخ، وكان من بينها رد الأمر إلى الحيلة القديمة للمبدعين للتعبير رمزاً عن أمور يصعب التعبير عنها مباشرة إما لأسباب اجتماعية، أو سياسية، أو شخصية، مُستغلين فى ذلك المقولة الشهيرة بأن التاريخ يُكرر نفسه فى الأمم الواهنة، ذلك لأن الشعوب لا تتعلم مما مضى، ربما لأنها لا تقرأ ما مضى.
ويرى البعض أن السعى للتاريخ لتقديم نماذج سرد ساحرة هو نوع من النقد غير الصريح للواقع، بمعنى رسم تصور قد يكون صحيحاً وقد لا يكون بأن كل عصر ماضوى هو بالضرورة أفضل من الواقع المعيش.
ولا شك أن المُتابع للجوائز الإقليمية والمحلية فى مجال الرواية يجد تركيزاً واضحاً على الروايات ذات الخلفيات التاريخية، التى تُقدم لجمهور القراءة مُتعتين فى آن واحد، هما مُتعة الحكاية، وُمتعة التاريخ خاصة لو كان ينتمى إلى مساحة مُهمشة لم يُكتب فيها كثيراً.
وأتصور أن جيل كبير من المبدعين فى مصر يؤرخ لمرحلة جديدة من السحر الإبداعى القائم على التاريخ، فبين يدى مجموعة رائقة وساحرة من الإبداعات الجديدة المُستلهمة للتاريخ والتى صدرت مؤخراً، وعلى رأسها رواية المبدع الجميل إبراهيم فرغلى المعنونة «بيت من زُخرف» والتى تستعيد زمن العرب فى الأندلس مُستلهمة لسيرة المفكر العظيم ابن رشد، والزمن المعاصر فى تداخل لذيذ بين الآنى والماضى.
وفى رواية أخرى هى «كوش كو» للمبدع الجميل ولاء كمال، فإننا سنواجه بفانتازيا تاريخية تزدحم بحوادث وحكايات، وشخصيات مُدهشة، مُحفزة لمُحبى التاريخ على التقليب والبحث تفصيلياً عما وراء كل إشارة.
وأقف كثيراً عند نص المبدع الشاب أحمد المرسى «مقامرة على شرف الليدى ميتسى» والتى حازت جائزة القائمة القصيرة لرواية البوكر العربية، فهى رغم بساطة اللغة، أشبه بعرض سينمائى ساحر يحكى حقبة العشرينات فى مصر، وما شهدته من تحولات اجتماعية وسياسية استثنائية.
ومن الروايات الحديثة أيضاً المنبثقة من التاريخ رواية «أنا وعمى والإيموبيليا» للمبدع الكبير ناصر عراق، وهى إضافة لمشروع عظيم بدأه قبل أكثر من عشر سنوات فقدم لنا مراحل متنوعة من التاريخ المصرى الحديث بدءاً من «الأزبكية»، ثم «دار العشاق»، وصولاً لـ«اللوكاندة» و«الأنتكخانة».
وليس بعيداً من ذلك أعمال أخرى انبثقت من التاريخ فأثرت وأنارت بقوة خلال السنوات الأخيرة كان أبرز روادها ريم بسيونى صاحبة روايات «أولاد الناس» و«القطائع»، وأسامة عبد الرؤوف الشاذلى مؤلف روايتى «عهد دميانة» و«أوراق شمعون المصرى».
وكل هذا يُحفز الأجيال القادمة للقراءة، والتى لولاها ما استطعنا استيعاب قُبح هذا العالم.
والله أعلم
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى عبيد الدكتور جابر عصفور
إقرأ أيضاً:
شيخ الأزهر: المرأة الفلسطينية ضربت المثل في الشجاعة والتاريخ سيقف طويلاً وهو يحني لها الرأس
قال الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن المرأة الفلسطينية ضربت المثل في الصمود والشجاعة والتمسك بالوطن، رغم ما تتعرض له من تطهير عرقي وإبادة جماعيَّة، ورغم ازدواجية المعايير التي يتعامل بها المجتمع الدولي مع المرأة الفلسطينية، بحسبانها أقل إنسانية من المرأة الغربية.
وأضاف شيخ الأزهر خلال تصريح له بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، والذي يحتفل به في الثامن من مارس من كل عام، "إنني لأعجب حينما يرفع البعض شعارات حقوق المرأة، ثم يخفونها عمدًا حينما يتعلق الأمر بأبسط حقوق المرأة الفلسطينية في الحياة والعيش الآمن".
وأكد أن ما نراه من تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه وتشبثه بتراب وطنه، لهو ثمرة القيم التي زرعتها الأمهات الفلسطينيات في أبنائهن، مشدداً على أن التاريخ سيقف طويلا وهو يحني الرأس للمرأة الفلسطينية التي تشبثت بوطنها وبمقدراتها، وكسرت بصمودها شوكة المحتلين المعتدين.
دعاء الليلة التاسعة من رمضان .. ردده الآن يغفر الذنوب ويفك الكروب
أقوى دعاء لطرد الشيطان.. ردده باستمرار يعصمك من ارتكاب المعاصي
هنأ أ.د نظير محمد عيَّاد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، المرأة المصرية والعربية ونساء العالم بمناسبة يوم المرأة العالمي، الذي يوافق الثامن من مارس من كل عام، مؤكدًا أن الاحتفاء بها ليس مجرد مناسبة عابرة، بل هو اعترافٌ مستحقٌ بمكانتها ودورها الفاعل في بناء الحضارات وصناعة النهضة، فقد كانت المرأة على مر العصور شعلة مضيئة في دروب الإنسانية، تترك بصماتها الراسخة في كل ميدان، ودلائل التاريخ ناطقةٌ بأن المجتمعات لا تقوم إلا بتكامل جهود رجالها ونسائها.
المرأة كانت ولا تزال ركنًا أساسيًّا في مسيرة التقدموأوضح مفتي الجمهورية، أن المرأة كانت ولا تزال ركنًا أساسيًّا في مسيرة التقدم، صانعةً للعقول، ومؤسسةً للقيم، وقائدةً لمسارات التحول والنهضة، فالتاريخ يزخر بنماذج نسائية سطّرت أعظم المواقف وأرسَت قواعد المجد، منذ السيدة خديجة -رضي الله عنها- التي كانت أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، ووهبته دعمها المطلق، فكانت مثالًا خالدًا للحكمة والإيمان.
السيدة عائشة –رضي الله عنها– حملت لواء العلموتابع: والسيدة عائشة –رضي الله عنها– التي حملت لواء العلم، فنهل من معينها الفقهاء والعلماء، وساهمت في نشر المعرفة وإرساء دعائم الفقه الإسلامي، مشيرًا إلى أن دور المرأة لم يتوقف عند الماضي، بل ظل ممتدًّا عبر الأزمان، فكانت في كل عصر طاقةً مُلهمةً للإبداع والتغيير، تُسهم في بناء الأوطان، وتُثري الفكر، وتُرسخ القيم، وتُسطر ملاحم التضحية والعطاء، مشيدًا بالمرأة المصرية التي أثبتت في كل المحطات التاريخية أنها قوةٌ لا يُستهان بها، وقلبٌ نابضٌ بحب الوطن، تُساند في الأزمات، وتُشارك في التنمية، وتقف جنبًا إلى جنب مع الرجل في مسيرة البناء.
واختتم أن تمكين المرأة ليس خيارًا، بل ضرورةٌ حضاريةٌ تفرضها سنن التطور، فهي ليست مجرد نصف المجتمع عددًا، بل هي قلبه النابض، وعقله المفكر، وضميره الحي، وحضورها في ميادين الفكر والعمل هو حجر الأساس في بناء مستقبل أكثر ازدهارًا وعدالة.