بوابة الوفد:
2025-04-10@08:24:15 GMT

الروايات والتاريخ

تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT

قبل مطلع الألفية الثالثة بقليل أطلق المفكر والناقد الكبير الدكتور جابر عصفور رحمه الله، مقولته الشهيرة «إنه زمن الرواية» ليؤسس لمرحلة جديدة فى تاريخ الإبداع العربي، يتحول فيها المسار بقوة وجموح واهتمام وتجريب إلى فن السرد الروائى بعد أن وصل التطور بالشعر إلى أقصى مراحله لينغمس فى متاهات مُلغزة، مبتعداً عن الجمهور العام، وصار أشبه بفن تجريدى نخبوى.

ومن يومها والرواية هى عمدة الفنون الإبداعية، ومنبع الثقل والتأثير الثقافى والمعرفى، وهى الجسر الواصل بين الناس والنخبة.

والمُلاحظ أن السنوات الأخيرة شهدت جنوحاً وانحيازاً كبيراً ناحية الرواية ذات الخلفية التاريخية، لتُصبح مساراً غالباً فى السرد، وهو ما استلزم إضافة مهارات جديدة للروائى تخُص البحث والاستقصاء التاريخى للوصول إلى عوالم جديدة يُمكن إظهارها بصورة ماتعة.

ولقد تعددت  التفسيرات بشأن الجنوح ناحية التاريخ، وكان من بينها رد الأمر إلى الحيلة القديمة للمبدعين للتعبير رمزاً عن أمور يصعب التعبير عنها مباشرة إما لأسباب اجتماعية، أو سياسية، أو شخصية، مُستغلين فى ذلك المقولة الشهيرة بأن التاريخ يُكرر نفسه فى الأمم الواهنة، ذلك لأن الشعوب لا تتعلم مما مضى، ربما لأنها لا تقرأ ما مضى.

ويرى البعض أن السعى للتاريخ لتقديم نماذج سرد ساحرة هو نوع من النقد غير الصريح للواقع، بمعنى رسم تصور قد يكون صحيحاً وقد لا يكون بأن كل عصر ماضوى هو بالضرورة أفضل من الواقع المعيش.

ولا شك أن المُتابع للجوائز الإقليمية والمحلية فى مجال الرواية يجد تركيزاً واضحاً على الروايات ذات الخلفيات التاريخية، التى تُقدم لجمهور القراءة مُتعتين فى آن واحد، هما مُتعة الحكاية، وُمتعة التاريخ خاصة لو كان ينتمى إلى مساحة مُهمشة لم يُكتب فيها كثيراً.

وأتصور أن جيل كبير من المبدعين فى مصر يؤرخ لمرحلة جديدة من السحر الإبداعى القائم على التاريخ، فبين يدى مجموعة رائقة وساحرة من الإبداعات الجديدة المُستلهمة للتاريخ والتى صدرت مؤخراً، وعلى رأسها رواية المبدع الجميل إبراهيم فرغلى المعنونة «بيت من زُخرف» والتى تستعيد زمن العرب فى الأندلس مُستلهمة لسيرة المفكر العظيم ابن رشد، والزمن المعاصر فى تداخل لذيذ بين الآنى والماضى.

وفى رواية أخرى هى «كوش كو» للمبدع الجميل ولاء كمال، فإننا سنواجه بفانتازيا تاريخية تزدحم بحوادث وحكايات، وشخصيات مُدهشة، مُحفزة لمُحبى التاريخ على التقليب والبحث تفصيلياً عما وراء كل إشارة.

وأقف كثيراً عند نص المبدع الشاب أحمد المرسى «مقامرة على شرف الليدى ميتسى» والتى حازت جائزة القائمة القصيرة لرواية البوكر العربية، فهى رغم بساطة اللغة، أشبه بعرض سينمائى ساحر يحكى حقبة العشرينات فى مصر، وما شهدته من تحولات اجتماعية وسياسية استثنائية.

ومن الروايات الحديثة أيضاً المنبثقة من التاريخ رواية «أنا وعمى والإيموبيليا» للمبدع الكبير ناصر عراق، وهى إضافة لمشروع عظيم بدأه قبل أكثر من عشر سنوات فقدم لنا مراحل متنوعة من التاريخ المصرى الحديث بدءاً من «الأزبكية»،  ثم «دار العشاق»، وصولاً لـ«اللوكاندة» و«الأنتكخانة».

وليس بعيداً من ذلك أعمال أخرى انبثقت من التاريخ فأثرت وأنارت بقوة خلال السنوات الأخيرة كان أبرز روادها ريم بسيونى صاحبة روايات «أولاد الناس» و«القطائع»، وأسامة عبد الرؤوف الشاذلى مؤلف روايتى «عهد دميانة» و«أوراق شمعون المصرى».

وكل هذا يُحفز الأجيال القادمة للقراءة، والتى لولاها ما استطعنا استيعاب قُبح هذا العالم.

والله أعلم

[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مصطفى عبيد الدكتور جابر عصفور

إقرأ أيضاً:

تعلّم الرومانسيّة ودع عنك التاريخ

قبيل ظهر الجمعة وصلنا إلى قرية «كيبويني»، وهي على بُعد ستة كيلومترات من «المدينة الحجرية» التي سكَنّا فـيها. وكانت وجهتُنا «قصر السعادة» الذي بناه السلطان خليفة بن حارب بن ثويني عام 1915. وفور وصولنا استقبَلَنا الدليل القائم على القصر بامتعاض، لأنّ الوقت الآن غير مناسب للزيارة، فقد اقترب موعد صلاة الجمعة. قلتُ محاولًا التخفـيف من امتعاضه: «اذهب للصلاة، ودع تلك المرأة تشرح لنا». ردّ وقطراتُ ماء الوضوء تقطر منه: «هذه عملها محاسبة فقط».

دفعنا الرسوم المقررة بعد السؤال التقليدي الذي يتكرر فـي كلِّ مكان نذهب إليه: «هل أنتم ضيوف؟»، وتأتي الإجابة ذاتُها فـي كلِّ مرة: «نعم. نحن ضيوف». وأظن أنهم يكررون لنا السؤال دائمًا لأنهم لا يستطيعون أن يجزموا هل نحن من زنجبار أو من عُمان، خاصةً أننا نتحدّث لغتهم. أخذَنا الدليل إلى أقسام «قصر السعادة» المختلفة؛ والذي تبدو حالته جيدة بعد أعمال الصيانة التي أجريت له. أخبرنا أنّ الحكومة الزنجبارية استخدمت القصر فـي بعض المراسم الرئاسية، وجعلت منه مقرًّا لسكن رئيس الوزراء فـي سنة 1986 لفترةٍ وجيزة؛ ثم حُوِّلَ إلى متحفٍ وطني يستقبل الزوار ابتداءً من عام 2022م. أخبرَنا أيضًا أنّ القصر كان استراحة السلطان خليفة بن حارب فـي عطلات نهاية الأسبوع، بعيدًا عن ضوضاء المدينة. وما لم يخبرنا به أنه بعد أحداث عام 1964، استولى الانقلابيون على القصر واستخدموه مقرًّا لاجتماعاتهم الرسمية، وبعد سنواتٍ من الإهمال أقدمت حكومة زنجبار على ترميمه. تساءلتُ فـي قرارة نفسي: تُرى كيف هو شعور أحفاد السلطان خليفة بن حارب وهم يرون أموالهم وبيوتهم تُسرَق من أمام أعينهم وهم بلا حول ولا حيلة ولا قوة؟! ثُمَّ وسّعتُ التساؤل: بِمَ يُحِسّ يا تُرى أولئك الذين نُهبت أموالهم بغير حقّ من العُمانيين واليمنيين والهنود؟! مثل هذه المآسي تحدُث عادةً عندما تقلم أظافر العدالة التي أمر بها الله عز وجل فـي كتابه الكريم، إنها تخلِّف فـي الحلق طعمًا أمرَّ من العلقم، غير أنّ المظالم الفادحة ستظلّ كتابًا مفتوحًا يُقرأ على رؤوس الأشهاد فـي ذلك اليوم الذي لا ينفع فـيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وفـي ظلِّ هذه المظالم هناك من أعيد لهم بعض ممتلكاتهم بعد جهد جهيد. وقد حكى لي أحد هؤلاء أنّ الانقلابيين استولوا على عقار يعود لجدته، واستحلّوه سنين طويلة بغير وجه حقّ، وعندما أعيد لهم بعد ذلك الجهد، استغرق الأمر سنوات أخرى لبيعه (مضطرين) لأنّ العقار أصبح من حقِّ عشرات الورثة. والعقار حاليًّا يرمم من قبل المشتري الهندي ليصير فندقًا. ونستطيع أن نقيس هذا الأمر على أناس آخرين تعرضوا للنهب، وحين عادت ممتلكاتهم المنهوبة لم يستطيعوا الاستفادة منها بسبب التقادم؛ وهناك كثيرون استسلموا للأمر الواقع، مؤثرين الراحة بدلًا من صداع الرأس والجري هنا وهناك، لا سيما وأنّ الدلائل والشواهد تشير إلى أنّه لا أمل فـي عودة حقهم المسلوب. وقد قادني التساؤلات إلى أن أسأل نفسي: لماذا لا يشتري أحفاد السلطان خليفة بن حارب هذا القصر، طالما أنّ كلَّ شيء قابلٌ للبيع الآن؟!

فـي استراحة السعادة، شاهدنا المقتنيات الشخصية للسلطان خليفة وكامل الأثاث من أسرّة وكراسٍ وطاولات، وسمح لنا القائم عليها أن نلتقط صورة تذكارية فـي الكرسي السلطاني (كرسي العرش) الذي كان يترأس فـيه السلطان الاجتماعات، وبه شعاره الخاص. وكعادته استغل سيف الموقف فصوّر لقطات فـيديو نشرها فـيما بعد فـي حسابه فـي «إنستجرام» وفـي «تيك توك»، وكان لسليمان -كعادته أيضًا- تعليقاته اللطيفة واللماحة؛ فعندما رأى كرسيًّا خاصًّا مصممًا لشخصين يجلسان عليه متقابلين، بعدما وصفه الدليل بأنه «كرسي المحبة»، صرخ سليمان: «يا زاهر تعلّم الرومانسية وخلي عنك التاريخ».

أخبرني الباحث ناصر الريامي أنّ الأثاث الموجود فـي الاستراحة حاليًّا ليس هو الأثاث الأصلي للقصر، إذ إنّ معظم الأثاث الحالي منقول من «بيت العجائب» و«بيت الساحل»، بعدما تقرر غلقهما وحجب جمهور العامة عنهما منذ ما يربو على الثلاث سنوات؛ مخافةَ الانهيار بالكامل، بعد أن انهار جزء من «بيت العجائب»، ليعقب ذلك نقل أغلب أثاثهما إلى متحف استراحة السعادة (قصر كيبويني). وعليه؛ فإنّ هذا الوضع قد يُحدِث لبسًا لزوار المتحف، فـيظنون خطأً أنّ الأثاث المعروض هو ذاته الذي تزينت به الاستراحة فـي فترة السلطان المؤسس لها، ومن جلس على عرش زنجبار من بعده. وأنا شخصيًّا وقعتُ فـي الفخ، فظننتُ أنّ هذا أثاثُ القصر؛ لأنّ المرشد لم يشر إلى الموضوع، لا من قريب ولا بعيد.

هناك مقطع مصوّر يعرض نزول السلطان عبدالله بن خليفة بن حارب السُلّم وخلفه أخوه السيد حارب بن عبدالله، بينما يصطف بجانب السلّم ثلة من الشرطة تحية للسلطان. هذا المقطع لم أكن أعلم أنه مأخوذٌ من هذا القصر إلا بعد أن قرأتُ سلسلة المقالات التي كتبها الباحث ناصر الريامي عن القصور السلطانية فـي زنجبار، وإلا لكنتُ أخبرت سيف أن يلتقط لنا صورًا فـي السلّم نفسه للذكرى.

تجولنا فـي الاستراحة التي تتكون من ثلاثة طوابق. الطابق الأرضي به عدد من الغرف، خُصصت لمن يرافق السلطان من أفراد الأسرة المالكة، كما يشغلها الضيوف أحيانًا، وتوجد بجوار السُلّم غرفة للحارس مزودة بجهاز اتصال هاتفـي من النوع الكلاسيكي العتيق؛ فإذا ما قرر السلطان زيارة الاستراحة يجري الاتصال بالحارس وتنقل إليه التعليمات بتجهيزها لاستقبال جلالته وضيوفه. ومتى ما وصل السلطان يرفرف علم الدولة الأحمر على منارتها مربعة الشكل. أما عن المساحة الإجمالية لقصر السعادة فـيُقدِّرها الباحث محمد بن حمد العريمي ما بين ألفـين إلى ثلاثة آلاف متر مربع. ويعلّق العريمي على طريقة بنائه فـي مقال له فـي صحيفة «أثير» الإلكترونية بالقول: إنه «وعلى الرغم من عدم وجود المساحات الكبيرة التي تميّز القصور عادةً بسبب كونه قصرًا خاصًّا لاستراحة السلطان وقضاء إجازاته، إلا أنّ مكوناته وطريقة بنائه تنم عن ذوقٍ عالٍ فـي التصميم، وتشير إلى التقدم الحضاري الذي وصلت إليه زنجبار فـي تلك الفترة، ومسايرةِ حكامها للتطور الحاصل فـي العمارة والبناء. وقد اختير المكان بعناية حيث إنه مبنيٌّ على حافة الجبل ويطل بشكلٍ كامل على البحر».

هذه الإطلالة على البحر هي ما يجعل قصر السعادة من أجمل الأماكن التي تهفو النفوس لزيارتها أكثر من مرة، خصوصًا مع هدوء المكان، والمساحة الخضراء التي تحيط به من كلِّ جانب.

على كل حال، تركنا القائم على المتحف أو القصر أو الاستراحة ليلتحق بما تبقى من خطبة صلاة الجمعة، وواصلنا مسيرنا إلى «بيت المرهوبي» لنشاهد معلمًا آخر من معالم التاريخ العُماني فـي الشرق الأفريقي.

زاهر المحروقي كاتب عُماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»

مقالات مشابهة

  • صانع الفخار رواية جديدة للكاتبة فوزية الفهدية
  • تعلّم الرومانسيّة ودع عنك التاريخ
  • الاحتلال يتلاعب بالحقائق.. مسعفو غزة ضحايا تغيير الروايات العسكرية
  • الاحتلال dتلاعب بالحقائق.. مسعفو غزة ضحايا تغيير الروايات العسكرية
  • وزيرة التنمية المحلية: مبادرة "صوتك مسموع" تلقت 684 شكوي وحل 80 % منها
  • عيش الكيزر في المنزل.. أسرار الوصفة التقليدية والخطوات البسيطة
  • سي إن إن: أدلة متزايدة تدحض رواية الاحتلال بشأن مسعفي رفح
  • سي إن إن: أدلة متزايدة تدحض رواية إسرائيل بشأن مسعفي رفح
  • كتائب حزب الله تفنّد رواية “رويترز” عن نزع سلاح الفصائل
  • عضو بالمجلس الأعلى للثقافة: الآثار والتاريخ أواصر حضارية بين مصر وفرنسا