بوابة الوفد:
2025-01-16@16:24:47 GMT

العودة إلى القرية

تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT

عندما كنت صغيرًا فى قريتنا «العويضات» بمركز قفْط كانت القرية هى العالم الأكبر بالنسبة لى.. مَجالس السمر، الكُتّاب، حلقات الذِّكر، الأغانى الشعبية، عازف الربابة، شاعر المناسبات، الكتب الصفراء التراثية؛ خطيب المسجد، مجالس المنادر، عدّيد النساء فى الجنائز، أغانى الحَصَّادين، القوانين غير المكتوبة التى تحدّد المباح والعيب.

. كلُّ هذا وذاك كان منبع الثقافة وبوصلة الاتجاه.. كنتُ أتساءل: ما الذى يفرض على ذلك الرجل الذى يأتى فوق حماره إذا مرَّ على مجلس عزاء يترجّل ويمشى جارًّا حماره حتى يفارق الكبار ثم يركب حماره ويذهب بعيدا؟ لماذا يحافظ الكبار على الصناديق والمكتبات القابعة فى دواليب الحيطان المغروزة بالجدار فغدت تلك الحوائط تحوى المخطوطات التى يحافظ الكبار عليها محافظة دقيقة ويتبرَّكون بها؟ القرية تختزل الحضارات والثقافات وتحلّ أزمة الإنسان المعاصر... كنت أعجبُ من أستاذى الألمانى عندما كان يهرب أيام الآحاد من بون وهى مدينة صغيرة قياسا إلى برلين وميونخ وهامبورج يفر من بون إلى قرية مجاورة ويقول لي: فى القرية أشعر بذاتى. القرية عالم فريد مدهش قائم بذاته، والطريف أن كل واحد فى القرية يعتقد أن هذه القرية تمثل العالم له، وأحداثها أشبه بحوادث العالم، يجتمع الناس فى حلقات بالمَلَقَة يهتمون بأدق الأخبار التى حدثت بالقرية، بَيْع وشراء، أو غنى مفاجئ، زواج أو طلاق، مشكلات المياه والحدود فى الأراضى الزراعية، بقرة فلان التى رفَصَتْ امرأته وهى تحلبها، والمجبّر الذى استقدموه ليجبر كَسْرها؛ علان الغائب الذى لم يعد يرسل لأمه نقودا، هذه الحكايا لا تُسرد كحدث فقط وإنما بالتحليلات والرؤى المتباينة، والمناقشات العِراكية، وعندما يصلون للأهلى والزمالك تتباين الآراء ويختلف الإخوة والأبناء مع آبائهم وأقاربهم، وتعلو الأصوات وقد تصل إلى شجار عنيف ثم يعرجون لحل مشاكل العالم فى سوريا والعراق وليبيا وكوريا الجنوبية وعلاقتها بالشمالية وأزمة الغذاء العالمى وربما طبقة الأوزون وحرائق غابات الأمازون، وتعلو الأصوات والعجيب أنهم يحللون مشكلات العالم ويقترحون لها حلولا لكنهم لا يفكرون فى مشكلاتهم الخاصة؛ ويبدأ بعضهم فى الانصراف فُرادى ليعم الصمت على الملَقة، الأعجب أن العادات والتقاليد مقدسة، ربما زحزحتها العولمة قليلا لكن الأصول أصول، وكل واحد فى القرية خبير أنساب وتواريخ مهما طال الزمن.

مختتم الكلام

كُلُّ يومٍ قطيعةٌ وعتابُ

ينقضى دهرُنا ونحنُ غِضابُ

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: العودة إلى القرية العويضات

إقرأ أيضاً:

شعوب العصافير الملونة «١»

«البقاء للأقوى»، عبارة تتردد منذ بداية الخليقة وحتى الآن مروراً بتطور الأزمنة وتغيير التاريخ، وتفجر أشكال الحروب بجديد أسلحتها وتنوع مسبباتها، ولكن قد لا نمعن التفكير فى كيفية انتهاء هذا الأقوى نهايات بشعة، عندما نقرأ التاريخ نعلم أين ذهب كل طاغية وجبار عتى انتهك العدالة، اعتنق الظلم، دهس الرحمة والحق بلا رحمة فى إستراتيجيته الحياتية، وكيف كانت نهايات هؤلاء الجبابرة إذ أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر وأذل منهم الأعز مهما طالت بهم الحياة ومهما سطروا صفحات التاريخ الدامى بأرواح البشر من ضحايا استبدادهم وطغيانهم.

نقرأ التاريخ وندرك أن من صنعوا أو حاولوا صناعة عالم متوحش دموى لا إنسانى معتمدين على قوتهم وجبروتهم وجيوشهم وأسلحتهم، إنتهى بهم الأمر إلى أن أصبحوا هم أنفسهم ضحية هذا التوحش الذى صنعوه، وجاءت نهايتهم فى أبشع الصور، بالقتل الوحشى، بالإعدام، بالانتحار أو بأمراض بشعة أنهكت قوتهم وأذلت جبروتهم قبل أن تقضى عليهم، ولا يطول الانتقام الإلهى الجبابرة فقط، بل يمتد عقابه سبحانه وتعالى ليطول المحيط المجتمعى الذى أيد هذا الطاغية، وكل من تواطأ معه ولو بالصمت المريب، نعم ينتقم الله من الجبارين وبطانتهم وجنودهم ومن أموالهم ومن مدنهم التى عمروها على حساب خراب واستنزاف شعوب ودول أخرى، وينصف الشعوب المغلوبة على أمرها التى عانت من الظلم والاضطهاد ولو بعد حين، ففى التاريخ الحديث نرى موسولينى الفاشى الدموى الذى استخدم غاز الخردل فى تصفية من صنفهم أعداء مشروعه الفاشى، هتلر زعم أشهر تصفيات عرقية فى التاريخ، هوشى منه الزعيم الفيتنامى الشيوعى الذى قتل ربع مليون من الشعب بزعم أنهم معارضين له، يحيا خان الرئيس الباكستانى الذى أعلن الأحكام العرفية منذ توليه حكم بلده وأعلن حرباً على بنجلاديش وقتل فيها أكثر من ربع مليون شخص، بول بوت الكمبودى زعيم حركة الخمير الحمر الذى أباد أكثر من ٢٥% من شعب كمبوديا لمناهضتهم حركته، ليوبولد الثانى ملك بلجيكا الذى نفذ أبشع سياسات الاستعمار والقمع فى كنغوليا مما أدى لمقتل ١٥ مليون كنغولى، عيدى أمين الذى أباد عشرات الآلاف من الشعب الأوغندى، سوهارتو الرئيس الإندونيسى السابق الذى نفذ مذابح بشعة فى حربه على تيمور الشرقية، كثيرون هم، وجميعهم كانت نهاياتهم بشعة، ولا يزال الكثير من الطغاة على الساحة الأن على رأسهم نتنياهو بكل ما يواصل تنفيذه من حرب الإبادة ضد غزة وكل فلسطين.

الجبار تصنعه البطانة التى حوله، يصنعه خنوع الشعوب واستسلامهم وركوعهم، يصنعه تقاعس العالم واكتفاؤه بالمشاهدة حين يكون الجبار معتدياً على شعب دولة أخرى، وتخدع الدنيا الملوك والزعماء على عروشهم، فتزين لهم القوة والجبروت، توهمهم بالخلود لتتلقفهم الشياطين وتمعن فى تزيين الأمر لهم، خاصة عندما لا يعجل الله بعقابه لهم، فيعتقدون أنهم ملكوا الدنيا وما عليها ولا معاقب لهم، بل منهم بالطبع من ينسى الله أو لا يعتقد حتى فى وجوده حتى مع وجود ثواب وعقاب وجنة ونار. ونتساءل كثيراً لماذا يمهلهم الله ويرجئ عقابه لهم إلى حين، الإجابة منطقية وقد لا يقبلها البعض، بأن الله يمهل الطاغى لأمرين، إما أن يعود عن طغيانه ويعدل ويتوب ويصلح ما أفسده، وإما يزداد طغيانه حتى يعرفه العامة بعد الخاصة ويشهد على ظلمه العالم ليكون العقاب عظيماً، ويقول الله سبحانه وتعالى «وأملى لهم إن كيدى متين» أى يمهلهم ليكون العقاب مروعاً يهوى بهم من قمة عظمتهم وجبروتهم إلى أسفل السافلين فيأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر ولا يفلتهم أبداً، ويقول سبحانه: «إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً فمهل الكافرين أمهلهم رويداً» وهو عقاب لا يقتصر على الكافرين بل على كل من يطغى ويظلم الناس، وكل من يساند الطاغية أو يسكت عليه ولديه أى قدرة على التصدى له ولو بلسانه وقلبه كأضعف الإيمان.

وللحديث بقية.

 

 [email protected]

مقالات مشابهة

  • نور محمود: حنان مطاوع لها فضل كبير عليَّ .. وهذا سبب حبي لـ أحمد زكي | حوار
  • بريئة ومدانة!
  • وقف النار المرتقب!
  • «حماس» و«حزب الله» نقطة ضعف فى الموقف العربى
  • المؤتمر السنوي لمركز تعليم الكبار بجامعة عين شمس 28 يناير
  • بعد رحلة شاقة.. مران خفيف لمنتخب الناشئات استعدادًا لملاقاة الكاميرون
  • الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء تشارك في احتفالية اليوم العربي لمحو الأمية وتعليم الكبار
  • شعوب العصافير الملونة «١»
  • مستقبل تعليم وتعلم الكبار.. الجامعة العربية تحتفي بـ يوم محو الأمية
  • كيف تتحكم المذهبية والعرقية فى النزاع السورى؟