بوابة الوفد:
2024-09-19@15:48:42 GMT

العودة إلى القرية

تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT

عندما كنت صغيرًا فى قريتنا «العويضات» بمركز قفْط كانت القرية هى العالم الأكبر بالنسبة لى.. مَجالس السمر، الكُتّاب، حلقات الذِّكر، الأغانى الشعبية، عازف الربابة، شاعر المناسبات، الكتب الصفراء التراثية؛ خطيب المسجد، مجالس المنادر، عدّيد النساء فى الجنائز، أغانى الحَصَّادين، القوانين غير المكتوبة التى تحدّد المباح والعيب.

. كلُّ هذا وذاك كان منبع الثقافة وبوصلة الاتجاه.. كنتُ أتساءل: ما الذى يفرض على ذلك الرجل الذى يأتى فوق حماره إذا مرَّ على مجلس عزاء يترجّل ويمشى جارًّا حماره حتى يفارق الكبار ثم يركب حماره ويذهب بعيدا؟ لماذا يحافظ الكبار على الصناديق والمكتبات القابعة فى دواليب الحيطان المغروزة بالجدار فغدت تلك الحوائط تحوى المخطوطات التى يحافظ الكبار عليها محافظة دقيقة ويتبرَّكون بها؟ القرية تختزل الحضارات والثقافات وتحلّ أزمة الإنسان المعاصر... كنت أعجبُ من أستاذى الألمانى عندما كان يهرب أيام الآحاد من بون وهى مدينة صغيرة قياسا إلى برلين وميونخ وهامبورج يفر من بون إلى قرية مجاورة ويقول لي: فى القرية أشعر بذاتى. القرية عالم فريد مدهش قائم بذاته، والطريف أن كل واحد فى القرية يعتقد أن هذه القرية تمثل العالم له، وأحداثها أشبه بحوادث العالم، يجتمع الناس فى حلقات بالمَلَقَة يهتمون بأدق الأخبار التى حدثت بالقرية، بَيْع وشراء، أو غنى مفاجئ، زواج أو طلاق، مشكلات المياه والحدود فى الأراضى الزراعية، بقرة فلان التى رفَصَتْ امرأته وهى تحلبها، والمجبّر الذى استقدموه ليجبر كَسْرها؛ علان الغائب الذى لم يعد يرسل لأمه نقودا، هذه الحكايا لا تُسرد كحدث فقط وإنما بالتحليلات والرؤى المتباينة، والمناقشات العِراكية، وعندما يصلون للأهلى والزمالك تتباين الآراء ويختلف الإخوة والأبناء مع آبائهم وأقاربهم، وتعلو الأصوات وقد تصل إلى شجار عنيف ثم يعرجون لحل مشاكل العالم فى سوريا والعراق وليبيا وكوريا الجنوبية وعلاقتها بالشمالية وأزمة الغذاء العالمى وربما طبقة الأوزون وحرائق غابات الأمازون، وتعلو الأصوات والعجيب أنهم يحللون مشكلات العالم ويقترحون لها حلولا لكنهم لا يفكرون فى مشكلاتهم الخاصة؛ ويبدأ بعضهم فى الانصراف فُرادى ليعم الصمت على الملَقة، الأعجب أن العادات والتقاليد مقدسة، ربما زحزحتها العولمة قليلا لكن الأصول أصول، وكل واحد فى القرية خبير أنساب وتواريخ مهما طال الزمن.

مختتم الكلام

كُلُّ يومٍ قطيعةٌ وعتابُ

ينقضى دهرُنا ونحنُ غِضابُ

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: العودة إلى القرية العويضات

إقرأ أيضاً:

إهدار مال عام!!

الرياضة واحدة من الصناعات الهامة الآن فى العالم، إذ بلغ حجم إيراداتها وعوائدها من الناتج العالمى 800 مليار دولار، وتمثل أحد فروع الاستثمار الحديث وأحد عناصر الجذب السياحى، كما أنها تشكل أحد مكونات القوة الناعمة للدول، وكثير من الدول تتنافس بشراسة لاستضافة وتنظيم الأحداث الرياضية الكبرى مثل دورات الألعاب الأوليمبية، وتنظيم نهائيات كأس العالم وغيرها من البطولات الرياضية المختلفة لجنى ثمار عديدة منها الاقتصادية والسياسية أو السياحية والثقافية والمعنوية، كما تابعنا قبل عامين عندما استضافت الشقيقة قطر تنظيم نهائيات كأس العالم على أرضها، وأحسنت تنظيم هذه المسابقة على شتى المستويات، وتحولت إلى وجهة لجذب عشاق الساحرة المستديرة من كل دول العالم إلى أرضها، وتابع مئات الملايين حول العالم أحداث هذه البطولة على مدار شهر كامل من الدوحة، والأهم أن قطر حققت مكاسب سياسية ومعنوية هائلة من وراء تنظيم هذا الحدث، وأكثر من كل ما أنفقته من أموال على المنشآت الرياضية والبنية الأساسية التى أعدتها لهذا الحدث العالمى.

الحقيقة أن مصر تمتلك كل عناصر ومقومات النجاح والتفوق فى المجال الرياضى على المستوى الإفريقى، والمنافسة على المستوى الدولى، لأسباب كثيرة يأتى على رأسها البنية الأساسية التى تمتلكها مصر فى شتى المجالات الرياضية وتتفوق بها على الدول الإفريقية، وأيضًا التاريخ والخبرات الكبيرة والتعداد السكانى الكبير ومشاركاتها الدولية قبل مائة عام فى الدورات الأوليمبية بداية من أوليمبياد ستوكهولم عام 1912 كأول دولة غير أوروبية تشارك في الأوليمبياد، وأيضًا فى أولمبياد 1920 فى الألعاب الفردية وفريق كرة قدم، كما شاركت مصر فى نهائيات كأس العالم عام 1934 التى نظمتها إيطاليا، وكان مخصصاً لقارتى إفريقيا وآسيا مقعد واحد، واستطاعت مصر الفوز به من خلال التصفيات فى القارتين.. هذا التاريخ الرائد والكبير على المستوى الدولى سابقًا، يكشف عن خلل فى المنظومة الرياضية، خاصة بعد النتائج المخيبة للآمال فى أوليمبياد باريس الأخيرة، رغم سفر بعثة كبيرة تضم 164 لاعبًا فى 22 رياضة، ولم تحقق سوى ثلاث ميدليات، تضع مصر فى المركز 52 عالميًا والخامس إفريقيًا والثالث عربيًا، وبلغ حجم الإنفاق على هذه البعثة، ملياراً و250 مليون جنيه فى أمر يشكل إهدار مال عام بسبب سوء النتائج.

التراجع المصرى فى المجال الرياضى، يكشف عن خلل إدارى فى هذه المنظومة، وإذا توقفنا أمام قطاع مثل كرة القدم، سوف نكتشف حجم الخلل والفوضى الإدارية وسوء النتائج بسبب غياب القانون واللوائح المنظمة للعبة، فى مواجهة التعليمات والتوجيهات والمجالات، وتشكيل لجان لا تعمل ولا تنتج ولا تتحرك إلا بالتوجيهات، رغم تقاضيها ملايين الجنيهات، واختيار مدربين فشلة لا يضيفون للكرة المصرية شيئاً ويتقاضون أيضًا عشرات الملايين ومشاركات وهمية تكلف الدولة الملايين، وغيرها من الفوضى الإدارية التى تنتج دورى محلياً باهتاً يعج بالمشاكل التنظيمية والتحكيمية والإدارية.. ولا يجب القياس على النجاح الذى يحققه الأهلى إفريقيًا ودوليًا، لأننا نعلم أنه ناتج عن نظام إدارى جيد وصارم، ويتصادم كثيرًا مع فوضى وتوجيهات وزارة الرياضة واتحاد كرة القدم الضعيف والمغيب، وإذا أردنا القياس والمقارنة، فلننظر إلى دولة المغرب التى صنعت بنية أساسية لكرة القدم الحديثة والمتقدمة، وأنتجت مئات اللاعبين المحترفين فى أوروبا والدول العربية، ويشكلون ثروة كروية واقتصادية وفرقاً قومية مغربية تنافس عالميًا.. الأمر يدعونا إلى المراجعة فى بداية الموسم الكروى، واحترام وتفعيل القوانين واللوائح والأخذ بالنظم الناجحة فى هذا المجال.

حفظ الله مصر

 

مقالات مشابهة

  • رسميا.. مكادي يضم أمير رجب لاعب أورانج والسكة الحديد
  • ﺳﻴﻨﻤﺎ اﻏﺘﻴﺎﻻت الموﺳﺎد ﻣﻦ ﺣﺼﺎن ﻃﺮوادة إﻟﻰ اﻟﺒﻴﺠﺮ
  • إهدار مال عام!!
  • فض اشتباك
  • هل يتراجع الوزير؟
  • ترامب.. والقادم الأسوأ للفلسطينيين!
  • عادل حمودة يكتب: 101 سنة هيكل.. الاختلاف لا ينفي الإعجاب
  • «المتحدة» إعلام يُعزّز حقوق الإنسان.. سياسيون وخبراء يشيدون بطرح تعديلات قانون الإجراءات الجنائية للمناقشة: دعم للشفافية وتوعية للمواطنين
  • (الإجراءات الجنائية).. وإجراءات الحوار!!
  • 25 سنة في حب «الصقور».. هواية الملوك تجذب «حسن وسراج» من الصيد للرعاية والتدريب