لا يخلو إيقاع الحياة من الجمود والتعثر وغياب الأمل في التغيير، وهو ما يجعلنا في أشد الحاجة للقيام بشيء ما للخروج من هذه الحالة المزعجة.

وفي محاولتها لتسليط الضوء على هذه المشكلة التي تزداد انتشارا، قدمت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية مؤخرا نموذجا لواحد من أشهر من عانوا الشعور بالتعثر، وكرسوا حياتهم لدراسة أسبابه، وتقديم الحلول لتخطيه.

فبالرغم من أن الدكتور آدم ألتر، حصل على درجة الدكتوراه في علم النفس من جامعة برينستون المرموقة وهو لم يزل في الـ28 من عمره، وأصبح بعدها مباشرة أستاذا دائما في جامعة نيويورك، فإن هذه الإنجازات لم تحل دون شعوره بالضيق والإحباط من مهاجمته.

تقول الصحيفة إن ألتر "وجد نفسه يفتقد أصدقاؤه، ويدور في حلقة مرهقة للجمع بين وظيفة التدريس وإجراء الأبحاث؛ وهو الخارج للتو من 5 سنوات مكثفة من الدراسات العليا"، حتى شبّه حالته "بالوقوع في فخ"، وقال: "بعد أن كنت أظن أنني أصنع لنفسي مستقبلا مهنيا، أجد نفسي غير متأكد من صحة الطريق الذي سلكته لتحقيق النجاح".

يرى علماء أن الشعور بالتعثر قد يكون مفيدا للقيام بالتعديلات اللازمة لتحقيق الأهداف (شترستوك) لماذا نشعر بالتعثر؟

عَرّف ألتر الشعور بالتعثر بأنه "إحساس مؤقت بعدم القدرة على إحراز تقدم في أمر أو مجال ما؛ ينتج عنه حالة من عدم الراحة النفسية".

وبعد أن قضي العقدين الماضيين في دراسة "أسباب الشعور بالتعثر من آن لآخر، وكيفية التحرر منه لتحقيق النجاح"؛ أجرى أستاذ علم النفس في العام 2020 استطلاعا شمل مئات الأشخاص، وأظهر أن:

شعر كل مشارك بالتعثر والإحباط في موقف واحد على الأقل. ظل 80% من المشاركين يشعرون بالتعثر والضيق لأكثر من شهر. ظل نصف المشاركين عالقين في حالة الشعور بالتعثر لسنوات أو عقود.

وكانت أسباب الشعور بالتعثر ترجع في الكثير من الأحيان إلى "فشل محاولة إبداعية"، أو "شَغل وظيفة غير مناسبة"، أو "الانخراط في علاقة غير مفيدة"، أو "عدم القدرة على توفير المال".

وهو ما فسره ألتر بقوله، "إن بعض الأهداف قد لا تتحقق بسرعة، وهو ما يجعل الشعور بإحراز تقدم يبدو صعبا"؛ كما ينشأ الشعور بالتعثر غالبا بالتزامن مع التغيرات الكبيرة في الحياة، "مثل المرض أو استقبال مولود أو ترك العمل".

كما وجد ألتر أيضا، أن "الناس يميلون للشعور بالتعثر عند الاقتراب من عقد جديد من عمرهم، على سبيل المثال في سن 29 أو 39 عاما؛ واكتشاف أن الحياة لم تمض كما خططوا لها".

لا مفر من الشعور بالتعثر أحيانا

قدم ألتر في كتابه الذي صدر العام الماضي حول "كيفية التخلص من التعثر"، خارطة طريق للمساعدة في "الهروب من جمودنا واستعادة مسارنا من جديد"؛ تبدأ بتقبل فكرة أن الضيق "مشكلة عالمية، بل سمة من سمات الحياة العصرية"؛ وأننا جميعا سنتعثر في وقت ما، حيث تشير الدراسات إلى أن "هذا يحدث غالبا، عندما نكون في منتصف أي مهمة".

وهو ما تؤكده الطبيبة الأميركية الرائدة في الطب الشمولي الدكتورة غلاديس ماكغاري بقولها: "من الطبيعي أن نشعر جميعا بالتوقف في مرحلة ما في الحياة، وبأننا عالقون ولا نستطيع المضي قُدما، أو أننا ليس لدينا أي فكرة عما يجب فعله، ولا ما هو التغيير المطلوب إجراؤه؛ ولا حتى كيفية النهوض من الفراش".

قد يقع البعض ضحية التعثر لأن تحقيق بعض الأهداف يستغرق وقتا طويلا ويورث شعورا بعدم إحراز تقدم (شترستوك) كيف تتخلص من الشعور بالتعثر؟

يوصى ألتر بتهدئة ما يُسميه "نقاط الاحتكاك"، التي تُشكل مصدرا للشعور بالتعثر، وهي:

القلب، وما قد يبثه من إحساس بالتعثر يجعلنا نشعر بالإحباط؛ حيث يقترح ألتر "القبول الجذري" كطريقة يمكن استخدامها لمواجهة ذلك، "بالتركيز على توقع السيناريو الأسوأ، بدلا من التشبث بمعيار مثالي للنجاح يبقينا عالقين".

ويوضح أن كثيرا من الناس "يصابون بالشلل بسبب احتمال الفشل"، لكن الأفضل إذا تعرضت للفشل مرة، "أن تتعامل معه باعتباره جزءا ضروريا من الإبداع".

العقل، وما قد يحويه من أفكار سلبية؛ يقول ألتر: "إن الأمور قد تصبح أسهل عندما نجعل الأفكار أكثر بساطة"؛ ويوصي باتباع الطريقة التي تسمح بتبسيط المشكلة وإيجاد الحلول، فعلى سبيل المثال، "بدلا من البحث عن فكرة جديدة تماما، يمكن الجمع بين فكرتين مجربتين".

كما ينصح قائلا: "تحدث مع نفسك، وفكر عكس وجهة نظرك الأصلية؛ تخيل أنك مخطئ، واسأل نفسك نفس السؤال مرتين؛ فقد يكون ذلك أفضل من التشبث بأفكارك السلبية".

ففي كثير من الأحيان "قد لا تصلح الأساليب التي نجحت من قبل، في حل بعض المشاكل الشائكة، التي تحتاج إلى مزيد الإبداع والابتكار".

أيضا، تنصح الدكتورة "جودي هو"، عالمة النفس والأستاذ المشارك في جامعة "بيبردين" الكندية، "بإعادة صياغة الأفكار السلبية التي يمكن أن تُسبب التعثر"؛ وبدلا من قول "سأفشل في كذا.."، يمكن أن نضع "سأبذل قصارى جهدي، أو أطلب المساعدة".

العادات، وما تفرضه من سلوكيات قد تكون ضارة؛ حيث يُؤكد أن "التشبث بالعادات والقيام بنفس الشيء في كل مرة؛ هو أقصر الطرق للشعور بالتعثر".

ويؤكد أن "الفضول هو أداة فعالة لإنتاج الأفكار، وفك الارتباط بالعادات"، وأن تنميته ممكنة من خلال "طرح الأسئلة باستمرار، والقراءة حول موضوعات جديدة وأفكار وتجارب ملهمة".

وعبر مزيج من الفضول، والتجارب العملية والخبرات المفيدة، "من المرجح أن نجد طريقنا بين الصعوبات"، بحسب ألتر الذي يقول: "دع عقلك يبحث عن الإبداع، وجرب التفكير المنفتح، والنظر بعيد المدى، والإجابة عن أسئلة من قبيل: هل تُكرر أنماطا سلوكية غير مفيدة؟ هل تفعل أشياء بانتظام دون أن تستمتع بها؟ ما الذي يجعل حياتك خالية من الشغف؟ ما التغييرات التي يمكن إجراؤها لتفادي الشعور بالتعثر؟ هل أنت راض بشكل عام عن حياتك في المنزل والعمل والمجتمع؟ الشعور بالتعثر قد يكون مفيدا

رغم أن ألتر استخلص من الدراسات والاستطلاعات أن "معظمنا يعتقد أن العالم يتقدم، بينما هو وحده المتعثر"؛ فإنه اكتشف في الوقت نفسه أن "الشعور بالتعثر ممكن أن يكون مفيدا لقيامنا بالتعديلات الضرورية للوصول إلى أهدافنا".

ويوضح أن "الخروج من حالة التعثر قد تستغرق وقتا أطول مما نتوقع، لكننا غالبا نستسلم قبل خطوات من خط النهاية"؛ وينصح بالثبات والمثابرة عند أول علامة على الصعوبة، معتبرا أن "أفضل التطورات، تأتي بعد التعثر مرارا وتكرارا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: وهو ما

إقرأ أيضاً:

ذكر يخلص قلبك من التعلق المؤذي بالأشياء والأشخاص

في حياتنا اليومية، نمر بمواقف وعلاقات تجعل قلوبنا تتعلق بأشخاص أو أشياء معينة، وحين يصبح هذا التعلق مبالغًا فيه، فقد يؤدي إلى الألم النفسي، أو الشعور بالفراغ، أو فقدان التوازن العاطفي عند فقدان الشخص أو تغير الظروف، وهنا تأتي أهمية الأذكار والدعاء في حفظ القلب من التعلق غير الصحي، وربطه بالله وحده، فهو الباقي الذي لا يتغير ولا يخذل عباده.

خطورة التعلق المفرط

التعلق الزائد بالأشخاص أو الأمور الدنيوية قد يجعل الإنسان يعيش حالة من التوتر المستمر، خاصة إذا فقد الشيء المتعلق به، أو شعر بعدم التقدير من الطرف الآخر. كما أن الإفراط في التعلق قد يؤدي إلى عدم الاستقلال العاطفي، حيث يصبح الشخص غير قادر على الشعور بالسعادة والراحة إلا بوجود من يتعلق به.

أذكار تحرر القلب من التعلق

تساعد الأذكار على تقوية الإيمان، وتذكير القلب بأن كل شيء في الدنيا زائل، وأن السعادة الحقيقية تكمن في القرب من الله. ومن الأذكار التي تحفظ القلب من التعلق غير الصحي:

1. دعاء تفويض الأمر إلى الله
"اللهم اجعل قلبي معلقًا بك وحدك، ولا تجعل لي تعلقًا يؤذيني أو يبعدني عنك، اللهم اصرف عني كل حب يشغلني عن حبك، واملأ قلبي بسكينتك ورضاك."


2. ذكر التوكل على الله
"حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم." (سبع مرات صباحًا ومساءً) – يذكّر القلب بأن الله هو المدبر لكل شيء، فلا داعي للقلق أو التعلق المفرط.


3. دعاء إزالة التعلق والحزن
"اللهم إن كان في تعلقي بهذا الشخص/الشيء ضرر لي، فاصرفه عني واصرفني عنه، واملأ قلبي بحبك ورضاك."


4. ذكر تثبيت القلب على طاعة الله
"يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك." – يساعد على جعل محبة الله هي الأساس، وليس التعلق بالدنيا.


5. ذكر تهدئة النفس عند الشعور بالتعلق
"لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين." – دعاء نبي الله يونس الذي فيه تسليم كامل لله، مما يساعد على تهدئة النفس عند التعلق الزائد.


6. قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين
من الأذكار التي تحصن القلب وتملؤه بالطمأنينة، وتذكر الإنسان بأن الله هو الكافي والمعين.

 

خطوات عملية للتخلص من التعلق الزائد

الإكثار من ذكر الله والاستغفار عند الشعور بالضعف العاطفي.

إشغال الوقت بأعمال مفيدة مثل القراءة أو ممارسة الرياضة.

تقوية العلاقة بالله من خلال الصلاة والتدبر في معاني القرآن.

تقليل التفكير المفرط بالأشخاص أو الأشياء التي تتعلق بها، والتركيز على الحاضر.

تذكير النفس بأن كل شيء في الدنيا مؤقت، وأن الراحة الحقيقية في الاعتماد على الله وحده.

 

التعلق بالأشخاص أو الأشياء قد يكون طبيعيًا، لكنه إذا زاد عن حده، فإنه قد يتحول إلى عبء نفسي. ولذلك، فإن الاستعانة بالأذكار والدعاء يساعد على ضبط المشاعر، وربط القلب بالله، مما يمنح الإنسان راحة نفسية وسكينة داخلية لا تتأثر بتغير الظروف.

مقالات مشابهة

  • بلا دولة ... الفلسطينيون كلهم لاجئون
  • إن اردت السلام فتجنب هؤلاء
  • شخص جديد قد يثير اهتمامك.. حظك اليوم برج العذراء الاثنين 3 فبراير
  • حظك اليوم برج الجوزاء الاثنين 3 فبراير 2025.. اهتم ببدنك
  • ما المخاطر الصحية المحتملة للاستهلاك المنتظم لـ«المشروبات الغازية»؟
  • ذكر يخلص قلبك من التعلق المؤذي بالأشياء والأشخاص
  • لبنان.. رهان على «الثنائي الحاكم» لكسر دائرة الأزمات
  • من أجل «هذا الهدف».. صلاح ينصح ليفربول بـ «التواضع»!
  • مفاجأة.. الدوخة لا تشير إلى السكتة الدماغية أو ارتفاع ضغط الدم
  • 5 نصائح من الخبراء كي تخفّف من استهلاك بدائل السكر؟