حيدر بن عبدالرضا اللواتي

haiderdawood@hotmail.com

 

تُبدِي الحكومات ومؤسسات القطاع الخاص في العالم أهمية كبيرة للشراكة بين القطاعين وفق منهج "Public Private Partnership" (PPP) أي شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص بغرض تقديم مشروع أو خدمة يقدمها القطاع العام تقليديًّا.

وقد مارس القائمون في القطاع الخاص العماني عبر غرفة تجارة وصناعة عُمان منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي سياسة (الشراكة) بين الحكومة والقطاع الخاص في مشروعات تم تنفيذها في قطاع الإسكان؛ حيث تعتبر مدينة قابوس شاهدًا على هذه الشراكة التي تعتبر الأولى من نوعها بين القطاعين.

وخلال العقود الماضية ازدادت هذه العلاقة في تأسيس العديد في عدة مشاريع حيوية شملت قطاعات الصحة والتعليم والخدمات والمطارات...وغيرها.

إذن؛ فتجربة السلطنة مع القطاع الخاص ليست وليدة اليوم، وإنما تعود لفجر النهضة المباركة في سبعينيات القرن الماضي، في الوقت الذي دعمت فيه الحكومة خلال السنوات الماضية مشروعات إنتاج الكهرباء والمياه وإدارة الموانئ والاتصالات ومشروعات الإسكان...وغيرها.

ولا يزال هذا التعاون مستمرًا بين القطاعين منذ ذلك الزمن، في الوقت الذي شهدت فيه السلطنة تنظيم العديد من الأنشطة والمنتديات التي تتحدث عن أهمية الشراكة والتنافيسية في القطاع الخاص؛ باعتبارها تهدف لتأسيس مشروعات لها أهمية مستقبلية للوطن والمواطنين، وذات طبيعة طويلة الأجل. فمثل هذه الشراكات تهدف لقيام القطاعين بالتعاون من أجل تنفيذ مشروعات تهتم بتعزيز البنية الأساسية التي تحتاج إليها المجتمعات في مجال تأسيس وبناء وتجهيز إدارة المدارس والمستشفيات وأنظمة النقل وأنظمة المياه والصرف الصحي وغيرها من المشروعات الحيوي الأخرى. ويمكن للشراكة في هذا الشأن أن تزيد من جودة الخدمات العامة وكفاءتها وقدرتها التنافسية، بجانب تعزيز وتكملة قدرات القطاع العام المحدودة لجمع تمويل إضافي للمشاريع المقترحة، والعمل على الاستخدام الأمثل للكفاءات التشغيلية للقطاع الخاص.

فالمشروعات التشاركية تؤكد اهتمام الحكومة بالعمل مع القطاع الخاص، وثقتها الكاملة بقدرات هذا القطاع على الأخذ بزمام المبادرة لقيادة جهود التنويع الاقتصادي من أجل تحقيق الزيادة في النمو الاقتصادي، وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد العماني. كما أن الشراكة تعني الثقة والتعاون والتكامل بين كافة الأطراف، وتمثّل مسؤولية مشتركة لخدمة أهداف المجتمع، وتخلق نوعا من المنافسة. والمرحلة المقبلة ستشهد مزيدًا من فرص المشاركة من خلال تفعيل القوانين ومجابهة التحديات وتقييم المخاطر.

ويُتوقع أنْ تسفر برامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المرحلة المقبلة عن تحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال تشجيع استثمارات القطاع الخاص، والاستفادة من خبراته وقدراته المتخصصة في إنشاء وتمويل وتشغيل المشروعات، وتحسين نوعية الخدمات التي تقدم للمواطنين والمقيمين، بجانب إيجاد فرص عمل جديدة في السوق العماني للباحثين عن العمل، والذين يتزايد عددهم سنويا نتيجة للمستخرجات السنوية للجامعات الأهلية والأجنبية.

ومُؤخرا، نظَّمت غرفة تجارة وصناعة عُمان -وبالشراكة مع وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار ووزارة الاقتصاد ووزارة العمل- برنامج "الشراكة والتكامل"، حضره عدد من الوزراء المعنين في التجارة والاقتصاد والعمل بجانب رئيس وأعضاء مجالس إدارة الغرفة. واستهدف برنامج العمل استكمال دور الغرفة في حلحلة التحديات التي تعترض مسيرة القطاع الخاص العماني، ورفع مستوى الأداء، ومواكبة التطلعات المعقودة عليها في ضوء مستهدفات رؤية "عُمان 2040"، نحو قطاع خاص ديناميكي وفعال ومبادر.

كما إنَّ العرض الذي قدَّمه سعادة رئيس الغرفة أبرز المسارات التشاركية مع الحكومة بأذرعها التشريعية والتنفيذية وتهيئة المناخ المواتي لتحقيق التكامل بين القطاعين، وتبني حلول مستدامة تعزز منظومة الاقتصاد الوطني. فهذه القضايا تتطلب تعزيز الدور المحوري للقطاع الخاص في حفز مسيرة التنمية الشاملة، والانتقال نحو التنافسية بجانب العمل على الحد من التحديات التي تواجه مؤسسات القطاع الخاص.

من جانبها، تعمل غرفة تجارة وصناعة عمان على مراجعة التشريعات والقوانين والقرارات ذات العلاقة ببيئة الأعمال من أجل تحسينها لجذب الاستثمارات النوعية ودعم الاقتصاد الوطني، وإيصال صوت القطاع الخاص للجهات المعنية التي تعمل من جانبها على تعزيز تلك الجهود القائمة التي تبذلها مؤسسات القطاع الخاص من أجل تنمية الاقتصاد الوطني لإيجاد شراكات استراتيجية تسهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية.

هذه الجهات تعمل على تمكين القطاع الخاص لإيجاد فرص ومشاريع أعمالٍ جديدة لجذب الاستثمارات النوعية، وتعزيز الصادرات وصولًا لتطويرِ بيئة أعمالٍ تنافسية. كما تعمل هذه الجهات على زيادة تحقيق التكامل، ورفع سقف الطموح في أداء أكثر تنافسية لترتقي السلطنة إلى مستويات متقدمة في تسهيل بيئة الأعمال؛ مما ينعكس -وبشكل إيجابي- على مؤشرات التنافسية العالمية، والعمل على زيادة توسيع الهياكل الإنتاجية بأياد وطنية ذات كفاءة عالية، وتعزيز مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي.

... إنَّ تعزيز التنافسية يستدعي الاستمرار في تحسين بيئة الأعمال، وإيجاد منصات تجارية واستثمارية لتوليد فرص العمل، والاستفادة من الفرص التي توفرها البرامج الحكومية في العملية التشاركية؛ الأمر الذي يُساعد على تحقيق بيئة أعمال محفزة تضمن الاستدامة والنمو للقطاع الخاص، وتعزيز دوره كمشغل رئيسٍ للأيدي العاملة الوطنية؛ الأمر الذي يساعد على فتح آفاق جديدة للقطاع الخاص واستيعاب مزيد من الكوادر الوطنية وتنمية قدراتهم ومهاراتهم في مختلف المجالات التي يحتاج إليها القطاع الخاص.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

نقاش حول الشراكة الاستراتيجية المعززة بين المغرب وفرنسا بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية

نظم المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، اليوم الأربعاء، نقاشا رفيع المستوى مع سفيرة المغرب بباريس، سميرة سيطايل، حول آفاق الشراكة الاستراتيجية المعززة بين المغرب وفرنسا.

 

وركز هذا النقاش، الذي ترأسه رئيس المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، تيري دي مونبريال، بحضور ثلة من الخبراء البارزين في القضايا الدولية، بشكل خاص، على قوة العلاقة الخاصة التي تجمع بين البلدين وإمكانيات تطويرها في المستقبل على أسس قوية ومستدامة.

 

كما تناول النقاش التحديات التي يواجهها كل من المغرب وفرنسا في سياق جيوسياسي إقليمي ودولي مضطرب.

 

وفي معرض تطرقها للدينامية التي تتطلع بكل حزم إلى المستقبل، والتي تميز اليوم العلاقات بين البلدين، أكدت السيدة سيطايل أن الجانبين يعملان على أساس خارطة طريق مشتركة وطموحة حددت مجموعة واسعة من مجالات التعاون لبناء المستقبل، بدءا من الطاقة إلى الكفاءات، ومرورا بالتنافسية والازدهار الاقتصادي والمناخ والأمن.

 

وقالت سفيرة المملكة إن "علاقتنا مبنية على الثقة المتبادلة وطموح قوي يتجاوز تقلبات اللحظة"، مشيرة إلى الإرادة، على أعلى مستوى في الدولة، للمضي قدما في الشراكة التاريخية القائمة بين المغرب وفرنسا.

 

وفي حديثها عن التوجه الإفريقي للمملكة، أكدت السيدة سيطايل أن المغرب قد تمكن من استيعاب الواقع والخصائص والتحديات والطموحات المتعددة لهذه القارة قصد بلوغ علاقات شراكة تنموية مشتركة قائمة على الاحترام المتبادل والتضامن والثقة، مشددة على الروابط الثقافية والتاريخية والروحية القوية التي تجمع المغرب بالعديد من الدول الإفريقية.

 

وأضافت السفيرة: "مع إخواننا الأفارقة نتشاطر قيما، ثقافة، دينا وتراثا تاريخيا ثمينا يجب أن نحافظ عليه ونستمر فيه".

 

وردا على سؤال حول مبادرة الأطلسي التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس لتعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، أوضحت السيدة سيطايل أن هذا المشروع يهدف إلى جعل المنطقة الأفرو-أطلسية فضاء للسلام والأمن والازدهار المشترك.

 

وأوضحت أنه "إذا كانت هذه المبادرة تتعلق بالفرص الاقتصادية الكبرى التي يوفرها الفضاء البحري لإفريقيا الأطلسية، والتي ستستفيد منها دول الساحل، فإنها تحمل أيضا ب عدا أمنيا مهما، حيث أصبحت المنطقة ساحة مفضلة للجماعات الإرهابية التي تهدد السلام والأمن ليس في المنطقة فحسب، ولكن أيضا في جوارها الأورو-متوسطي".

 

وفي هذا السياق، أعربت سفيرة المملكة عن أسفها لتأثير غياب الاندماج بين الدول المغاربية، الأمر الذي ينعكس سلبا على شعوب المنطقة بسبب تعنت بعض الدول التي تعمل عكس اتجاه التاريخ والشرعية الدولية للإضرار بالوحدة الترابية للمملكة.

 

وبعد أن استعرضت السيدة سيطايل تاريخ النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية والتطور الإيجابي الكبير الذي تعرفه القضية على مستوى الأمم المتحدة، أكدت أن مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب يحظى اليوم بدعم دولي واسع، بما في ذلك دعم فرنسا.

 

وأردفت قائلة إن "هذا النزاع الذي افتعلته الجزائر لن يدوم، والحق يوجد من جانب المغرب"، منددة "بالمعاناة التي يعيشها إخواننا المحتجزون ضد إرادتهم في مخيمات تندوف، على الأراضي الجزائرية في ظروف غير إنسانية".

 

وفي هذا الصدد، سلطت السيدة سيطايل الضوء على النمو الاقتصادي والاجتماعي غير المسبوق الذي تشهده الأقاليم الجنوبية للمملكة بفضل النموذج التنموي الذي أطلقه جلالة الملك، وكذا الديناميكية والمشاركة النشطة للمواطنين في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بهذه الأقاليم.

 

وفي معرض ردها على سؤال حول النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، أكدت سفيرة المملكة على الدور الذي يضطلع به المغرب، تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في تحقيق السلام والدفاع عن الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني في أراضيه.

 

كما أبرزت الدعم الدائم الذي يقدمه المغرب للشعب الفلسطيني الشقيق من خلال الأعمال الإنسانية التي يأمر بها جلالة الملك، رئيس لجنة القدس، مشيرة إلى الإنجاز الإنساني الفريد الذي قام به المغرب، من خلال إيصال المساعدات الغذائية والطبية إلى غزة برا، بفضل ثقله الدبلوماسي والاحترام الكبير الذي يحظى به على الساحة الدولية ومكانته المرموقة لدى دول المنطقة.

 

وأكدت السفيرة أن المغرب هو البلد الوحيد الذي تمكن من إيصال المساعدات الغذائية والطبية إلى سكان غزة برا، مشيرة إلى العمليات الإنسانية الأخيرة، التي نفذت في شهر رمضان وفي الأسبوع الماضي، بأمر من جلالة الملك ولفائدة الشعب الفلسطيني.

 

يذكر أن هذا النقاش، الذي احتضنته دائرة اتحاد الحلفاء المرموقة (cercle de l’Union interalliée)، تميز بحضور الوزير السابق والنائب، بيير ليلوش، والأمين العام السابق لوزارة الشؤون الخارجية الفرنسية، موريس غورولت-مونتاني، بالإضافة إلى ثلة من الشخصيات البارزة المنتمية للأوساط الأكاديمية والاقتصادية في فرنسا، علاوة على باحثين ودبلوماسيين وإعلاميين.

 

مقالات مشابهة

  • «المشاط» تستعرض دور «فريق أوروبا» في تعزيز استثمارات القطاع الخاص بمصر
  • في مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي.. «المشاط» تستعرض دور «فريق أوروبا» وشركاء التنمية في تعزيز استثمارات القطاع الخاص في مصر
  • «التخطيط»: برنامج الإصلاحات الهيكلية يستهدف تعزيز دور القطاع الخاص
  • فون دير لاين: 25 مليون يورو لتوفير تدريب رقمي وتكنولوجي للمصريين
  • الرئيس السيسى: الدولة نفذت إصلاحات كثيرة لتمكين القطاع الخاص وزيادة القدرة التنافسية
  • غداً.. الموعد النهائي لتحقيق مستهدفات التوطين نصف السنوية
  • الإجازات المتبقية حتى نهاية 2024 لـ القطاعين الخاص والحكومي
  • “الموارد البشرية والتوطين” تشيد بمساهمات شركائها في تعزيز تنافسية سوق العمل
  • على مساحة 8 ملايين متر مربع قطر تدشن مشروع سميسمة المستدام
  • نقاش حول الشراكة الاستراتيجية المعززة بين المغرب وفرنسا بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية