تعزيز الشراكة من أجل تنافسية القطاع الخاص
تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT
حيدر بن عبدالرضا اللواتي
haiderdawood@hotmail.com
تُبدِي الحكومات ومؤسسات القطاع الخاص في العالم أهمية كبيرة للشراكة بين القطاعين وفق منهج "Public Private Partnership" (PPP) أي شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص بغرض تقديم مشروع أو خدمة يقدمها القطاع العام تقليديًّا.
وقد مارس القائمون في القطاع الخاص العماني عبر غرفة تجارة وصناعة عُمان منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي سياسة (الشراكة) بين الحكومة والقطاع الخاص في مشروعات تم تنفيذها في قطاع الإسكان؛ حيث تعتبر مدينة قابوس شاهدًا على هذه الشراكة التي تعتبر الأولى من نوعها بين القطاعين.
إذن؛ فتجربة السلطنة مع القطاع الخاص ليست وليدة اليوم، وإنما تعود لفجر النهضة المباركة في سبعينيات القرن الماضي، في الوقت الذي دعمت فيه الحكومة خلال السنوات الماضية مشروعات إنتاج الكهرباء والمياه وإدارة الموانئ والاتصالات ومشروعات الإسكان...وغيرها.
ولا يزال هذا التعاون مستمرًا بين القطاعين منذ ذلك الزمن، في الوقت الذي شهدت فيه السلطنة تنظيم العديد من الأنشطة والمنتديات التي تتحدث عن أهمية الشراكة والتنافيسية في القطاع الخاص؛ باعتبارها تهدف لتأسيس مشروعات لها أهمية مستقبلية للوطن والمواطنين، وذات طبيعة طويلة الأجل. فمثل هذه الشراكات تهدف لقيام القطاعين بالتعاون من أجل تنفيذ مشروعات تهتم بتعزيز البنية الأساسية التي تحتاج إليها المجتمعات في مجال تأسيس وبناء وتجهيز إدارة المدارس والمستشفيات وأنظمة النقل وأنظمة المياه والصرف الصحي وغيرها من المشروعات الحيوي الأخرى. ويمكن للشراكة في هذا الشأن أن تزيد من جودة الخدمات العامة وكفاءتها وقدرتها التنافسية، بجانب تعزيز وتكملة قدرات القطاع العام المحدودة لجمع تمويل إضافي للمشاريع المقترحة، والعمل على الاستخدام الأمثل للكفاءات التشغيلية للقطاع الخاص.
فالمشروعات التشاركية تؤكد اهتمام الحكومة بالعمل مع القطاع الخاص، وثقتها الكاملة بقدرات هذا القطاع على الأخذ بزمام المبادرة لقيادة جهود التنويع الاقتصادي من أجل تحقيق الزيادة في النمو الاقتصادي، وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد العماني. كما أن الشراكة تعني الثقة والتعاون والتكامل بين كافة الأطراف، وتمثّل مسؤولية مشتركة لخدمة أهداف المجتمع، وتخلق نوعا من المنافسة. والمرحلة المقبلة ستشهد مزيدًا من فرص المشاركة من خلال تفعيل القوانين ومجابهة التحديات وتقييم المخاطر.
ويُتوقع أنْ تسفر برامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المرحلة المقبلة عن تحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال تشجيع استثمارات القطاع الخاص، والاستفادة من خبراته وقدراته المتخصصة في إنشاء وتمويل وتشغيل المشروعات، وتحسين نوعية الخدمات التي تقدم للمواطنين والمقيمين، بجانب إيجاد فرص عمل جديدة في السوق العماني للباحثين عن العمل، والذين يتزايد عددهم سنويا نتيجة للمستخرجات السنوية للجامعات الأهلية والأجنبية.
ومُؤخرا، نظَّمت غرفة تجارة وصناعة عُمان -وبالشراكة مع وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار ووزارة الاقتصاد ووزارة العمل- برنامج "الشراكة والتكامل"، حضره عدد من الوزراء المعنين في التجارة والاقتصاد والعمل بجانب رئيس وأعضاء مجالس إدارة الغرفة. واستهدف برنامج العمل استكمال دور الغرفة في حلحلة التحديات التي تعترض مسيرة القطاع الخاص العماني، ورفع مستوى الأداء، ومواكبة التطلعات المعقودة عليها في ضوء مستهدفات رؤية "عُمان 2040"، نحو قطاع خاص ديناميكي وفعال ومبادر.
كما إنَّ العرض الذي قدَّمه سعادة رئيس الغرفة أبرز المسارات التشاركية مع الحكومة بأذرعها التشريعية والتنفيذية وتهيئة المناخ المواتي لتحقيق التكامل بين القطاعين، وتبني حلول مستدامة تعزز منظومة الاقتصاد الوطني. فهذه القضايا تتطلب تعزيز الدور المحوري للقطاع الخاص في حفز مسيرة التنمية الشاملة، والانتقال نحو التنافسية بجانب العمل على الحد من التحديات التي تواجه مؤسسات القطاع الخاص.
من جانبها، تعمل غرفة تجارة وصناعة عمان على مراجعة التشريعات والقوانين والقرارات ذات العلاقة ببيئة الأعمال من أجل تحسينها لجذب الاستثمارات النوعية ودعم الاقتصاد الوطني، وإيصال صوت القطاع الخاص للجهات المعنية التي تعمل من جانبها على تعزيز تلك الجهود القائمة التي تبذلها مؤسسات القطاع الخاص من أجل تنمية الاقتصاد الوطني لإيجاد شراكات استراتيجية تسهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية.
هذه الجهات تعمل على تمكين القطاع الخاص لإيجاد فرص ومشاريع أعمالٍ جديدة لجذب الاستثمارات النوعية، وتعزيز الصادرات وصولًا لتطويرِ بيئة أعمالٍ تنافسية. كما تعمل هذه الجهات على زيادة تحقيق التكامل، ورفع سقف الطموح في أداء أكثر تنافسية لترتقي السلطنة إلى مستويات متقدمة في تسهيل بيئة الأعمال؛ مما ينعكس -وبشكل إيجابي- على مؤشرات التنافسية العالمية، والعمل على زيادة توسيع الهياكل الإنتاجية بأياد وطنية ذات كفاءة عالية، وتعزيز مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي.
... إنَّ تعزيز التنافسية يستدعي الاستمرار في تحسين بيئة الأعمال، وإيجاد منصات تجارية واستثمارية لتوليد فرص العمل، والاستفادة من الفرص التي توفرها البرامج الحكومية في العملية التشاركية؛ الأمر الذي يُساعد على تحقيق بيئة أعمال محفزة تضمن الاستدامة والنمو للقطاع الخاص، وتعزيز دوره كمشغل رئيسٍ للأيدي العاملة الوطنية؛ الأمر الذي يساعد على فتح آفاق جديدة للقطاع الخاص واستيعاب مزيد من الكوادر الوطنية وتنمية قدراتهم ومهاراتهم في مختلف المجالات التي يحتاج إليها القطاع الخاص.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
رئيس اتحاد الصناعات السوداني للجزيرة نت: القطاع الخاص يقود التعافي
كشف رئيس اتحاد الغرف الصناعية، رجل الأعمال السوداني البارز معاوية البرير، أن القطاع الخاص في السودان تكبّد خسائر فادحة بسبب الحرب، قدّرت في القطاع الصناعي وحده بأكثر من 50 مليار دولار.
وأوضح -في حوار خاص مع الجزيرة نت- أن هذه الخسائر شملت تدمير المصانع والمعدات وأجهزة التحكم والشبكات الإلكترونية، إلى جانب نهب المواد الخام والمنتجات الجاهزة.
وأشار البرير إلى أن القطاع الزراعي لم يكن بمنأى عن هذه الخسائر، حيث تُقدَّر خسائره بنحو 30 مليار دولار، شملت محطات الري، والآلات، والمولدات، والمحاصيل. وأضاف أن قطاع الخدمات والبنوك تلقّى أيضا ضربات قاسية، لا سيما أن معظم الناتج المحلي والثروة الاقتصادية متركزة في الخرطوم.
وقال إن تدمير محطات الكهرباء انعكس بشكل مباشر على ارتفاع تكلفة الإنتاج، مما يجعل بدائل الطاقة مكلفة وغير مستدامة للقطاعين الصناعي والزراعي. وأكد أن القطاع الخاص المحلي، إلى جانب المستثمرين الأجانب والأشقاء العرب، سيكونون الركيزة الأساسية لمرحلة إعادة الإعمار، مشددا على أهمية عدم وضع العراقيل أمامهم.
وأضاف البرير: "هناك رجال أعمال خسروا كل شيء بسبب الحرب، وبعضهم لم يتحمّل الصدمة وفارق الحياة، فيما يعاني آخرون من عدم القدرة على تلبية التزاماتهم، وهو ما يُنذر بأزمات قانونية ما لم تُقدَّم حلول واقعية".
وعن رؤيته لمستقبل السودان الاقتصادي، قال بثقة: "لسنا الدولة الوحيدة التي دُمّرت، ونؤمن بأننا قادرون على النهوض مجددا كما فعلت أوروبا واليابان بعد الحرب. السودان سيعود أفضل مما كان، بشرط التخطيط السليم، وتصحيح الأخطاء، وتولية الكفاءات المناصب المناسبة، لا سيما في الوزارات الاقتصادية".
إعلانوفيما يلي أبرز ما جاء في الحوار:
ما حجم الخسائر التي تعرض لها القطاع الخاص وقطاع الأعمال بسبب الحرب في السودان؟القطاع الخاص السوداني تكبّد خسائر مهولة، تُقدّر في القطاع الصناعي وحده بحوالي 50 مليار دولار. وتتمثل هذه الخسائر في تدمير كامل أو جزئي للعديد من المصانع، وتلف المعدات، وأجهزة التحكم، والشبكات الإلكترونية، ومولدات الطاقة، والكوابل الكهربائية، بالإضافة إلى نهب المواد الخام والمنتجات الجاهزة.
كما تضررت الصناعة أيضا نتيجة تضخّم الأموال في السوق، ووجود مديونيات بالعملة الصعبة أصبحت عبئا على المصنّعين.
أما في القطاع الزراعي، فبلغت الخسائر نحو 30 مليار دولار، شملت محطات الري، والآلات، والمولدات، والمحاصيل. على سبيل المثال، محطة ري "أبو نعامة" التي تبلغ تكلفتها 40 مليون دولار تعرّضت للتدمير.
وتعرض قطاع الخدمات والبنوك هو الآخر لأضرار كبيرة، إذ إن أغلب الناتج المحلي للبلاد يتمركز في الخرطوم.
في ظل استهداف الدعم السريع لمشاريع الطاقة ونقص الكهرباء، هل يمكن أن يمثل ذلك إعلان وفاة الصناعة في السودان؟تدمير محطات الكهرباء أثّر سلبا على المواطن والصناعة والزراعة، لأن البدائل المتاحة لإنتاج الطاقة مكلفة للغاية، مما يزيد من تكلفة الإنتاج ويهدد استدامة النشاط الصناعي والزراعي.
ما فرص السودان للتعافي الاقتصادي إذا توقفت الحرب؟السودان قادر على النهوض مجددا، بل العودة أفضل مما كان عليه قبل الحرب، بإذن الله. نحن بحاجة لتصحيح الأخطاء السابقة، والتخطيط السليم، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وخاصة في الوزارات الاقتصادية. ونطمح إلى وطن معافى، يُضيف إلى اقتصاده، ويتجاوز الصراعات، وتكون فيه المنافسة بين رجال الأعمال قائمة على الجودة والقيمة المضافة، لا على الإقصاء.
برأيك من يتحمل فاتورة إعادة إعمار ما دمرته الحرب؟القطاع الخاص، والمواطن السوداني، والمستثمرون الأجانب، والأشقاء العرب هم من سيتحملون فاتورة إعادة الإعمار. أشقاؤنا العرب، ولا سيما دول الخليج، لم يتوقفوا عن المساهمة حتى أثناء الحرب، ونحن ننتظر منهم مساهمة أكبر في المرحلة المقبلة.
إعلان ما حجم الكفاءات والأيدي العاملة التي قد تكون هاجرت بسبب الحرب وربما لن تعود؟ وما أثر ذلك على الاقتصاد؟الكفاءات السودانية الحريصة على الوطن ستعود وتُضحي من أجل السودان، مهما كانت الظروف. أما من وجدوا فرصا أفضل في الخارج، فهم سيبقون داعمين لنا عبر المشورة، والخبرة، وتحويل الأموال لدعم الاقتصاد الوطني.
أغلب رجال الأعمال سيعودون إلى السودان بعد تسوية أوضاعهم في الخارج، لكن العودة تتطلب من صناع القرار وضع سياسات داعمة، وألا يضعوا العقبات أمامهم. للأسف، فوجئنا مؤخرا بفرض ضريبة دخل مقدما بنسبة 2% على ترحيل المواد الخام، وهو أمر لم يكن معمولا به قبل الحرب.
هل صحيح أن هناك رجال أعمال سودانيين أفقرتهم الحرب تماما وأصبحوا عاجزين حتى عن إعالة أسرهم؟نعم، هناك عدد كبير من رجال الأعمال خسروا كل شيء، وبعضهم لم يتحمل الصدمة النفسية وتوفي، بينما يعاني آخرون من العجز عن الوفاء بالتزاماتهم. فإذا لم توضع حلول واقعية، فقد نشهد مشاكل قانونية كبيرة في المرحلة المقبلة.
السودان-بعد-الحرب-بعدد-من-المسوولين-في-الفريق-الاقتصادي-ما-هي-نتايج-هذه-اللقاءات؟">التقيت معك في جولتك الميدانية لتفقد عدد من المشاريع في السودان بعد الحرب واجتماعك مع عدد من المسؤولين في الفريق الاقتصادي.. ما نتائج هذه اللقاءات؟كانت لقاءات مثمرة. اجتمعنا بوزيري المالية والزراعة، إضافة إلى ولاة ولايات الخرطوم، الجزيرة، سنار، والشمالية. ووعد وزير المالية بتقديم دعم محدود للقطاع الخاص، وإنشاء منصة للحوار مع الصناعيين، مؤكدا أنه لا يدعم الدعم المطلق. أما وزير الزراعة، فقد وعد بإدخال بذور محسنة وتقنيات جديدة، ونحن ننتظر حاليا تنفيذ هذا الوعد كتابة.
إعلان السودان-حتى-بعد-انتهاء-الحرب؟">رغم وجود موارد ومواد خام في السودان، هل ترى أن المستثمر الأجنبي لن يغامر بالاستثمار في السودان حتى بعد انتهاء الحرب؟أنا متفائل جدا بعودة المستثمرين، خاصة إذا تم تهيئة بيئة استثمارية جاذبة بعد الحرب. لسنا الدولة الوحيدة التي دُمّرت ثم نهضت. وقد فعلت أوروبا واليابان ذلك، ونحن قادرون أيضا بعزيمتنا، بشرط اتخاذ قرارات جريئة من أجل الصالح العام.
ما الدور الذي يمكن أن يلعبه القطاع الخاص في إنعاش الاقتصاد السوداني؟القطاع الخاص هو العمود الفقري لإنعاش الاقتصاد، خصوصا بالشراكة مع الاستثمارات الخارجية وبتمويل من الأشقاء. يجب منحه المساحة والحرية ليستعيد نشاطه ويخلق فرص العمل.
ومن مِن الأشقاء تتوقع أن يكون لديه استعداد للمشاركة في التمويل، في ظل ظروف السودان الحالية؟بكل وضوح: دول الخليج، التي لطالما وقفت مع السودان في السراء والضراء، ولها الإمكانيات والخبرة والرغبة في المشاركة الفعالة.
برأيك ما أبرز تحديات إعادة الإعمار، وهل يمكن أن ينهض السودان كما نهضت ألمانيا واليابان بعد الحرب؟أبرز التحديات هو تغيير النظرة إلى القطاع الخاص، واعتباره شريكا أساسيا وليس مجرد مصدر للضرائب. القطاع الخاص هو الذي يشغّل ملايين السودانيين، ويجب أن يُعامل كمُنتج أساسي للاستقرار والنمو، لا كعبء على الدولة.