التعليم والذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT
أحمد بن موسى البلوشي
يُعدّ التعليم والذكاء الاصطناعي مجالين مترابطين بشكل وثيق؛ حيث للذكاء الاصطناعي إمكانات هائلة لإحداث ثورة في التعليم وتحسين جودته بشكلٍ كبير، كما يمكن أن يُسهم في تحسين جودة التعليم وتوفير تجارب تعلم أكثر فعالية للطلبة في مختلف مستوياتهم الدراسية واحتياجاتهم التعليمية.
وهناك الكثير من الطرق التي يمكن أن يُسهم الذكاء الاصطناعي بها في تحسين جودة التعليم وتوفير تجارب تعلم أكثر فاعلية للطلبة؛ منها على سبيل المثال: تخصيص التعليم بحيث يمكن للذكاء الاصطناعي توفير تجارب تعلم مخصصة لكل طالب بناءً على احتياجاته ومستواه الفردي.
وكذلك هناك الكثير من أدوات الذكاء الاصطناعي التي قد تلعب دورًا مهمًّا في تحسين النظام التعليمي وتوفير تعلم مبتكر وفعال، وقد يستفيد منها المعلم والمتعلم في تطوير وتجويد التعليم منها على سبيل المثال: منصات التعلم الذكي: حيث تعتمد هذه المنصات على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتقديم تجارب تعلم مخصصة وتفاعلية للطلاب. نظم التعلم الذاتي: حيث إنَّ تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن استخدامها لتطوير أنظمة تعلم ذاتية التكيف؛ حيث توفر توجيهات وتوصيات للطلاب لمساعدتهم في تحسين مهاراتهم بشكل فعّال. أنظمة التقييم الآلي: حيث تتيح تقنيات الذكاء الاصطناعي إمكانية إنشاء نظم تقييم آلية لتقدير أداء الطلاب وتقديم تغذية راجعة فورية بناءً على تحليل البيانات. منصات التعلم الإلكتروني الذكية: حيث توفر منصات التعلم الإلكتروني الذكية مثل (Coursera) و(edX) تجارب تعلم مبتكرة تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ مما يمكن الطلاب من الوصول إلى موارد تعليمية متقدمة ومخصصة.
ونشرت العديد من الدراسات والأبحاث حول التعليم والذكاء الاصطناعي منها: في العام 2023 نشر المنتدى الاقتصادي العالمي دراسة سلطت الضوء على دور الذكاء الاصطناعي في مستقبل التعليم، وركزت الدراسة على كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في تحويل مجال التعليم بشكل كبير. وفقًا للدراسة، وجدت أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي يُمكن أن يُساعد في تحويل التعليم بشكل كبير؛ مما يُتيح للجميع إمكانية الوصول إلى تعليم عالي الجودة، ويعكس هذا التوجه تحولًا مهمًّا في المنهج والتقنيات التي يتم استخدامها في التعليم؛ مما يسهم في توفير فرص تعليمية متساوية ومتاحة للجميع.
ونشرت منظمة اليونسكو عام 2021 دراسة سلطت فيها على إمكانيات استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم على مستوى العالم، وقد ركزت الدراسة على تحليل كيف يمكن لتطبيقات الذكاء الاصطناعي أن تُسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، خاصة في مجال التعليم. ووفقًا للدراسة، وجدت أنَّ استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي يُمكن أن يُساعد في تحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ وذلك من خلال تحسين جودة التعليم وتوفير فرص تعليمية متساوية للجميع، ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يُساعد في تخصيص التعليم وتقديم تجارب تعلم مبتكرة وشاملة تلبي احتياجات الطلاب بفاعلية أكبر.
وفي العام 2020، نشرت مجلة "التعليم العالي" نتائج مهمة حول تأثير التعلم الآلي على نتائج التعلم في التعليم العالي. ووفقًا لتركيز الدراسة، تمَّ تحليل كيفية استخدام التعلم الآلي وتأثيره على تحسين نتائج التعلم للطلاب في مؤسسات التعليم العالي، ووجدت الدراسة أنَّ استخدام أدوات التعلم الآلي يُمكن أن يُحسّن بشكل كبير من نتائج التعلم للطلاب، خاصة في مجالات مثل "STEM" (العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات)، وهذا يشير إلى أن التكنولوجيا وتطبيقات التعلم الآلي يمكن أن تلعب دورًا بارزًا في تحسين فعالية التعلم في مجالات العلوم والتقنية.
وفي العام 2019، نشرت مجلة "التعلم والتعليم الإلكتروني" دراسة تسلط الضوء على أهمية وفاعلية استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة التعليم ونتائج التعلم للطلاب من خلال استعراض 114 دراسة حول هذا الموضوع، وجدت الدراسة أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُحسّن بشكل كبير من نتائج التعلم للطلاب، خاصة في مجالات مثل الرياضيات والعلوم. النتائج التي حصلت عليها الدراسة تبرز الفوائد الكبيرة لتطبيق التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في المجال التعليمي؛ وتشير إلى أنَّ استخدام التكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على تحسين فعالية التعليم وتحقيق نتائج أفضل للطلاب.
يُمكننا القول بأنَّه ومن خلال تقديم أدوات الذكاء الاصطناعي، يُمكن تحسين تجربة التعلم للطلاب من خلال تخصيص التعليم وتوفير تغذية راجعة فورية وتحليلات تعلم متقدمة. وبهذه الطريقة، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا حيويًّا في تطوير نظم التعليم وتعزيز جودته، مما يؤدي في النهاية لتعزيز فرص التعلم وتحقيق تحسينات ملموسة في مجال التعليم في المستقبل.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي بين الحرية والانحلال
في خضمّ ثورة الذكاء الاصطناعي، يبرز سؤال محوري: ما الذي يمكن أن يحدث عندما يعرض النموذج الرقمي محتوى لم نعهده من قبل؟ إن الإعلان الأخير من ChatGPT التابع لـOpenAI، بأن المنصة ستُتيِح بدءًا من ديسمبر 2025 للمستخدمين البالغين الموثّقين إنتاج أو التفاعل مع محتوى إيروتيكي (erotica) – إباحي- يُشكّل مفترقاً أخلاقياً وثقافيا.
عندما نفتح باب «الفضاء الرقمي» للمحتوى الإباحي: ما الذي يحصل؟
أعلنت شركة OpenAI أنها ستتيح لمستخدمي ChatGPT البالغين – بعد التحقق من العمر– أن يُنتِجوا أو يتفاعلوا مع المحتويات الإيروتيكية، وهو ما يرفع «عتبة الحماية» التقليدية التي كانت تفصلُ بين ما يعتبر مقبولاً في الذكاء الاصطناعي وما يُعد محظوراً؛ فوفقًا للشركة يجب أن يعامل البالغون كبالغين، بحيث يتمنكنوا من الوصول لأي محتوى حتى وإن كان غير أخلاقي، مؤكدين على أن المنصة تمتلك الآن آليات تحقق وعزل تجعل من الاستخدام محصوراً على البالغين فقط.
لكن الواقع يشير إلى أن الأمر ليس بسيطاً، فالتاريخ التقني والميداني للذكاء الاصطناعي الذي أتاح للمستخدمين العاديين إنشاء محتوى غير أخلاقي– يحمل في طيّاته مخاطر تتعلّق بالخصوصية، والمقاييس الأخلاقية، وتأثيرها على الناشئة والمجتمع. وهو ما راح ضحيته فتيات من قبل في المجتمع المصري بسبب تقنية التزييف العميق والتلاعب بصور الفتيات.
وهنا نكون على أعتاب مجازفة رقمية، حيث قد تُسهّل الآلة الوصول لمحتوى غير أخلاقي، بدون ضوابط مجتمعية أو أسرية أو أخلاقية. هذا التأثير قد يؤدي إلى «تطبيع مفاهيم» كانت بالأمس محسوبة ضمن فضاءات خاصة أو مقيدة. وفي مصر ومعظم الدول العربية يعد الدخول إلى هذه المنصات تهديداً محتملاً لتوازن القيم الاجتماعية؛ فإذ أصبح من السهل الوصول لمحتوى إباحي عبر حوار مع آلة، فربما تتراجع قدرة الفرد على مقاومة الإغراء أو إدراك حدود المحتوى المناسب، مما يقوّض مفاهيم مثل العفة، والاحترام.
وما يجب التأكيد عليه هو أنه حتى لو اقتصر الأمر على بالغين، فإن التحقق الرقمي ليس مضمونا بالكامل. وقد يحدث تسريب أو تقاطع مع قاصرين، ما يفتح الباب لمشاكل قانونية وأخلاقية.
ولذلك يجب علينا أن نضمن أن تعديلاً كهذا لا يُضعف قيم الأسرة، ولا يُسهّل إساءة استعمال الذكاء الاصطناعي، ويمكن تحقيق هذا الأمر من خلال:
تقديم حملات تسهم في زيادة وعي الشباب وتحدد المسموح والمحظور عند التعامل مع الذكاء الاصطناعي.
الأسرة والمجتمع مدعوّان إلى مواكبة التغير، لا فقط بالرفض، بل بالتحاور، وأن نعلم أبناءنا كيف نستخدم الذكاء الاصطناعي بطريقة تحترم كرامتنا، وتتفق مع ديننا الحنيف.
ضرورة تطوير «مصفوفة قيم رقمية» تدمج بين القيم المحلية والممارسات العالمية.
في الختام، إن قرار ChatGPT بالسماح للمحتوى الإيروتيكي للبالغين يُعدّ منعطفاً جديداً في علاقة المجتمعات بالذكاء الاصطناعي، وفي قدرة هذا الأخير على اختراق المحرمات الدينية والثقافية والقيمية. وهو ما يمكن أن يحمل في طيّاته تغيّرات يمكن أن تؤثر على الشباب، وعلى بنية القيم في المجتمع.