طلبة الجامعات والرواتب الشهرية
تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT
سلطان بن ناصر القاسمي
قبل أيام، أطَّلت علينا معالي الأستاذة الدكتورة رحمة بنت إبراهيم المحروقية وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، بتصريح يشير إلى دراسة مقترحة لصرف راتب شهري لطلبة الجامعات والكليات، وأكاد أجزم بأنَّ ذلك التصريح أدخل الفرح والسرور للغالبية العظمى من الأسر العمانية التي أنهكتها مصاريف ومتطلبات الدراسة الجامعية لأبنائهم.
فالواقع يقول بأنَّ الكثير من الطلبة الجامعيين -ذكوراً كانوا أو إناثاً- أرهقتهم مصاريف الدراسة المتمثلة في مصاريف السكن والنقل والمصاريف الشخصية؛ حيث يبلغ متوسط تلك المصاريف 150 ريالا شهريًّا. وعليه، فإذا كان للأسرة الواحدة عدد أكثر من طالب، فإن مصاريفهم ستزداد.
نعم، يوجد هناك دعم لبعض طلبة الجامعات: كجامعة السلطان قابوس، وجامعة التقنية والعلوم التطبيقية، ولكن هناك بعض الحالات التي لم يشملها ذاك الدعم، على سبيل المثال: الطلبة القاطنون في محافظة مسقط. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هؤلاء يتحركون من وإلى الجامعة في الهواء؟ أو أنَّ هناك "مترو" يمرُّ على منازلهم لكي يستطيعوا الوصول إلى الجامعة؟
كما أنَّ مثل هذه الحالات تتطلب أن يصرفوا المال لتوفير وشراء مستلزمات الجامعة، وكذلك هناك بعض الحالات التي تستوجب اجتماع الزملاء لمناقشة بعض المشاريع الجامعية، أو المذاكرة في بعض الأماكن الترفيهية كالكافيهات والمطاعم، وبالتالي زيادة مصاريف الطالب.
إضافة إلى أنَّ هناك طلبة كُثر ممن يدرسون بالجامعات والكليات الخاصة، والتي تتحمل الحكومة مشكورة مصاريف الدراسة فقط، وبقية المصاريف تتحملها الأسر، وهذه الفئة كثير وتحتاج لوقفة جادة فعلاً لمساعدتها، علما بأنَّ هناك العديد من الطلاب قد تركوا مقاعدهم الدراسية لعدم تمكنكم من دفع المصاريف المترتبة عن الدراسة، وكذلك لقبولهم في جامعات بعيدة عن موقع سكنهم؛ وبالتالي لم يستطيعوا إكمال الدراسة أو تحمل مصاريف تبعات الدراسة.
وعليه، أقترح على الوزارة الموقرة أنْ تقوم بعمل دراسة ميدانية لوضع الطلبة الدارسين في مؤسسات التعليم العالي ومعرفة واقع المعيشة اليومية وكيف يقضي هؤلاء يومهم.
إنَّ الحالة النفسية والاجتماعية للطلبة تساعدهم على تطوير ذاتهم وتحصيلهم العلمي؛ وبالتالي خلق جيل متعلم استفاد فعلاً من سنوات الدراسة في الجامعة أو الكلية. وعليه، ستكون المخرجات تتمتع بمهارات وكفاءة عالية تستطيع الانخراط بسوق العمل بما يتوافق مع متطلبات الدولة، ويعد ذلك لبنة جيدة لتطوير الإنسان العماني، والذي ينعكس على المجتمع بشكل عام.
ومن خلال اطِّلاعي على بعض الحالات التي تجلس على مقاعد الدراسة الجامعية تعمل في وظائف مسائية تحاول أن تساعد أسرها في مصاريفها، وهناك من ترك الدراسة لعدم مقدرة الأسرة على تحمل مصاريف الدراسة. وعليه، أتى تصريح معالي الدكتورة بمثابة طوق رحمة للطلبة وأسرهم. لذا أناشد معاليها بالتحرك الجاد نحو تحقيق ذلك القرار تخفيفًا لمعاناة الطلبة.
تلك المسألة تحمل في طياتها فوائد متعددة تعزِّز استقرار الطلبة في بيئة الدراسة، وتشجع على إقامة بيئة صحية تُعينهم على التفوق في التعلم، وتحد من بعض السلبيات الظاهرة التي تؤدي لانحراف بعض الطلاب نحو الاهتمام بأمور غير تعليمية، بحجَّة توفير المال بغض النظر عن الوسيلة التي يتم استخدامها في توفير المال، وبغض النظر عمَّا إن كانت تلك الوسيلة صحيحة أو خاطئة. ومن هنا، يمكن للوزارة من خلال صرف الراتب لهؤلاء الطلبة أن تسهم في تجنبهم الانجراف نحو سلبيات قد تؤثر على أدائهم الدراسي وتتنافى مع قيم وأخلاقيات المجتمع.
كما أنَّني أحث الطلبة والطالبات على استكشاف البدائل الملائمة التي تحافظ على قيمهم وأخلاقهم وتعزز استقلالهم المالي وتطوير مهاراتهم. وكمثال على ذلك، نفَّذت مجموعة من الطالبات اللاتي يعشن في نفس السكن مشاريع تجارية مبتكرة، حيث قمن بإعداد وتسويق مأكولات خاصة، وأبرمَن اتفاقيات مع محلات لبيع منتجاتهن من خلال وضع أرفف تعرض منتجات الأسر المحلية؛ مما أتاح لهن كسب دخل مالي بشكل صحيح وفي بيئة مألوفة، وهو ما يُسهم في تعزيز مهاراتهن وتطوير قدراتهن الريادية وهن في مكان سكنهن، والبعض منهن قُمن بعمل مشاريع تعتمد على التصميم واستخدام أجهزة الحاسب الآلي وهي أمثلة فقط، وبالإمكان البحث واستغلال المهارات في ذلك ودعمها من قبل الوزارة الموقرة.
كما أنَّ بإمكان الطلبة إيجاد ما هو مناسب لهم من وظائف مسائية لا تؤثر على تحصيلهم الدراسي، وعليه يستطيع البعض أو الأغلب منهم سد حاجتهم المعيشية المصاحبة لدراستهم الجامعية، وهذا يبرز فكرة أن النجاح لا يكون فقط من خلال تحقيق الأهداف الأكاديمية، بل يأتي أيضًا من القدرة على الاستمتاع بالعمل وتحقيق الرغبة الشخصية. كما يعكس المثل الشهير: "النجاح ليس مفتاح السعادة، وإنما السعادة هي مفتاح النجاح، إذا كنت تحب ما تفعله، فستكون ناجحًا".
وإنِّي أناشد الحكومة الموقرة إضافة طلبة الجامعات في مظلة الحماية الاجتماعية، فقد تمَّ تجاهل هذه الفئة المهمة من المجتمع، وأناشد كذلك مجلس عمان -بغرفتيه الدولة والشورى- أن يتحركوا بجدية في معالجة هذا الموضوع ومساعدة أبنائهم طلبة المؤسسات الجامعية وأسرهم في تحمل مصاريف وتبعات الدراسة الجامعية. كما أناشد الوزارة الموقرة أنْ تراعي طلبات النقل بين الجامعات للطلبة والذي من وجهة نظري ستكون نقطة إيجابية في تخفيف معاناة الأسر وأبنائهم فيما يتعلق ببعض المصاريف المترتبة على الدراسة في محافظات بعيدة عن موقع سكن أسرهم، وهذا أملنا في الوزارة الموقرة أن تراعي هذه النقاط التي من وجهة نظري تعتبر غاية في الأهمية.
وفي الختام.. يكمُن النجاح الحقيقي في بناء جيل مثقف ومتحمس، قادر على مواكبة التحولات والتحديات. لذا؛ يعد الاستثمار في التعليم وتخفيف العبء المالي عن الطلاب خطوة إستراتيجية نحو بناء مستقبل مشرق ومزدهر لعُمان الوطن.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
إعداد خريجي الثانوية للمرحلة الجامعية
هل خريجو الثانوية لدينا يحتاجون إلى إعداد قبل دخول الجامعة؟
الدراسة الجامعية تختلف عن مايحدث في المدارس حيث الأسلوب التعليمي واحد من أولى ابتدائي حتى الثالث ثانوي و يعتمد على ما يقدمه المعلم.
أذكر أن أحد أصدقائي كان يعمل خارج المملكة في ألمانيا وهناك التحق ابنه بمدرسة خاصة و كان ابنه يقوم بعمل أبحاث خاصة. وكان يتم تكليفه بقراءة كتاب كامل خلال مدة قصيرة و يعود للمكتبة لقراءة مراجع عنه قبل أن يكتب تحليلاً كاملاً لما قرأ. مثل ذلك يعد الطالب لدخول الجامعة. يعد لمرحلة دراسية جديدة تعتمد على الفهم والتحليل و التفكير النقدي. بينما المرحلة المدرسية عندنا يعتمد فيها الطالب غالبا على الحفظ.
في بعض الكليات مثل الهندسة والطب توجد سنة إعدادي كتمهيد لما سيدرسه الطالب من مواد متخصصة.
المشكله الثانية عدم معرفتنا بأهمية أغلب التخصصات الجامعية، أو مستقبلها الوظيفي. و الأمر ينطبق على الطلاب وعلى بعض مسؤولي الشركات.
و مثال على ذلك تخصص الجغرافيا، فلو نظرنا إلى بلد مثل انجلترا نجد أنهم يفضلوا خريجي أقسام الجغرافيا على خريجي إدارة الاعمال وذلك لأنهم يمتلكون مهارات و معارف اكثر.
حيث من المفترض أن يتمتع خريجو الجغرافيا بالعديد من المميزات والمهارات التي تساعدهم على الحصول على وظائف في العديد من القطاعات، لامتلاكهم مهارات حل المشكلات، وتحليل المعلومات البيئية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ولكن لدينا لا نرى خريجي الجغرافيا سوى مدرسين و في أحسن الأحوال أساتذة جامعة.
ولو نظرنا إلى عدد الوظائف التى تعرض على خريجي الجغرافيا في الخارج، نجد أنها متعددة بل أني استطعت أن أعد أكثر من ٢٥ وظيفة لخريجي الجغرافيا في انجلترا .
منها العمل أخصائي نظم المعلومات الجغرافية GIS
وهو الذي يعمل على إنشاء قواعد بيانات نظم المعلومات الجغرافية، من خلال جمع وتحليل البيانات الجغرافية المكانية وجمع البيانات الميدانية وتطوير الخرائط، من أجل تطبيق هذه البيانات في مجموعة متنوعة من المجالات، مثل الدفاع والأرصاد الجوية والنفط والغاز والاتصالات والنقل.
وأيضا من الممكن أن يعمل مخطط مدن، لتقييم الأراضي ووضع خطط التنمية السكنية والعامة، و تحديد الاستخدام الأمثل للأرض.
ولكن للأسف لدينا حتى الطلبة أنفسهم لا يدركون أهمية مايدرسون. ولست أعلم إذا كان الخريجون لدينا يجيدوا كل هذه المهارات التى من المفترض أن يكتسبوها خلال سنوات الدراسة. و الأمر ينطبق على خريجي الأقسام والكليات الأخرى.
هل لأن أغلب الطلبة لا يؤمن بأهمية ما يدرس بالنسبة لسوق العمل لأن الواقع لدينا يقول إن أغلب خريجي الكليات لا يعمل في تخصصه ماعدا خريجي الطب و خريجي الهندسة وإن كان الأخيرون قد يعملون في مجالات الادارة أو التسويق والمبيعات.
بل أن من أُبتعث لدراسة الماجستير و الدكتوراة في تخصصات علمية، قد يعود ليعمل في غير تخصصه. و ذلك الذي حدث مع أحد الأصدقاء الذي حصل ابنه على الماجستير في العلوم وعاد ليعمل في أمور إدارية ليس لها علاقة بما درس.
أذكر أنه في عام ٢٠١٥ أطلقت وزارة التعليم برنامج وظيفتك بعثتك وعقدت شراكات مع وزارات وشركات بحيث يدرس المبتعث تخصص تحتاجه هذه الجهات ثم يعود ليتوظف في إحداها. ولكن لا توجد إحصائيات حول من استفاد من هذا البرنامج، وكم حصل على الوظيفة التي تتفق مع ما درس في بعثته؟.