رسالة للسيد ناظر قبيلة الرزيقات السيد محمود موسى مادبو
تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT
رسالة للسيد ناظر قبيلة الرزيقات السيد محمود موسى مادبو.
بعد السلام عليكم ورحمة الله ومع كامل الاحترام والتقدير.
المشكلة اليوم هي مع مليشيا الدعم السريع وليست مع قبيلة أو مكون اجتماعي، والحرب قامت أساسا ضد الدولة الوطنية السودانية وضد مؤسسة القوات المسلحة وهي مؤسسة قومية بها كثير من أبناء عموم عرب دارفور الكرام، والحرب هدفها نسف المشروع الوطني السوداني والذي سيتبلور بالإصلاح والتطوير لما هو قائم أصلا رغم وجود عيوب ومشكلات تحتاج للحل، لكن ذلك كما تعلم لا يتم بالتدمير والتخريب بل بالتماسك والوحدة والحكمة، وهذا ما لم يتعلمه حميدتي فحربه ليست حربا نبيلة بل حرب خبيثة مدفوعة بالقوى الخارجية والمال والسلاح الإماراتي.
سيدي الناظر: إن المتمرد المجرم حميدتي وقوات الدعم السريع لا تخدم أي أجندة محلية، ولا تعبر في حقيقتها عن مصلحة لأي مكون أهلي بما في ذلك عموم القبائل العربية في دارفور، إن حميدتي والمليشيا هم خصوم مستقبل السودانيين جميعهم، وخصوم الدولة الوطنية، ولتعلم أنهم لم يجلبوا لكم الخراب وحدكم بل كادوا أن يجلبوه للشعب السوداني كله، وما فعلوه في السودان سيكتبه التاريخ ولن ينساه أحد، ويجب ألا ننسى أن هناك فصيلا سياسيا مخربا وعميلا ساهم بشكل مفصلي في هذه الحرب، وأقصد قوى الحرية والتغيير (قحت) تحديدا، فقد ساهمت هذه القوى بطريقة مباشرة في إشعال فتيل الحرب وتغذية المشكلات ودفع الأسباب لمداها الأقصى بدافع سلطوي مريض. الحرب إذن سياسية وعسكرية.
ويقال في المثل السوداني (الفشا غبينتا خرب مدينتا) ومدينتنا هي الدولة الوطنية السودانية التي ستجمع كل السودانيين على أسس السيادة الوطنية والتنمية والعدالة والوحدة، ولقد سمعت حديثكم وفيه اعتراف بهزيمة الدعم السريع وفيه مخاوف على القبائل من أي نية لانتقام قادم، ورأيتك تدعوهم لحماية أنفسهم لأنهم قد يتعرضون للهجوم بسبب ما جره عليهم حميدتي وقد شبهته كالمجمرم الذي يقتل بعيدا ويأتي جالبا معه الخراب للقبيلة والأهل.
ولو كان لي أن أنصح من هم في مقامكم واسمكم فإنني أقول:
هذه مخاوف مفهومة ولكن ما يجب التأكيد عليه هو أن الحرب القائمة ليست حربا أهلية وإن شملت بعدا قبليا وتعبئة عرقية في بعض جوانبها، إلا أن تعريفها الأساس هي حرب الدولة ضد اللادولة، ةحرب الوطني ضد غير الوطني، وحرب المشروع السوداني ضد المشروع الأجنبي، وحرب جيش الدولة الوطني الذي يسمى القوات المسلحة السودانية ضد مليشيا الدعم السريع الممولة تمويل أجنبي كامل وتحديدا من دويلة الشر التي لا تهمها مصلحة قبيلة الرزيقات ولا غيرها من القبائل السودانية.
عليه فإن مشكلة كل السودانيين هي ضد المليشيا وضد شكلها المؤسسي الذي يحمل السلاح ويقاتل الناس والجيش ويرتكب الانتهاكات. ولا مشكلة مع الأبرياء المواطنين من عموم القبائل العربية في دارفور أو كردفان. وعموم قبائل المجموعة العربية في دارفور وكردفان وهم جزء لا يتجزأ من نسيج سوداني تاريخي، وهم ينتمون للجغرافيا السودانية كغيرها من المجموعات وتجمعهم أواصر تاريخ، وشرايين وأوردة لا يسع المجال لذكرها
لذا سيدي الناظر أقول لك ثلاث نقاط:
أولا:
هذه ليست حرب أهلية وفق نماذج شهيرة للحرب الأهلية، فأهم عنصر في الحرب الأهلية غير متوفر هنا وهو أن يتفق الطرفان المتقاتلان على عداء الدولة من أجل إقامة كيانهم القبلي أو العنصري الخاص، وذلك حدث في الصومال مثلا وقبرص ولبنان، لكننا هنا لا نجد طرفين بل نجد جانب الدولة ضد اللادولة، وجانب الدولة هذا الذي نقف فيه مع القوات المسلحة السودانية والشعب السوداني والمستنفرين والقوى السياسية الوطنية وهو جانب يشمل كل السودانيين بمختلف قبائلهم ويشملكم بالضرورة، أما جانب اللادولة فتقف فيه المليشيا العنصرية وبعض القوى العميلة التي تتكسب سياسيا من الحرب وتسعى لبث أوهام تارة حول دولة ٥٦ تارة حول الجلابة وغيرها.
ثانيا:
لقد آن الأوان لإظهار المسافة بين المكونات السودانية جميعها وبين مليشيا الدعم السريع، خصوصا تلك المكونات التي تدعي المليشيا أنها تمثلها، نعم نحن نفهم الظرف المعقد لكم ولبعض الرموز الأهلية، وندرك الترهيب والضغط الذي تتعرض له، ونثمن هنا دور كثير من الرموز الذين تحدوا الشرط العنيف والإرهاب الذي يمارس ضدهم ليعلنوا موقفهم الوطني ويستنكروا الجرائم والسرقات والاعتداءات والاغتصابات التي قامت بها مليشيا الدعم السريع. ولكن سيدي آن الأوان للابتعاد عن مليشيا الدعم السريع في كل مكان وكل أرض وذلك من أجل استرداد اللحمة الوطنية السودانية وتحقيق السلام الحقيقي واستعادة الأبناء للديار حال غررت بهم دعاية المليشيا المتوهمة عن دولة ٥٦ وخطابها العنصري ضد بقية السودانيين.
ثالثا: لا يمكن خلق حل بدعوتك لقوة جديدة غير الدعم السريع تحمي المجموعات القبلية ضد الانتقام والتشفي، هذه المجموعات لا يجب أن يمس الأبرياء منهم أيا كان، والظرف الحالي يتطلب جرأة ومبادرة تجاه دعم بقاء الدولة وجيشها ضد مليشيا جلبت الخراب للجميع، نعم نحن ضد إفلات المجرم من العقاب لكننا نعلم أن المجرم لا قبيلة له. وحماية القبيلة تحتاج دمجها أكثر مع مصلحة المكونات الأهلية ودعم القوات المسلحة السودانية المؤسسة القومية وتعزيز بقاء الدولة السودانية.
ختاما:
السلام يحتاج منا جميعا معالجة دقيقة وفرز للأجندة المحلية عن الأجندة الخارجية، وذلك بطرح رؤية سياسية شاملة تحفظ الدولة وتبقيها وتعزز السيادة الوطنية، لذلك من الضروري على القيادة السياسية والعسكرية والرموز الأهلية وكافة أبناء الوطن رفع الصوت الوطني الذي ينظر للسودان في ترابطه العميق وهذا يحتاج منكم دورا كبيرا نحو الوطن في عمومه ونحو القوات المسلحة السودانية تحديدا.
هشام عثمان الشواني
الأمين السياسي لحركة المستقبل للإصلاح والتنمية.
٢٣ فبراير ٢٠٢٤م
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: القوات المسلحة السودانیة ملیشیا الدعم السریع الدولة الوطنی
إقرأ أيضاً:
الحركة الإسلامية السودانية… المأزق والغنيمة
منذ أن اندلعت الحرب في السودان منذ عامين ويزيد، أشارت الاتهامات إلى دور الحركة الإسلامية ممثلة في حزب المؤتمر الوطني ـ أحد أسماء عديدة استنسختها الحركة الإسلامية في السودان طوال تاريخها السياسي ـ بدورها في إشعال وتوجيه مسار الحرب الجارية منذ الخامس عشر من أبريل 2023. والمبررات التي تسوقها هذه الاتهامات ومن بينها تحليلات المراقبين، محاولتها العودة إلى السلطة، التي فقدتها بثورة ديسمبر 2019، بعد حكم استمر لثلاثة عقود. وهذه النتائج لا تخلو بطبيعة الحال من صحة، إذ أن الحرب الجارية يعود أطرافها إلى مكونات الحركة الإسلامية، كنتيجة منطقية لسياساتها في الجيش الذي تهمين عليه، وقوات الدعم السريع التي كونتها وقننَّت وجودها، والكتائب الشعبية التي تنتمي إليها تنظيما. وتعد الحركة الإسلامية السودانية الوحيدة بين حركات الإسلام السياسي، في العالمين العربي والإسلامي، التي تصل إلى السلطة وتستحوذ على مؤسساتها، وتفرض هيمنتها بحكم منفرد وسلطة خالصة، في أعتى إقصاء سياسي يمارسه تنظيم سياسي سوداني منذ الاستقلال.
والمشهد السياسي الذي أعقب ثورة ديسمبر، والمرحلة الانتقالية، جعلت من وجود الحركة الإسلامية أمرا لا يتقبله الشعور العام، ما اضطرها إلى العودة إلى أساليبها التي تتقنها في العمل التنظيمي السري، وتحويل المواقف لصالحها، وفقا لتنظيمها البراغماتي وآلياته الفاعلة في المشهد السياسي. وتعتبر الحركة السودانية دون نظيراتها ممن تستهدف السلطة والدولة كهدف أقصى في أولوياتها التنظيمية، ما أنتج خطابا أمنيا متشددا عن سائر المبادئ والشعارات التي عادة ما ترفعها جماعات الإسلام السياسي. وما يشير إلى دور الحركة الفاعل في الحرب الجارية، عودة وجوهها القيادية، وإعادة تعيين كوادرها البارزة في مناصب الدولة التي فقدتها، وتمكنت من العودة منذ انقلاب الجنرال البرهان في أكتوبر 2021 الذي شاركت فيه حينها قوات الدعم السريع.
باتت وحدة السودان مهددة، وبدأ بالفعل ما يسمى بالحكومة الموازية في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، ما يعني واقعا جديدا لن تكون فيه الحركة الإسلامية اللاعب الوحيد بين لاعبين جدد يدعي كل منهم شرعية لا تحققها إلا قوة السلاح
وعندما حانت الفرصة نظريا وتطبيقا على الواقع في اختبار شعار «الإسلام دين ودولة» و»الإسلام هو الحل» وغيرها من شعارات رددتها الجماعات الإسلامية كبرامج للتحشيد، أكثر منها رؤى، أو خططا، في الدول التي وصلت فيها إلى الحكم باستثناء تونس في ائتلاف النهضة ومصر مرسي. ويكون السودان البلد الوحيد الذي طبقت فيه نموذجها، فبعد ثلاثة عقود على سدة الحكم، لم يلفح طرحها الفكري في الخروج من تقاليد الدولة التقليدية، أو فرض رؤيتها، إذ اصطدمت بالواقع بعيدا عن الشعار أو النظرية، ولكنها تخلت عن أصولها النظرية، لواقع لا تستطيع إنتاج بديل له. وهو الواقع الذي ظل دائماً مثار جدل حول علاقة الدولة بالديمقراطية والمرأة والأقليات وحقوق الإنسان، التي حاولت الأطروحات الإسلامية السياسية إيجاد صيغة توافقية، بإضفاء صفة إسلامية تطويعا لاصطلاحات في مدار الفقه الإسلامي، وإن لم تفلح في تعريفها لموقع في الدولة الحديثة، كممارسة الشورى بديلاً عن الديمقراطية والتعددية، ومصدر السلطات وغيرها مما ظل في حدود النصوص والشعارات دون التطبيق الناجز. وتقود الحركة الإسلامية حرباً فجرت معها ما يتجاوز طموح العودة إلى السلطة، التي بات موطنها بفعل الحرب في غياهب المجهول، والاستراتيجية التي تتبعها في مواصلة الحرب، إلى سحق الطرف الآخر بدعاوى مختلفة يخرجها من دائرة منطلقاتها الإسلامية، ذلك بأن نتائج الحرب لم تقتصر على الجانب العسكري، في ما أوقعته من شروخ اجتماعية وعنصرية بليغة الأثر. وبذلك تكون الحركة الإسلامية قد تبنت خطابا مصدره الحرب وويلاتها، لا القيم المؤسسة لتوجهات برامجها المعلنة على الأقل. فمن خلال هذه الفوضى غير الخلاقة تواجه الحركة تحديا إقليميا ودوليا في العودة الطبيعية، وإن استطاعت بحكم الواقع تعزيز قبضتها على السلطة والدولة والحرب، وطرحها لن يرحب به في الداخل والخارج، بما تواجهه من سياسات إقليمية مناوئة لمشروعها، وتورط قادتها الملاحقين قانونيا، وما فرضته الإدارة الأمريكية مؤخرا من عقوبات شملت شخصياتها النافذة، بما فيها أمينها العام علي كرتي في أعقاب الحرب 2023. وما تعتمد عليها موافقة على الواقع السياسي المستجد تجربتها الممتدة وأذرعها الاقتصادية والعسكرية، وكل ذلك لم يعد التحكم به ممكنا أيضا في ظل واقع الحرب وما بعدها، أي بما يعني المستقبل السياسي لتنظيم اعتمد الدولة كأداة وحيدة في تنفيذ برنامجه.
ثم لماذا كان خيار الحرب وبالطريقة التي تتم بها، وأيا تكن الغاية من ورائها، يكون ضمن أجندة منظومة سياسية لاستعادة سلطة فقدتها؟ والإجابة تنبثق من تاريخ الحركة نفسه، الذي اعتمد الخيار العسكري طوال سني حكمها، بكل ما صاحبه من سياسات أمنية فظة منتهكة حقوق الإنسان على المستويات كافة. ولأنه لم يكن من خيار آخر مدني يسمح لها بالعودة عبر الطرق المدنية المعهودة في الديمقراطيات، خاصة أن جسمها السياسي (المؤتمر الوطني) حظر من المشاركة السياسية في الفترة الانتقالية السابقة، باعتبارها حزبا محلولا. ومن المفارقات أن الأسباب ذاتها هي ما بررت به انقلابها الأول على الديمقراطية الثالثة بقيادة البشير في انقلابها 1989 الذي امتد طوال هذه السنوات.
انطلاقا من تجربة حكمها المطلق وما استحوذت عليه من إمكانيات هائلة بتسخير مقدرات الدولة لصالح حزبها وجماعاتها، تجاهلت الحركة الإسلامية كل عوامل الانهيار التي تأتي على النظم الديكتاتورية، والتآكل جراء الفساد السياسي والاقتصادي، ونظام كانت شرايينه قد تصلبت، وبالتالي نجحت الهبة الشعبية في اقتلاعه سنة 2019، وذلك التجاهل الذي تجاوز حقائق الواقع أدى الى سقوط نظامها. ولكن فقدان السلطة لم يكن من السهل أن تتقبله جماعة ظلت ممسكة بمفاصل الدولة وامتيازاتها حصريا، على منظومة وحيدة ومن يمكن فهم دور الجماعة في موقفها من مسار الحرب وتأييدها المطلق لاستمرارها، أيا تكن فداحة النتائج المترتبة عليها. وبهذا تجد الحركة الإسلامية نفسها في مأزق سياسي وعسكري وتورط أخلاقي في حرب خرجت عما ألفته من صراعات سابقة، حيث باتت وحدة السودان مهددة، بل بدأت بالفعل ما يسمى بالحكومة الموازية في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، ما يعني واقعا جديدا لن تكون فيه اللاعب الوحيد بين لاعبين جدد يدعي كل منهما شرعية لا تحققها إلا قوة السلاح.
فما كسبت الحركة الإسلامية من الحرب الجارية بناء على تصوراتها السياسية من عودتها لغنيمة السلطة، لا يقاس بما أحدثته من مخاطر أصابت البنية السياسية السودانية وفداحة الأزمة الإنسانية. وهذا الاتجاه كشف عن معاندة دائما ما تبديها النظم السلطوية إلى حين انهيارها، ومن ثم تكون فداحة النتائج أزمة وطنية ومسؤولية تاريخية ثقيلة، يصعب التخلص من آثارها الأخلاقية والسياسية على المدى الطويل. وإذا كان حزب المؤتمر الوطني يحاول إيجاد توافق حرج بين موقفه الداعم لاستمرار الحرب، وما يستعيده من سلطة متخفية من وراء حكومة الأمر الواقع، فسيجد نفسه في مأزق أكثر حرجا مهما قدم من تنازلات لصالح سياسات المنطقة وتحالفاتها بما فيها الإدارة الأمريكية الجديدة. وبما أنها تعتبر أقوى تنظيم سياسي بموارده المالية والتنظيمية الهائلة، لم تستفد الحركة الإسلامية من تحويلها لصالح مشروع سياسي، بعيدا عن أفق التنظيم الضيق ومحدودية التصورات الحزبية، التي تغلب عليها أهداف تكتيكية طارئة، خاصة أن المشاركة السياسية الواسعة والاجماع الوطني لا يمكن تحقيقه في ظل الأوضاع القائمة، ما يسمح لها بانفراد والتحكم في أروقة دولة استعادتها.
كاتب سوداني
عن القدس العربي اللندنية# السبت 26/أبريل 2025م
nassyid@gmail.com