عربي21:
2025-01-24@05:31:14 GMT

صفقة رأس الحكمة الإماراتية.. الحقيقة والوهم

تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT

أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يوم الجمعة الماضي عن توقيع ما وصفها بأكبر صفقة استثمارية في تاريخ مصر بقيمة 35 مليار دولار مع الإمارات، لتأسيس مدينة كبرى (رأس الحكمة) على الساحل الشمالي الغربي لمصر، مؤكدا أن الصفقة لم تقتصر على مبلغ الـ35 مليار دولار، بل ستتجاوزه إلى حصول مصر على 35 في المئة من عائدات المشروع بشكل دائم، وكذا الوعد الإماراتي بجلب 150 مليار دولار أخرى خلال فترة إنشاء المشروع.



وفقا للكلام المعلن فإن قيمة الصفقة كبيرة فعلا، لكنها ليست الأكبر على الإطلاق، فالجميع يعلم أن الدول الخليجية قدمت لمصر بعد انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 أكثر من هذا الرقم. ونحيلكم هنا إلى التسريبات التي نشرتها قنوات المعارضة في العام 2014 من مكتب السيسي والتي تضمنت محادثات بينه وبين مدير مكتبه في ذلك الوقت اللواء عباس كامل (رئيس المخابرات العامة الحالي)؛ الذي ذكر في أحد التسريبات أن إجمالي ما وصل إلى مصر 30 مليار دولار من السعودية والإمارات والكويت وغيرها، بخلاف مساعدات بترولية أخرى، ومع إضافة 12.5 مليار دولار قدمتها الدول الخليجية مجددا في المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ (شباط/ فبراير 2015) يصبح الرقم 42.5 مليار دولار، بينما ترفعها تقديرات أخرى فوق الـ60 مليار دولار.

لنتخلّ عن شكوكنا تجاه السلطة مؤقتا ولنصدق صفقة الـ35 مليار دولار الجديدة، ولنفرح مع من فرحوا، فنحن جزء من شعب مصر؛ يطربنا ما يطربه ويشقينا ما يشقيه، ونتمنى بالفعل أن يشعر هذا الشعب بفوائد هذه الصفقة تراجعا في أسعار السلع والخدمات والدولار والديون.. الخ، ولكن من أجل مصلحة الشعب ووعيه وعدم تركه ليغرق في الأحلام؛ فإننا بحاجة لأن نفهم طبيعة الصفقة وتفاصيلها
هل ينبغي علينا تصديق ما أعلنته الحكومة عن هذه الصفقة؟ الحقيقة أن عقدا من الكذب والتدليس جعل مصداقية السلطة في الحضيض، فبالإضافة إلى ما حصلت عليه مصر من سيولة دولارية ضخمة عقب الانقلاب فإن الحكومة أعلنت في مؤتمرها الاقتصادي في شباط/ فبراير 2015 أن حصيلة ذلك المؤتمر تجاوزت 175 مليار دولار، وفقا لما أعلنه وزير الاستثمار أشرف سالمان (آذار/ مارس 2015)؛ منها 15 مليار دولار اتفاقيات استثمار تم التوقيع عليها بشكل نهائي خلال المؤتمر، و18 مليار دولار اتفاقيات بناء وتوريد وتمويل، و5.2 مليار دولار قروضا ومنحا من مؤسسات التمويل الدولية، و92 مليار دولار مذكرات تفاهم لمشروعات جديدة وتوسعات في مشروعات قائمة، بالإضافة إلى مذكرة التفاهم الخاصة بمشروع إنشاء عاصمة إدارية جديدة لمصر باستثمارات 45 مليار دولار.

هذه أرقام (لو صدقناها) كانت كفيلة بتحويل مصر إلى جنة غنّاء، ولعلك لاحظت عزيزي القارئ في نهاية تصريح وزير الاستثمار في حينه رقم 45 مليار دولار استثمارات العاصمة الإدارية الجديدة، وهي الاستثمارات التي وعدت بها في حينه شركة إماراتية أيضا هي شركة إعمار، لكنها لم تف بما وعدت وانسحبت لاحقا من المشروع الذي يعاني حاليا مشاكل كبيرة في استكمال خططه وإنشاءاته.

لنتخلّ عن شكوكنا تجاه السلطة مؤقتا ولنصدق صفقة الـ35 مليار دولار الجديدة، ولنفرح مع من فرحوا، فنحن جزء من شعب مصر؛ يطربنا ما يطربه ويشقينا ما يشقيه، ونتمنى بالفعل أن يشعر هذا الشعب بفوائد هذه الصفقة تراجعا في أسعار السلع والخدمات والدولار والديون.. الخ، ولكن من أجل مصلحة الشعب ووعيه وعدم تركه ليغرق في الأحلام؛ فإننا بحاجة لأن نفهم طبيعة الصفقة وتفاصيلها، فليس كل ما يلمع ذهبا، وليس كل ما يقال حقيقة، وليست كل الوعود قابلة للتحقيق.

الرقم المعلن (35 مليار دولار) في مجمله، منه 24 مليارا فقط هي التي السيولة الدولارية الجديدة التي ستدخل إلى مصر، و11 مليار ديونا إماراتية مستحقة على مصر (وديعة سابقة في البنك المركزي)، أي أنها ستُسحب من البنك المركزي المصري بالعملة المحلية كما أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ومبلغ الـ24 مليار سيدخل إلى مصر خلال شهرين، ومن المفترض أنه ينعكس بشكل إيجابي على سوق الصرف، وكذا على سوق السلع والخدمات التي ارتفعت أسعارها بطريقة جنونية، وهذا هو المعيار الأهم لقيمة الصفقة في نظر الشعب.

ما تم الإعلان عنه ليس مجرد صفقة استثمارية تقليدية بل هو صفقة سياسية لتعويم النظام قبل تعويم الجنيه خلال أيام، ولأنها استثمار سياسي (الشركة القابضة الإماراتية تتبع حكومة أبو ظبي بل تتبع حاكمها الشيخ محمد بن زايد مباشرة) فإنها -أي الصفقة- لا تزال غامضة في بعض أجزائها، والحد الأدنى لفك هذا الغموض هو عرضها على البرلمان (رغم هزالة وضعه) لإقرارها.

فنحن لا نعرف كل التفاصيل، والأهم أننا لا نعرف المقابل السياسي المصري لهذه الصفقة السياسية الإماراتية، ونستحضر هنا تباين الموقفين المصري والإماراتي من بعض القضايا التي تمس الأمن القومي المصري في السودان والصومال وإثيوبيا، والممر التجاري الجديد من الهند إلى أوروبا والذي يؤثر سلبا على قناة السويس، أو حتى في ملف اللاجئين المتوقعين من غزة، وهل سيقدم نظام السيسي تنازلات للإمارات في هذه الملفات أو بعضها؟

من أكثر الأمور الفنية غموضا في الصفقة طبيعة المقابل للـ35 مليار دولار، أو حتى الـ24 مليار، هل هي ثمن أرض تم بيعها للشركة الإماراتية، أم هي حق انتفاع، وما مدته؟ أم هي ضمن تسوية لقيمة مساهمة مصر في المشروع بثلث رأس المال، وهو ما يتبعه حسب الاتفاق حصول مصر على ثلث الأرباح بشكل دائم لاحقا؟

ومن النقاط المثيرة للاهتمام أيضا أين ستصرف مصر السيولة الدولارية الجديدة (24 مليار دولار)؟ وللإجابة نحتاج إلى معرفة أولويات السلطة للإنفاق في هذه المرحلة، فهي مطالبة بسداد أقساط ديون مستحقة بمبلغ 32 مليار دولار خلال هذا العام، وهناك كميات ضخمة من البضائع محجوزة في الموانئ للمستوردين تحتاج مليارات الدولارات من المستحقات قبل الإفراج عنها، وهناك الترتيب لتعويم الجنيه خلال أيام وفاء للالتزام مع صندوق النقد، ليس من الحكمة التضخيم من قيمة الصفقة الجديدة، وبيع الوهم مجددا للمصريين كما حدث مرات كثيرة من قبل، وليس من الحكمة أيضا إنكار دورها في تخفيف بعض الضغوط الاقتصادية الحالية جزئيا، خاصة إذا أضفنا لها وعد صندوق النقد، ووعد الاتحاد الأوروبي، وعلى العموم فإن الاختبار العملي الواضح للجميع هو سوق الصرفوهو ما يحتاج إلى توفير سيولة دولارية لضخها في الأسواق في الفترة الأولى للتعويم لتثبيت القيمة المطلوبة للجنيه مقابل الدولار، وهناك عجوزات كبيرة في الميزانية، وهناك نقص سيولة دولارية في البنوك، وهناك مشاريع كبرى متوقفة بسبب نقص السيولة، وهناك مطالب شعبية بحزمة حماية جديدة خصوصا مع دخول شهر رمضان.

إنقاذ النظام كان هو العنوان الرئيسي لهذه الصفقة، كما هو العنوان لتغير سياسة صندوق النقد من التشدد تجاه الحكومة المصرية إلى التيسير وتقديم ما لم تطلبه من قروض جديدة، حيث وعد برفع قيمة القرض الحالي من 3 مليارات دولار إلى حوالي عشرة مليارات، كما وعد الاتحاد الأوروبي بتقديم عشرة مليارات أخرى. كلمة السر في هذا التغير هي الموقف المصري الحالي أو المستهدف تجاه الحرب في غزة، واحتمالات حدوث عمليات تهجير فلسطينية واسعة إلى مصر رغم النفي المصري الرسمي لقبول ذلك.

ليس من الحكمة التضخيم من قيمة الصفقة الجديدة، وبيع الوهم مجددا للمصريين كما حدث مرات كثيرة من قبل، وليس من الحكمة أيضا إنكار دورها في تخفيف بعض الضغوط الاقتصادية الحالية جزئيا، خاصة إذا أضفنا لها وعد صندوق النقد، ووعد الاتحاد الأوروبي، وعلى العموم فإن الاختبار العملي الواضح للجميع هو سوق الصرف، وما سيحدث فيه خلال الأيام المقبلة.

نحن أمام علاج مسكن للألم وليس منهيا له، فمثل هذا الاستثمار السياسي لا يستهدف تقوية مصر، ولكنه يستهدف فقط إبقاءها على قيد الحياة، في حالة مرضية مزمنة لا تمثل خطرا على السادة الجدد في المنطقة.

twitter.com/kotbelaraby

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصري الإمارات التمويل استثمارات مصر الإمارات استثمارات تمويل صفقات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قیمة الصفقة ملیار دولار صندوق النقد هذه الصفقة من الحکمة إلى مصر

إقرأ أيضاً:

بن سلمان يرد على طلب ترامب 500 مليار لزيارة السعودية

أكد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان خلال اتصال بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رغبة المملكة في توسيع استثماراتها وعلاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة في الأربع سنوات المقبلة بمبلغ 600 مليار دولار مرشحة للارتفاع حال أتيحت فرص إضافية.

وأجرى بن سلمان، مساء الأربعاء، اتصالا هاتفيا بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مؤكدا رغبة المملكة بتوسيع استثماراتها وعلاقاتها التجارية مع واشنطن.

وأفادت وكالة الأنباء السعودية "واس" بأن الأمير محمد بن سلمان نقل خلال الاتصال تهنئة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وتهنئته، للرئيس ترامب على أدائه اليمين الدستورية وتوليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، و"تمنياتهما للشعب الأمريكي الصديق التقدم والازدهار بقيادة فخامته".



وجرى خلال الاتصال بحث سبل التعاون بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية لإحلال السلام والأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب تعزيز التعاون الثنائي لمحاربة الإرهاب، وفق "واس".

كما تناول الاتصال بحث تعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، حيث أشار ولي العهد السعودي إلى قدرة إدارة ترامب بإصلاحاتها المتوقعة في الولايات المتحدة على "خلق ازدهار اقتصادي غير مسبوق تسعى المملكة للاستفادة من فرصها المتاحة للشراكة والاستثمار".

من جهته، عبر الرئيس الأمريكي عن شكره وتقديره للعاهل السعودي وولي عهده على تهنئتهما، مؤكدا حرصه على العمل مع قيادة المملكة العربية السعودية على كل ما من شأنه خدمة مصالحهما المشتركة.



والاثنين، علق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن أول جهة محتملة في زياراته الخارجية عقب توليه مهام منصبه رئيسا للولايات المتحدة، مشيرا إلى أنه قد يزور المملكة العربية السعودية في حال إبرام صفقة جديدة بقيمة 500 مليار دولار.

وقال ترامب ردا على سؤال حول وجهته الخارجية الأولى: "تقليديا كانت الزيارة الخارجية الأولى لبريطانيا ولكني قمت بها إلى المملكة العربية السعودية في ولايتي الأولى لأنهم وافقوا على شراء منتجات أمريكية بقيمة 450 مليار دولار".

وأضاف خلال حديثه مع الصحفيين في المكتب البيضاوي  أثناء توقيعه على العديد من الأوامر التنفيذية في يوم تنصيبه، الاثنين، أنه قد يذهب مرة أخرى إلى السعودية إذا وعدوه بـ 500 مليار دولار هذه المرة، مع الأخذ في الاعتبار التضخم.

وفي أيار/ مايو عام 2017، توجه ترامب إلى السعودية في أول زيارة خارجية له بعد تولي مهام رئيس الولايات المتحدة خلفا لباراك أوباما، وقد تفاخر لاحقا بإنجازه "اتفاقيات بمئات مليارات الدولارات" مع الرياض خلال الزيارة.

مقالات مشابهة

  • أحمد السيد : فشل صفقة موديست سبب دقة إدارة الأهلي في الاختيارات الجديدة
  • بتكلفة مليار جنيه.. دخول مستشفى بولاق الدكرور الجديدة الخدمة خلال شهرين
  • الخطيب: 46.1 مليار دولار حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر خلال 2024
  • وصول صفقة الأهلي الجديدة خلال ساعات وإعلامي يكشف المصير موعد رحيل كولر | عاجل
  • السد القطري يضم البرازيلي كلودينهو في صفقة ضخمة
  • الإمارات تستقطب 30 مليار دولار استثمارات في العملات المشفرة خلال عامين
  • ابن سلمان يرد على طلب ترامب 500 مليار لزيارة السعودية
  • بن سلمان يرد على طلب ترامب 500 مليار لزيارة السعودية
  • فينكس غروب لتعدين العملات المشفرة تبرم صفقة طاقة في أفريقيا
  • 14.4 مليار دولار إصدارات الصكوك في الإمارات خلال 2024