سودانايل:
2024-12-19@05:46:24 GMT

هَـل نسـيَ العـالم ثورة الـسّــودانييـن ؟

تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT

جمال محمد ابراهيم
(1)
حين ثار الشعب السوداني على الحكومة العسكرية لتي حكمت السودان لست سنواتمن 1058 وإلى 1964 ونجح في إسقاطها ، شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن قبل أن يشهد العالم أجمع ، أوّل هبة شعبية تسقط حكماً شمولياً جاء عبر انقلاب عسكري. كانت المشاهد في تلك المنطقة حافلة بأنظمة شمولية قابضة جاء أكثرها عبر انقلابات عسكرية ، أو أنظمة أخرى عليها ملوك وأمراء وشيوخ، لا تقلّ شمولية عن تلك التي جاءت عبر الانقلابات العسكرية.

ولأن وسائل التواصل والاتصالات لم تكن حاضرة بذات الوتيرة التي هعليها الحال الآن، فلم تلق أحداث ووقائع هبة السودانيين الضوء الإعلامي الازم الذي يلفت إليها أنظار العالم. لم يلفت أنظار السودانيين الثائرين غير صوت واحد حمل رد فعل لم يكن إيجابيا بالكامل ، وهو صوت الإعلام المصري . لربما القرب الجغرافي والعلاقات الراسخة بين البلدين هي التي فسرت اهتمام مصر والتي كان يقود نظامها الشمولي زعيم عظيم الشأن هو جمال عبدالناصر. ولأن الإعلام عموما لم تكن لها السطوة المؤثرة، فقد اعتمد نظام عبدالناصر الصحيفة الرسمية ورئيس تحريرها الأستاذ الراحل محمد حسنين هيكل لتكون هي صوت النظام الحتالكم ، وتكون كلمة الافتتاح التي يكتبها هيكل بمثابة الموقف الرسمي لمصر.

(2)
حين حملت افتتاحية صحيفة الأهرام كلمة هيكل الافتتاحية بعد نجاح الثورة السودانية في إسقاط النظام العسكري الشمولي ، عنوانا يقول: "ماذا بعد في السودان؟" ، فهم الشارع السوداني أن المقال عكس رد فعل سلبي على ثورة السودانيين وكأن شعب السودان انقلب على حكومة تتعاطف معها القاهرة ، فخرجوا على الفور في تظاهرات كبيرة وحاصرت السفارة المصرية في الخرطوم ، وحصبوا مبانيهابالحجارة وأسمعوها هتافات مناوئة لمصر ولقيادتها.
في الحقيقة أن ثورة أكتوبر 1964م هي المرة الأولى التي نجح فيها حراك شعبي في إسقاط حكومة عسكرية في منطقةٍ محتشدة بحكومات شمولية جاءت عبر انقلابات عسكريةً. إنها موسم "الربيع العربي" الأول الذي لم يتكرر إلا بعد قرابة نصف قرنٍ من ثورة السودانيين.
تلك الظاهرة تعكس أمرا واضحاً خلاصته أن الأنظمة الشمولية التي لا تعير الديمقراطية أو احترام إ{ادة الشعوب نظرا يذكر، هي التي سادت خلال تلكم السنوات ، وأنّ ثورة السودانيين كانت تسير في الاتجاه المعاكس تماما.
أما في انتفاضة السودانيين في ديسمبر من عام 2018م ، فهل بدت في عيون ذات ذلك الإقليم ، سائرة في ذات الاتجاه المعاكس الذي سارت عليه ثورة أكتوبر عام 1964م. .؟

(3)
الإجابة على هذا السؤال فيما يرى – وبلا تردد- هي نعـم. .
تنظر حولك في وسط وجوانب وأطراف ما يسمى بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، سترى إدمان معظمها على التعاطي والتماهي مع أنظمة شمولية أو شبه شمولية لا تنظر كثير نظر جاد إلى أقدار شعوبها إلا بعض أفعالٍ تبدو كذرٍ للرماد في عيون تلك الشعوب ،أو بعضها سراب يحسبه الظمئآن ماء . ضعف تلك الجدية في تهيئة شراكة لتلك الشعوب في تســـيير شئون بلدانها، شكلت مغريات للطامعيـن في التحكّـم في أقــدار المنطقة وامتـلاك مقــدراتـها وقدراتها، بما يتجاوز السيطرة السياسية والاقتصادية ليصل إلى المقـدرات الفكـرية والثقافية لتلك الشعوب، فيكون القهر والانشعال بالصراعات والحروبات مدخـلاً شـــرعياً للتحكّم عن بعـد في أقـــدار ومصائر شعوب تتنفس وترى وتسمع، لكنها مغلوبة على أمورها. ذلك ما ترصده العين الفاحصة لتطور أوضاع ذلك الإقليم في العقود الأخيرة من القرن العشرين وفي خلال العقدين الأخيرين من الألفية الثالثة.

(4)
وإني أعود ثانية للثورة التي أسقطت نظام الإسلامويين في السودان ، هذا البلد الثري بالثروات الزراعية والواعـد لملء أفواه شعوب القارة والإقليم بالغذاء، والغني بالموارد النفطية والمعدنية في باطن أرضه بما يكفي الإقليم ويزيد، فإلى انتهى بها الأمر. للمرة الثانية تجد ثورة السودانيين التي أذهلت العالم أجمع، ما يشبه الإهمال من عناصرها الداخلية قبل الخارجية ، فجاء الطامعون لسرقة ثروات البلاد وتداعوا تداعي الأكلة على قصعات الموائد الشهية، أو تناهش الصقور على صغار الطير .
تكرّر لثورة السودانيين في عام 2018م، ما وقع لثورتهم الأولى عام 1964مو قبل أكثر من ستين عاماً . من الطبيعي أن لا تتماهى أنظمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، جلّها ينظر شذراً لمتطلبات الشعوب من حقها في إدارة شئونها وأحوالها، فبقي السودان مثلاً لطريد سار في اتجاهٍ معاكس لن يظفر فيه بتعاطف يذكر. لم يقف الأمر عند حدود الإهمال والتجاهل ، بل كثرت أصابع الطامعين من أقرب الأقربين ومن أبعدهم. تجاسر بعضهم يزيد أوار الخلافات ليس بالتشجيع والتحريض بل بتزويد أطراف الصراعات الناشــبة في السودان بالأســـلحة والذخائر والمُسيّرات . قال أطـراف تلـك الحرب عنها- ويا للعجب- أنها عبثـية . كــلا . إنـها حــربُ أغبياءٍ يتبارون في تدمير مقوّمات بلادهم ، سكانا وموارد وثروات ، ويفتحون صفحة دامية لممارسات إبادة جماعية عنصرية وإثنـيـة ، تقـتل وتذبـح على الهــوية واللـون واللســان. أكثر من نصف السـكان هم نازحون بلا موارد ، داخل البــلاد أو خارجـها، أوهـم لاجـئــون يكاد يلفـظهـم من ضيقٍ اللآئذون بهم في بعض بلدان الجوار.

(5)
الذي جرى ويجري في واحــدٍ من أكبر وأغنى بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وصحرائها هو السودان ، لا تقلّ كارثيته عمّا وقع شـبيهاً له في مناطق أخرى من أنحــاء العـالم ، سواءاً في أوكرانيا أو في قطاع غزة وهو جزء من دولة فلسطين المحتلة. إذ المتوقع أن بلتفـت المجتمع الـدولي للمآســي والكوارث ، وبذات القدر من الاســـتجابة لوقــف تصـعـيد الحروبات وضحاياها من قتلى ومن جرحى ، ومن إهلاك للزرع والضرع ولإفـناء للموارد
وللثروات .
ليس ثمة مفاضلة بين شعب و شعب ولا بين قتل وقتل ، ولا بين إهلاك وإهـلاك، إنما للبشرية ضمير واحـد لا يستيقظ هنا أو ينام هناك، ومـا نطــق الفرنســيون إلّا عــن حـق فـي توصيفهم لحرب السودان أنها الحرب المنسية، وليس في ذلك ما قد يغضب السودانيين ولا فيه ما يدين طرفاً من الإطراف، بل هو تذكير للإلتفات لكارثة إنسـانية على المجتمع الـدولي أن ينبري لمعالجتها بما في مواثيقه وتعهـداته ما يعزّز صحوة الضمير الإنساني لإيقـاف نزيف الدّم في كلّ مكان : في أوكرانيا وفي غـزّة أوفي الســودان ، بل في أيّ مكان تنتهـك فيه حقـوق البشر، أطفالاً ونساءاً ورجالا ، وتهدر استحقاقاتهم في الحياة. .

22/2/2024

jamalim@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الشرق الأوسط وشمال أفریقیا

إقرأ أيضاً:

أردوغان يكشف عن الدولة الوحيدة في العالم التي هزمت داعش على الأرض

 

أكد الرئيس رجب طيب أردوغان أن تركيا هي الدولة الوحيدة والحليف الوحيد في الناتو الذي هزم تنظيمي "بي كي كي" و"داعش" الإرهابيين على الأرض.

جاء ذلك في مؤتمر صحفي مشترك، الثلاثاء، مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في المجمع الرئاسي التركي بالعاصمة أنقرة.

وتطرق أردوغان إلى الملف السوري قائلا: "نتفق مع رئيسة المفوضية الأوروبية على ضرورة إنشاء إدارة تشاركية في سوريا وخاصة للحفاظ على وحدة أراضيها".

وأضاف: "نظام البعث الذي انهار بعد 61 عاما من القمع والظلم ترك خلفه حطاماً هائلاً، قُتل في سوريا قرابة مليون شخص، ونزح نصف سكانها، وهي منهكة من الصراعات المستمرة منذ 13 عاماً".

وأكد أردوغان أن الشعب السوري لا يمكنه أن يتحمل وحده هذا العبء الثقيل، وأن على سوريا أن تنهض بسرعة بدعم قوي من جيرانها والدول الصديقة والشقيقة والاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية.

وشدد الرئيس التركي على وجوب منع تحول الأراضي السورية إلى ملاذ للتنظيمات الإرهابية.

وأشار إلى أنه من المهم جداً أن يكون الدعم الأوروبي شاملاً ومستدامًا على المدى المتوسط ​​والطويل، بما في ذلك الاستثمارات في البنية التحتية الأساسية في سوريا.

ولفت إلى أن تركيا لن تسمح بأي شكل من الأشكال أن يستعيد تنظيمي "بي كي كي" و"داعش" أنشطتهما في الأراضي السورية.

وعن علاقات بلاده مع الاتحاد الأوروبي قال: "لا ينبغي لمصالحنا المشتركة أن تكون رهينة خطط عقيمة لبعض أعضاء الاتحاد".

وأعرب عن أمله في أن يتم اتخاذ قرارات في قمة الاتحاد الأوروبي المقبلة بشأن تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي وتسريع عمليات منح تأشيرة الدخول للمواطنين الأتراك إلى أن يتم تحقيق الإعفاء الكامل.

وأضاف: "هناك حاجة إلى علاقة مؤسساتية أقوى بين تركيا والاتحاد الأوروبي أكثر من أي وقت مضى ونحن كدولة مرشحة لدينا هذه الإرادة".

وتابع: "تظل عضوية الاتحاد الأوروبي هدفاً استراتيجياً لتركيا، ومن الواضح أن عضويتنا سوف تقدم مساهمات كبيرة للاتحاد وكذلك لبلدنا".

وأشار أردوغان إلى إمكانية تعزيز التعاون بين تركيا والاتحاد الأوروبي على أساس صيغة مُربحة للجانبين والاحترام المتبادل.

وأردف: "آمل أن نرفع علاقاتنا إلى المستوى الذي ينبغي أن تكون عليه من خلال عقد قمة بين تركيا والاتحاد الأوروبي في أقرب وقت ممكن".

كما تطرق أردوغان إلى الإبادة التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين بقطاع غزة، مؤكدا أنه شدد خلال لقائه فون دير لاين على وجوب إنهاء المجازر الإسرائيلية.

وتابع: "جميع الفلسطينيين الذين قتلوا في الهجمات الإسرائيلية، والبالغ عددهم 50 ألفًا تقريبًا، هم من الأطفال والنساء والمسنين. وخلال لقائنا مع فون دير لاين، لفتّ الانتباه إلى أهمية إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة وضمان وقف دائم لإطلاق النار".

وشدد الرئيس أردوغان بهذا الخصوص على ضرورة ممارسة الأوروبيين ضغوطاً على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو

 

مقالات مشابهة

  • البنوك لم يستجب معظمها لمنشور بنك السودان الذي وجه بتسهيل فتح الحسابات المصرفية
  • أردوغان يكشف عن الدولة الوحيدة في العالم التي هزمت داعش على الأرض
  • الحياة في طي النسيان : كفاح النازحين واللاجئين السودانيين
  • ورحل الذي انصاع له الأمريكان ببورتسودان
  • 28 ديسمبر بدء امتحانات الطلاب الوافدين السودانيين في أسوان
  • لا بديل للسُودانيين غير الحوار وليس لدينا ترف الانعزال
  • بنك السودان المركزي يحدد فئات العملة القديمة التي ما تزال سارية
  • صاحب تدوينة شهيرة بعد فوز صقور الجديان على منتخب الجنوب ورحل بعد أشهر قليلة من زواجه وهذه هي تفاصيل وفاته المفاجئة”…” من هو “دينق قوج” الذي بكى على موته أهل السودان قبل الجنوب
  • مقتل الفلسطيني خالد نبهان.. الجد الذي أبكى العالم أثناء وداع حفيدته "روح الروح"
  • إحصائية جديدة من “أوتشا” حول عدد النازحين واللاجئين السودانيين