السودان :الأجور حرب أخرى ضد العاملين بالدولة
تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT
بنسبة 60 بالمئة تحاول وزارة المالية والتخطيط الإقتصادي أن تفي برواتب العاملين بالدولة الذين يخوضون حرباً شرسة مع الأوضاع المعيشية وانفجار معدلات التضخم في ظل الحرب والصراع المستمر خلال عشرة أشهر بالسودان.
وتحاول المالية تغطية الرواتب وسط عجز كبير في الإيرادات وتوقف شبه كامل لحركة الإنتاج.
شكاوى وتذمر في أوساط العاملين بسبب تفاوت الإلتزام بالأجور من قبل وزارة المالية، فهنالك وحدات حكومية يتم الإيفاء بمرتباتها بصورة شهرية بينما هنالك وحدات استلمت مرتب شهر يونيو الماضي خلال الأيام القليلة الماضية.
وكشفت مصادر مطلعة عن أن الوزارات السيادية والوحدات الحكومية الإتحادية استلمت مرتباتها حتى شهر يناير الماضي.
وقالت المصادر لـ(المحقق) هنالك شرائح من العاملين بالخدمة المدنية لديها أكثر من خمسة أشهر متأخرات وأن آخر مرتب تم استلامه هو عن شهر يونيو الماضي.
وأوضحت المعلمة بالمرحلة الثانوية، سامية علي أن المعلمين هم أولى الشرائح التي لم يتم الالتزام بمرتباتها، لافتة إلى وجود خمسة أشهر لم توف الدولة بمرتبات العاملين.
وأشارت إلى أن أجور المعلمين أصبحت هي المرتب الأساسي فقط مع سحب البدلات التي كانت ترفع من قيمة المرتب لمجابهة الأوضاع المعيشية.
وأكدت في حديثها مع (المحقق) على أن معظم المعلمين أصبحوا يعانون من أوضاع مأسوية في ظل الغلاء الفاحش المستشري في أنحاء البلاد على خلفية الأوضاع الراهنة.
وأبدت سامية استغرابها من التفاوت والتمييز الذي تمارسه الدولة ممثلة في وزارة المالية تجاه العاملين بالخدمة المدنية حيث إنها تفي بمرتبات بعض الوحدات وتأخر البعض.
وفي أكتوبر الماضي قال وزير المالية السوداني د. جبريل إبراهيم إنه من غير الوارد زيادة رواتب الموظفين في الوقت الحالي بينما الدولة عاجزة أصلاً عن دفع هذه الرواتب كاملة بسبب الحرب الدائرة بين الجيش ومليشيا الدعم السريع منذ منتصف أبريل.
وأضاف الوزير السوداني: “جزء كبير من موظفي القطاع العام لا يحصلون على أكثر من 60 % من أجورهم”.
وتابع: “الموظفون الآن يحصلون على 60 % من رواتبهم. نحن نسعى إلى منحهم 100 % من هذه الرواتب، ولو كان لديهم علاوات أخرى انقطعت يمكن أن نعيدها لهم في وقت قريب مع اطراد زيادة الإيرادات، لكن لم نتحدث عن زيادة مرتبات”.
ويؤكد الخبير الاقتصادي، د. محمد الناير أن الدولة لم تستطع الإيفاء بالأجور والمرتبات العاملين بالدولة بصورة منتظمة.
وأوضح أن الدولة بدأت في الدفع للوحدات الاتحادية وحاولت أن تنتظم في الوحدات المركزية والتي تتكون من الوزارات والمؤسسات والهيئات الاتحادية فقط، والتي يصل عددها إلى مئتي وحدة.
وأشار د. الناير في حديثه مع (المحقق) إلى أن المتأخرات الكبيرة تشمل الجامعات والدعم الولائي الذي ينعكس بالكامل على التعليم وعلي المؤسسات الصحية.
وكشف أن التأخر في الالتزام بالوفاء بالالتزامات الولائية أثر على التعليم والقطاع الصحي والذي انعكس بدوره على تقديم الخدمة حتى في الولايات الآمنة والمستقرة.
وقطع الناير بأن متأخرات العاملين مهما تأخرت فإنها لا تسقط، وأشار إلى أنه من المفترض أن تضم الموازنة العامة للدولة للعام 2024 هذه المتأخرات وأن يتم الإيفاء بها خلال هذا العام.
ولفت الناير الإنتباه إلى أن نسبة كبيرة من العاملين في الدولة لم تقم بعملها بالشكل المطلوب نتيجة اعتبارات منطقية ولأسباب أمنية إلا أن الدولة عليها الالتزام بهذه الأجور لجهة أنها مصدر الدخل الوحيد لهم.
وأكد على تأثير عدم مواظبة العاملين بالدولة على الدوام في الاقتصاد السوداني بصورة سالبة وتنعكس على نمو الناتج المحلي وتياطؤه وانكماشه بسبب الحرب وتراجع معدلات النمو.
بينما ورهن المحلل الاقتصادي، د. عبد الله الرمادي عودة الأمور إلى طبيعتها بشأن المرتبات أن يتم القضاء على التمرد واستتباب الأمن وأن تهدأ الأحوال في كل ربوع السودان.
وقال ل (المحقق) إن العملية الاقتصادية بكاملها لن تستقيم في ظل عدم استقامة الشأن السياسي.
وقطع بعدم وجود مؤسسات دولة في الوقت الراهن حتى تضع مقترحات بمعالجات إقتصادية، مضيفاً أن هذه المؤسسات عائبة الآن.
المحقق – نازك شمام
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: العاملین بالدولة إلى أن
إقرأ أيضاً:
معتصم أقرع: اليسار والدولة مرة أخري
– منذ إنطلاق هذه الحرب اندلع جدل في دار يسار بين جماعة منه تدعو لتدمير الدولة وتيار آخر يري في هذا استعجال شديد الخطورة علي مصير الشعب. شاركت هذه الصفحة في هذا الجدال الذي لم يكن موجودا بهذه الدرجة قبل الحرب حيث كانت شعارات اليسار: ديمقراطية، مدنية، عدالة إجتماعية نسبية، والعسكر للثكنات والجنجويد ينحل. ولم يكن حل الدولة أو الجيش علي طاولة الحوار العام ولا في أوساط فقهاء اليسار ولا أدري لماذا اشتعل بعد الحرب ولكن من الطبيعي لي تخميناتي.
– الداعون لهدم الدولة أحيانا يصوبون سهامهم نحو الدولة في حد ذاتها واحيانا ضد “الدولة القديمة” . لكن عليهم واجب تحديد المشكلة. فلو كانت مشكلتهم مع تدمير “الدولة القديمة” فهل يعني هذا أنهم يدعون لدولة أخري تحل محلها؟ إن كان الأمر كذلك، فعليهم تحديد القوي الإجتماعية الجاهزة لإستلام الدولة وتجديدها بما أنهم يدعون لتحطيم جهاز هنا الآن والبلاد يستبيحها الغزاة.
– يردد الداعون لهدم الدولة حجة إنها أداء قمع طبقي وسوط الطبقة المتنفذة علي حساب الآخرين. وهذا الزعم عموما صحيح ولكنه ليس كل الحقيقة. إذ أن الدولة أيضا هي التي تنسق المصلحة العامة مثل توفير الأمن وحد من التعليم والصحة والبني التحتية وإنفاذ القانون، والمعايير الصحية والمهنية وإدارة العملة وتنظيم الأسواق والتجارة وحماية الحدود وهذه متطلبات لا تقوم حياة حديثة في غيابها. ولكن حتي الآن لم يحدد الداعون لهدم الدولة هنا الآن من سيقوم بهذه المهام. من سيقوم في سودان ما بعد تدمير الدولة ببسط الامن وحماية المواطن في حياته وبدنه وماله ومن سينظم الصحة العامة ويدير المواصلات والإتصالات ومن يحمي الشعب من الغزاة الطامعين؟
– لا جدال في أن الدولة ليست أداة محايدة طبقيا في أي مكان في العالم ولكن هذا لا ينفي حوجة المجتمعات لها مرحليا، وبالذات مجتمعنا. لذلك فان الطرح عن نزاهة الدولة هو السؤال الخطأ لتحديد الموقف منها. من الممكن رفع الوعي بعيوب الدولة بهدف تجاوزها ولكن لتدمير الدولة يجب علي الداعين لذلك إقناع الراي العام بوجود بديل جاهز أحسن منها وجاهز للقيام بكل مهامها ببساطة لان إنهيار الدولة قد يدفع السودان إلي واقع أكثر تخلفا.
– النقاش حول ضرورة الدولة أو ضرورة حلها يجب أن ينطلق من الواقع الماثل أمامنا ولا يحتاج لنصوص فقهية من تاريخ يسار غربي نظر في سياق تاريخي يختلف تماما عن واقعنا الحالي. وهذا لا يعني عدم الإستفادة من الخلفيات التاريخية والفكرية والفلسفية. ولكن – كما قال الصديق عثمانتو- المرجعية الأخيرة يجب أن تكون لواقعنا الماثل هنا الآن وليس لنصوص أنتجت في أزمنة مختلفة وفضاءات جيوسياسية أشد إختلافا. لذلك فان الداعين لهدم الدولة عليهم إقناع الراي العام بوجود بديل أفضل منها وجاهز للتركيب الآن في أثناء قصف مسيرات الغزاة لحيواتنا وبنانا التحتية.
– حسب تقديري هذا البديل للدولة لا يوجد حاليا في أكثر الدول تطورا في أوروبا وأمريكا واسيا دع عنك في عرصات رجل أفريقيا المريض. لذلك فان تدمير الدولة السودانية حاليا لن يقود إلي فردوس أناركي أو شبه أناركي تزدهر فيه العدالة والحريات. تدمير الدولة السودانية يعني عمليا تصفية نهائية للسودان ككيان إجتماعي، ثقافي ولن ينعم أحد بفردوس ما بعد الدولة ولكن سينتقل جميع أهل السودان للعيش كأقنان في كنف دول إستعمارية أخري ونكون فقط قد استبدلنا دولة السودان بدول أخري أشد بطشا واكثر غربة. وفي المساحات من السودان التي تعافها الدول الإستعمارية إلي حين سيخضع المواطن لحكم عصابات لا تختلف كثيرا عن عصابات الجنجويد ولن يعيش في فردوس أناركي. لذلك فان الدعوة لتدمير الدولة والجيش الآن تعني الدعوة لتصفية السودان ككيان/ات إجتماعية مستقلة وهذا حد بعيد من كراهية الذات وكراهية السودان.
– في أدبيات اليسار لا أعلم بنصوص تدعو شعب لحل دولته وحده بينما الدول الإستعمارية والطامعة حوله تحافظ وتنمي من مقدراتها العسكرية ومن قدراتها التقنية علي إخضاع الآخرين. حل الدولة أو حل الجيوش في السياق التاريخي الصحيح يكون باتفاق دولي تقوم فيه جميع الدول في نفس الوقت بتصغير جيوشها ثم حلها في إطار تعاون دولي عميق وواسع. لذلك فان دعوة دولة لحل مؤسساتها وجيشها بينما الدول الأخري تحافظ علي هذه الأدوات هي دعوة للإنتحار وعزومة مجانية للغزاة والمغتصبين وتبرع مجاني بالوطن للأجنبى. وهذه هدية يسارية للاستعمار وهي عطاء من لا يملك لمن لا يستحق.
– جوان روبنسون عالمة إقتصاد بحت رفيعة بقامة كينز أو أعلي كانت في هيئة التدريس في جامعة كامبريدج. يقال أن جائزة نوبل تجاهلتها لانها كانت متهمة بالماركسية وكانت من أنصار ماو المتحمسين له. ويجادل البعض أن غياب جوان عن قائمة شرف نوبل فضيحة للجائزة. وبالنظر للتنمية المذهلة في الصين الآن، ربما كان علي لجنة نوبل أن توقظ جوان من الموت وتمنحها الجائزة مرتين.
– ينسب لجوان قولها أن من أفظع الأشياء للعامل أن يستغله صاحب عمل راسمالي ويحلب عرقه قيمة زائدة. ولكن أسوأ من ذلك ألا يجد العامل راسمالي يستغله. هكذا الدولة السودانية. فظيعة جدا ولكن النقطة الأهم هي أن غيابها أفظع. وهذه هي نقطة عمي أعداء الدولة السودانية إذ هم يرون فظاعتها ومن ثم يقفزون إلي إستنتاج متعجل بضرورة تدميرها الآن بينما المنطق يقول أن تدميرها سيقود إلي واقع أكثر جحيمية. وإلي بزوغ شمس مجتمع آخر، علي العامل أن يجد راسمالي يستغله حتي لا يجوع تحت شعارات ثورية براقة. وإلي أن تتوفر شروط الإنتقال لتنظيم إجتماعي أكثر عدالة وكفاءة الدولة بصلة نتنة في فمنا من يدعو لحلها يضع جمرة “حمراء، يسارية”، متقدة، مكانها. ولا أعتقد أن مضغ الجمر حل مناسب لمشكلة البصلة.