محاكمة القرن في مواجهة المليشيا.. مَن سيقيمها؟
تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT
الأرقام والإحصاءات التي نتجت عن تمرد قوات الدعم السريع في منتصف أبريل من العام الماضي، قياسية في أي جانب أخذتها، وهي في غالبها الأعم لم تصدر من طرف يمكن أن توجه إليه تهمة الانحياز، اللهم إلا أن يكون انحيازاً للمليشيا !!
ومع إن الحرب لم تضع أوزارها بعد، وبالتالي فإن الكثير من الإحصاءات لم تظهر أو لم تكتمل، إلا أن الذي ظهر منها يثير الدهشة، ويشيب له الولدان !
فتقارير الأمم المتحدة أفادت أن نحو 25 مليون شخص في السودان بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية العاجلة، من بين هؤلاء حوالي 14 مليون طفل، وأن الحرب أدت إلى نقص حاد في الأمن الغذائي، فنحو 37% من السكان، أي حوالي 17.
منظمة الهجرة الدولية تتحدث عن نحو 9 ملايين سوداني نزحوا داخلياً، والمفوضية السامية للاجئين تتحدث عن نحو خمسة ملايين لجأوا إلى دول الجوار، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة تتحدث عن عدم قدرة أكثر من 20 مليون طفل على الانتقال إلى المدرسة في السودان، أي حرمانهم من حقهم في التعليم.
عدد سكان ولاية الخرطوم بالإضافة إلى سكان ولاية الجزيرة وسكان ولايات دارفور الخمس – وهي الولايات التي تأثر سكانها مباشرة بالحرب – يفوق ال 25 مليون من الرجال والنساء، بينهم الأطفال وكبار السن والمرضى، وكل واحد من هؤلاء تضرر بسبب الحرب أضراراً مختلفة، منهم مَن فقد حياته ومنهم مَن فقد كل ما يملك، ومنهم مَن فقد ماله أو سيارته أو ذهبه أو متعلقاته الشخصية، ومنهم مَن فقد حقه في التعليم أو الرعاية الصحية أو حقه في الإتصال.
وكجزء من سلوكها الأرعن، لم تترك المليشيا جريمة مصنفة بأنها ضد الإنسانية إلاّ واقترفتها وروجت لها عبر إعلامها وحسابات منسوبيها، فتعرضت أعداد من الرجال والشباب إلى الإعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب والسخرة، وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات نهائية في هذا المجال، بسبب السلوك الإجرامي للمليشيا، إلا أن الأرقام المتداولة تقول إن هنالك ما لا يقل عن عشرة آلاف معتقل سياسي أو مخفي قسرياً في سجون المليشيا التي لا تستوفي الحد الأدنى من المعايير الآدمية، مات بعضهم جراء التعذيب، وبقي بعضهم بين الحياة والموت، هذا فضلاً عمّن أستُخدموا دروعاً بشرية !!
أما الجرائم في حق النساء، من قتل واغتصاب وتحرش وتعنيف وإذلال، فمن العسير وضع إحصاءات لها قريبة من الواقع، نظراً لطبيعة المجتمع السوداني ولضعف آليات المجتمع المدني التي ترصد ذلك وتحقق فيه، لكن ما تمّ توثيقه منها سيصبح منافساً لأية أرقام سبق توثيقها ضمن جرائم الحروب.
إن الأسئلة التي تتبادر إلى الذهن، حين يستعرض المرء هذه الأرقام القياسية من الجرائم المتنوعة، وهذه الأعداد المهولة من الضحايا، هي: كيف يمكن أن تتحقق العدالة لهؤلاء جميعاً، وكم عدد البلاغات التي تحتاج أن تنظرها النيابات والمحاكم، وكم عدد الأفراد والكيانات والدول التي يمكن أن يُوجه إليها الإتهام بالضلوع أو المشاركة أو التواطؤ في هذه الجرائم، وما هي الآلية الناجعة التي يمكن أن يتقدم عبرها أصحاب الحق الخاص وأصحاب الحق العام لعرض شكواهم، وهل كل مَن تسببت الحرب في تجويعه أو تشريده أو حرمانه من حقوقه الأساسية أو قتله أو نهبه، يحق له أو لأولياء دمه أن يتقدموا بشكوى ؟
عشرات الأسئلة التائهة تتزاحم بحثاً عن إجابات، وأعتقد أن محاولة الإجابة عليها دون الاستعانة بتجارب الشعوب التي نُكبت قبلنا، أو تجارب الأمم المتحدة، ستكون نوعاً من المغامرة غير محمودة العواقب، لكن الأهم من هذا كله هو التصميم على حصر جميع الضحايا مهما بلغوا من الكَثَرة، وجميع أنواع الجرائم، وملاحقة كل مَن وقع في دائرة الاشتباه، وتقديمهم للمحاكمة ليقول القضاء الوطني أو الدولي كلمته بشأنهم.
العبيد أحمد مروح
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
الانتخابات الأمريكية.. البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الأعظم
الكاتبان: د. بلال الخليفة وحسنين تحسين
تستحوذ الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 على اهتمام عالمي واسع؛ حيث ان اليوم هو موعد الانتخابات الامريكية وانظار العالم اجمع نحو صندوق الانتخابات وما سيفرزه من نتيجة حول فوز من؟ هل سيكون الفائز هو ترامب او هاريس؟، حيث نشر في صحيفة لوموند إن الصين تتابع الحملة الانتخابية الأميركية بأقصى درجات الاهتمام، وهي لا تتساءل عن المرشح الأفضل لمصالحها، لأنها مقتنعة أنه لا وجود له، لكنها تبحث عن "أفضل السيئيْن".
والسبب في ذلك هو لما للولايات المتحدة الامريكية من تأثير كبير في العالم كقوة عسكرية وسياسية واقتصادية، والذي يعنينا الان هو ما للولايات المتحدة الامريكية من قوة اقتصادية كبية، لقد تطور الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير بسبب معدلات الإنتاج الضخمة والتكنولوجيا الرائدة، والهيكل الإداري الكامل، واحتلت منذ فترة طويلة المرتبة الأولى في العالم اقتصاديا، حيث يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 50000 دولار أمريكي.
تحتل أمريكا المرتبة الثانية عالميًا في إجمالي الصادرات، وتعد أكبر مُصدر للخدمات في العالم، حيث تمثل الخدمات ثلث إجمالي صادراتها بشكل عام، وأبرز ما تصدر هو: البترول المتكرر، البترول الخام، السيارات، قطع غيار المركبات والدوائر المتكاملة.
بالعموم، ان الاقتصاد والانتخابات مرتبطان فيما بينهما، الأول يتحكم بالثاني والعكس صحيح، خصوصا، فالوضع الاقتصادي يفرض على المرشحين ان يتناغموا مع متطلبات المواطن وبالتالي تحكم الاقتصاد بالانتخابات، اما العكس فيكون البرنامج الاقتصادي للمرشح سيرسم الخارطة الاقتصادية للبلد وفي حال أمريكا سيؤثر في اقتصاد العالم.
كما أن الاقتصاد يمكن أن يكون عاملًا محوريًا في نجاح أو فشل الرؤساء المرشحين، على سبيل المثال؛ كان للأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008 تأثيرًا كبيرًا على نتائج انتخابات 2008، حيث ساهمت في فوز باراك أوباما على جون ماكين، لذلك يركز المرشحين على اهم الأمور التي تكزن مهمه في راي الناخب.
مثلا، ترامب أوضح توجهاته على الصعيد الاقتصادي من خلال طرح الأجندة وتتضمن تعزيز الحمائية التجارية من خلال فرض تعريفة جمركية بنسبة 10% على جميع الواردات الأمريكية، وتعريفة بنسبة 60% على الواردات من الصين، بالإضافة إلى خفض تكلفة استهلاك الطاقة والكهرباء.
اما هاريس، فقد ركزت على بناء النظام الضريبي، ورفع معدل ضريبة الدخل على الشركات الأمريكية إلى 28%.
هذا فيما يخص الداخل ، اما المهم بالنسبة لبقية العالم هو سياسة المرشح الخارجية، بالحقيقة ان نتائج الانتخابات ستكون بثلاث سيناريوات
الأول: فوز ترامب
1 - وهذا له رؤية خاصة بالمنطقة وصرح عنها عند لقاءه بالأمريكان المسلمين وهي ضرورة انهاء الحرب بالمنطقة .
2 - اما فيما يخص الصين او القوى الشرقية فله قول (قال دونالد ترامب إنه إذا عاد إلى البيت الأبيض فإن الصين لن تجرؤ على استفزازه لأن الرئيس شي جين بينغ يعرف أنه "مجنون"، وأوضح ترامب: "أود أن أقول إنه إذا ذهبت إلى تايوان، فأنا آسف لفعل هذا، سأفرض عليك ضريبة بنسبة 150 في المئة، إلى 200 في المئة)". ومثلما قلنا أعلاه انه سيفرض رسوماً جمركية على الصين وخصوصا إذا سعت إلى حصار تايوان.
ومع العرض ان تايوان هي واحدة من اهم نقاط الخلاف لانها تحتوي على اهم المصانع في العالم تصنع المعالجات الرقمية وصناعة اشباه الموصلات التي تستخدم في الصناعة الالكترونية ونحن نعلم ان المعارك الان تدار الكترونيا وتكنلوجيا وبالتالي ان الخطوة الواحدة التي ستشعل الحرب العالمية الثالثة هي تايوان وخصوصا ان بوادرها موجودة وهي حرب اوكرانيا وغزة ولبنان.
3 - اما فيما يخص روسيا فلترامب قول في الرئيس بوتين وهو "لقد كنت على وفاق معه بشكل رائع". وبالتالي انه سيعمل على انهاء الحرب ومحاولة استمالة روسيا بدل استعدائها.
4- فيما يخص الشرق الأوسط فان ترامب واضح بعدم العودة للاتفاق النووي السابق مع ايران و لهذا ترغب دول الخليج العربي بفوزه كونه اشد وضوحًا و مراعاة لحقوق طرف الاتفاق، و يصر ترامب على انه سيحقق صفقة كبيرة مع ايران تُنهي الأزمات معها.
الثاني: فوز هاريس:
1 - ان هاريس صرحت مؤخرا انها مع السلام وانتهاء الحرب أيضا في غزة ولبنان (تفاصيل ذلك توضح لاحقا) .
2 - اما فيما يخص الصين ، انها قد تواصل الخط الدبلوماسي لبايدن، الذي حث حلفاء الولايات المتحدة على رص الصفوف ضد الصين وحاول دفع حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى إدراج التهديد الصيني على جدول أعماله. كما ان اختيارها لفيليب جوردون كمستشار للأمن القومي يشير إلى تحول محتمل في السياسة الأمريكية تجاه الصين، حيث قد يختلف نهج جوردون البراجماتي عن الموقف الأكثر مواجهة لإدارة بايدن.
3 – فيما يخص روسيا: حيث صرحت هاريس أنها لن تلتقي حال فوزها، الرئيس فلاديمير بوتين لبحث الحرب في أوكرانيا، من دون حضور ممثل عن كييف، ان موقفها اكثر تشددا وقالت أيضا قالت المرشحة الديمقراطية "نحن ندعم قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها ضد العدوان الروسي غير المبرّر".
4- فيما يخص الشرق الأوسط تميل هآريس كما يميل الديمقراطيون إلى عدم كسر ايران و السعي للعودة للاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني و هو ما لا يفضله عرب الخليج كون ان أمريكا هنا لا تراعي مصالحهم.
ثالثا: هو الحرب الاهلية او الفوضى في أمريكا
حتى وان كان الامر مستبعد لكنه محتمل خصوصا ان ترامب صرح عدة مرات بانه سيفوز حتما وغير ذلك يعني تزوير وهذا تصريح برفض نتيجة الخسارة نهائيا، مع العلم بوجود استطلاعات الرأي تشير إلى قلق 27% من الأمريكيين من هذا السيناريو، مما يعكس الانقسام العميق في المجتمع الأمريكي، وكما قال السيناتور الجمهوري جورج لانغ إن "الحرب الأهلية قد تكون ضرورية إذا خسر الجمهوريون الانتخابات الرئاسية في نوفمبر"
خلاصة الامر فيما يخص المنطقة هي ان الحرب ستنتهي بعد الانتخابات لان إسرائيل لا تستطيع ان تتحمل الحرب اكثر ، لكن تؤجل توقف الحراب وتماطل بالمفاوضات كي يكون وقف الحرب هدية للرئيس المقبل بانها نزلت بالسلام لرغبة الرئيس وهو بالتالي قد اوفى بوعوده الانتخابية
وان انتهاء الحرب يعني عودة الاستقرار النسبي لاهم منطقة في العالم من حيث الإنتاج والامتلاك للثروة الهيدروكاربونية وهي اللاعب الأول في الاقتصاد العالمي وكما ان الهدوء سيعم أيضا مضيق باب المندب الذي يؤثر أيضا على خط مهم جدا للتجارة العالمية.
اما المواجهة الاقتصادية مع روسيا والصين فالأمر لن ينتهي وخصوا ان سر قوة أمريكا في عولمة الدولار (او دولرة الاقتصاد العالمي) وان الجبهة الشرقية وبعدما أسست تجمع بريكس وطرحهم لفكرة عملة جديدة للتعامل بينهم (بريكس) فهذا يعني مزيد من التوتر الاقتصادي.