أثير- مكتب أثير في دمشق
إعداد: الأديبة والكاتبة غادة عماد الدين العيسى، مديرة المسرح القومي في طرطوس

اغتيال الكلمة..
كان من الممكن أن تبقى الكلمة على قيد الأمل، لولا أنّها صارت على جداول الاغتيالات المنظّمة تنظيما يفوق بالجهد والوقت والمال ما ينفقونه على تنظيم الحياة.
قد يتساءل البعض أين يحدث هذا؟
هل من الممكن أن يكون هذا الكلام حقيقيا أو هو من نسج الأوهام؟
طبعا ولا يلزم أيّ جهد لنعرف حق المعرفة أنه حقيقة وواقع.


إنها الجريمة المنظمة لبعض الدول التي يقوم تاريخها على الدم.
رونين برغمان الكاتب الإسرائيلي يروي في كتابه المسمى (انهض واقتل أولًا) التاريخ السرّي لعمليات الاغتيال والقتل الممنهج، وكيف اغتالت إسرائيل عددا من الأشخاص يفوق ما نفذته أي دولة غربية أخرى.
الدولة التي شكّلت جهازا خاصا للقتل، وكان للأدباء والكتّاب والصحفيين والفنانين النصيب الأوفر من عمليات الاغتيال، ولم تتوقف عمليات القتل على الجنسية الفلسطينية بل طالت كلّ من يتعاطف مع القضية الفلسطينية ومن أي جنسية كانت.

 

(على قيد الموت).. المفردة التي تجوب العالم وتبقى هي قيد الحياة.
الروائي والشاعر الفلسطيني فايز أبو شاويش كتب رواية “على قيد الموت” التي يتكلم فيها عن معاناة الفلسطينيين في اللجوء والحصار ويجوب بها العالم ليصل فكره للرأي العام العالمي.
وحتى ينسجم مع عنوان روايته، لم يتأخر حتى يكون هو العنوان ويصبح مع عائلته على قيد الموت، إنّه أحد شهداء فلسطين التي بعينيها تقاتل، إنه الشهيد الذي شهد طوفان الأقصى وحمل رسالة القضية إلى العالم واستشهد في قصف إسرائيلي على غزة، وتبعه على درب الشهادة الشاعر والأكاديمي وأستاذ الأدب الإنكليزي رفعت العرعير…. وما يزال درب الحرية يروى بالدماء حتى اليوم.
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان وثّق قتل الجيش الإسرائيلي للمئات من أساتذة الجامعات الفلسطينية والشخصيات الأكاديمية والعلمية والفكرية في قطاع غزة بهجمات متعمدة ومحددة، استهدفتهم دون سابق إنذار، وغالبيتهم يمثلون مرتكزات العمل الأكاديمي في جامعات غزة التي هي أيضا لم تسلم من القصف أو تحويل مبانيها إلى ثكنات عسكرية، كما حدث في جامعة الإسراء والجامعة الإسلامية التي استشهد رئيسها سفيان التايه هو وعائلته بأكملها.
نشد أطراف الذاكرة التي لا تغفو أبدا عن جلل الأحداث في بلد سلمته الأفكار الاستعمارية الظالمة إلى أيدٍ استعمارية آثمة أخرى.
ما زال حنظلة الفقير الحافي يدير ظهره للعالم، يموت العالم كلّه ولن يرى وجهه المقهور لفصله عن مشيمة أرضه ووطنه، ما زال حنظلة يجوب في قلوبنا وعقولنا ويستنهض الأفكار والقلوب، ويقلب الطاولة على أفكار الاستكانة والخنوع.
استشهد ناجي العلي، قتلوه في بريطانيا حتى يدير حنظلة وجهه ويستسلم ويبتسم، أو هكذا اعتقد فكرهم المريض ولكن هيهااااات، صحيح حنظلة ما زال يعطي ظهره للعالم الظّالم لكنّه صار “الخالد حنظلة”
ألم يقل تيودور هرتزل: إن أخطر ما يقف في وجه الصهاينة لتنفيذ بروتوكولات صهيون وقيام دولتهم هم (العباقرة والمفكرون).
لذلك قتلوا مبدع حنظلة أيقونة الرسم الكاريكاتوري الذي ينقل بالرّسم مقالات سياسيّة تلفّ العالم برسمة بسيطة تحمل فكرة قد لا تقوى الكلمات على حملها.

مات ناجي العلي وبقي حنظلة يتكلم.
أربعونَ ألف رسم ٍ لناجي العلي ثم يرحل اغتيالا في لندن، ومازال مفتاح بيت لحم ينتظر على صفحات إبداعه وأذهان المهتمين والأحرار.
لم يتوقف الموضوع على كتابة أدب المقاومة على الرّغم من أهميته، فأدباء الأرض المحتلة يحملون مهمّةً صعبةً جسّدها بقوة الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، وهي الاطلاع على أدب الصهاينة الذي يخدم أهدافاً دنيئة.
هكذا كان الأدب الصهيوني الذي سبق السياسة والعسّكرة في تهيئة الأسس النفسيّة والاجتماعية للدولة القادمة التي يهدفون لتكن فلسطين هي دولتهم.
يقول الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني الذي قتلوه في بيروت بعد منح الكاتب الصهيوني شموئيل عجنون جائزة نوبل للآداب: إن هذا بمثابة شهادة أدب مزورة لأنسنة ما هو غير إنساني، وهي بمثابة (وثيقة بلفور أدبية).
درس كنفاني الأدب الصهيوني الذي يبرّر ما لم يبرره التاريخ والواقع، وليزرع هذا الأدب في أفكار العالم أن الصهيوني هو تائه مسالم ديمقراطي وباحث عن الاستقرار.
عرّى كنفاني التزوير والكذب الصهيوني ووثقه في كتاب (في الأدب الصهيوني)، ثم كان الأدب الفلسطيني اللبنة الأولى للمقاومة الأدبية.
وأسماء حاربت وقاومت إلى جانب البندقية أو معها
لم تمت..ولن تمت هذه الأسماء رغم قتل أصحابها.
لم يتوقف القتل والاغتيال ولن يتوقف ولم يكن الهدف فقط الأدباء والشعراء ورسامي الكاريكاتير، بل كانوا جنبا إلى جنب في الاستهداف مع القادة العسكريين والعلماء والأطباء وكل من يحمل سلاح الفكر إلى جانب البندقية.
ها هو مصطفى الصّواف الكاتب والمحلل الصّحفي الذي رافق بتحليلاته الحرب الحالية، يبدو أن نبرات صوته كانت تصيب منهم مقتلا.. فقتلوا صوته وكلماته.

هي هكذا الكلمة مستهدفة، فمن يحملها فكرا ويقولها عمليا هو هدف لسحب الحياة من كيانه.
لكن مع ذلك للأفكار أجنحة والسماء عالية.
فالشجاعة التي يمتاز بها سكّان هذه البقعة من الأرض يحبون الحياة كثيرا، لكنهم يحبون الكرامة أكثر.

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

حرب ضد الهوية الإسلامية .. المساجد هدف الصهاينة من اليوم الأول

يمانيون – متابعات
تاريخيًا، كانت المساجد والمقدسات الإسلامية في فلسطين شاهدة على عمق الهوية الثقافية والدينية للشعب الفلسطيني. ولأنها كذلك، فقد ركّز عليها العدو المحتل باكرًا حين مارس عليها صنوف الاعتداءات بهدف تهويدها ومحوها. ونذكّر هنا بحادثة إحراق المسجد الأقصى الشهيرة (صباح يوم الخميس 21 أغسطس 1969/ 7 جمادى الآخرة 1389هـ). ورغم أنه من أقدس المواقع الإسلامية، فقد تكررت الاعتداءات الصهيونية عليه مرارًا، ناهيك عن الاقتحامات المتواصلة بشكل أصبح مؤخرًا شبه يومي، ولا يُخفي اليهود رغبتهم الشديدة في فرض السيطرة عليه وتهويد محيطه، علاوة على أعمال الحفريات التي تهدد بانهياره.

احراق المساجد الأقصى عام 1969
المدينة المقدسة برمتها تتعرض معالمها الإسلامية للتهديد بشكل يومي، ويمارس العدو المحتل صنوف الانتهاكات على قاصديها يوميًا. هذا الوضع يعكس استراتيجية العدو الإسرائيلي في السيطرة على المدينة، ومحاولة فرض واقع جديد يهدف إلى تهويدها. وجدير بالذكر هنا أن المسجد الأقصى، برمزيته الدينية الكبيرة في الوعي الإسلامي، اتخذ منه اليهود المحتلون معيارًا لقياس ردّة الفعل، ليس الفلسطينية وحسب، بل في عموم العالم الإسلامي.

ويظهر ذلك جليًا من خلال تتبع حوادث الاعتداء المختلفة على المسجد الأقصى في سبعة عقود من الاحتلال، والنتيجة الكارثية تظهر نجاح اليهود في كي الوعي الإسلامي وترويضه بالتدريج على القبول بالانتهاكات، والتي أضحت مؤخرًا مجرد خبر يومي لا يثير المشاعر الدينية ولا يستنهض الغيرة القومية. وهذه واحدة من نتائج العمل التراكمي لليهود على تغفيل الأمة وتخديرها وفصلها عن مقدساتها ورموزها.

وهنا الدور يناط بوسائل الإعلام العربية التي قدمت الخبر مجردًا عن سياقه الصدامي الحضاري الديني. والأصل أن أخبار الاعتداءات على المسجد الأقصى يجب أن تحظى بخصوصية بالغة في التقديم والترتيب، إذ إن الاعتداء على المقدسات لا يُمثل فقط اعتداءً على مبنى عادي أو حتى موقع عبادة، بقدر ما هو هجومٌ على الهوية الإسلامية بأكملها.

إبادة الفلسطينيين وإعدام هويتهم:

في غزة، وقبل معركة الطوفان، شهدت المساجد والمقدسات هجمات متكررة، حيث يتم استهدافها بشكل مركز مع كل عدوان إسرائيلي. في العدوان على غزة في عام 2014، تم تدمير عدد من المساجد بشكل كامل وعلى نحو متعمد. ودائمًا كانت إحصاءات الدمار التي طالت المساجد تنسجم تمامًا مع أهداف الإسرائيلي ونواياه في استئصال جذور الوجود الفلسطيني بهويته الإسلامية، وصولاً إلى خلق واقع جديد يتجاهل تاريخ الشعب الفلسطيني المسلم وحقوقه، واستبداله بالمغتصبين اليهود.

في معركة الطوفان، وفي فصول الاعتداءات والإبادة الجماعية الصهيونية على غزة وسكانها وهويتها، وجد العدو الصهيوني فرصته لتطال نيرانه كل مساجد القطاع بالتدمير الجزئي أو الكلي. في أحدث بياناتها، أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بقطاع غزة، قبل أيام، أن جيش العدو الإسرائيلي دمر خلال حرب الإبادة الجماعية على القطاع 79 بالمئة من مساجد القطاع و3 كنائس، واستهدف 19 مقبرة.

وقالت الوزارة في بيان لها: “جيش الاحتلال الإسرائيلي دمر 814 مسجداً من أصل 1245، بما نسبته 79 بالمئة، وتضرر 148 مسجداً، بالإضافة إلى 3 كنائس، واستهدف 19 مقبرة من أصل 60 بشكل ممنهج ومتعمد.” وأضافت: “تكلفة الخسائر والأضرار التي تعرضت لها الوزارة نحو 350 مليون دولار.” وتابعت: “خلال حرب الإبادة، قام جيش الاحتلال بنبش القبور وسرقة الآلاف من جثامين الأموات والشهداء، والتمثيل بها بعد قتلهم بطرائق همجية وحشية.”

ولفت بيان الأوقاف إلى أن العدو الإسرائيلي دمر 11 مقراً إداريًا وتعليميًا، ما نسبته 79 بالمئة من إجمالي المقرات بالقطاع البالغة 14 مقرًا. وقالت الوزارة إن الجيش الإسرائيلي قتل 238 من موظفيها، واعتقل 19 آخرين خلال عملياته البرية بالقطاع.

حرب على الهوية الإسلامية لن تنتهي في فلسطين:

إن التحديات التي يواجهها الفلسطينيون في سياق الحرب على هويتهم ودينهم ومعالمهم الإسلامية هي جزء من صراع حضاري وحلقة من حرب قديمة متجددة على الإسلام والمسلمين. هذه الحرب لا تستهدف فقط المباني، بل تهدف إلى محو الذاكرة الجمعية للفلسطينيين واستئصال جذور وجودهم الإسلامية. وهي بالأولى تعبير عن صدام ديني، ليس الفلسطينيين إلا أول ضحاياه، ويأتي الدور حتمًا على الجميع بدءًا من دول محيط فلسطين.

لم يكن حرق المسجد الأقصى إلا مشهدًا ضمن مسلسلٍ لا ينتهي، قامت عليه ما تُسمى إسرائيل، بدأ صباح الواحد والعشرين من أغسطس عام 1969 حين أضرموا النار في المسجد الأقصى. شجعهم أن نار إحراق المسجد لم تصل حرارتها إلى صدور الأنظمة العربية، ولم تبعث فيهم أي حمية لبيت مقدسهم المبارك. نتيجة لذلك الهوان، تلا الحرق اقتحاماتٌ لباحات المسجد الأقصى، وتجريف لمعالمه وطمس لآثاره وحفر أنفاقٍ أسفله تهدده بالسقوط، بينما يقاوم الفلسطينيون وحدهم بما تيسر من حجارة، يمنعون تدنيس وتهويد ما تبقى من شرف الأمة، فلا يجدون من حكامها سوى الصمت والتطبيع!

ولأن الصهاينة يتحركون من منظور ديني، تجدهم في غزة يقصفون أينما سمعوا مساجد يُذكر فيها اسم الله، بذريعة أو بدون مبررات. تارةً يفتشون عن المساجد، يقصفون جوامع غزة التي تأوي النازحين بحجة أنها تأوي مقاتلي حماس، كما فعلوا في وقائع عدة منها قصف جامع شهداء الأقصى ومسجد الشيخ رضوان ومسجد العطار. وكان حقدهم بيّنًا في قصفهم للجامع العمري التاريخي الشهير، الطاغي بقدمه على زيف تاريخهم ووجودهم المؤقت.

تدمير العدو الإسرائيلي للمساجد في غزة
في جوامع الضفة، يتعمّد الصهاينة بين فينة وأخرى اقتحامها تدنيسًا لها واستهزاءً واستفزازًا لمشاعر الفلسطينيين، في مشهد بات جزءًا من يوميات أهالي الضفة القابعين تحت قبضة المحتل وسطوة المستوطنين اليهود. كذلك الحال في جوامع جنوب لبنان في بلدة مجدل سلم، وجامع الزهراء وجامع الظهيرة، الذي تغنوا على دخانه وتعمدوا نشر مقاطع الفيديو المصورة لهذه الانتهاكات، ومنها مشاهد صعود المنابر والغناء منها، وكذلك إحراق المصاحف داخل المساجد، والذي تكرر في غير مسجد من غزة، واليوم في قرى جنوب لبنان.

العدو يدنس مسجدا بالضفة الغربية، ويرفع «العلم الإسرائيلي» على مئذنة مسجد معاذ بن جبل في مخيم الفوار بمدينة الخليل
من نافل القول إن استمرار الاعتداءات على المساجد والمقدسات الإسلامية وتكررها على هذا النحو الواضح المتعمد والممنهج وغير المسبوق يعكس عقيدة العدو الإسرائيلي المحرفة وخرافاته التوراتية الباطلة في تحقيق مشروع الصهاينة “إسرائيل الكبرى” عبر التأسيس لواقع جديد يتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني بهويته الإسلامية. لكن في ظل هذه الظروف، يبقى الأمل معقودًا على صمود الفلسطينيين في الدفاع عن هويتهم ومقدساتهم، وعلى فعل المحور المساند والمنخرط بالفعل في معركة تتجلى أكثر بطبيعتها الدينية الحضارية، وفيها امتحان عسير وفرز خطير، لعله غير مسبوق في تاريخ الصراع.
——————————————-
موقع أنصار الله – يحيى الشامي

مقالات مشابهة

  • الدجاجة أم البيضة؟.. علماء يحسمون الجدل الذي حير العالم لعقود
  • من أرشيف الكاتب احمد حسن الزعبي .. طقوس الجمعة
  • الفصائل الفلسطينية تستنكر القانون الصهيوني الذي يقضي بترحيل عائلات المقاومين
  • مرشد سياحي: خيبر تعد أولى مناطق العالم التي اكتشف فيها قرية من العصر البرونزي
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. تشرين الطفولة
  • وجه الكورتيزول ومعجون الفحم للأسنان.. هذه صيحات الصحة التي شهدها العالم في 2024
  • حرب ضد الهُوية الإسلامية: المساجد هدف الصهاينة من اليوم الأول
  • من هي هاريس التي باتت قاب قوسين من أن تصبح أول امرأة تتولى منصب الرئاسة في أقوى دولة في العالم؟
  • بسالة المقاومة تقلع الصهاينة
  • حرب ضد الهوية الإسلامية .. المساجد هدف الصهاينة من اليوم الأول