– حكاوى كثيرة من المعاناة وعدم الاستقرار وإجراءات طويلة لتوفيق الأوضاع في المحروسة

– أعداد متزايدة في العودة العكسية ومصير مرهون بأقدار الحرب

وقفنا في تحقيق سابق على “رحلة الموت” للسودانيين الذين يدخلون مصر بطريقة غير شرعية عن طريق التهريب عبر الحدود بين البلدين، ووصلتنا حكاوى وقصص أكثر مأساوية لهذه الرحلة الصعبة، فراراً من ويلات الحرب في السودان، ورصدت ” المحقق” حكاوى أكثر لعدد كبير من السودانيين بالمحروسة في رحلة لا تقل صعوبة لتوفيق الأوضاع بالقاهرة، وفي بحثنا المستمر في هذا الموضوع الخطير، لاحظنا هجرة عكسية لأعداد كبيرة للسودانيين للعودة إلى بلادهم، بعدما ضاقت بهم السبل في مصر، من ترتيب الأوضاع وتيسير ظروف المعيشية مع عدم وجود دخل منتظم.

عودة عكسية

“المحقق” تقف في هذا التحقيق الجديد على رحلة الهجرة العكسية إلى السودان فراراً من ضغوط المعيشة هذه المرة، وطول مدة الإجراءات الخاصة بالإقامة وصعوبتها وتكلفتها التي ترهق الكثيرين. فبعد رحلة طويلة مليئة بالمخاطر راح ضحيتها كثيرون في رحلة الموت للدخول إلى مصر، رصدنا رحلة أخرى من المعاناة في القاهرة في محطة غير مستقرة إلى طريق العودة العكسية إلى السودان، بحثاً عن ملجأ آمن من جديد، وحتى تضع الحرب أوزارها في السودان سيظل المواطن السوداني في هذه المحطات من المعاناة والتشريد بحثاً عن وطن مستقر، لعل الأقدار تساعد على تهيئته في القريب العاجل.

حوادث موت

وفي رحلة بحثنا العكسية رصدنا خبراً عن وقوع حادث مروع لسودانيين كانوا في طريقهم إلى أسوان عن طريق التهريب، حيث لقي 11 سودانياً مصرعهم، وأصيب 6 آخرون إثر حادث مروري بانقلاب سيارة ربع نقل على طريق العلاقي بأسوان، ونقلت السلطات المصرية – بحسب وسائل إعلام – الجثامين إلى مشرحة أسوان، وتم نقل المصابين إلى المستشفى لتلقي العلاج وتقديم الرعاية الطبية اللازمة لهم.
وتأكد لنا من شهود عيان أن الحادث جاء نتيجة تصادم سيارتين كانتا في طريقهم لدخول أسوان، وأن السيارتين كانتا تسيران بسرعة زائدة بعد مطاردة الشرطة المصرية لهم في مدخل أسوان، وقال شهود العيان لـ ” المحقق” أنه تم دفن جثامين الـ (11) متوفي يوم الخميس، وأن المصابين يتلقون العلاج الآن قبل أن تشرع السلطات المصرية في إعادتهم مرة أخرى للسودان لدخولهم مصر بطريقة غير شرعية.
وأضافت مصادر مطلعة أن عقوبة الهارب إلى مصر في السابق كانت بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات بعد محاكمة عسكرية، أما الآن نظراً لظروف الحرب يتم التحفظ عليهم لمدة قصيرة قبل إرجاعهم مرة أخرى للسودان.

توفيق الأوضاع

وفي رحلة العودة العكسية إلى السودان تحدثنا إلى عدد كبير من الذين اتخذوا قرار العودة إلى السودان، سواء بطرق شرعية أو عن طريق التهريب أيضاً. وقال أحد العائدين عن طريق التهريب لـ ” المحقق” أتينا إلى القاهرة في رحلة صعبة جداً، ووجدنا وضعاً أصعب في تدبير أمور المعيشة في مصر، مضيفاً أنه ونظراً لطول الإجراءات في توفيق الأوضاع والحصول على الإقامة وصعوبة المعيشة، مع عدم وجود دخل ثابت قررت العودة إلى السودان وترك أسرتي وأطفالي، وتابع سأعود إلى الولايات الآمنة في السودان، وسأحاول أن أبحث عن أي عمل لتوفير مصاريف أسرتي في مصر، ومع أن ظروف المعيشة أكثر صعوبة في السودان، إلا أن تدبيرها لي بمفردي أقل بكثير من تدبيرها لأسرتي، والتي تحتاج إلى سكن ومأكل ومشرب وهذا تكلفته عالية جداً.

قصور وتجاوزات

وأمام مكتب مفوضية اللاجئين بالقاهرة جاءتنا شكاوى كثيرة عمّا أسموه “القصور والتجاوالتجاوزات الممارسة بمكاتب المفوضية” ممثلة في تحديد المواعيد والمقابلات، وقال عدد من السودانيين المتواجدين أمام مكاتب المفوضية لـ ” المحقق” إنه نتيجة لهذا القصور والتجاوزات بمكاتب المفوضية، قام العشرات من طالبي الحماية وضمنهم أطفال ونساء وعجزة ومرضى بالنوم أمام مكاتب المفوضية لعدة أيام وذلك للحصول علي مواعيد لإجراء المقابلات معهم، خوفاً مما قد يتعرض له اللاجئ من مضايقات نتيجة لعدم توفيق أوضاعه بدولة المقر، وأضافوا إن هذا القصور في العمل طال العديد من السودانيين الذين يلتمسون حماية الأمم المتحدة بمباني المفوضية بالقاهرة، من خلال سعيهم الحثيث لتحديد مواعيد المقابلات.

قررنا العودة

وتحدث أربعة من الشباب السوداني العائد للبلاد لـ ” المحقق” مؤكدين أن “ذلة” السودان أهون بكثير من الإهانة في بلد آخر، وأضافوا تركنا أسرنا وقررنا العودة، ورغم أن رحلة العودة بها خطورة أيضاً وبها مصاريف كثيرة، حيث أن تكلفة العودة بالتهريب من ميناء كركر بأسوان إلى داخل السودان تترواح من 4 : 5 آلاف مصري، إلا أننا قررنا مواجهة الصعوبات هذه المرة بمفردنا وجنبنا أسرنا تكرار الرحلة مرة أخرى.

تزايد ملحوظ

كما تواصلنا مع أحد المهربين السودانيين فأكد لنا أن هناك تزايداً ملحوظاً في رحلة العودة العكسية إلى السودان. وقال المهرب لـ ” المحقق” إن هناك رجال وشباب وأطفال في رحلة العودة، ويومياً يأتينا من 10 إلى 20 شخص يريد العودة، مضيفاً هناك مهربين كثر لأن هذه المهمة الآن مربحة جداُ، ونضطر للعمل بها لعدم وجود فرص عمل، مبيناً أن هناك ما لايقل عن 100 شخص سوداني يومياً يعود إلى السودان عن طريق التهريب، ونتوقع الزيادة.

عودة شرعية

من جهته، أضاف سعد أبوعامر أحد أصحاب شركات نقل الركاب من القاهرة إلى أسوان أن هناك حوالي 10 شركات تنقل الركاب من منطقة عابدين بالقاهرة إلى ميناء “كركر بأسوان”، وقال عامر لـ “المحقق” إن كل شركة تتحرك من منطقة “عابدين” بالقاهرة حتى “كركر” بأسوان مرتين أسبوعياً بواقع 20 راكب في المتوسط للأتوبيس الواحد، ومن كل الفئات العمرية (شباب – أطفال – نساء – وشيوخ)، مبيناً أن العدد غير مستقر الآن، متوقعاً زيادة العدد في العشر الأواخر من شهر رمضان.
من جهته أضاف أحمد جمال من شركة “نسور الوادي” أن شركته تقوم برحلة يومية من القاهرة إلى السودان بعدد يتراوح من 10 إلى 20 شخص، وقال جمال لـ ” المحقق” إن كل من يعودون معنا إلى السودان يعودون عودة نهائية، لعدم تحملهم تكاليف المعيشة الباهظة في مصر مقارنة بظروفهم المتواضعة.

إنتظار الموت

وبخلاف الذين قرروا العودة للبلاد، هناك أعداد أكبر تفكر بشكل جدي في الرجوع، وقالت اشراقة – وهي من اللائي دخلن مصر بالتهريب – لـ “المحقق” لن أنسى أبداً رحلة دخولي إلى مصر، جئت للقاهرة ومعي أطفالي وكنت حامل في شهري الأخير، وتركت زوجي بالخرطوم، وعانينا كثيراً في رحلة استمرت 10 أيام من أبوحمد حتى منطقة “الأبيار” على الحدود المصرية السودانية والتي جلسنا بها ثلاثة أيام، مضيفة في “الأبيار” كنا نأكل وجبة “العصيدة” والتي تكفي فردين بـ 4 آلاف جنيه سوداني، وبعدما اتفق معنا صاحب السيارة بأنه سيدخلنا إلى أسوان بـ 500 ألف جنيه سوداني للفرد، تركنا على الحدود، وقالت إن هناك سائق مصري آخر سيدخلنا أسوان، وتفاجأنا بطلب دفع مبلغ آخر حوالي 500 جنية مصري للفرد، وتابعت انطلقت بنا السيارة في طريق صعب جداً وكنا مربطين بالحبال، وكان معنا رجل كبير السن كان يدلدل ساقيه خارج بوكس السيارة كباقي الرجال، وجاءت سيارة أخرى بسرعة جنونية فاحتكت بسيارتنا، وتمت إصابة هذا الشيخ الكبير في كف رجله اليمين وكادت أن تنفصل عن ساقه، وظلت كفه مدلدلة حتى وصلنا أسوان، وبعد صمت حزين تخلله فزع وخوف واصلت إشراقة حديثها، لاقينا أهوالاً في الطريق ما بين الحدود السودانية والمصرية، ولم أنس ” التخزينة” التي تركنا فيها السائق لمدة يومين وقال سأعود، ولكنه لم يعد، وجاءت سيارة أخرى وسارت بنا حتى وصلنا منطقة “الكسارات” على مشارف أسوان.

سأعود للسودان

وهي في غاية التعب والإجهاد، تواصل إشراقة حديثها: استقبلتنا عربات “التكتوك” المصرية بعد حالة من الزعر لعدم القبض علينا من الشرطة المصرية، وأوصلونا إلى منطقة داخل أسوان اسمها “الصداقة” وقالوا لنا لابد أن نغير ملابسنا ونستحم من غبار السفر حتى لا ترصدنا السلطات المصرية، لنجد تكاليف أخرى للحمام بـ 200 جنيه مصري للفرد و100 جنية أخرى للساندوتش وهذه محطة أخرى من الإبتزاز والتحايل علينا، وخرجنا من الشقة وعند عودتنا وجدنا كل أمتعتنا وذهبنا ونقودنا قد سرقت، وعرفنا بعد ذلك أن هذه المنطقة بها سودانيين ومصريين يسرقون شقق هذه المنطقة، وقالت بعد كل هذا التعب والابتزاز الذي تعرضنا له، وجدنا إجراءات طويلة في التسجيل في مفوضية اللاجئين، وتكاليف باهظة في المعيشة، مضيفة رغم أنني أقمت مع أحد أقاربي في شقته بمنطقة فيصل، إلا أن الوضع غير مريح لي ولا لأسرة قريبي، وأنا الآن أفكر في العودة للسودان مرة أخرى، وسأرتب لذلك بعد شهر رمضان، وأعلم جيداً أنه تنتظرني رحلة موت أخرى في طريق العودة ولكن هذه المرة غير متأكدة إن كنت سأصل سليمة أنا وأطفالي الثلاثة أم أن القدر سيكون له رأي آخر.

رصد وترحيل

في الأثناء تنشر فيديوهات لمصريين على وسائل التواصل الإجتماعي تؤكد أنه صدر قرار من السلطات المصرية سيطبق في الأيام المقبلة برصد أي لاجئ لم يكمل إجراءاته سواء باستلام كارت الإقامة أو الكارت الأصفر من مفوضية اللاجئين، وسيتم ترحيله فوراً من البلاد، كما يتردد أن أي أجنبي سيدخل مستشفى دون إكمال إجراءاته سيتم التحفظ عليه وترحيله أيضاً، حكاوى كثيرة وأقاويل يتداولها السودانيون في “قروباتهم” على وسائل التواصل الإجتماعي تزيد من حالة القلق والهلع التي يعيشونها داخل مصر.

تغض الطرف

وللتأكد من هذه الأحاديث أكد مصدر مطلع أن أي دولة بالتأكيد لديها اجراءاتها الخاصة بها. وقال المصدر لـ ” المحقق” من الطبيعي أن تكون هناك مثل هذه الإجراءات، ولكن هي معنية بالذين دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية، والذين تكاسلوا في إنهاء إجراءات اقاماتهم، مستدركاً في الوقت نفسه ولكن السلطات المصرية تغض الطرف كثيراً عن السودانيين نتيجة ظروف الحرب القاسية التي تعرضوا لها، مضيفاً لكن مع طول زمن الحرب في السودان والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها مصر، يجب على الجميع أن يلتزم باتمام إجراءاته حتى لا يتعرض للمساءلة والترحيل.

القاهرة – صباح موسى: المحقق

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: السلطات المصریة رحلة العودة فی السودان مرة أخرى فی رحلة إلى مصر فی طریق فی مصر

إقرأ أيضاً:

???? إلى الحمقى الذين يطالبون بفصل دارفور

من أحاجي الحرب( ٩٩٤٠ ):
كتب: م. Suliaman Siddig Ali
□□ إلى الحمقى الذين يطالبون بفصل دارفور
□ سكان دارفور القدامى تعرضوا للمضايقات الناجمةعن
الهجرات الجماعية لعربان الصحراء، قبل أن يغزو هؤلاء العربان السودان كله مما اضطرهم إلى النزوح شرقاً، وقد ظلوا يشاركون سكان السودان القدامي حول حوض النيل القلق من تزايد أطماع عربان الصحراء في أراضيهم وحواكيرهم، لذلك انحاز كثير منهم الى الاتحاديين عندما قام عبد الرحمن المهدي بتجميع القبائل العربية في جبهة واحدة بدعم من الادارة البريطانية التي عبأت تلك القبائل ضد غريمها المصري.
□ تظل دارفور هي حائط الصد الاول للأطماع و(التغريبات) المتجهة نحو النيل ما لم نؤسس لعلاقة جديدة قوامها التعاون مع السودان الكبير الذي يمتد على طول شريط السافنا من الهضبة الاثيوبية حتى ساحل المحيط الهادي.
□ اخطأ المركز خطأ استراتيجياً فادحا عندما خاف من ذراع دارفور الطويلة فتعاون مع الذراع الأطول التي امتدت من النيجر ومالي والساحل حتى سهول الجزيرة وولاية سنار.
□ دارفور ليست كالجنوب،
من ينادي بانفصال دارفور ينادي بتمزيق السودان في أعماق الأسر والنفوس، فدارفور موجودة في نهر النيل، والشمالية، حتى دنقلا، والجزيرة، والشرق حتى بورتسودان، وتكاد تكون موجودة في كل بيت، والسودان كله في المقابل موجود في دارفور.
□ لا تنسوا يا هؤلاء فضل أبناء دارفور في عودة الوعي بعد تغييبه بواسطة (قحت) وكفيلها، واستسلام النخب السياسية فهم من بدأوا معركة الكرامة السياسية، ولعلكم تذكرون وقفتهم في وجه (قحت) ومشروع الكفيل، وما عرف يومها باعتصام الموز وتكوينهم لجبهة ديمقراطية قوية، واحراجهم للقيادة بعد ان استسلمت للمشروع الشيطاني ودفعهم لها حتى نفذت ما كان يعرف بانقلاب ٢٥ اكتوبر، وانحيازهم اليوم للشعب والوطن والجيش في معركة الكرامة العسكرية، وتسخير منظماتهم في دول المهجر الاوربي لصالح المعركة، وانقاذهم لدارفور من السقوط وصمودهم في الفاشر، واغلاقهم للحدود الشمالية الغربية التي يمكن ان يتسلل منها العدو للشمالية، ونهر النيل، وينطلق منها لبقية البلاد.
□ ما ضرهم ان كان ذلك يحقق لهم مصالح خاصة، او يضمن لهم حقوقا عادلة في قسمة للسلطة والثروة.
#من_أحاجي_الحرب

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • بالحجاب.. ركين سعد تكشف عن كواليس «رحلة البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» قبل عرضه بهذا الموعد
  • فى رحلة البحث عن التريند.. بلوجرز 2024 بين الشهرة والمحاكم
  • انتشال جثة والبحث عن أخرى داخل حفرة المساخيط بكرداسة
  • السودان: رمطان لعمامرة يشدد على أهمية تغليب روح الحل، ويتمنى للسودانيين عاما سلميا
  • ???? إلى الحمقى الذين يطالبون بفصل دارفور
  • سفارة السودان في الرياض تعلن توجيهات من السلطات السعودية للسودانيين بالمملكة
  • تفاصيل شخصية ركين سعد في «رحلة البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» | صورة
  • قبل عرضه.. طرح البوستر التشويقي لفيلم «رحلة البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»| صورة
  • خيانة نَصّ !!
  • حادث مروع.. نجاة 35 سعوديا من الموت المحقق في تركيا