الفاو: جميع سكان غزة مصنّفون بين أعلى فئات الجوع الأمم المتحدة: نصف مليون شخص في غزة على حافة المجاعة

غزة مكان للموت واليأس هكذا تقول الأمم المتحدة التي تقف على جدار العجز والخيبة في الوقت الذي يموت فيه سكان غزة جوعاً وعطشا في ظل حصار شامل يفرضه الكيان الصهيوني ترافقا مع عدوانه على القطاع ومجازر الإبادة الجماعية التي يرتكبها بحق السكان.


الثورة / محمد الروحاني

صغارنا لا يستطيعون النوم من الجوع ولا طعام في أي مكان، هكذا تصرخ الأمهات الفلسطينيات بينما يقف الآباء طوابير أمام المخابز لعلهم يعودون برغيف خبز قد يشبع ولو بعضاً من جوع أطفالهم في حين يموت أطفال وهم ينتظرون.
إنها المأساة بكل ما لها من معنى.. جوع وأمراض وقتل وصواريخ وعطش وخوف وفزع وترويع ورعب وقلوب منكسرة وحزن فاض على اليابسة حتى أغرق البحر الذي يحتضن غزة.
هكذا حول جيش الاحتلال غزة إلى مقبرة جماعية، الناس يدفنون في الشوارع العامة، في كل شارع جثث وأضرحة وبيوت مدمرة تحتضن جثامين أصحابها وقصص وروايات وذكريات ودموع لن تجف لمن بقوا أحياء يحملون انكسارهم أينما يرحلون وينتظرون الموت، وخيام تنتشر ونازحون يموتون جوعاً وعطشا لتسجل هذه القطعة من الأرض أكبر كارثة إنسانية عرفتها البشرية في عقودها الأخيرة.
المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة أكد أن بعض العائلات تحصل خلال 48 ساعة على نصف وجبة غذائية فقط.. لافتا إلى أن الاحتلال يمنع وصول الشاحنات إلى محافظة شمال القطاع والوضع الإنساني في شمال غزة تجاوز المرحلة الكارثية، والمواطنون هناك لا يجدون حتى الأعلاف والحبوب.
أطفال يأكلون الحشائش وآخرون يموتون من الجوع
في مقطع فيديو متداول ظهر طفل فلسطيني وهو يأكل من العشب.. فيما ظهرت طفلة فلسطينية في مشهد مصور وهي تحاول التقاط بقايا طعام من قدر، وتحاول بأصابعها النحيلة أن تأكل ما بقي من الطعام لتسد جوعها.
ويبقى موت الطفلة جنى قديح « 14 عاما» في منتصف ديسمبر الفائت كشاهد على عظم جريمة العدو الصهيوني، حيث ظلت لثلاثة أيام متواصلة لا تجد لقمة واحدة حتى استشهدت جوعا ودفنت في مدرسة إيواء بالقرب من معبر رفح.
وعقب أيام كشفت الناشطة ندى عصفور لوسائل الإعلام عن موت أطفال من الجوع في مجمع ناصر الطبي.. كما مات الرضيع جمال كفارنة من الجوع أيضاً.. فيما تؤكد شهادات أخرى لفلسطينيين موت العديد من الأطفال في غزة من الجوع.

المستوطنون يعيقون وصول المساعدات
وفي ظل الحصار الشامل الذي يفرضه الكيان الإسرائيلي على قطاع غزة، توعز حكومة الاحتلال للمستوطنين الصهاينة بإعاقة وصول المساعدات، حيث أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قبل أيام أن الكيان الإسرائيلي صعد من إجراءاته لتقييد وصول المساعدات عبر عدة آليات، منها السماح لمجموعات من المستوطنين المتطرفين بموافقة شرطة الاحتلال، وبناء على أوامر وزير الأمن القومي في كيان الاحتلال «إيتمار بن غفير»، بتعطيل مرور شاحنات المساعدات من معبر «كرم أبو سالم»، وتكرر ذلك عدة مرات.. مشيرة إلى انه نتيجة لذلك يعاني مئات الآلاف من السكان في شمال قطاع غزة من جوع حقيقي وحرمان متواصل وشديد من المواد الغذائية، فيما تبقى هناك مؤشرات عالية على بدء انتشار المجاعة في تلك المنطقة، وتسبب ذلك بخسران جميع السكان أكثر من 1200 طن من أوزانهم، نتيجة الحرمان من الغذاء الكافي، وهو ما ستكون له تأثيرات مستقبلية خطيرة على صحتهم وجهازهم المناعي، وسيؤدي إلى حالات وفاة كبيرة تفوق الأعداد الكبيرة الناجمة عن القتل المباشر.
وأشار المرصد إلى ما أعلنه المفوض العام للأونروا «فيليب لازاريني»، أن آخر عملية توزيع للمواد الغذائية في شمال وادي غزة، نفذتها الأونروا كانت في 23 يناير الماضي، وأن الكيان الإسرائيلي رفض منذ بداية العام نصف طلبات إرسال المساعدات التي قدمت للشمال.
ووفق «لازاريني»، حددت الأمم المتحدة مناطق عميقة من المجاعة والجوع في شمال غزة، فيما أكدت المعطيات الواردة في تقارير آليات عمل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أن جميع سكان قطاع غزة، أي بنسبة 100%، يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد الشديد، بينما أكثر من نصف مليون شخص في مرحلة المجاعة، ويعانون من الحالة القصوى من حرمان الغذاء، وازدياد في حالات الوفاة الناتجة عن الجوع أو سوء التغذية أو الأمراض المرتبطة بهما.
وكان المرصد قد وثق حادثة وفاة المسن الفلسطيني أحمد شاكر عايش عن عمر يناهز الـ70 عاما، الذي أفاد أقاربه بأنه مات جوعا في مخيم الشاطئ في مدينة غزة في 28 يناير.. فيما ذكر تقرير لوكالة الأناضول أن مئات الآلاف من الفلسطينيين في مناطق شمال غزة، اضطروا إلى أكل أعلاف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة بسبب نفاد الأغذية الأساسية، بعد 4 أشهر من الحرب والحصار المشدد.

مستويات غير مسبوقة من الجوع
منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، أكدت أن سكان قطاع غزة يعانون من مستويات “غير مسبوقة” في “ظروف تحاكي المجاعة” بسبب العدوان الصهيوني المتواصل على القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023م.
وبحسب المنظمة فإنّ نحو 550 ألف فلسطيني في القطاع يواجهون مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي، فيما تؤثّر الأزمة على جميع سكان القطاع.
ونقلت المنظمة عن نائبة مديرها العام بيث بيكدول قولها إنّ “ثمّة مستويات غير مسبوقة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، والجوع، وظروف تحاكي المجاعة في قطاع غزة، وأن هناك تزايداً للأشخاص الذين يقتربون من ظروف المجاعة.
وبيّنت بيكدول أنّ جميع سكان غزة البالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة مصنّفون بين أعلى ثلاث فئات للجوع، من المستوى الثالث الذي يُعَدّ “حالة طوارئ” إلى المستوى الخامس الذي يُعَدّ “كارثة.
ورأت نائبة المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة أنّه “في هذه المرحلة، قد يكون نحو 25 % من سكان قطاع غزة مصنّفين في المستوى الخامس وهو أعلى مستويات الجوع.
ولفتت بيكدول إلى أنّه قبل العدوان، كان لدى الفلسطينيين في غزة “قطاع إنتاج فواكه وخضراوات ذاتي الاكتفاء” مع بيوت بلاستيكية، كذلك “كان لديهم قطاع قوي لتربية الماشية” دمرها جميعها جيش الاحتلال الإسرائيلي.

تحذيرات بالجملة من المجاعة في غزة
وفي هذا الإطار قال المدير القُطري لبرنامج الأغذية العالمي في الأراضي الفلسطينية ماثيو هولينغورث: إن سكان قطاع غزة يعيشون “كارثة إنسانية ملحمية” وسط الجوع وانتشار الأمراض.
وأتى ذلك بعدما كان البرنامج قد حذّر من أنّ فلسطينيي غزة مهدّدون بالمجاعة، مؤكداً أنّ هذا التهديد يتفاقم أكثر فأكثر.
من جهتها، حذّرت وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، أخيراً، من أنّ حياة 300 ألف فلسطيني على أقلّ تقدير معرّضة للخطر في شمال قطاع غزة ووسطه بسبب نقص الغذاء، وذلك وسط عرقلة الكيان الإسرائيلي إدخال المساعدات مع تواصل عدوانها على القطاع.
وقبلها أفاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأنّ أربعة أشخاص من كلّ خمسة يُعَدّون من الأكثر جوعاً في العالم موجودون في قطاع غزة.

المساعدات لم تدخل منذ أسبوع
وفي نهاية الأسبوع الماضي قال الهلال الأحمر الفلسطيني: إنه منذ حوالي أسبوع لم يستلم مساعدات عبر معبر رفح بسبب استمرار مظاهرات المستوطنين الصهاينة التي تعرقل عملية تفتيش الشاحنات من سلطات الاحتلال عند معبر العوجا.
وكانت الخارجية الفلسطينية قد أكدت أن المجاعة التي يعانيها قطاع غزة سياسة إسرائيلية، تهدف للتجويع المتعمد واستكمال الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني.. مشيرة إلى أن عدداً من التقارير الأممية ومختلف الجهات الدولية المختصة بقضية الغذاء والتغذية وحقوق الإنسان والتي أقرت جميعها أن المواطنين في قطاع غزة يعانون نقصا عاما وحادا في الغذاء، وانتشار الجوع على نطاق واسع بين الأسر الفلسطينية التي تمضي أياماً كاملة دون الحصول على أي طعام، وان أكثر من نصف مليون شخص في قطاع غزة يتضورون جوعا، وأن 4 من كل 5 جائعين في العالم يتواجدون في قطاع غزة، وأن 95 % من أطفال قطاع غزة لا يتوفر لهم الحليب والمواد الغذائية ويعانون من سوء التغذية، وان 1.9 مليون نازح يتواجدون في مراكز الإيواء يتعرضون لجوع شديد، وأن 50 ألف امرأة حامل في هذه المراكز بلا ماء ولا دواء ولا رعاية صحية.
ونهاية الأسبوع الماضي قال مارتن غريفيث -وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، إن هناك نصف مليون شخص في غزة على حافة المجاعة، يفتقرون لأبسط الحاجات الأساسية من غذاء وماء ورعاية صحية.. مضيفا أن الحرمان الذي يعاني منه سكان غزة قاسٍ وعميق، وأي قدر من المساعدات لن يكون كافيًا لحاجاتهم، مشيرًا إلى أن الأمم المتحدة طلبت من إسرائيل كقوة محتلة لغزة تسهيل وصول المساعدات، دون جدوى.
من جانبها قالت اليونيسف إن أكثر من 80 % من أطفال قطاع غزة يعانون من فقر غذائي حاد، وان آلاف الأطفال دون سن الـ 5 يعانون من سوء التغذية، وهم عرضة لمخاطر سوء التغذية الحاد والوفاة بسبب ذلك.
ووفقا لمدير عام منظمة الصحة العالمية فإن جميع الناس في قطاع غزة يواجهون الجوع ويضطرون لبيع ممتلكاتهم مقابل الغذاء، وأن الآباء والأمهات يحرمون أنفسهم من أي طعام لإطعام أبنائهم مما يعني وجود كارثة حقيقية على صحة الناس في قطاع غزة.
واستنادا إلى البيانات السابقة، أكدت وزارة الخارجية الفلسطينية أن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ليس جوعا وتجويعا فقط وإنما هو مجاعة حقيقية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، تهدد حياة المواطنين لخطر الموت جوعا، بل وتموت أعدادا يومية منهم بسببها».
وشددت على أنه استنادا إلى المعايير المعتمدة لدى الأمم المتحدة، فإن المواطنين في قطاع غزة يتعرضون للمجاعة ومخاطرها وانتشار سوء التغذية.. مطالبة الأمم المتحدة «بالإعلان رسميا عن أن قطاع غزة يعاني من مجاعة حقيقية تهدد حياة المواطنين بالموت بسبب حرب الإبادة الجماعية والحصار المفروض على الشعب الفلسطيني».
كما طالبت مجلس الأمن الدولي بتحميل إسرائيل المسؤولية عن الإبادة بالمجاعة وكسر الحصار على قطاع غزة الذي تفرضه القوات الإسرائيلية وتنفيذ القرار 2720 بأسرع ما يمكن لوضع حد للمجاعة التي تنتشر في قطاع غزة.
يشار إلى أن الكيان الإسرائيلي قد شن حملة تحريض جديدة ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي تعد الجسم الأكبر لتقديم المساعدات للفلسطينيين في القطاع، بدعوى مشاركة 12 من موظفيها في هجوم الـ 7 من أكتوبر الماضي.
تلا ذلك قيام 18 دولة بقطع تمويل الوكالة الأممية التي تقوم بإيواء أكثر من 1.2 مليون لاجئ من أصل 1.9 مليون لاجئ في قطاع غزة، ومن شأن قطع التمويل الذي يأتي كشكل من أشكال العقاب الجماعي للفلسطينيين بأكملهم أن يوقف عمل الوكالة الأممية مع عدم وجود بديل عنها، الأمر الذي يعني تكريسًا لحالة التجويع وانتشار المجاعة واليأس وانقطاع الخدمات الأساسية في قطاع غزة.

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: الکیان الإسرائیلی نصف ملیون شخص فی وصول المساعدات الأمم المتحدة سکان قطاع غزة سوء التغذیة فی قطاع غزة یعانون من جمیع سکان من الجوع سکان غزة فی شمال أکثر من فی غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

السودان يقاوم الجوع والاغتصاب والتدمير الممنهج.. مأساة شعب تحاصره المطامع

تزداد الأزمة السودانية الإنسانية تعقيدًا لتصبح الأشدَّ كارثيةً في العصر الحديث، حيث تتداخل حرب أهلية مدمرة مع: انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان، تدمير كامل للبُنى التحتية، انتشار الأوبئة القاتلة، إضافةً إلى المجاعة التي تهدد بفناء الملايين من أبناء الشعب السوداني.

ووفقًا لتقارير المنظمات الدولية فإن أكثر من 30 مليون سوداني يصارعون الموت والأمراض والجوع، من بينهم 16 مليون طفل يدفعون ثمنَ تمرد الدعم السريع وتواطؤ دول إقليمية ودولية على قتلهم وتدميرهم.

ومن أشد الصور بشاعةً: الاستهداف الممنهج للقطاع الصحي، حيث تحوِّل الميليشيات المستشفيات إلى ثكنات عسكرية، واستخدام الاغتصابات الجماعية سلاحًا لإذلال الشعب، وإبادة قرى بكاملها تحت سمع العالم وبصره. وكل هذا يُبرز أن الحرب على السودان ليست مجرد تمرد ميليشيا على الدولة، وإنَّما هي تبلور انعكاسًا لمطامع دولية في ثروات السودان، وأحقاد إقليمية على هذا الشعب المتمسك بسيادته ووحدة أراضيه.

ومن خلال تقارير أممية دامغة، وشهادات ميدانية صادمة، يُكشف النقاب عن أدوار خفية لدولٍ تتبارى في استغلال المأساة السودانية لنهب ثروات هذا الشعب والسيطرة على مقدراته.

تورط خارجي

تشهد الأزمةُ في السودان تدخلاتٍ خارجيةً مثيرةً للجدل، تُفاقِم من حِدة العنف وتعقِّد جهودَ إحلال السلام، و يحوِّل الصراع إلى ساحةٍ لتصفية الحسابات الچيوسياسية، ويعمِّق معاناة المدنيين وسط تصاعدٍ مريعٍ في أعداد الضحايا وتدمير البُنى التحتية.

العنف الجنسي كسلاح حرب

تحوَّل العنف الجنسي في السودان إلى أداة وحشية لإخضاع المجتمع وتفكيك نسيجه الاجتماعي، حيث وثَّقت تقارير الأمم المتحدة 1، 138 حالةَ اغتصاب في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، تشمل 36 حالة من الاسترقاق الجنسي والاحتجاز القسري، بين ضحاياها أطفال دون الخامسة.

ولا يقتصر هذا العنف على كونه انتهاكًا جسديًّا، بل يُستخدم سياسيًّا لإجبار الأسر على النزوح القسري أو تسليم أبنائها للتجنيد في صفوف الميليشيات، كما كان في ولاية الجزيرة، حيث أُجبرت عائلات على تزويج بناتها قسرًا تحت تهديد السلاح.

وفي جلسة مجلس الأمن، الخميس الماضي، أدانت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا هذه الممارسات، وطالبت بمحاسبة الجناة عبر آليات دولية، ودعم الناجيات عبر توفير خدمات الرعاية النفسية والملاجئ المؤقتة. إلا أن استمرار الميليشيا دون عقاب، وتراجع التمويل الدولي لبرامج الحماية، ينذران بتفاقم المعاناة في ظل صمت دولي يغذي ثقافة العنف ويعمِّق جراح الضحايا.

تدمير المنظومة الصحية وانتشار الأوبئة

أصبحتِ المنظومة الصحية في السودان شاهدًا على دمار ممنهج تخلِّفه الصراعات المسلحة، حيث حوَّلت قوات الدعم السريع مرافق طبية حيوية إلى ثكنات عسكرية، كـمستشفى شرق النيل ومركز قطر لغسيل الكلى، ما أدى إلى تدمير 20 ماكينة متخصصة في غسيل الكلى، وحرمان آلاف المرضى من خدمات كانت تنقذ حياتهم. ولم يقتصرِ الأمر على السلب والنهب، بل شمل تحطيم البُنى التحتية للمستشفيات، وتحويل أقسام الطوارئ إلى مقرات لوجستية، مما أفقد البلادَ قدرةً حيويةً على مواجهة الكوارث الإنسانية.

وفي ظل انهيار أنظمة الصرف الصحي وتلوث مصادر المياه، تفاقمتِالأزمات الصحية لتنشأ بؤر لانتشار أوبئة كـالكوليرا والملاريا وحمى الضنك، خاصة في مناطق مثل شرق النيل، حيث تعاني السلطات من صعوبات بالغةفي جمع الجثث المتحللة من بين أنقاض المعارك، مما يهدد بتفشي الأوبئة. وتشير تقارير محلية إلى أن تراكم النفايات الطبية والمخلفات البشرية حوَّل أحياء كاملة إلى أماكن غير صالحة للعيش، مع ارتفاع حاد في معدلات الوفيات بين الأطفال وكبار السن.

أمام هذا الوضع الكارثي، أطلق مسؤولون سودانيون نداءات عاجلة لإعادة تأهيل المرافق الصحية المدمَّرة، إلا أنهم يواجهون عقبات جسيمة تتمثل في:شُحِّ الموارد المالية، نقص الدعم الدولي، فضلًا عن استمرار الأعمال العدائية التي تعوق جهود الإصلاح.

ورغم المحاولات الأولية لاستعادة بعض المستشفيات، مثل بدء حملات تعقيم في شرق النيل، تظل الحاجة ملحةً إلى تقديم مساعدات دولية عاجلة لإنقاذ القطاع الصحي من الانهيار التام، وحماية المدنيين من تداعياتٍ أصبحت تهدد وجودَهم ذاته.

تراجع التمويل

شكَّل قرار إلإدارة الأمريكية بإلغاء المساعدات الخارجية ضربةً قاصمةً لأبناء السودان الذين يعانون من ويلات الحرب، وهم في أمسِّ الحاجة لتلك المساعدات، إذ خفَّضت 83% من برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، التي كانت بمثابة شريان حياة لملايين السودانيين، ويثير هذا القرار مخاوفَ من تعطيل برامج حيوية تعالج سوء التغذية وتوفر الرعاية الطبية الطارئة، في وقت يحتاج فيه أكثر من 30 مليون سوداني -نصفهم أطفال- إلى مساعدات عاجلة.

من جهتها، حذرت منظمة اليونيسف من أن تقليص التمويل سيعطل إيصال المساعدات إلى 16 مليون طفل، بينهم 1.3 مليون يعيشون في مناطق مجاعة، و3 ملايين معرَّضون لأمراض قاتلة مثل الكوليرا والملاريا. وأكدت أن استمرار تقليص المساعدات يفاقم من «دوامة المعاناة» التي تهدد بضياع جيل كامل بسبب الجوع والعنف وانعدام الرعاية الصحية.

واقترح الأمين العام لمنظمة أطباء بلا حدود اعتماد «ميثاق إنساني» مدعوم بآليات مساءلة مستقلة، لمراقبة التزام الأطراف بتسهيل وصول المساعدات، ومعاقبة مَن يعرقلها.

ويركز المقترح على إنشاء نظام دولي لرصد الانتهاكات، بدلًا من التصريحات الفضفاضة التي تفتقر إلى آلية تنفيذ، مما يعيد الأمل في إنقاذ حياة الملايين عبر ضمان تدفق المساعدات دون عوائق سياسية أو عسكرية.

المجاعة.. السيناريو الأسوأ

حذرتِ المنظمات الدولية من وقوع مجاعة في خمس مناطق بشمال دارفور وجنوب كردفان، فيما ترشح 17 منطقة أخرى لدخول مأساة المجاعة. حيث تكشف بيانات هذه المنظمات الدولية عن انهيارٍ شبه كامل للنظام الغذائي في تلك المناطق، وسط تقاعس دولي عن تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، الذين يعتمدون بشكل كلي على المساعدات في بقائهم على قيد الحياة.

وتُظهر الأرقام الصادمة حجمَ المأساة: فـ1.3 مليون طفل دون الخامسة يعيشون حاليًّا في بؤر المجاعة المعلنة، بينما يعاني 3 ملايين طفل من سوء التغذية الحاد، الذي يهدد حياتَهم بالإعاقات الدائمة أو الموت البطيء بسبب نقص المناعة وانتشار الأوبئة.

ولا تقتصر الكارثة على النقص الغذائي، بل تمتد لتفكيك البُنى الاجتماعية، حيث تجبر قوات التمرد الأسرَ على بيع ممتلكاتهم وتزويج بناتهم القاصرات لأفراد الميليشيا مقابل الطعام، أو إجبارهم على تجنيد أحد أفراد الأسرة مقابل بقاء البقية على قيد الحياة.

وهذا الوضع، الذي تصنِّفه الأمم المتحدة كواحد من أسوأ أزمات الجوع منذ عقود، يتطلب، أولًا: وقف التدخل الدولي في الأزمة السودانية، ثانيًا: تقديم المساعدات الإنسانية بشكل عاجل دون ربطها بتحقيق مصالح سياسية للداعمين، وثالثًا: التجريم الصريح لأفعال الميليشيا ومحاسبتها دوليًّا وجنائيًّا على تلك الأفعال.

مشاهد من المأساة

نقلت وبشكل منتظم، وسائلُ الإعلام المختلفة تلك المشاهد المأساوية التي يظهر فيها الآلاف من أبناء الشعب السوداني -خاصة النساء والأطفال- وهم يهرولون من قراهم على الحدود مع تشاد تحت زخات البنادق والمدافع التي تُطلقها ميليشيا الدعم. وما بين أملٍ في النجاة وتوسُّل لأفراد الميليشيا، استقبلت رمال الحدود السودانية أنهارًا من الدموع والدماء، لتعكس هذا المشهد الجنوني من رغبة جزء من أبناء الوطن في القتل والذبح والإفناء بلا رحمة، خاصة في مواجهة المدنيين العزل.

كان صوت النساء النائحات على أزواجهن الذين ذُبحوا أمامهن، أو الثكالى على أطفالهن الذين نُحروا على يد الميليشيا، أو حتى هذا المتاع القليل الذي نهبته أفراد الميليشيا، وغيرها من الصور التي تكررت في مئات القرى، ومع عشرات الآلاف من أبناء دارفور.. نقول: كان كل هذا وغيره يعكس وحشيةَ هذه الحرب، وصدمةَ وذهولَ المراقبين الذين لم يتوقعوا يومًا أن جزءًا كان ينتمي للجيش السوداني ويقوم بحماية حدوده ينقلب حاله اليوم فيرتكب كل تلك الجرائم ضد الإنسانية، والمخالفة لكل القوانين الدولية، ليس لأن المدنيين شاركوا في قتالهم، ولكن لأن المدنيين فقط ينتمون إلى عِرقيات أخرى!! إنها مأساة العنصرية والجهل والقتل بالعمالة التي اصطبغت بلونها جرائمُ الحرب الدائرة في السودان الآن.

ومن دارفور إلى الخرطوم، وفيما يشبه أفلام الخيال، اختطفتِ الميليشيا الفتيات بعد ذبح أسرهن، ليتم اغتصابهن ثم بيعهن في أسواق (الجلابة) باعتبارهن عبيدًا وسبايا حروب!! إنها قمة المأساة الإنسانية التي تعيد أفعالَالبشر إلى المستوى الوحشي ما قبل الحضارة.

وفي كردفان دخلتِ الميليشيا البيوتَ للقبض على الأطفال وتجنيدهم قسرًا، وبدلًا من الذهاب إلى المدارس وممارسة الطفولة لعبًا وتعلُّمًا، تم اختطافُالأطفال للقتال، وقتل المئات من الأسر التي ترفض تسليم أطفالها للقتال مع قوات التمرد، ويتم تقييد هؤلاء الأطفال بسلاسل داخل العربات المسلحة حتى لا يهربوا من الميدان.

وكل هذه المشاهد لم توقظ ضميرَ العالم كي يفيق من سُباته ويهبَّ لينقذ الشعبَ السوداني ويقف ضد هذه الجرائم العلنية، التي نقلتها في معظم الأحيان هواتفُ أفراد الميليشيا أنفسِهم ولم تأتِ من الطرف الآخر في الجيش السوداني.

الحل سهل ميسور لو خلصتِ النيات

ويبقى أن قرار إنهاء الأزمة في السودان هو الأسهل في الصراعات الإقليمية، لأن الضغط على الأطراف الداعمة ومنع تقديم الأسلحة للميليشيا يسهم بشكل فوري في إيقاف هذه المأساة الإنسانية. ويُجمع المراقبون على أن إنهاء الأزمة يتمثل في:

1. فرض عقوبات دولية صارمة على الدول والجهات الداعمة لـقوات الدعم السريع، عبر: حظر توريد الأسلحة، تجميد أصول القادة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان، وجوب تفعيل آليات أممية لمحاسبة الجهات الخارجية التي تخالف اتفاقيات حظر نقل الأسلحة إلى مناطق النزاع.

2. حتمية توجيه تمويل دولي مستدام لبرامج الرعاية الطبية والنفسية للفارين من ويلات الحرب خاصة النساء والأطفال، وضرورة دعم منظمات المجتمع المدني التي توثِّق هذه الانتهاكات لملاحقة المجرمين أمام المحاكم الدولية.

3. إعادة إعمار السودان بعد تدمير مدنه الرئيسية بشكل شبه كامل، مع استعجال إعادة بناء وتأهيل المنشآت الطبية والخدمية باعتبارها المقومات الأساسية لبقاء الناس على قيد الحياة، عبر تعزيز التعاون بين الحكومة السودانية والمانحين الدوليين لتمويل مشاريع إعادة الإعمار، ويشمل ذلك:إصلاح شبكات المياه الملوثة، إعادة تأسيس المستشفيات، وتوفير معدات طبية حديثة لمواجهة الأوبئة.

4. وجوب ضغط المجتمع الدولي على قوات الدعم السريع لفتح ممرات آمنة لمواد الإغاثة، مما يسمح بتدفق المساعدات، ووصولها إلى الجائعين والمحتاجين، وخاصة النازحين في مخيمات اللجوء.

اقرأ أيضاًوزير خارجية السودان: القوى المدنية مسؤولة عن الحرب.. ومصر المستهدف الرئيس مما يجري حاليًا

الجيش السوداني: سيطرنا على موقف شروني المؤدي للقصر الجمهوري وسط الخرطوم

مقالات مشابهة

  • قطاع غزة يدخل رسمياً أولى مراحل المجاعة
  • الأمم المتحدة: الموقع الذي تعرض للقصف الإسرائيلي في غزة كان بمنطقة معزولة
  • الصليب الأحمر: سكان غزة يحتاجون بشدة لهدنة ومساعدات إنسانية منقذة للحياة
  • منسق الأمم المتحدة للإغاثة في حالات الطوارئ : الوضع في غزة يزداد سوءا مع استئناف الغارات الجوية
  • الأمم المتحدة تعقب على استئناف القتال في غزة
  • بعد استئناف الحرب..غوتيريش يعبر عن "صدمته" من الضربات الإسرائيلية على غزة
  • السودان يقاوم الجوع والاغتصاب والتدمير الممنهج.. مأساة شعب تحاصره المطامع
  • الأمم المتحدة: حصار «زمزم» يفاقم المجاعة وسوء التغذية يتفشى في الخرطوم
  • حصار مخيم زمزم يفاقم المجاعة، وسوء التغذية يتفشى في الخرطوم
  • مسيرة حاشدة في لحج تأكيدا على نصرة غزة ومواجهة التصعيد الأمريكي