تفتقدها تونس بعد أن واجهت نظامي بورقيبة وبن علي.. تعرّف على المحامية راضية النصراوي
تاريخ النشر: 21st, July 2023 GMT
تونس- "نبتت بين المظلومين ولمّا غدا عودها صارت شجرة تظللهم من لفحات الظلم واستبداد النظام"، بهذه الكلمات يصف رفاق المحامية التونسية راضية النصراوي المرأة التي تعرفها غرف التوقيف ودهاليز التعذيب المظلمة وأروقة المحاكم وهي تدافع عن السجناء والنشطاء التونسيين.
وما يحسب للنصراوي، أنها لم تتوان في الدفاع عن كلّ من تعرّض للتعذيب، حيث لم تفرّق -في القضايا التي تتولاها- بين شخص وآخر بناء على انتماءاته السياسية أو الأيديولوجية، وكانت تدافع عن الجميع في قضايا الحق العام.
وتحتل النصراوي رمزية خاصة في أذهان التونسيين، حيث يقترن يوم 14 يناير/كانون الأول 2011 بصورتها وهي تبحث عن زوجها المسجون آنذاك المعارض اليساري حمة الهمامي، وكانت قد أضربت عن الطعام 30 يوما لأجل ذلك غير آبهة بتدهور حالتها الصحية.
زوج النصراوي يؤكد أنها باتت قليلة الكلام بسبب المرض، وسبق لها أن عبرت عن غضبها مما يجري في تونس هذه الأيام (مواقع التواصل الاجتماعي) مسيرة النضالولدت راضية النصراوي في 21 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1953 في محافظة الكاف غربي تونس، وبدأت نضالها الحقوقي في المرحلة الجامعية مساندة العمل السياسي اليساري، ثم ما لبثت أن حصلت على شهادة الكفاءة في المهنية عام 1975، وهي كما يصفها رفاقها، لم تكن كأي امرأة أو محامية عادية، فقد شكلت الحرية وتبنيها الدفاع عن المظلومين الفارق في مسيرتها.
أما زوجها السياسي حمة الهمامي، فيختزل صورة زوجته مستحضرا ما قاله الشاعر التونسي الطاهر الهمامي:
أرى النخل يمشي في الشوارع
بحديد المعامل وحصيد المزارع
ورغم الليالي ورغم المواجع
أرى النخل عالي ولا يتراجع.
وتبدو الحالة الصحية لزوجته التي أرهقها المرض، بسبب أنواع التعذيب التي تعرضت له، مستقرة اليوم كما يصفها الهمامي للجزيرة نت، مبينا أن النصراوي التي حُطِّم مكتبها وسُرقت سيارتها وضُيق على أسرتها، كانت قد تعرضت عام 2005 لاعتداء كاد يفقدها بصرها خلال مشاركتها في مظاهرة رافضة لزيارة رئيس وزراء إسرائيل الراحل أرييل شارون لتونس.
ويري المعارض اليساري أن زوجته ستظل "أيقونة" للنضال والعمل الإنساني وستبقى مواقفها ثابتة مناصرة للمظلومين، مؤكدا أن السلطات كانت تمنعها من التنقل لزيارة ضحايا التعذيب، فضلا عن تلقي موكليها تهديدات بسحب ملفاتهم من أجل محاصرتها اقتصاديا.
أما عن وضعها اليوم، فيؤكد الهمامي قائلا "إن راضية النصراوي باتت قليلة الكلام بسبب المرض، وسبق لها أن عبرت في أكثر من مناسبة عن غضبها مما يجري في تونس هذه الأيام، من خلال أسلوبها الصارم، وقالت منذ أكثر من أسبوعين بمناسبة تكريمها من قبل المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب: المقاومة.. المقاومة".
وينبه الهمامي إلى أنه "ينبغي التذكير بأن أكثر من جهة، وخاصة حركة حقوق الإنسان في تونس والمحامين والقضاة كثيرا ما نسمعهم يرددون: ما أحوجنا إلى راضية النصراوي في مثل هذه الظروف، لقد تركت فراغا رهيبا".
نشطاء وحقوقيون تونسيون يؤكدون أن غياب النصراوي ترك فراغا كبيرا (الجزيرة) المرأة الحديديةوتمتد مسيرتها في مناصرة المظلومين لسنوات طويلة، فقد أسست أول جمعية لمناهضة التعذيب في تونس عام 2003، كما تعرضت للاعتقال والتعذيب من قبل أجهزة الأمن مرات عديدة بسبب مواقفها المدافعة عن حقوق الإنسان.
وبالعودة إلى زوجها، فإنه يصفها أنها من بين أهم الشخصيات الحقوقية التي ساهمت في تأسيس جبهة 18 أكتوبر/تشرين الأول للحقوق والحريات عام 2005، التي تعد ائتلافا سياسيا مدنيا يضم سياسيين وحقوقيين من كل التيارات الفكرية في تونس.
ويؤكد الكاتب العام للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب وعضو الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات منذر الشارني أنه واكب مسيرة النصراوي الحقوقية، ولمدة تتجاوز 30 عاما، خاصة مواكبته لقضية زوجها حينما كانت تضطر للتنقل بين مدينتي قابس وتونس لزيارته في السجن في تسعينيات القرن الماضي، بعد أن كان متهما بقضايا انتمائه لما يعرف بـ"مجموعة قابس".
وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف الشارني أن النصراوي كانت تتعرض للعديد من الانتهاكات، حيث تم وضع مواد مدمرة بمحرك سيارتها في العديد من المرات، مؤكدا أن حياتها كانت مستهدفة من قبل جهاز نظام بن علي بسبب نشاطها الحقوقي، ويقول "كنت أرافقها في مواعيد سرية لا ينتبه لها البوليس التونسي، للقاء شخصيات من المنظمات الدولية من بينها منظمة العفو الدولية والتي كانت تعتمد النصراوي مصدرا للمصداقية آنذاك، فضلا عن أنها كانت تتعرض للإهانات والتفتيش في المطار".
وفي السياق، يتحدث السجين السياسي السابق صلاح الدين الجورشي، الذي حوكم بسبب نشاطه ضمن حركة الاتجاه الإسلامي (حركة النهضة) قائلا "لقد مُني نظام بن علي صاحب السلطة القوية، بهزيمة على يد امرأة سلام ترتدي جلباب العدالة، وهي تفضح ممارسته بنفس الثبات وبروحها العظيمة".
ولم يكتف الجورشي بذلك، إذ يضيف -في حديثه للجزيرة نت- أن النصراوي تعد امرأة متمردة تجتمع فيها كل صفات المرأة الحديدية، مضيفا "حين تعرضت للاعتقال في صائفة عام 1981، كانت تشجعني بعدم الخوف والاعتراف بأشياء لم أرتكبها"، مشيرا إلى أن النصراوي تعد من القلائل في قطاع المحاماة الذين تصدوا لنظام بن علي.
ونظرا لمواقفها، رُشحت النصراوي لجائزة نوبل للسلام عام 2011، في حين حصلت على جائزة رولاند بيرغر للكرامة الإنسانية من ألمانيا، وجائزة أولوف بالم لحقوق الإنسان السويدية عام 2012، في الوقت الذي أطلقت فيه بلدية القصرين اسمها على أحد شوارعها تكريما لها.
ويتذكر النشطاء الحقوقيون والسياسيون الذين قبعوا في السجون التونسية في عهدي بن علي وبورقيبة راضية النصراوي التي كانت تعد -وفق وصفهم- القنديل الذي ينير دهاليز السجون ويفضح جميع أشكال الانتهاكات.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
60 في المئة منها اختفت بسبب الحرائق والاستغلال.. مساع لإعادة تشجير غابات تونس
تراهن السلطات التونسية على إعادة تشجير مساحات واسعة من الغابات التي تضررت جراء الحرائق في السنوات الأخيرة.
وفقدت البلاد أكثر من 60 في المئة من غطائها الغابي بسبب الاستغلال المفرط لأراضي الغابات لأغراض زراعية وعقارية، كما خسرت على امتداد السنوات العشر الأخيرة نحو 56 ألف هكتار بسبب الحرائق، حسب إحصائيات رسمية.
وتغطي الغابات والمراعي 5 ملايين هكتار، وهو ما يمثل 34 في المئة من مجموع تراب البلاد، حيث تبلغ مساحة الغابات لوحدها مليون هكتار، 90 في المئة منها ملك للدولة و10 في المئة ملك للخواص، فيما تبلغ مساحة المراعي 4 ملايين هكتار، أكثر من 66 في المئة منها على ملك الدولة.
وفي خطوة نحو إعادة تشجير المساحات المحروقة، أطلقت السلطات التونسية تظاهرة "أسبوع الغابات التونسية" خلال هذه الفترة بهدف تعزيز الوعي بأهمية الغابات والتنوع البيولوجي في البلاد.
وفي هذا الخصوص، يقول مدير عام الغابات بتونس، محمد نوفل بن حاحة، إنه بعد تقييم الوضع في البلاد عقب الحرائق التي طالت الغابات في الأعوام الأخيرة، اتضح أنه من إجمالي 56 ألف هكتار تعرضت للحرائق، بعض المساحات استعادت منظومتها النباتية بطريقة طبيعية، فيما تقدر المساحة التي تستوجب إعادة التشجير بنحو 18 ألف هكتار وهي مساحة كبيرة.
مشروع الـ9 ملايين شجرةوفي إطار مساعي السلطات التونسية لترميم الغطاء النباتي المتضرر من الحرائق، يؤكد محمد نوفل بن حاحة لـ"الحرة" أنه يجري الإعداد لغرس 9 ملايين شجرة تم توزيعها على مختلف المنابت الغابية في البلاد، منها 5 ملايين شجرة معدة للغرس عن طريق إدارة الغابات، بالاشتراك مع منظمات المجتمع المدني، و4 ملايين شجرة مخصصة للبلديات.
ويضيف، في السياق ذاته، أنه تتم المراهنة على استراتيجية جديدة تقوم على البذر المباشر، وذلك بجمع البذور من الأشجار الغابية وإعادة زراعتها من جديد في المناطق المتضررة.
ويكشف المتحدث أنه فضلا عن التحديات المناخية المتمثلة في تسجيل ارتفاع قياسي في درجات الحرارة وتواتر مواسم الجفاف إلى جانب شح المياه، يواجه أعوان الغابات عديد الصعوبات، من بينها المضايقات والاعتداءات الجسدية، إضافة إلى سعي بعض المواطنين إلى الإضرار بالمساحات الغابية.
وتشير إحصائيات الإدارة العامة للغابات في تونس إلى أن القطاع الغابي يساهم بـ 1.3 في المئة من الناتج الداخلي الخام ويوفر 14 في المئة من الاحتياجات الطاقية للبلاد، فضلا عن مساهمته في توفير 30 في المئة من الدخل السنوي لسكان الغابات و6 ملايين يوم عمل.
الرهان الصعبويرى رئيس الجمعية العالمية للغابات المتوسطية، عبد الحميد الخالدي، أن توجه تونس لإعادة تشجير المساحات الغابية المحروقة "خطوة جريئة" في ظل "الصعوبات الكبيرة" المتعلقة بتداعيات التغيرات المناخية وضعف الإمكانيات والموارد لمجابهتها.
الحرائق التهمت مساحات واسعة من غابات تونس العام الماضيويؤكد الخالدي في حديثه لـ"الحرة" أن تونس بذلت "مجهودا كبيرا" في ستينات القرن الماضي لزراعة مساحات واسعة من الغابات وكانت تلك المرحلة تهدف إلى مقاومة البطالة، غير أن الأولويات في الظرف الراهن تغيرت بفعل العوامل المناخية التي رافقها ارتفاع وتيرة الحرائق واندثار أنواع كثيرة من الأشجار المقاومة للجفاف.
ويتابع الباحث في المجال الغابي موضحا أن التوجه الجديد لإعادة إحياء الغطاء الغابي في تونس "يتطلب الكثير من الإمكانيات، وليس بمقدور الحكومة التونسية لوحدها القيام بهذه العملية"، موضحا أن الأمر "يتطلب تظافر الجهود مع منظمات المجتمع المدني وتمويلات كبيرة"، بالإضافة إلى القيام ببحوث مسبقة حول طبيعة التربة التي تتماشى معها الأنواع النباتية التي يتم غرسها.
وتبعا لذلك، يدعو المتحدث السلطات التونسية إلى الانخراط في برنامج الأمم المتحدة الهادف إلى استرجاع المنظومات الطبيعية على مدى العشرية القادمة، والتكثيف من الحملات التوعوية لحث التونسيين على الانخراط في عمليات إعادة تشجير المساحات المتضررة.
ويشير تقرير صادر عن المرصد الوطني للفلاحة، حكومي تابع لوزارة الفلاحة التونسية، هذا العام، إلى أنه في أفق 2050 من المتوقع أن تفقد تونس نحو 18 ألف هكتار من غابات الفلين والخفاف التي تمثل 50 في المئة من مبيعات المنتجات الغابية وذلك بفعل التغيرات المناخية.