تونس- "نبتت بين المظلومين ولمّا غدا عودها صارت شجرة تظللهم من لفحات الظلم واستبداد النظام"، بهذه الكلمات يصف رفاق المحامية التونسية راضية النصراوي المرأة التي تعرفها غرف التوقيف ودهاليز التعذيب المظلمة وأروقة المحاكم وهي تدافع عن السجناء والنشطاء التونسيين.

وما يحسب للنصراوي، أنها لم تتوان في الدفاع عن كلّ من تعرّض للتعذيب، حيث لم تفرّق -في القضايا التي تتولاها- بين شخص وآخر بناء على انتماءاته السياسية أو الأيديولوجية، وكانت تدافع عن الجميع في قضايا الحق العام.

وتحتل النصراوي رمزية خاصة في أذهان التونسيين، حيث يقترن يوم 14 يناير/كانون الأول 2011 بصورتها وهي تبحث عن زوجها المسجون آنذاك المعارض اليساري حمة الهمامي، وكانت قد أضربت عن الطعام 30 يوما لأجل ذلك غير آبهة بتدهور حالتها الصحية.

زوج النصراوي يؤكد أنها باتت قليلة الكلام بسبب المرض، وسبق لها أن عبرت عن غضبها مما يجري في تونس هذه الأيام (مواقع التواصل الاجتماعي) مسيرة النضال

ولدت راضية النصراوي في 21 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1953 في محافظة الكاف غربي تونس، وبدأت نضالها الحقوقي في المرحلة الجامعية مساندة العمل السياسي اليساري، ثم ما لبثت أن حصلت على شهادة الكفاءة في المهنية عام 1975، وهي كما يصفها رفاقها، لم تكن كأي امرأة أو محامية عادية، فقد شكلت الحرية وتبنيها الدفاع عن المظلومين الفارق في مسيرتها.

أما زوجها السياسي حمة الهمامي، فيختزل صورة زوجته مستحضرا ما قاله الشاعر التونسي الطاهر الهمامي:

أرى النخل يمشي في الشوارع

بحديد المعامل وحصيد المزارع

ورغم الليالي ورغم المواجع

أرى النخل عالي ولا يتراجع.

وتبدو الحالة الصحية لزوجته التي أرهقها المرض، بسبب أنواع التعذيب التي تعرضت له، مستقرة اليوم كما يصفها الهمامي للجزيرة نت، مبينا أن النصراوي التي حُطِّم مكتبها وسُرقت سيارتها وضُيق على أسرتها، كانت قد تعرضت عام 2005 لاعتداء كاد يفقدها بصرها خلال مشاركتها في مظاهرة رافضة لزيارة رئيس وزراء إسرائيل الراحل أرييل شارون لتونس.

ويري المعارض اليساري أن زوجته ستظل "أيقونة" للنضال والعمل الإنساني وستبقى مواقفها ثابتة مناصرة للمظلومين، مؤكدا أن السلطات كانت تمنعها من التنقل لزيارة ضحايا التعذيب، فضلا عن تلقي موكليها تهديدات بسحب ملفاتهم من أجل محاصرتها اقتصاديا.

أما عن وضعها اليوم، فيؤكد الهمامي قائلا "إن راضية النصراوي باتت قليلة الكلام بسبب المرض، وسبق لها أن عبرت في أكثر من مناسبة عن غضبها مما يجري في تونس هذه الأيام، من خلال أسلوبها الصارم، وقالت منذ أكثر من أسبوعين بمناسبة تكريمها من قبل المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب: المقاومة.. المقاومة".

وينبه الهمامي إلى أنه "ينبغي التذكير بأن أكثر من جهة، وخاصة حركة حقوق الإنسان في تونس والمحامين والقضاة كثيرا ما نسمعهم يرددون: ما أحوجنا إلى راضية النصراوي في مثل هذه الظروف، لقد تركت فراغا رهيبا".

نشطاء وحقوقيون تونسيون يؤكدون أن غياب النصراوي ترك فراغا كبيرا (الجزيرة) المرأة الحديدية

وتمتد مسيرتها في مناصرة المظلومين لسنوات طويلة، فقد أسست أول جمعية لمناهضة التعذيب في تونس عام 2003، كما تعرضت للاعتقال والتعذيب من قبل أجهزة الأمن مرات عديدة بسبب مواقفها المدافعة عن حقوق الإنسان.

وبالعودة إلى زوجها، فإنه يصفها أنها من بين أهم الشخصيات الحقوقية التي ساهمت في تأسيس جبهة 18 أكتوبر/تشرين الأول للحقوق والحريات عام 2005، التي تعد ائتلافا سياسيا مدنيا يضم سياسيين وحقوقيين من كل التيارات الفكرية في تونس.

ويؤكد الكاتب العام للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب وعضو الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات منذر الشارني أنه واكب مسيرة النصراوي الحقوقية، ولمدة تتجاوز 30 عاما، خاصة مواكبته لقضية زوجها حينما كانت تضطر للتنقل بين مدينتي قابس وتونس لزيارته في السجن في تسعينيات القرن الماضي، بعد أن كان متهما بقضايا انتمائه لما يعرف بـ"مجموعة قابس".

وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف الشارني أن النصراوي كانت تتعرض للعديد من الانتهاكات، حيث تم وضع مواد مدمرة بمحرك سيارتها في العديد من المرات، مؤكدا أن حياتها كانت مستهدفة من قبل جهاز نظام بن علي بسبب نشاطها الحقوقي، ويقول "كنت أرافقها في مواعيد سرية لا ينتبه لها البوليس التونسي، للقاء شخصيات من المنظمات الدولية من بينها منظمة العفو الدولية والتي كانت تعتمد النصراوي مصدرا للمصداقية آنذاك، فضلا عن أنها كانت تتعرض للإهانات والتفتيش في المطار".

وفي السياق، يتحدث السجين السياسي السابق صلاح الدين الجورشي، الذي حوكم بسبب نشاطه ضمن حركة الاتجاه الإسلامي (حركة النهضة) قائلا "لقد مُني نظام بن علي صاحب السلطة القوية، بهزيمة على يد امرأة سلام ترتدي جلباب العدالة، وهي تفضح ممارسته بنفس الثبات وبروحها العظيمة".

ولم يكتف الجورشي بذلك، إذ يضيف -في حديثه للجزيرة نت- أن النصراوي تعد امرأة متمردة تجتمع فيها كل صفات المرأة الحديدية، مضيفا "حين تعرضت للاعتقال في صائفة عام 1981، كانت تشجعني بعدم الخوف والاعتراف بأشياء لم أرتكبها"، مشيرا إلى أن النصراوي تعد من القلائل في قطاع المحاماة الذين تصدوا لنظام بن علي.

ونظرا لمواقفها، رُشحت النصراوي لجائزة نوبل للسلام عام 2011، في حين حصلت على جائزة رولاند بيرغر للكرامة الإنسانية من ألمانيا، وجائزة أولوف بالم لحقوق الإنسان السويدية عام 2012، في الوقت الذي أطلقت فيه بلدية القصرين اسمها على أحد شوارعها تكريما لها.

ويتذكر النشطاء الحقوقيون والسياسيون الذين قبعوا في السجون التونسية في عهدي بن علي وبورقيبة راضية النصراوي التي كانت تعد -وفق وصفهم- القنديل الذي ينير دهاليز السجون ويفضح جميع أشكال الانتهاكات.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی تونس بن علی

إقرأ أيضاً:

الإعلام التونسي.. تحديات المهنية وسط العواصف السياسية

مقلقة وحزينة هي الأخبار الواردة من تونس هذه الأيام عن أوضاع الإعلام في تونس، ولا يعني ذلك أن أوضاعه من قبل كانت وردية في الماضيَين: القريب والبعيد، إلا أنّ مؤشرات متضافرة تقول إن التحديات الراهنة التي يمر بها تبدو أهم وأخطر من أي وقت مضى.

مشهد معلول

بين مهوّل ومهوّن يمكن القول إن الخوض في غمار المشهد الإعلامي في تونس يجعل أي مقاربة عرضة لنيران متباينة تصدر عن الفاعلين في المجال الإعلامي بنفس القدر الذي تصدر فيه عن دوائر ظاهرة وخفية تعتبر الإعلام والعاملين فيه من بين أهم رهاناتها.

في محاولة للهرب من دوامة الاستقطاب الداخلي الحاد يمكن أن نحيل على تقريرَين صدرا قبل أسابيع عن منظمتَي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، أجمعا على أن الإعلام في تونس يتعرض لما وصفته المنظمتان بالتصعيد من قبل السلطات التونسية؛ لقمعها الإعلام وحرية التعبير، خاصة في الأسابيع الأخيرة.

منظمة العفو الدولية قالت إن "السلطات التونسية تقضي منهجيًا على آخر مكتسبات ثورة ألفين وأحد عشر، والمتمثلة في حرية التعبير والصحافة قبل الانتخابات".

في هذا الصدد تشير المنظمات الحقوقية، ومن قبلها نقابة الصحفيين التونسيين إلى ما تعتبره العصا القضائية الغليظة التي تستعملها السلطات التونسية ألا وهي المرسوم 54، ذلك الذي بات منطلق ملاحقات قضائية طالت وجوهًا إعلامية بارزة يجمع بين أغلبيتها الساحقة انتقاد سياسات الرئيس التونسي قيس سعيّد.

يتعلق المرسوم 54 المثير للجدل وَفق منطوقه بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، ويتعرض من تتم إدانته بهذا المرسوم لعقوبات قاسية للغاية تصل حد عشر سنوات سجنًا وغرامات مالية ثقيلة.

في كل الأوقات التي مر بها هذا الجدل، كان الرئيس سعيد يؤكد أن الحريات العامة والإعلامية مكفولة في تونس، لكن ذلك لا يعفي من وجهة نظره من يتعمد نشر أخبار زائفة والنيل من ذمم الناس وثلْبهم انطلاقًا من وسائل الإعلام التقليدية أو مواقع التواصل الاجتماعي من الامتثال للقوانين.

طرح يرد عليه منتقدوه بملفات لملاحقات قضائية انبَنَت على مجرد تدوينات على موقع فيسبوك، تتضمن معارضة لسياسات الرئيس سعيد ولأداء الحكومات التي شكلها في ظل صلاحيات شبه مطلقة أسندها إلى نفسه بدستور هو من كتبه.

هكذا جرى الأمر من وجهة نظر هؤلاء المنتقدين مع عدد من الصحفيين، أبرزهم: محمد بوغلاب، ومراد الزغيدي، وبرهان بسيسي، وزياد الهاني، إلا أن المرسوم 54 اتسع في الملاحقات التي تستند إليه ليشمل مدونين ومواطنين عاديين وصل عددهم إلى عشرات، وسط تحذيرات من استفحال التأطير الأمني والقضائي للواقع التونسي وَفق هوى الرئيس سعيّد وأنصاره.

سياق أوسع

في الوقت الذي يذكر فيه المدافعون عن الحريات الإعلامية في تونس أنّ القوانين المعمول بها منذ سنوات تشمل ما قد يصدر عن الإعلاميين من تجاوزات، مؤكدين أن ما يرونه في الواقع إنما هو سياسة لتكميم الأفواه ومحاصرة الأصوات المستقلة، ترتبط بالأجندة السياسية والانتخابية للرئيس سعيد وتتصاعد مع اقتراب البلاد من موعد انتخابي رئاسي، في هذا الوقت تحيل مقاربات أخرى على سياق أوسع تمامًا، كما هو الحال في المجال السياسي مع مراعاة الفارق الجوهري بين المجالين.

تقول تلك المقاربات وبعضها أكاديمي، كما هو الحال في ورقات بحثية مهمة، قدمها الدكتور صادق الحمامي إن مشاكل الإعلام في تونس تعود إلى جذور مهنية وقانونية وسياسية ليست بنتَ اليوم ولا حتى الأمس القريب فقط.

تشير هذه الزاوية في التناول إلى الأدوار التي لعبها الإعلام في تونس في حقبتَي الرئيسين الراحلين: بورقيبة، وبن علي، وهي مساحة زمنية مترامية الأطراف يقصر المقام عن الدخول في تفاصيلها، غير أن الواضح منها هو انقسام التجارب الإعلامية إلى قسم أعظم سار في ركاب السلطة وأنفق عقودًا في الترويج لسياساتها ومهاجمة خصومها، حتى إذا جاءت ثورة ألفين وأحد عشر كان ذلك الإعلام محل هجوم من قبل الثائرين بوصفه واجهة للنظام القديم وبؤرة لجمع غفير من الانتهازيين والمتسلقين المستعدين لبيع ذممهم لكل مشترٍ.

في المقابل كانت هناك تجارب قليلة لما يمكن وصفه بالإعلام المعارض، وهو الذي دار في فلك أحزاب وشخصيات معارضة فتمت محاصرته وقمعه بالقدر الذي كان يتعرض له أولئك المعارضون من قمع، وهنا لنا أن نذكر دون حصر تجربة جريدة "الموقف" لسان الحزب الاشتراكي التقدمي.

والملاحظ هنا هو أن الإعلام الرسمي والمعارض من حيث البنية العميقة كانا وجهين لعملة واحدة، حيث كانا يلعبان دورًا وظيفيًا على هامش المعركة السياسية في شكل سلاح يحاول به أصحابه كسب معركة المعلومة واستمالة العقول والقلوب.

ثالث مرفوع

الثالث المرفوع تقريبًا في هذا المشهد كان الإعلام المهني المستقلّ، ذلك أن الساحة التونسية لم تفرد كبير مساحة لتجارب متحررة من الغرض السياسي المباشر، لتظهر عناوين من قبيل مجلة "المغرب العربي" وكذلك مجلة "حقائق" ومن قبلهما جريدة "الرأي" التي مثلت بارقة سرعان ما قام النظام البورقيبي بوأدها في المهد.

من هذا المنظور يمكن القول إن ثورة ألفين وأحد عشر مثلت فرصة تاريخية للإعلام التونسي في اتجاهات عدة، أهمها مكاشفة ومحاسبة تجارب الماضي بما يقود البيت الإعلامي التونسي إلى تطهير نفسه من فلول المأجورين الذين كانوا في واقع الأمر مخبرين وموظفي دعاية لدى الدكتاتورية.

ومنها أيضًا فتح ملف الإعلام على حوار وطني معمق يتناول كيفية التأسيس لاستقلاليته تجاه بقايا النظام القديم والأحزاب السياسية ورأس المال الذي توارى إلى حين تحت وطأة الأحداث ليعود شيئًا فشيئًا وينتبه إلى محورية دور الإعلام في تشكيل ملامح عشرية الانتقال الديمقراطي وتوجيه المزاج العام للتونسيين.

خرج على الناس في بواكير الثورة "إعلاميون" قدّموا اعتذاراتهم للشعب التونسي على ما اقترفوه خدمة للدكتاتورية وسارعت واجهات إعلامية إلى الانقلاب على تاريخها في تقديم تلك "الخدمات" بالانفتاح على مطالب الناس وعلى المعارضين تستعرض قصصهم، كاشفة المستور من "غسيل" نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

ومثلما انزلقت الساحة السياسية إلى استقطاب علماني – إسلامي أسّس لانقسامات خطيرة حكمت لاحقًا على الانتقال الديمقراطي بالتعثر مع سبق الإصرار والترصّد، سارع المشهد الإعلامي هو الآخر إلى الارتماء في أحضان الأجندات، وشرع بلعب دور أخطر من الذي كان يلعبه زمن الدكتاتورية، وذلك بخلط الحق بالباطل في كثير من الملفات، ولم يعد سرًا في تونس أن إعلامها الذي بات يتمتع بسقف عربي غير مسبوق في الحريات الإعلامية لم ينتج في الحقيقة تجارب رائدة تعكس الأفق الذي حاولت الثورة في تونس التوجّه نحوه.

إعلام الكراهية!

رغم وجود أصوات وجهات دعت طويلًا إلى ضرورة اغتنام الفرصة والترفع عن المعارك الأيديولوجية الضيقة، فإن تلك الأصوات بقيت هامشية وكانت المفارقة هي أن صعود البلاد في ترتيب الحريات الإعلامية كالذي تنشره منظمة "مراسلون بلا حدود" قابله سقوط المضمون الإعلامي في تونس في مطبات خطيرة، بينها خطاب الكراهية الذي تصاعد بشدة من منابر الإعلام وصفحاته سواء أكانت تقليدية أم مواقع للتواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي وثقه تقرير أعدته المجموعة العربية لرصد الإعلام، بالشراكة مع "المجلس الوطني للحريات في تونس" و"شبكة تحالف من أجل نساء تونس"، جاء فيه أن "الإعلام التونسي بات يلعب دور التحريض وتنمية مشاعر الحقد والكراهية بين مختلف أطياف الشعب التونسي".

يكفي أن نقف عند واحد من مخرجات ذلك التقرير الذي مر بالساحة الإعلامية مرور الكرام تقريبًا، فلقد أشار إلى أن "الصحف الناطقة باللغة العربية نشرت نحو 90% من خطابات الكراهية في حين اكتفت مثيلتها الناطقة بالفرنسية بالنسبة المتبقية. وتضمن حوالي 13% من هذه الخطابات دعوات ضمنية أو صريحة للعنف".

الغريب هو أن تقريرًا آخر تناول نفس هذه الظواهر وبعد قرابة عقد من الانتقال الديمقراطي وجد نفسه أمام نفس الاستنتاجات، رغم كل ما أدير من حوارات وعُقد من ندوات ودورات تدريبية للنهوض بواقع الإعلام، وتعزيز قيم المهنة والاستقلالية لديه، فها هو "مركز دعم التحول الديمقراطي" يقول في تقرير له نشره في مارس/آذار 2020 بعد أن سرد أرقامًا ونسبًا رصد بها رسوخ وتصاعد خطاب الكراهية في الإعلام التونسي؛ إن كل ما تمّ اتخاذه من قرارات وإجراءات لم يجعل ذلك الإعلام يتخلص من هذه الوصمة.

ثيران بيضاء

كثيرة هي "الثيران البيضاء" التي تدعي اليوم أن الإعلام التونسي أُكل يوم أُكلت هي، في إشارة إلى هذه الأسباب البعيدة والقريبة لما يمكن وصفه بالأزمة المزمنة للإعلام في تونس، غير أن الأكيد هو أن هذا الإعلام يعيش اليوم تحديًا مصيريًا وسط موجة الشعبوية التي ضربت تونس، كما هو الحال في بلدان كثيرة أخرى، وهو الأمر الذي يبدو أوضح على مواقع التواصل الاجتماعي، التي أخذت زمام المبادرة في احتكار الخطاب المنتج من رجل الشارع والموجّه إليه.

وإذا كان الإعلام التقليدي مسؤولًا عما ينشره ومعنيًا بمعايير المهنة وما يتعلق بها من قيم وقوانين، فإن العالم الافتراضي بات يزدحم بصفحات ومجموعات لا رقيب عليها ولا حسيب لها فيما تروجه من أخبار زائفة وثلْب لأشخاص وهتك للأعراض، وسط اتهامات للسلطات التونسية بممارسة الانتقائية خلال التعامل مع ذلك، في إشارة إلى حملات شيطنة وتشويه وهتك للأعراض شنتها صفحات تعلن الولاء للرئيس سعيد ومساندة مساره السياسي دون أن يتعرض أحد من المشرفين عليها إلى التحقيق والمساءلة اللهم إلا في سياق صراعات داخلية، ما يجعل الأمر في نظر منتقديه أقرب إلى تصفية الحسابات منه إلى الحرص على سلامة المناخ الإعلامي العام.

لا شك أن الأولوية هي اليوم للدفاع عن حرية الإعلام واستقلاليته، وكذلك الدفاع عن العاملين في المجال لحمايتهم من أي قمع يتوجه إليهم، غير أن المهمة الأصعب في الحقيقة تبقى ممارسة النقد الذاتي إلى أقصاه، للتخلص من سيطرة الأيديولوجيا  – خاصة الاستئصالية منها – على الإعلام والعمل النقابي الإعلامي، ذلك أن استمرار تلك الظواهر وتأجير الذمم لدكاكين السياسة والمال وللرهانات الرسمية والمعارضة، يسلب معركة الحريات الإعلامية أساسها الأخلاقي القيمي، ويفرغها من محتواها الراقي الذي يفترض به أن يكون إلى جانب الإنسان كيفما كان، وأن يبحث عن الحقيقة وينشرها بقطع النظر عن الأجندات، وأن يكون صوتًا لمن لا صوت لهم.

إنها مهمة فرسان أصحاب الجلالة ومعركتهم قبل أي طرف آخر، سواء أكان رسميًا أم غيره، والنجاح فيها سيعني الاستعصاء على أي محاولات للتدجين والتخويف والاستغلال.. وهذا حديث على بدئه عود.. يحيل على عامة المشهد التونسي وتحولاته المحتملة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • كاسبرسكي: 85% من الشركات المستخدمة لتطبيقات الحاويات واجهت هجمات سيبرانية
  • المايسترو هاني فرحات يقاضي طليقته مي فخري بتهمة التشهير
  • تسببت في وفاة 99 حاجًا غير نظامي.. النيابة الأردنية تغلق 3 شركات للحج
  • التشكيل الحكومي المرتقب.. تحديات واجهت الإصلاح الاقتصادي
  • مسلحون يعتدون بالضرب المبرح على محامية بصنعاء
  • سوزان نجم الدين: عِشت قمة التشرد والضياع بسبب الحرب
  • "الموت البطيء" يتربص بالأسرى الفلسطينيين تحت وطأة التعذيب الوحشي المُمنهج
  • تعذيب وتنكيل.. شهادات مفزعة لأسرى من غزة أفرج عنهم الاحتلال (شاهد)
  • إسرائيل تفرج عن 54 معتقلا فلسطينيا بسبب الاكتظاظ في سجونها
  • الإعلام التونسي.. تحديات المهنية وسط العواصف السياسية