ثقافة الكويت.. معرفة وتنوير
تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT
محمد عبدالسميع (الشارقة)
إذا أردتَ أن تتعرف إلى ثقافة بلد وفَهْمِهِ الحقيقي لمعنى الثقافة، فتعرَّفْ إلى إصدارات ذلك البلد من الفكر والثقافة وعنايته بالنُّخَب والمؤسسات الإبداعية، واهتمامه بالكِتاب، باعتباره أصل المعلومة، وسبباً لكلّ جديد في عالم الثقافة والتقدّم والنهوض الشامل.
ومن يتخيَّر واقع المجلات والإصدارات التي تتبناها الإمارات والكويت الشقيقة، سيجِدُ أنّ المشهد الثقافي لكلا البلدين يتسم بالحيوية وضاربٌ في الأصالة والعراقة، وينطلق من رؤى حكيمة ترسّخ الحفاظ على المنتج الثقافيّ والحضاريّ والمعرفيّ لدى الإنسان، باعتباره صانع التنمية والمشارك فيها، وباعتباره هدفَها في الوقت ذاته.
وفي احتفال دولة الكويت بيومها الوطنيّ، نتذكر واقع المجلات الكويتية التي كانت وما تزال، عوناً لطالب الفكر والمعرفة والأدب والإبداع، ولاشكَّ أنّ أيّ قارئ عربيٍّ سيذكر حتما مجلة «العربي» الراسخة في وجدان المثقفين والنُّخَب والكُتَّاب قبل أن تغزو الثقافة التكنولوجيا الحديثة بالشاشات الزرقاء وثورة المعلومات.وهذه المجلة التي ما تزال تواصل دورها، حاملة الكلمة المضيئة المؤثرة في قراءتها خلال عقودٍ ضاجّة بالفكر والأدب والعلم والمعرفة، مثلما نستحضر هذه الرؤية الأصيلة التي انتهجتْها دولةُ الإمارات العربية المتحدة، وهي تُوجّه كلّ كل دعم وتثمين لخدمة الثقافة العربية، من خلال واقع المجلات الزاهر في أبوظبي، ودبي، والشارقة، وكلّ إمارات الدولة، كمجلاتٍ تعكس الغنى الثقافي والفني، ولذلك فإنّ الاستمرار في هذا النهج، واستمرار الاهتمام بالمجلات الثقافية، بكل تخصصاتها التراثية والإبداعية والمعرفية، خاصةً في هذا العصر، عصر العُزوفِ الواضح عربيّاً وعالميّاً عن القراءة والمطالعة، يدلُّ على أولوية الأجندة الثقافية لدى الدولتين، وهو حضورٌ متنوعٌ ومتعدد، وينسحبُ على كلّ مفردات العمل الثقافي وتفرعاته ورسالته وفلسفته المستمرة والحاضنة لفكر الإنسان في كل الظروف والأزمان.
غنى معرفي وثقافي
واستطاعت الجهود الثقافية التي بذلتها الكويت أن تثمر عن غنى معرفي وثقافي متميّز في الذاكرة العربية، خصوصاً في ارتباط هذه الذاكرة بـ«مجلة العربي» التي انطلقت في مسيرتها المتميزة منذ نهاية الخمسينيات من القرن الماضي منبراً لكلّ الأقلام التي وجدت فيها مساحةً للتعبير والسجالات الفكرية والمعرفية، وكذلك ما رسَّخته دولة الكويت في أعمال المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وما يستذكره المثقفون من الإصدارات المتتابعة لسلسلة «عالم المعرفة»، وغيرها، وما اندرجَ تحت عباءة مجلة «العربيّ» من ندواتٍ مهمةٍ في مواضيع الثقافة العربية والحوار الهادف، والمنشورات المتخصصة، مثل كِتاب العربيّ، ومجلة العربيّ الصغير، والعربيّ العلمي، وكل ذلك يؤكّد ما أنّ المجلات العربية منابر دالة على فكر الدول وثقافات الشعوب.
وفي الإمارات التي تزخر بمجلاتٍ عديدة وحافلة بالعطاء الثقافي والأدبي والنقدي والمعرفي، في كل أنواع الأدب وأجناسه، والفكر وضروبه، والفن وحقوله، وتستقطبُ الأقلام والضيوف الخليجيين والعرب وأدباء العالم ومثقفيهِ، في الندوات المتخصصة والمهرجانات المصاحبة، ما يؤكّد متانة وتألق المشروع الثقافي في كلتا الدولتين، ورؤيتهما المشتركة، تجاه أن تكون الثقافة فعلاً حقيقيّاً، وفي الإمارات مجلات ثقافية وأدبية متميزة مثل «مجلة الرافد» في الشارقة، وما يتفرّع عنها من كتب وإصدارات، و«دبي الثقافية»، وغيرهما من المجلات العديدة، التي تؤدي دورها بانتظام، ووصلت لكلّ القراء في كل بلدان الخليج والبلاد العربية الأخرى، هذا فضلاً عن توزيعها في المكتبات ومعارض الكتاب العربية والعالمية.
رؤى مشتركة
وحين تتم قراءة العلاقات الثقافية الإماراتية الكويتية، بناءً على مؤشرات التعليم والنهضة العلمية والثقافية والجوائز الأدبية والفنية والمبادرات المصاحبة وكلّ هذا الحراك اللافت، فإنّ المسألة تثرى حتماً بالرؤى المشتركة، التي عززتها أساساً عوامل جغرافية وثقافية وتراثية وروابط تاريخية متينة، لكون الإمارات والكويت دولتين خليجيتين، وكونهما تتمتعان بوعيٍ وفكرٍ متقدم وحافزٍ للانفتاح وقراءة أوجه التعاون الثقافيّ، وتعزيزه في الاستضافات واتفاقات التعاون، وخاصة أن للوعي الثقافيّ المشترك لدى الإنسان الإماراتي والكويتي دوره في هذا الحضور الكبير، والصوت المعبّر عن الأصالة والمعاصرة في آن معاً.
وفي ذاكرة كلٍّ من البلدين قصصٌ وحكاياتٌ في التأسيس، وإرهاصات النهوض والتطلع لتحقيق الذات وإفادة المنطقة، وتقدّر الإمارات الدور الرياديّ والأصيل لدولة الكويت الشقيقة، في نهضتها التعليمية وإسهامها في التعليم المدرسي المبكّر في الإمارات، قبل تأسيس الاتحاد، من خلال البعثات المدرسية التعليمية، حين كانت الكويت مقصداً للعمل بحكم الجوار، ومن هنا فقد ظل هذا الواقع العريق من علاقات الجوار والصداقة والانسجام الثقافي في الجغرافيا والعادات والتقاليد، يُرسخ اعتزاز الشعبين بهذا الترابط.
عراقة وأصالة
تدرك الدولتانِ أهمية الوعي المجتمعيّ والمنجز الثقافي في مسيرة النهضة وتعزيزها، ولهذا السبب يبقى الشعب الإماراتي والشعب الكويتي، كمجتمعين مثقفين وواعيين، قويينِ في مواجهة تحديات العصر الثقافية، من خلال هذا اليقين الثابت في البلدين بضرورة الحفاظ على المكتسبات الثقافية، وجعلها جزءاً من السلوك والنهج اليومي الذي ينشأ عليه الأبناء، وهم يعتزّون برؤية القيادة الرشيدة، ويكونون لسان حال بلادهم وثقافتهم الأصيلة في الخارج.
وكما هي المجلات والكتب والإصدارات، يمكننا أيضاً أن نأخذ أيّ جانب ثقافي، كالشعر مثلاً، لنجد هذه الجذور الضاربة والمشتركة في اللهجة والمفردة، وفي تنافذ المنطقة على كلّ مكوناتها الجغرافية، ولذلك كان الخطاب الثقافيّ الإماراتي الكويتي خطاباً يتأسس على عراقة وأصالة المكونات الثقافية والتراثية الواحدة في عمومها، وتفاصيلها، لكلّ منطقة الخليج وثقافتها، والدور المحوري الذي تؤديه في موقعها الاستراتيجي.
ومن هنا، كان الخطاب الثقافي عامل بناء ونماء في كلٍّ من الإمارات والكويت. وتدعم الثقافة وتعزز علاقات الشراكة في مختلف أوجهها، حين نجد تكامل البلدين في أن يضيئا على التاريخ الأصيل، ويتقدَّما بكل ثقة، ضمن تطلعاتٍ مستقبلية مؤزَّرةٍ بعوامل القوة الثقافية والوعي والنجاح.
وتحرص دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت، ضمن تطلعاتهما، على أن تكون الرؤية المشتركة للمستقبل، هي العامل الأول والأساس في هذا الدور المحوري والاستراتيجي لكل مشروعاتهما الثقافية. ولذلك فقد ظلت رؤية القيادة الرشيدة تعزز الأهمية الكبرى لعلاقات الأخوّة والصداقة مع الكويت، وهو ما يتجلى من خلال الفعاليات الثقافية السنوية والمنتظمة، مثل برامج الشعر الكبيرة وغيرها من الاحتفاليات في أبوظبي، أو في المواسم الثقافية والفنية والندوات المتخصصة في دبي، أو في الأيام التراثية ومهرجانات الشعر والفنون التشكيلية والمسرحية في الشارقة، والفجيرة، وكلّ إمارات الدولة، فضلاً عن معارض الكتاب المنتظمة بين البلدين والتمثيل الثقافي المتبادل في المناسبات المتنوعة، في الفنون والآداب.
مكتسبات وإنجازات
الاحتفالات الوطنية لدولة الكويت الشقيقة تتكلل بالعيد الوطني الجامع لكل مشاعر المحبة والبهجة والمشاركة في أفراحها وما وصلت إليه من مكتسبات وإنجازات، وهي مناسبة ثمينة للمشتغلين في حقل التراث الثقافي المادي وغير المادي، ليؤكدوا على عمق العلاقات الثقافية والأواصر المتينة بين الإمارات والكويت، كما في حقل الأغنية التراثية التي وصلت إلى أبعاد إبداعية في الكويت، من خلال أسماء مبدعيها الكبار، مثلما هي الحالة الإبداعية المتألقة في الإمارات أيضاً، من واقع موروثها المكتنز بكلّ الأصالة والعراقة والثراء الثقافي.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: دائرة الثقافة والسياحة الإمارات الكويت الإمارات والکویت دولة الکویت فی الإمارات من خلال فی هذا
إقرأ أيضاً:
«مؤسسة بحر الثقافة» تفتتح برنامجها الثقافي
فاطمة عطفة (أبوظبي)
أخبار ذات صلةافتتحت «مؤسسة بحر الثقافة» برنامجها الثقافي في اليوم الأول من معرض أبوظبي الدولي للكتاب، بمناقشة الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» في جلسة أولى مع الفائز بالجائزة محمد سمير ندا، بحضور كتاب ضمتهم القائمة القصيرة: نادية النجار، حنين الصايغ، تيسير خلف. إضافة إلى جلسة أخرى بعنوان: «المستقبل والإرث الثقافي مع الفنان مطر بن لاحج»، قدم للجلسة إسحاق الحمادي، وقدم ابن لاحج لمحة من مسيرته الفنية، منوهاً إلى أهمية الهدوء والسكينة وانعكاسها على عمل الفنان، وأشار إلى أن رحلته الفنية فيها نوع من الفلسفة، من الألم، والطموح إلى التوهج، وذلك حتى يصل الفنان إلى المستقبل ويترك أعماله إرثاً للأجيال. واختُتم برنامج اليوم الأول بجلسة مع الفنان العالمي مينا مسعود، قدم لها عامر بن جساس.
وكان للشيخة روضة بنت محمد بن خالد آل نهيان، رئيسة «مؤسسة بحر الثقافة»، كلمة ترحيبية بالحضور، قدمتها بالإنابة الشيخة حمدة بنت سعيد بن حمدان آل نهيان، جاء فيها: «ينطلق معرض أبوظبي للكتاب هذا العام في عام المجتمع، ويستمد هويته من شعار «مجتمع المعرفة... معرفة المجتمع»، ويترجم هذا الشعار رؤية وتوجهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بأن المعرفة هي أساس التقدم للمجتمعات. والمعرفة هي عنوان التواصل الحضاري والانفتاح على العالم والتلاحم والتعايش بين شعوب العالم، الذي يحقق الأمن والسلام والتسامح الذي تتفرد به دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تمضي به قدماً مرتكزة على المعرفة المستدامة نحو المستقبل». وأوضحت أن (مؤسسة بحر الثقافة) اتخذت هذه الرؤية مرتكزاً استراتيجياً تنطلق منه نحو خدمة المجتمع في مجال نشر المعرفة وتنويع المحتوى الثقافي لأفراد المجتمع، لتصبح مؤسسة بحر الثقافة رائداً وطنياً في ترسيخ وبناء التراكم الثقافي للأجيال حاضراً ومستقبلاً، والعمل على توثيق المعرفة المتنوعة بين مجالات الحياة لكل أطياف المجتمع ومستوياتهم التعليمية والثقافية.
وتابعت قائلة: «في (مؤسسة بحر الثقافة) نعي هذا الدور تماماً، وهذا ما يجعلنا نتقدم عاماً بعد عام في تفعيل وتنظيم الخدمات والفعاليات والأنشطة (الثقافية والمعرفية والاجتماعية) التي نسعى بها إلى التكامل مع المؤسسات الوطنية في تنويع الحراك الثقافي في دولة الإمارات العربية المتحدة»، مشيرة إلى أن «مؤسسة «بحر الثقافة» تنتقل من المؤسسة إلى ساحة معرض أبوظبي للكتاب، مع ضيوفها ومتحدثيها، لتقدم إلى جمهوره خلال الأيام العشرة، ما يفيد مجتمعنا ويؤثر فيه. أما المتحدثون ضيوف المعرض الذين اعتدنا أن ينقلوا إلينا ثقافة متجددة ويبهروا الحضور بإبداعاتهم من خلال تواجدهم بيننا في هذه الفعالية، فإننا سنسعى إلى استثمار وجودهم في تنويع برامج (مؤسسة بحر الثقافة) لنجعل التكامل والمشاركة فاعلة لأقصى حد. في الختام، أتمنى أن يحقق معرض أبوظبي للكتاب في دورته الرابعة والثلاثين نجاحات متواصلة، كما عرفناه في السنوات السابقة، ويداً بيد معاً نحقق إنجازات تؤكد رسالة الوطن من خلال معرض أبوظبي الدولي للكتاب».