آفاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا مع دخولها العام الثالث (الجزء الأول)
تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT
فبراير 24, 2024آخر تحديث: فبراير 24, 2024
د. أيمن أبو الشعر
تدخل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا اليوم 24 فبراير عامها الثالث، ومن هنا كانت ظلالها محورية ولكن غير مباشرة في كلمة الرئيس بوتن بمناسبة يوم الجيش- يوم حماة الوطن الذي يجري الاحتفال به عادة في 23 فبراير من كل عام، حيث ركز على مدى الاحترام الذي يتمتع به الجيش لدى الشعب خاصة أنه يستنهض ذكرى الشهداء من الذين سقطوا دفاعا عن الوطن.
-رسائل بوتن
أكد الرئيس بوتن خلال تهنئته هذه على أن روسيا تواصل تعزيز قواتها المسلحة وتحديثها حيث وصل هذا التحديث في القوات النووية إلى نسبة 95% ونسبة 100% في المكون البحري للقوات النووية، وفي ذلك رسالة نوعية هامة للغرب عموما ولواشنطن على وجه الخصوص.
الرسالة الثانية جاءت بوقت متزامن عمليا حيث قام الرئيس بوتن عشية الذكرى الثالثة لبدء العملية العسكرية في أوكرانيا بتفقد القاذفات النووية الجديدة التي تحمل صواريخ فرط صوتية، وبالتحليق على متن أضخم وأقوى طائرة استراتيجية نووية في العالم وهي الطائرة “تو160 إم” التي حلقت به لمدة ثلاثين دقيقة إمعانا في الطابع الرمزي لهذا التحليق، ذاك أن هذه الطائرة العملاقة التي تتفوق كثيرا على نظيرتها الأمريكية ب 21 حيث تم تحديثها عن نسختها السوفييتية، وإضافة الكثير من التكنولوجيات الحديثة وتركيب منظومات دفاعية خاصة فيها ضد صواريخ أرض جو وكذلك جو وجو، والطائرة النوية الروسية العملاقة هذه تستطيع حمل 12 صاروخا برؤوس نووية، وهي عموما تستطيع حمل 40 طنا من الذخائر ويمكن لها أن تحلق لمسافة 14 ألف كيلومتر دونما حاجة للتزود بالوقود، وتستطيع طائرة واحدة من هذا النوع أم تلغي من الوجود قارة أوروبا بكاملها، وفي روسيا حاليا 15 طائرة منها، وتعمل الحكومة على إنتاج 15 أخرى منها خلال السنوات القليلة القادمة.
الرسالة الثالثة والأخيرة في هذا المجال جاءت أيضا متزامنة مع هذه المناسبة، وكانت مزدوجة التوجه، حيث أعلن مدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي أن الحرب النووية قد تبدأ في أية لحظة حتى دون قصد مسبق، كأن تحلق باتجاه الأراضي الروسية طائرة من طراز اف 16 من دولة في الناتو، إذ ليس لدى أوكرانيا مطارات تستطيع أن تحلق منها هذه الطائرة، وبالتالي سيكون ذلك بمثابة هجوم من الناتو على روسيا مؤكدا أن ذلك محتمل جدا، وأن روسيا لا تُخوِّف أحدا بالحرب النووية كما يدعي جهابذة الغرب..
أما الجانب الآخر فهو أن مدفيديف طرح بوضوح أن روسيا مضطرة لتكريس حزام أمني وقائي بعد زيادة الوعود الغربية حول تزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى، ولم يستثن عمليا أن يتطلب الأمر عسكريا الوصول إلى العاصمة الأوكرانية كييف. وهذا يعني أن روسيا مصممة على تحقيق أهداف عمليتها العسكرية وإن بالغ الغرب في دعم أوكرانيا ستردعه الصواريخ النووية، وموسكو لا تمزح في هذا المجال.
-الانعطاف النوعي في العمليات العسكرية
الأمر الآخر في آفاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا هو وضوح رجحان كفة القوات الروسية عبر تسارع سيطرتها على مناطق جديدة، فقد أقرت أوكرانيا عمليا بفشلها في تحقيق أي نصر من خلال هجومها المضاد، وتمت إقالة قائد القوات الأوكرانية زالوجني، وتعيين بديلا عنه الجنرال الكسندر سيرسكي، وأقيل كذلك رئيس هيئة الأركان شابتالا وتم تعيين اللواء أناتولي بارغيليفيتش رئيسا جديدا لهيئة الأركان، وقد أوحت القيادة الأوكرانية بذلك بأن الفشل في الهجوم المضاد، وتكبد خسائر كبيرة كانت بسبب الجنرالين السابقين، لكن الأحداث سرعان ما عصفت بالقائدين العسكريين الجديدين، حيث استولت القوات الروسية على مدينة أفدييفكا بعد أيام من تعيينهما، بل ووسعت هجومها لتسيطر على بلدتين أخريين هما بوبيدا على محور دونيتسك، وكرينكي الاستراتيجية في منطقة خيرسون التي حشدت فيها وحولها كييف قرابة ثلاثين ألفا بقصد الاختراق نحو شبه جزيرة القرم، ما يعني أن المخططات الأوكرانية الكبيرة تُعِدُّ لها روسيا أيضا إعدادا كبيرا، حيث فقدت أوكرانيا خلال المعارك في هذه المنطقة وحدها إبان الهجوم المضاد 13 ألف عسكري، كل ذلك بعد أشهر قليلة من تحرير مدينة باخموت الاستراتيجية الكبيرة، هذا ناهيك عن الخسائر الهائلة في السلاح والمعدات والتي تثير الدهشة حقا.
-على الميزان
حين سأل أحد الجنود نابليون ذات مرة في معركة واترلو عام 1815: هل الله مع الفرنسيين الكاثوليك أم مع الإنجليز البروتستانت أجاب “الله مع الذين يملكون مدافع كبيرة”.
ربما انطلاقا من تَمثُّل قول نابليون حاولت أوروبا والولايات المتحدة شحن أكبر قدر ممكن من الأسلحة والذخائر إلى أوكرانيا مع رفع شعار ممزوج بأمل واهم، وهو أن أوكرانيا ستنتصر على روسيا بزيادة الدعم المالي والعسكري الأمر الذي يتداخل مع عبارة نابليون بوضوح ولكن مع فقدان الأرضية العملية الواقعية لتحقيق مثل هذه الطموحات.
المفارقة هنا بالغة الوضوح، وربما يكون ما تطرحه موسكو أكثرتعقلا في أنها مستعدة للحوار، وهذا لصالح أوكرانيا التي قد تختفي من الخارطة نهائيا كدولة إن استمرت الحرب. فروسيا أكبر بلد في العالم من حيث المساحة الجغرافية أكثر من 17 مليون كيلومتر مربع، أي أن عمقها يعطيها تفوقا كبيرا من حيث الصمود، وفيها أكثر من 143 مليون نسمة ما يعطيها تفوقا كبيرا في التعبئة العسكرية، في حين أن مساحة أوكرانيا 603 كيلو متر مربع ، وسكانها لا يزيدون عن 44 مليون نسمة نزح منهم قرابة 10 مليون، والمفارقة هائلة في السلاح والقوة البشرية العسكرية، زد على ذلك أن روسيا أيضا أغنى بلد في العالم من حيث الموارد الطبيعية ففيها جميع عناصر ماندلييف، كل ذلك يشير إلى أن أوروبا وخاصة بريطانيا ممثلة برئيس وزرائها السابق -“جونسون” ورّطت أوكرانيا بتشجيعها على الانسحاب من المفاوضات في استانبول، فقد خسرت أوكرانيا بعد ذلك قسما كبيرا من أراضيها، وكذلك القسم الأكبر من الأسلحة التي مدتها بها أوروبا والولايات المتحدة اللتين تبدو محاولاتهما لشد همة أوكرانيا من خلال مدها بأسلحة جديدة لتعوض عن خسائرها خديعة ماكرة تماما، نعم يمكن أن تعوضها عن الأسلحة التي هي أساسا في صالح شركاتها في انتاج السلاح، ولكن كيف ستعوضها عن مئات آلاف الجنود الذين سقطوا في المعارك، ثم إن روسيا كبلد صناعي متقدم ومنتج منافس في سوق السلاح لا تحتاج إلى المساعدات لتصمد وتتابع المعارك في حين أن توقف المساعدات عن أوكرانيا لبضعة أسابيع سيشكل كارثة لها، ولا أدل على ذلك من تصريح البنتاغون نفسه بأن على أوكرانيا أن تختار المدن التي تستطيع الدفاع عنها والحفاظ عليها في حال لم يوافق الكونغرس على المساعدات الإضافية “60 مليار دولار” وإن ترجمنا مثل هذا الإعلان إلى لغة واقعية لرأينا أن البنتاغون يقر بأنه سيكون على أوكرانيا أن تنسحب من مدن وبلدات جديدة بعد باخموت وأفدييفكا وكرينكي وبوبيدا، طبعا هذا بعد سيطرة روسيا على خمس مقاطعات أوكرانية سابقا هي القرم عام 2014، ثم دونيتسك، ولوغانسك، وخيرسون، وزاباروجيه قبل عامين حيث تجري المعارك الآن لتحرير بعض الأجزاء التي ظلت تحت سيطرة القوات الأوكرانية بعد تحرير كامل جمهورية لوغانسك.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: العملیة العسکریة فی أوکرانیا أن روسیا
إقرأ أيضاً:
تبني أم خطف.. كيف يعيش أطفال أوكرانيا داخل الأراضي الروسية؟
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قام باحثون من جامعة ييل بتتبع مئات الأطفال الذين تم نقلهم إلى روسيا أثناء الحرب، ووجدوا ما وصفوه بأنه "مستوى أعلى من الجريمة مما كان مفهومًا في البداية".
وأفاد تقرير صادر عن جامعة ييل بالولايات المتحدة الأمريكية اليوم الثلاثاء أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن وكبار المسؤولين في الكرملين وافقوا "عمدا وبشكل مباشر" على برنامج رعاية وتبني ما وصفه التقرير بالـ " القسري " للأطفال الأوكرانيين أثناء الحرب في أوكرانيا. وفق صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
وقال الباحثون إن التقرير يقدم أدلة جديدة قوية في قضية جرائم الحرب ضد بوتن ومسؤولين آخرين.
وبحسب التقرير، حدد تحقيق أجراه مختبر الأبحاث الإنسانية التابع لجامعة ييل 314 طفلاً من أوكرانيا وُضِعوا في "برنامج منهجي للتبني القسري والرعاية" منذ الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022. ويوضح التقرير بالتفصيل أدلة على أوامر مباشرة من كبار المسؤولين الروس، بما في ذلك بوتن، لتنفيذ برنامج التبني.
وقال مختبر الأبحاث، الذي يعد جزءا من مرصد الصراعات، وهو برنامج تدعمه وزارة الخارجية الأميركية، في بيان: "إنها تكشف عن مستوى أعلى من الجريمة مما كان مفهوما في البداية".
وقد يعزز التحقيق الذي أجرته جامعة ييل القضية ضد بوتن ومفوضته لشؤون الأطفال، ماريا لفوفا بيلوفا ، اللذين ورد اسمهما في مذكرة اعتقال أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية في مارس من العام الماضي لدورهما في ترحيل الأطفال الأوكرانيين إلى روسيا.
واستشهد الباحثون بما قالوا إنها وثائق روسية مسربة تم التحقق منها، وقالوا إنها تكشف كيف عمل كبار المسؤولين الروس مع مسؤولين في المناطق الواقعه تحت السيطرة الروسية داخل الاراضي الاوكرانية لتنفيذ البرنامج. ويقول التقرير إن مكتب الرئيس الروسي قدم دعمًا ماليًا مباشرًا وأصولًا أخرى للبرنامج.
وفق نيويورك تايمز قال مختبر الأبحاث إن معاملة الأطفال الأوكرانيين قد تشكل جريمة حرب أو جرائم ضد الإنسانية، وربما تدعم حتى قضية إبادة جماعية بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ومن المقرر أن يمثل مسؤولون أوكرانيون وأعضاء فريق البحث التابع لجامعة ييل أمام اجتماع خاص لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم الأربعاء لشرح النتائج التي توصلوا إليها، حسبما جاء في البيان.
وقد نفى الكرملين ارتكاب جرائم حرب، وأكد أن عمليات التبني هي جهد وطني وإنساني لمساعدة الأطفال المهجورين . كما أشار إلى أنه ليس طرفًا في المحكمة الجنائية الدولية وبالتالي ليس عليه أي التزامات بموجبها.
وأدانت وزارة الخارجية الأمريكية معاملة روسيا للأطفال الأوكرانيين في الحرب، وأعلنت في أغسطس الماضي عن عقوبات جديدة على العديد من الكيانات والأفراد بسبب "الترحيل القسري ونقل واحتجاز أطفال أوكرانيا".
وبالإضافة إلى بوتن ولفوفا بيلوفا، يذكر تقرير جامعة ييل أربعة مسؤولين روس آخرين بشأن أدوارهم في ترحيل ورعاية وتبني الأطفال الأوكرانيين: آنا كوزنتسوفا، وهي مسؤولة كبيرة في حزب روسيا المتحدة الذي يتزعمه بوتن؛ وسيرجي كرافتسوف، وزير التعليم الروسي؛ ورؤساء الإدارات الإقليمية الموالية لروسيا في مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك في أوكرانيا.
وتتعلق الأدلة التي جمعها باحثو جامعة ييل بـ 314 طفلاً تتراوح أعمارهم بين عامين و17 عاماً، من مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا، وقد تم نقل العديد منهم من مدرستين داخليتين معروفتين. كما تضم المجموعة طفلاً واحداً من مدينة ماريوبول المحتلة.
وقال التقرير إنه أثبت بثقة عالية أن الأطفال من أصول أوكرانية، بغض النظر عن التحقيقات والتقارير الإخبارية الأخرى . وقال الباحثون إنهم استخدموا مصادر متعددة للمعلومات لتأكيد المعلومات، بما في ذلك الوثائق والاتصالات الروسية المسربة، وصور الأقمار الصناعية، وتقنيات تحديد الموقع الجغرافي، وتحليل البيانات الوصفية.
وذكر تقرير جامعة ييل أن بعض الأطفال البالغ عددهم 314 طفلاً تم وضعهم في أسر روسية، وتم إدراج آخرين في قاعدة بيانات روسية للرعاية والتبني. ولم تكشف الجامعة عن هويات الأطفال، لكنها قالت إنها سلمت أسماءهم وظروفهم إلى المحكمة الدولية والسلطات الأوكرانية.
وقال التقرير إن بعض الأطفال أيتام أو تم إبعادهم من رعاية والديهم في السابق، لكن بعضهم وفقًا لملفات قاعدة البيانات لديهم آباء في أوكرانيا حرموا من حقوقهم الأبوية بسبب تصرفات روسيا. وأضاف أن ثلاثة أطفال على الأقل تم وضعهم لدى أسر مسؤولين روس أو أسر عسكرية روسية.
وقال الباحثون إنهم تتبعوا حركة كل من الأطفال البالغ عددهم 314 طفلاً إلى مرافق مؤقتة في روسيا في منتصف الطريق بين ترحيلهم وتشتيتهم بعد ذلك عبر 21 منطقة في روسيا. وذكر التقرير أن طائرات عسكرية روسية استخدمت في نقل الأطفال، وهو ما تم الإبلاغ عنه على نطاق واسع في لقطات إخبارية وصور روسية.
وقال الباحثون إن لديهم وثائق تثبت أن ما لا يقل عن 67 من الأطفال حصلوا على الجنسية الروسية، وأن العدد الحقيقي لمثل هذه التجنيسات ربما يكون أعلى من ذلك بكثير.