حين تتحول الرواية إلى كأس يصحو من يحتسيها
تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT
فبراير 24, 2024آخر تحديث: فبراير 24, 2024
أرشد توفيق
في كولومبيا وقبل نحو أربعين عاما أطلت على المسرح مطربة طاعنة في السن ويبدو انها مشهورة في تلك البلاد لتغني اغنية اذكر منها هذه الجملة: (انا ايضا كان عمري عشرين سنة.)
كل من تجاوز العشرين يستطيع أن يقول ذلك غير ان من تجاوز الستين والسبعين يقولها بشكل مختلف فيه لهفة وصبوة.
هل يتحول إلى اثنين: فتى كان عمره أيضا عشرين سنة ام شيخ ينوء ظهره بثقل السنوات عجافا كن ام عامرات؟ من التقليدي ان نتحدث عن الروح والجسد فهما لا يرتبطان بزمن معين وبطلنا الحقيقي في هذه الرواية (الحيوان وأنا) هو الزمن الذي حاول كلكامش الافلات منه ولم يفلح ومن المؤكد ان كثيرين سبقوه ولكننا لم نجد لهم أثرا مكتوبا على الطين.
في المزرعة يبدأ صباح البطل بإطعام حيواناته ثم يلتفت إلى حيوان اخر عليه ان يطعمه أيضا.. ذلك الحيوان هو نفسه بطل الرواية..
اذا كانت صداقة الحيوانات نوعا من الرفض فالأمر مختلف مع الحيوان الآخر.. البطل.
يمنحنا أمجد توفيق صورة للانكفاء والعزلة الاختيارية في وحدة صوفية تصادق الشجر والسكون في بوح فطري ليصبح جزءا من مزامير الطبيعة وايقاعها المسحور.
الزمن حاضر في كل تأمل: ليس هناك وقت لتأجيل عمل ما .. مساحة المستقبل ضيقة.. انها الشيخوخة او انها بمعنى أدق وعي الشيخوخة وخمرتها العتيقة.. هذه العزلة بكل اسوارها لم تمنح البطل حصانة من شرور الواقع فهناك من يهدد بالاختطاف وهناك من يطلق النار ليقتل حصانا وهو جزء مهم من منظومة المزرعة او العزلة .
البطل اذن فتى وشيخ في الوقت نفسه والفتى حين ينقم على الشيخ يسميه حيوانا فهو عالة على الفتى او الشيخ الذي كان عمره أيضا عشرين سنة.
هذه الصورتان تضاف إليهما ثالثة فالفتاة اللاجئة في المزرعة ترسم صورة أخرى لرجل تحار في أمره وتصرفاته ثم تنتهي إلى احترامه بعمق.
يطفو باصي فجأة بسخريته اللاذعة فاتذكر كيف يضحك وحده وكيف يذكر فجأة كوخ العم توم او الام فرتر في حانة بعيدة .ثم يسخر من نفسه اولا ومن كل شيء بعد ذلك
الحرب تلقي بظلالها الحمراء على المشهد واقواس النصر تتحول إلى اقواس رماد حين يتعب الصفان ولا يجدان معنى فيما يفعلانه ويعود الانسان إلى فطرته في التعب واليأس فلا يحب ولا يكره حين يكون تحت مطرقة لا يتحملها..
هذا الحيوان الجميل لا ينسى كونه حيوانا برغبات وشهوات وتشاء الظروف ان تحل امرأة في مزرعته وتكتمل هنا صورة التوحد مع الارض والشجر والسماء لتكتمل سمفونية الشيخ الذي كان عمره ايضا عشرين سنة.
هذا العمل المبدع والمتميز في فكرة قد تكون غير مطروقة يؤكد وظيفة الكاتب المبدع وهو تعميق وعينا بالحياة ولعل الزمن هو أكثر ما يهمنا بقدر نكراننا له..
لا بد من محاولة الدخول في صميم اللعبة الإبداعية ما دام (الصانع الأمهر) هو الشاعر والاديب كما يسمي اليوت الشاعر عزرا باوند.. الإبداع صناعة نبيلة ليس للارتجال مكان فيها انها تستنفر ذكريات المرء وتجاربه كمادة أولية لخلق كيان ما هو الرواية او القصيدة..
ما ضر ان تكون حيوانا.. السنا حيوانات ناطقة أسرى لدى لغة محددة..
واذا كان الحيوان لا يتكلم فالحرس والصامت ليس افضل حال منه.. لدينا كبرياء فارغة تجاه الحيوان فله مثلنا قلب ودم وعيون واذان يجوع كما نجوع وينام كما ننام ومن يدري فقد يسخر منا ويضحك حين يرى أحدنا وهو يضع النظارات كي يقرأ او يرى وربما ضحك اكثر عندما يجدنا نمشي بأحذيتنا وليس حفاة مثله وقد يموت ضحكا اذا رأى من يركب دراجة هوائية.. لكل عالمه ولكننا من نسب واحد نولد ونهرم ونموت.. بطل الرواية يتحول إلى اثنين أحدهما حيوان كي يتبرأ من شيخوخته وليس من الحيوان نفسه فأصدقاؤه في منفاه – المزرعة حيوانات أيضا.
غير ان البطل يخفق في ترسيم مملكته الصغيرة بعيدا عن جحيم الآخرين فهناك إمران يقضان مضجعه: الحاضر بكل سوءاته وتراكم ذكرياته الم يقل (بودلير) لي من الذكريات أكثر مما لو كان عمري ألف سنة. فالذكريات لا تقاس بالأعمار بل بمدى كثافة الحياة المعاشة. هذان الامران يفسدان هذه العزلة الصافية كما يحجب الغيم زرقة السماء.
هل فشل البطل في هروبه؟
نعم فما اراده لم يتحقق وما عليه إلا أن يرعى حيوانه ليستطيع ان يخرج من جسده ويتأمل ويجول كالريح وينظر من عل الى حيوانه المنهك.. انه يسمع أحاديث أصدقائه العادية جدا (أحدهم قتل امرأة قيل انها عشيقته) انه يسمع وهو في حالة غياب كامل .
لست ناقدا ولكنني قارئ مدمن ووجدت في الرواية متعة روحية أكاد لا أجدها الا نادرا فالرواية الجادة لا تعمق نظرتنا إلى الحياة فحسب بل تأخذنا إلى ذروة الوعي.. انها رواية ليست للتسلية بل كأس يصحو من يحتسيها.
في الغرب تكتب احيانا ملاحظة في المقدمة تقول ان هذا الكتاب يتوجه إلى من هم فوق الخمسين سنا على سبيل المثال اي انه يحدد نوعا ما عمر القارئ. هذه الرواية يتفاعل معها من تجاوز العشرين بعقود حتما..
رواية تستحق القراءة..
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: عشرین سنة
إقرأ أيضاً:
بالصور: عندما تتحول الدمى من ألعاب بريئة إلى كوابيس مرعبة
عادةً ما تُعتبر الألعاب وسيلة للمتعة والتسلية، لكنها أحيانًا تحمل جانباً مخيفاً، خاصةً عندما تكون على هيئة دمى. تلك الدمى ذات النظرات الفارغة، أو الابتسامات الغامضة، أو الملامح المتجمدة التي توحي بمعانٍ غامضة، غالباً ما ترتبط بالأساطير والقصص المخيفة عن الدمى المسكونة. هذه الحكايات تجعل من بعض الدمى مصدرًا للرعب بدلًا من أن تكون مجرد ألعاب بريئة.
وعلى فيس بوك، خُصصت صفحة لجمع صور هذه الدمى، بين التماثيل الخزفية والدمى المحشوة، بين القديمة وتلك التي صممت خصيصاً لتبدو مرعبة، وكأنها آتية من الكوابيس.
غير أن هذه النوعية من الدمى لديها جمهور خاص، من الجامعين خاصة، ممن يعتبرونها عملاً فنياً، وتعبر عن أنواع وقوالب فنية، كالواقعية والسريالية، وترتبط بنقاش ثقافي واسع.
وفيما يلي بعض من تلك الدمى.