ظهر اسم الكويت منذ القرن السابع عشر في الخرائط الأوروبية، تحت اسم القرين، وهو تصغير «قرن»، أي قمة الجبل الصغير، أو نسبة إلى الساحل الشمالي للخليج، الذي ينحني في اتجاه دائري محيطاً بالكويت، مكوناً ما يشبه القرن. وقد اشتهرت بذلك في كتابات البحارة الرواد من برتغاليين وهولنديين وإنجليز، وما زال اسم «القرن»، يطلق على بعض المَواقع في أطراف الكويت حتى الآن.

ولعل الرحالة الألماني كارستن نيبور هو أول من استخدم اسم الكويت، في مذكراته عن رحلاته في شبه الجزيرة العربية، بين عامَي 1763 و1765، وفي الخريطة الملحقة بالمذكرات، أورد اسم الكويت مقروناً بالقرين، وأشار إلى أن مدينة القرين، يطلق عليها أهلها اسم الكويت.

كانت الكويت منذ بدايتها تشكل نسيجاً اجتماعياً متماسكاً، تجمّع أعضاؤه في هذه البقعة من الأرض، بحثاً عن السلام والأمان، فهي دولة حديثة نسبياً نشأت قبل ثلاثة قرون تقريباً في مطلع القرن السابع عشر الميلادي وعُرفت كإمارة مستقلة تُدير أمورها الاجتماعية والتجارية والتعليمية والقضائية.

وتشير بعض المراجع إلى أنها عُرفت ككيان اجتماعي مستقل في سنة 1613، وكانت هذه الإمارة، قد تكونت من جموع قبليةٍ أكثرها من قبائل تقطن شمال ووسط الجزيرة العربية، وخاصة من نجد، وجماعات وافدةٍ من البصرة، وكوّنت مجتمعاً متضامناً، عمل في مختلف المهن من رعي الأغنام إلى الزراعة البسيطة الموسمية، وأعمال البحر التجارية وصيد الأسماك والبحث عن اللؤلؤ، وكانت هذه التجارة رائجة في سواحل الخليج العربى.

 صيغة الحكم تقوم على المشاركة وتضمن علاقة مستقرة بين الشعب وقيادته

وقد اختلف المؤرخون في تحديد تاريخ نشأة الكويت، وهناك من يُرجع التاريخ إلى سنة 1756، والحقيقة أن هذا التاريخ ما هو إلاّ تاريخ نشأة الحكم وبداية اختيار الشعب الكويتي حاكماً له، وذلك بعد اكتمال البنية التحتية للإمارة، ولو عدنا إلى ذلك التاريخ فإننا لا نجد في المنطقة نظاماً يربط بين الشعب والحكومة، أما الكويت فكانت بنسيجها الاجتماعى، الذي جاء من المناطق المجاورة بحثاً عن السلام والأمن، مختلفة عن هذه المعطيات، وتآلف هذا الشعب، ورفض التعصب والتشدد في العقائد الدينية، وتجنب العصبية القبلية التي مزقت شعوباً أخرى، ونلاحظ ذلك من خلو معظم أسماء الأسر من ألقاب قبائلهم وعشائرهم، وكأنهم يريدون خلق حياة هادئةٍ يسودها الأمن والسلام.

نظام الحكم الديمقراطي في الكويت يتيح لأبنائها حرية التفكير ويطلق إبداعاتهم دون رقيب

وهكذا تكوَّن الشعب الكويتي وعندما اكتمل نسيجه الاجتماعي قام باختيار حاكمه «صباح الأول»، بمبايعة جماعية، ولم تكن توليته إطلاقاً ليده في شئون الحكم بل كرمزٍ للبلاد يلتف حوله أصحاب الرأى، من علماء الدين وكبار التجار، وكانت الإرادة الشعبية أن تُدار الإمارةُ بنظام الشورى النابع من تعاليم الدين الإسلامى، وسارت الأمور بهذه الرغبة بأن يستشير الحاكم وجهاء الإمارة ولا ينفرد بحكمه، على أن يتكفل الشعب بتوفير أُمور معيشته هو وأسرته، وبقي هذا النهج وفق عُرفٍ غير مكتوب استمر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ومع بداية النصف الثاني للقرن العشرين أخذت تجارة اللؤلؤ تتراجع إثر انتشار زراعة اللؤلؤ في اليابان، ثم ظهرت نتائج التنقيب عن النفط فصدّرت الكويت نفطها، وحل هذا المورد القومي مكان أعمال البحر، فهجر الناس البحر وأهواله للعمل داخل البلاد في شركات النفط وأجهزة الحكومة وفي إداراتها المختلفة.

الحاكم والشعب

إن ظاهرة اختيار الشعب لحاكمه، وسَيْر نظام الحكم بالعدل والشورى، بدأت في منتصف القرن الثامن عشر الميلادى، وفي هذا يقول المؤرخ الكويتي المعروف عبدالعزيز الرشيد في مجال الحكم وإرادة الشعب: «ظل الحكم في أيامه - أي صباح الأول - إلى أيام مبارك الصباح شورى؛ يستشير الحاكم وجهاء القوم فيما ينتابه من المهمات، وفيما يحفظ البلد من طوارئ الأحداث ويحميها من هجمات الأعداء، وليس له الرفض والخيار بعد أن يستقر رأيهم على أمر، لأن السلطة الحقيقية لهم، أي لأفراد الشعب وإنما يُعْطَى اسم الرئاسة عليهم تفضيلاً.

وفي عهد أمير الكويت الراحل الشيخ أحمد الجابر (1921) طالب الشعب بأن يُشارك في أمور الدولة، وطالب بإنشاء مجلس للشورى وذلك لإصلاح ما يمكن إصلاحه والتطلع إلى مستقبل أفضل للبلاد.

 رصيد ديمقراطي ترسخ لدى الكويتيين منذ أوائل القرن الماضي قبل أن يتجسد في مجلس الأمة

وهكذا تكوَّن مجلس الشورى الأول، وبعد انقضائه تكون المجلس التشريعي الأول في سنة 1938، ثم المجلس التشريعي الثاني في مارس من عام 1939، ومن كل ذلك نشأ عند الشعب الكويتي رصيد ديمقراطي استمر إلى أن تولى الشيخ عبدالله السالم الحكم، والذي كان من الرموز المطالبة بالحكم الديمقراطي منذ المجلس التشريعي الأول في 1938.

أنهى الشيخ عبدالله السالم معاهدة الحماية الإنجليزية، وأعلن في التاسع عشر من يونيو 1961 استقلال الدولة، وسعى إلى تأسيس مجلس للأمة ثم أصدر الدستور الكويتي الدائم سنة 1962 ليكون أقدم دستور في دولة عربية يحافظ على نصوصه دون تغيير حتى الآن، هذه المظاهر الديمقراطية مهدت لتُربةٍ آمنة، جعلت النّتاج الأدبي والثقافي في مأمن من التدخل الرسمى، وأَمِنَ العاملون على استثمار التنمية الفكرية والثقافية على مسيرة أعمالهم، لذا تُعتبر الكويت سبّاقة في التنمية الثقافية والتعليمية، وحظي المواطنون والوافدون فيها بحرية الرأي والتعبير التى قلّما كان لها نظير في البلاد الأخرى، ولذا لم يكن غريباً أن ينعم أبناء الكويت بالأمن والاستقرار في ظل أجواء ما سُمي بالربيع العربي التي هبت على كثير من الدول العربية في العقد الماضى..

استثمار في الإنسان

يُجمع المؤرخون على أن   خير ما استثمرت الكويت فيه خلال نصف قرن مضى كان التنمية الثقافية، ولم تنازعها في ذلك الدوافع السياسية ولم تحجبها الشواغل الاجتماعية والرسمية، فبقيت الدوريات الثقافية منذ نشأتها بلا عائق رسمى.

 مجلة «البعثة» الكويتية تغرد من القاهرة وتتحول إلى ملتقى للكتاب والمبدعين من البلدين

وفي منتصف الأربعينات من القرن الماضي انطلقت من مصر موطن العلم والثقافة مجلة «البعثة» الكويتية على يد مجموعة من المثقفين الكويتيين يتقدمهم الأديب عبدالعزيز حسين لتكون خير سفير للكويت، فصارت مرجعاً من المراجع الأدبية والثقافية شارك فيه أدباءُ ومفكرو مصر، بأقلامهم النيّرة، وكانت تستقطب الموهوبين من الطلبة والأساتذة الكويتيين في مصر وداخل الوطن، واستمرت هذه المجلة إلى مطلع الخمسينات، وتزامن توقفها مع توقف مجلة الرسالة للأديب الكبير أحمد حسن الزيات، وقبلها بعدة سنوات أصدر المؤرخ والأديب عبدالعزيز الرشيد مجلته المعروفة باسم (مجلة الكويت)، وذلك في سنة 1928 لتكون أول المراجع الأدبية داخل البلاد، ومجلة «كاظمة» في سنة 1948 للأستاذين أحمد السقاف وعبدالله الصانع.

وجاءت حِقْبة الخمسينات لتشهد صدور جريدة «الفجر» لتكون صوت نادي الخريجين، ثم صدرت جريدة «الشعب» كجريدة سياسية اجتماعية ثقافية... وظهرت في تلك الفترة أيضاً مجلات «الرائد» صوت جمعية المعلمين و«الإرشاد» صوت جمعية الإرشاد، و«الإيمان» صوت النادي الثقافي القومى.

رسالة العربى

وفي 1958 صدرت مجلة «العربى» عن دائرة المطبوعات والنشر الحكومية التي كان يرأسها آنذاك الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت الراحل «طيب الله ثراه»، واستقدم لرئاسة تحريرها العلامة المصري الدكتور أحمد زكى، وعندما التقى مع المغفور له الشيخ عبدالله السالم حاكم الكويت قال له الأمير: «نريدها رسالة لكل عربي ولا تتخذ طابعاً محلياً، وعليكم أن تبعدوا عن الزوابع السياسية وتسعوا إلى السلام»، واحتفلت سفارة الكويت والمجتمع الثقافي في مصر والكويت أواخر عام (2018) بمرور 60 عاماً على إصدارها، وهكذا سلكت «العربى» الطريق كأحسن سفير للكويت وتجنبت رياح السياسة، وسعت نحو إيصال رسالة المعرفة والفكر والأدب لكل عربى، ولا تزال هكذا حتى يومنا هذا.

وسارت على هذا النهج كذلك سلسلة عالم الفكر، وسلسلة عالم المعرفة، والثقافة العالمية، والمسرح العالمي التي تصدر كلها عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الذي تأسس عام 1973 وأصبح الجهة الأساسية في تنمية الثقافة في الكويت كثوابت لبُنية ثقافية سعت إلى إنماء الثقافة في الكويت، وأنجز المجلس الوطني نشر ما تبقى من العمل التراثي الكبير «تاج العروس» الذي عملت وزارة الإعلام على نشره منذ منتصف الستينات بجهود عربية مشتركة ليصل إلى عشرات المجلدات، وكان الإقبال الواسع على الجناح الكويتي ودور النشر الكويتية في معرض القاهرة الأخير للكتاب قبل عدة أسابيع شهادة تلقائية على أهمية وحيوية الدور الثقافي للكويت ومحوريته لدى القارئ في مصر والعالم العربي سواء بسواء.

 وعلاوة على ذلك هناك العديد من المواسم الثقافية التي تقام في الكويت في كل عام وعلى رأسها مهرجان الكويت الثقافي البارز «مهرجان القرين»، ومعرض الكتاب السنوي الذي انطلق في العام 1973 إضافة إلى عديد من الملتقيات الثقافية والإعلامية التي ترعاها جمعيات ومؤسسات خاصة.

تعدد مصادر الإبداع

بالإضافة إلى دور وزارة الإعلام والهيئات التابعة لها فإن لجامعة الكويت إصدارات دورية وبحوثاً ودراسات منذ تأسيسها في سنة 1966 من أبرزها موسوعة العلوم السياسية، كما تصدر في الكويت الآن نحو 20 صحيفة يومية وأسبوعية، علاوة على عشرات الدوريات الأسبوعية والشهرية ونصف الشهرية، هذه الكمية الهائلة تعد الأولى بزخمها في قطر عربي مقارنة بعدد السكان، وتدل على اتساع رقعة الحرية المتاحة للمواطن والمقيم على أرض الكويت.

وتشارك رابطة الأدباء في النشاطات الثقافية وتصدر مجلة «البيان» وهي ثقافية أدبية منذ سنة 1966، ولها إصدارات تخصصية في الأدب، وأصدرت منها حتى الآن عشرات الكتب. وهناك مؤسستان ثقافيتان أهليتان تهتمان بالأدب والشعر العربى؛ الأولى مؤسسة البابطين للإبداع الشعرى، التي أنجزت عملها الكبير «معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين» في عدة أجزاء من الحجم الكبير، ومعجم البابطين للشعراء العرب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ولهذه المؤسسة إصدارات لأعلام الأدب والشعر العربى، وتعقد مهرجانات عربية ودولية وتنقل أنشطتها إلى عواصم العالم العربى، وتهتم بنشر الإبداعات الشعرية في العالم العربى، وكذلك بالشعر العربي في بلاد غير عربية، وتُعنى بالشعر والشعراء، وتخصص جائزة سنوية قيمتها المالية مائة ألف دولار. وتتكفل المؤسسة بتعليم 1500 طالب من الجمهوريات الإسلامية الآسيوية التي استقلت عن الاتحاد السوفييتى، ومن ثم كان وفاة مؤسسها وراعيها عبدالعزيز سعود البابطين منتصف ديسمبر الماضي مبعث حزن في جميع الأوساط الثقافية في مصر التي أشادت بدوره غير المسبوق في خدمة الثقافة العربية.

جهود ثقافية

وهناك «دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع» التي انطلقت في بدايتها من القاهرة كذلك منذ ما يقرب من ربع قرن، وأثرت المكتبة العربية بسيل كبير من المنشورات في كل فنون المعرفة، ورصدت الجوائز القيّمة للمؤلفين الشباب في فنون الثقافة والعلم، وحصدت جوائزها الكبيرة أسماء كثيرة من العالم العربى، ولا تزال هذه المؤسسة التي استقرت في الكويت تمد الوطن العربي بإنتاجها الثقافي الواسع، وبادرت بتكريم شخصيات عربية ثقافية في حياتهم وأصدرت كتباً عن تاريخهم وإبداعاتهم وأثرهم في الحياة الثقافية العربية.

كل هذه القاعدة العريضة على أرض الكويت الرحبة، والتي يقف عليها الأديب والكاتب المبدع باطمئنان ليكتب عن القضايا العربية الثقافية والأدب العربي بكل اطمئنان، لا يلتزم بنهج سياسي ولا حزبي ولا يحاط بأي مؤثر إقليمى، حتى صارت الكويت رافداً عربياً فيه الصفاء والنقاء، يلتقي مع الروافد العربية الأخرى، ولتصب جميعها في النهر العربي العظيم، لتقوم مجتمعة على إنماء الثقافة العربية، ولتواكب عجلة الحضارة وخدمة الإنسانية جمعاء.

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: فی الکویت فی مصر فی سنة

إقرأ أيضاً:

الشيخة فاطمة تهنئ شعب الإمارات والأمتين العربية والإسلامية بالمولد النبوي

هنأت الشيخة فاطمة بنت مبارك "أم الإمارات" رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، الشعب الإماراتي والأمتين العربية والإسلامية بذكرى المولد النبوي.

وقالت أم الإمارات: "بمناسبة ذكرى مولد نبراس البشر، وخاتم المرسلين، والذي بُعث رحمة للعالمين، يسعدنا تقديم أزكى عبارات التهاني والتبريكات إلى الشعب الإماراتي والأمتين العربية والإسلامية، راجين من الله العلي القدير، أن يُعيد هذه المناسبة على الجميع بالصحة والعافية والتقدم والازدهار، وأن يعم الخير والبركات والسلام والأمان شعوب العالم".

مقالات مشابهة

  • ماذا يريد المؤتمر الوطني، الإخوان والكيزان من الشعب السوداني؟
  • وزير الثقافة: الاهتمام بالفنون يعكس مدى تقدم المجتمعات ويُعزز هويتها الثقافية
  • المنتخب الوطني لكرة اليد يقتنص المركز الثالث في البطولة الإفريقية من نظيره المغربي
  • وائل الجشي لـ24: "البعد المفتوح" مساهمة نوعية في الثقافة العربية
  • سفارة الكويت بالسعودية تدعو المواطنين إلى الالتزام بأحكام احتفالات اليوم الوطني للمملكة
  • قائد أنصار الله يتعهد بتصعيد أكبر بعد العملية النوعية التي استهدفت “تل أبيب”
  • الشيخة فاطمة تهنئ شعب الإمارات والأمتين العربية والإسلامية
  • العربية للتنمية الإدارية تطلق فعاليات الملتقى الثالث لإدارة التراث حول الإتاحة الرقمية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي بالدوحة
  • الشيخة فاطمة تهنئ شعب الإمارات والأمتين العربية والإسلامية بالمولد النبوي
  • رئيس الوزراء يهنئ الشعب المصري والأمتين العربية والإسلامية بالمولد النبوي