تستكمل هذه المقالة الجزء الثاني من طرحنا في شأن المحاور المُلحة (اجتماعيًّا)، والتي يتوجب -حسب تقديرنا- أن تركز عليها خطة التنمية الخمسية القادمة (الحادية عشرة)، وقد أوجزنا تلك البرامج في 5: برنامج يُعنى بـ «التمكين الاجتماعي»، وبرنامج يعنى بتمكين «الثقافة المالية»، وبرنامج يعنى بتدعيم «الاستقرار والصمود الأسري»، وبرنامج يعنى بـ «الثقافة والتمكين المعلوماتي»، وبرنامج يعنى بتعزيز «المشاركة المدنية».

وقد ناقشنا في الجزء الأول من السلسلة برنامجي (التمكين الاجتماعي) و(الثقافة المالية). ونستكمل هنا مناقشة بقية البرامج وإلحاحاتها والدوافع التي يمكن أن تسوغ التركيز عليها وطنيًّا خلال السنوات الماضية. مر التركيب الأسري في سلطنة عُمان خلال العقود الفائتة بجملة من المتغيرات؛ سواء على مستوى التركيب البنائي (الديموغرافي)، أو على مستوى التركيب الثقافي للأسرة، ورغم كل تلك المتغيرات فإن الأسرة في عُمان لم تتعرض إلى ذلك التغيير الجذري (الراديكالي) في تكوينها وبنيتها وفي قدرتها على الصمود والاستقرار. تتشكل قدرة الأسر على الاستقرار والصمود، سواء في حالته المادية، أو في حالته المعنوية (الثقافة) وفق خمسة أسس رئيسية: (متانة العلاقات الأسرية - التواصل الفعال داخل المحيط الأسري - ثبات القيم وتقارب المعتقدات عبر الأجيال - قوة شبكات دعم الأسرة من خارجها - وجود استراتيجيات معينة للتكيف). كمفكرين اجتماعيين فإنه بالنسبة لنا يقتضي قراءة وضع الأسرة الاحتكام إلى الأسس الخمسة السابقة للوصول إلى قراءة مستقبل الأسرة، حيث إن الاختلال أو التغير في أحدها يعني بالضرورة إفراز بعض الظواهر الاجتماعية التي قد تتحول لاحقًا إلى مشكلات مركبة ما لم تكن هناك سياسات اجتماعية ووقفات ثقافية ملحة لمراجعتها أو الوقوف عليها. لكن لتأصيل الموضوع علميًّا؛ كيف تتغير الأسرة -أي أسرة في مجتمعات العالم-؟ يقول عالم الاجتماع غود دبليو جيه إن ما يقف وراء كل تغيرات الأسر (في التاريخ القريب) هو التحول العالمي من اقتصاد الكفاف التقليدي إلى اقتصاد موجه نحو الإنتاج والذي تحول من خلال قدرته على توفير الصادرات إلى الأعمال التجارية الزراعية والتصنيع والصناعة، مما يخلق أو يوسع اقتصادًا قائمًا على الوظائف ويفضل الأفراد الأصغر سنًا والأكثر تنقلًا جغرافيًّا، بما في ذلك الشباب والنساء غير المتزوجات عادةً. وتتركز التنمية الاقتصادية عادة في المناطق الحضرية، مما يعني التحول من سكان الريف إلى سكان الحضر، ويؤدي إلى فقدان السيطرة على الأسرة، وخاصة عندما يستمر الشباب في المدن في كثير من الأحيان بدعم أقاربهم ماليا في الريف. وجهة النظر هذه تتماثل حسب تقديرنا في كافة المجتمعات تقريبًا، حيث تتسرب من عمليات التنمية الاقتصادية ظواهر بعضها قد يتسق مع نطاق الحركة الطبيعية للمجتمع والسياسات الاجتماعية القائمة، وبعضها قد يكون مصادمًا للنسق الثقافي والبنيوي للمجتمع، وبالتالي فإن النسق الأسري كنسق اجتماعي يكون معرضًا للتأثر بالمعطيات التي تفرضها تلك العمليات.

لكن ماذا عن الأسرة في عُمان؟ حسب قراءتنا فإن هناك 5 محركات لتغير الأسرة العُمانية اليوم، أولها السياقات التنموية التي وسعت خروج المرأة للعمل، ووسعت نطاق الهجرات من الريف إلى الحضر، وعززت تقارب ما يُعرف بـ (المتصل الريفي الحضري) -أي تماثل أنماط الحياة والقيم بين الحضر والريف- وهذا المحرك يحمل في طياته مكاسب تنموية وخاصة للمرأة ولتمكينها ولمستويات دخول الأسر، وكذلك للتمكين الاقتصادي بشكل عام للمجتمع. أما المحرك الآخر فيتمثل في انخراط المجتمع في الشبكات الدولية، سواء عن طريق وسائط الإعلام والثقافة والاتصال، أو السياحة الخارجة والداخلة، أو من خلال عمليات الابتعاث والتبادل المعرفي والثقافي. وهو ما أفرز ظواهر وبنى لمعتقدات جديدة، قد يتسق بعضها مع شكل الحياة العامة في المجتمع، وقد يفرز بعضها ظواهر خارجة عن نسقه الثقافي. أما المحرك الثالث فهو يتثمل في مدى مواكبة السياسات العامة لأوضاع الأسرة؛ ونقصد هنا السياسات الاجتماعية والسياسات الاقتصادية، وهو سؤال لطالما كررناه في هذه المساحة: هل تُبنى السياسات العامة وفق محورية ومركزية دور الأسرة؟ وهل تدعم تلك السياسات قدرة الأسرة على التكيف بشقيه الاجتماعي والاقتصادي. إن اتساق السياسات العامة مع أحوال الأسرة، ووضعها محورًا للتعزيز والتمكين وخاصة من الناحية الاقتصادية هو عامل مهم لكبح نشوء عديد من الظواهر والمشكلات المتصلة بالحالة الأسرية. أما المحرك الخامس فهو الخطاب العام؛ هل النقاش العام حول أوضاع الأسرة نقاش ممنهج ويلامس جذور المشكلات والتحديات؟ وهل ما تطرحه شبكات دعم الأسر من مؤسسات في خطابها يرتقي لتطلعات تمكين الأسرة من الصمود والاستقرار أم ينفصل ويوسع الفجوة معها؟ في تقديرنا ما زال الخطاب حول الأسرة يدور حول ثيمات عمومية؛ والمرحلة القادمة تستوجب مزيدًا من التنقيب الدقيق والعلمي في تغير أحوال الأسرة، وفي الظروف الناشئة، ومكاشفة مكامن الخلل الحقيقي المؤدية إلى تغيرها، فقد يكون التغير ناشئا عن ظروف أعمق وغير ظاهرية كما تخلص إليه النقاشات العمومية.

في العموم تستوجب المرحلة القادمة برنامجًا تمكينيًّا يعنى بهذا الشأن، ويتشكل في ثلاثة محاور أساسية: تعزيز الدراسات المعمقة والموسعة والقائمة على الأدلة في شؤون الأسرة، والمحور الثاني يتمثل في مراجعة كافة السياسات والتشريعات والتنظيمات المتعلقة بالأسرة والتكوين الأسري، والمحور الثالث يتمثل في تحديث نسيج المبادرات والبرامج الاستراتيجية الوطنية الموجهة للأسرة، ويمكن الاستفادة من الممارسات العالمية في هذا الصدد كإيجاد منصات دعم الأبوة والأمومة الموجهة بالتكنولوجيا، وبرامج دعم مرونة الأسرة وقدرتها على التكيف، وإيجاد حوافز في السياسات معززة للتماسك والتواصل الأسري، بالإضافة إلى تنشيط دور مؤسسات المجتمع المدني فيما يتصل بقدرتها على دعم التماسك الأسري ليس بالأدوار التقليدية عن طريق التوعية العامة والتثقيف وإنما من خلال مبادرات مبتكرة ومستديمة تتوجه للظواهر الأساسية الناشئة حيال الأسرة. إن هذا الإلحاح الراهن لإيجاد برامج تعنى بالاستقرار الأسري يعني بالضرورة كلفًا أقل للتأثيرات العكسية للسياسات المستجدة على المجتمع وبنيته وعلى بنية الأسرة بوصفها محورًا للتركيب المجتمعي. وسوف نستكمل في الجزء الأخير البرامج الاجتماعية الأخرى التي اقترحنا توافرها في خطة التنمية الخمسية القادمة.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

محافظ الدقهلية: نواب الدقهلية شركاء في اتخاذ القرارات ووضع حلول عملية وتكاملية تلبي التطلعات


شارك اللواء طارق مرزوق محافظ الدقهلية، اليوم في اجتماع لجنة الصناعة بمجلس النواب، لمناقشة طلب الإحاطة المقدم من النائب محمد نجيب خالد نور الدين عضو مجلس النواب عن دائرة الجمالية بشأن انشاء منطقة صناعية بمدينة الجمالية.

وفي مستهل الاجتماع، رحب النائب باللواء طارق مرزوق محافظ الدقهلية، مؤكدًا أن الهدف من طلبات الإحاطة هو المتابعة الرقابية لمجلس النواب، وشهد الاجتماع إشادة من أعضاء مجلس النواب بأداء محافظ الدقهلية منذ توليه مسؤولية العمل في المحافظة، مشيرين إلى التطور الملحوظ في مستوى الخدمات والمشروعات التنموية بالمحافظة خلال الفترة الماضية.

وقد تناول العرض المقدم من النائب مقترح بشأن موقعين، الإقتراح الأول لمنطقة تقع في مدينة الجمالية بمساحة 7 آلاف متر، والموقع الثاني هو حوض الترسيب رقم 1 في بحيرة المنزلة على مساحة 416 فدان، وطلب مقدم الإقتراح إنشاء المنطقة الصناعية في أحد الموقعين لتخدم مدن المطرية والمنزلة والجمالية وغيرها من المدن.

وأوضح محافظ الدقهلية أنه بناءا على كتاب السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية باعتبار الصناعة قاطرة التنمية، وتوجيهات الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، والفريق كامل الوزير نائب رئيس الوزراء ووزير الصناعة، برفع كفاءة المناطق الصناعية والتوسع فيها للحد من الاستيراد وزيادة كميات المنتجات المحلية، والوصول إلى منتجات وطنية تعمل على توفير العملة الصعبة في إطار تنمية الاقتصاد الوطني، وتخلق فرص عمل جديدة للشباب.

وأضاف محافظ الدقهلية أنه تتم دراسة المقترح بإقامة منطقة صناعية بحوض الترسيب رقم 1 في بحيرة المنزلة حيث يعتبر جزيرة داخل البحيرة، باعتبار أنه يمكن إقامة منطقة صناعية مخصصة للمصانع صديقة البيئة والتي لا تحتاج إلى صرف صناعي، أو دورات معالجة الصرف الصناعي، وسيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة بالتنسيق مع كافة الجهات ذات الصلة لاختيار الموقع الأنسب لانشاء المنطقة.

وأوضح "مرزوق " أن الدقهلية يوجد بها عدد من المناطق الصناعية تشمل المنطقة الصناعية بجمصه، والمنطقة الصناعية في العصافرة، والمنطقة الاستثمارية في ميت غمر، بالإضافة إلى 30 فدان مرحلة ثانية للمنطقة الصناعية في العصافرة، جاري استغلالها بالتنسيق مع وزارة الصناعة، وأضاف أنه يجري التنسيق لإنشاء منطقة صناعية على مساحة 18 فدان بمدينة تمي الامديد، كما وافق الفريق كامل الوزير وزير الصناعة على إضافة 220 فدان إلى مساحة المنطقة الصناعية في جمصه والتي تعتبر المنطقة الأولى في الدقهلية ولها موقع متميز بقربها من ميناء الإسكندرية ودمياط وبورسعيد.

وأكد اللواء "مرزوق" على استمرار التعاون بين السلطة التنفيذية والتشريعية، والذي يمثل أحد الركائز الأساسية لدعم جهود المحافظة في تحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين ودفع عجلة التنمية، وأضاف أن نواب الدقهلية هم نبض الشارع والمواطن، كما أنهم شركاء في اتخاذ القرارات والتعرف على احتياجات المواطنين، مما يسهم في صياغة حلول عملية تحقق التكامل بين السلطة التنفيذية والتشريعية وتدعم جهود التنمية.

ووجه محافظ الدقهلية تحية شكر وتقدير لأعضاء مجلس النواب الحضور، ولجميع أعضاء مجلسي النواب والشيوخ بالدقهلية على دعمهم لتنفيذ مشروعات خدمية وتنموية بالمحافظة،وحضر الاجتماع المحاسب عصام حجاج مدير عام الإنتاج والشئون الاقتصادية والاستثمار بديوان عام المحافظة.

مقالات مشابهة

  • أستاذ علم الاجتماع: قطع صلة الرحم تؤدي إلى الشعور بالوحدة وتفكك المجتمع
  • المؤتمر يوصي بدعم الابتكار في تصميم الأجهزة والتطبيقات التي تلبي احتياجات ذوي القدرات الخاصة
  • د. لبيب قمحاوي .. التحديات التي تجابه المنطقة العربية في الحقبة القادمة
  • اختتام دورة تدريبية لفرسان التنمية في بني الحارث لتعزيز العمل الطوعي والتنموي
  • محافظ الدقهلية: نواب الدقهلية شركاء في اتخاذ القرارات ووضع حلول عملية وتكاملية تلبي التطلعات
  • المشاط: السياسات الإصلاحية التي انتهجتها الحكومة انعكست على تعافي المؤشرات الأولية للنمو في الربع الأول من العام المالي الجاري
  • المشاط: السياسات الإصلاحية انعكست علي المؤشرات الأولية لنمو الربع الأول من العام المالي
  • المشاط: السياسات الإصلاحية انعكست على تعافي المؤشرات الأولية للنمو
  • الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب تطالب بحماية الأسرة من تداعيات لها انعكاس على تماسك المجتمع
  • نصية: يجب تخصيص ميزانية التنمية للسنوات الـ 3 القادمة للبنية التحتية