المجتمع في خطة التنمية القادمة: التطلعات والمآلات (2 – 3)
تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT
تستكمل هذه المقالة الجزء الثاني من طرحنا في شأن المحاور المُلحة (اجتماعيًّا)، والتي يتوجب -حسب تقديرنا- أن تركز عليها خطة التنمية الخمسية القادمة (الحادية عشرة)، وقد أوجزنا تلك البرامج في 5: برنامج يُعنى بـ «التمكين الاجتماعي»، وبرنامج يعنى بتمكين «الثقافة المالية»، وبرنامج يعنى بتدعيم «الاستقرار والصمود الأسري»، وبرنامج يعنى بـ «الثقافة والتمكين المعلوماتي»، وبرنامج يعنى بتعزيز «المشاركة المدنية».
لكن ماذا عن الأسرة في عُمان؟ حسب قراءتنا فإن هناك 5 محركات لتغير الأسرة العُمانية اليوم، أولها السياقات التنموية التي وسعت خروج المرأة للعمل، ووسعت نطاق الهجرات من الريف إلى الحضر، وعززت تقارب ما يُعرف بـ (المتصل الريفي الحضري) -أي تماثل أنماط الحياة والقيم بين الحضر والريف- وهذا المحرك يحمل في طياته مكاسب تنموية وخاصة للمرأة ولتمكينها ولمستويات دخول الأسر، وكذلك للتمكين الاقتصادي بشكل عام للمجتمع. أما المحرك الآخر فيتمثل في انخراط المجتمع في الشبكات الدولية، سواء عن طريق وسائط الإعلام والثقافة والاتصال، أو السياحة الخارجة والداخلة، أو من خلال عمليات الابتعاث والتبادل المعرفي والثقافي. وهو ما أفرز ظواهر وبنى لمعتقدات جديدة، قد يتسق بعضها مع شكل الحياة العامة في المجتمع، وقد يفرز بعضها ظواهر خارجة عن نسقه الثقافي. أما المحرك الثالث فهو يتثمل في مدى مواكبة السياسات العامة لأوضاع الأسرة؛ ونقصد هنا السياسات الاجتماعية والسياسات الاقتصادية، وهو سؤال لطالما كررناه في هذه المساحة: هل تُبنى السياسات العامة وفق محورية ومركزية دور الأسرة؟ وهل تدعم تلك السياسات قدرة الأسرة على التكيف بشقيه الاجتماعي والاقتصادي. إن اتساق السياسات العامة مع أحوال الأسرة، ووضعها محورًا للتعزيز والتمكين وخاصة من الناحية الاقتصادية هو عامل مهم لكبح نشوء عديد من الظواهر والمشكلات المتصلة بالحالة الأسرية. أما المحرك الخامس فهو الخطاب العام؛ هل النقاش العام حول أوضاع الأسرة نقاش ممنهج ويلامس جذور المشكلات والتحديات؟ وهل ما تطرحه شبكات دعم الأسر من مؤسسات في خطابها يرتقي لتطلعات تمكين الأسرة من الصمود والاستقرار أم ينفصل ويوسع الفجوة معها؟ في تقديرنا ما زال الخطاب حول الأسرة يدور حول ثيمات عمومية؛ والمرحلة القادمة تستوجب مزيدًا من التنقيب الدقيق والعلمي في تغير أحوال الأسرة، وفي الظروف الناشئة، ومكاشفة مكامن الخلل الحقيقي المؤدية إلى تغيرها، فقد يكون التغير ناشئا عن ظروف أعمق وغير ظاهرية كما تخلص إليه النقاشات العمومية.
في العموم تستوجب المرحلة القادمة برنامجًا تمكينيًّا يعنى بهذا الشأن، ويتشكل في ثلاثة محاور أساسية: تعزيز الدراسات المعمقة والموسعة والقائمة على الأدلة في شؤون الأسرة، والمحور الثاني يتمثل في مراجعة كافة السياسات والتشريعات والتنظيمات المتعلقة بالأسرة والتكوين الأسري، والمحور الثالث يتمثل في تحديث نسيج المبادرات والبرامج الاستراتيجية الوطنية الموجهة للأسرة، ويمكن الاستفادة من الممارسات العالمية في هذا الصدد كإيجاد منصات دعم الأبوة والأمومة الموجهة بالتكنولوجيا، وبرامج دعم مرونة الأسرة وقدرتها على التكيف، وإيجاد حوافز في السياسات معززة للتماسك والتواصل الأسري، بالإضافة إلى تنشيط دور مؤسسات المجتمع المدني فيما يتصل بقدرتها على دعم التماسك الأسري ليس بالأدوار التقليدية عن طريق التوعية العامة والتثقيف وإنما من خلال مبادرات مبتكرة ومستديمة تتوجه للظواهر الأساسية الناشئة حيال الأسرة. إن هذا الإلحاح الراهن لإيجاد برامج تعنى بالاستقرار الأسري يعني بالضرورة كلفًا أقل للتأثيرات العكسية للسياسات المستجدة على المجتمع وبنيته وعلى بنية الأسرة بوصفها محورًا للتركيب المجتمعي. وسوف نستكمل في الجزء الأخير البرامج الاجتماعية الأخرى التي اقترحنا توافرها في خطة التنمية الخمسية القادمة.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
محافظة الداخلية تستثمر في التنمية الحضرية لتحقيق الاستدامة والجودة
العُمانية: تواصل محافظة الداخلية تنفيذ سلسلة من المشروعات الاستراتيجية في التنمية الحضرية بهدف إيجاد بيئة حضرية متكاملة تلبِّي تطلعات المجتمع وتضمن الاستدامة، وبناء مستقبل مزدهر.
ومن بين هذه المشروعات، تحويل واجهات ولايات محافظة الداخلية إلى واجهات جذابة تعكس جمال الطبيعة واحتياجات المجتمع، وإنشاء المتنزهات والحدائق العامة، وتوفير الخدمات الأساسية التي تعزِّز جودة الحياة في المحافظة.
وأكد سعادة الشيخ هلال بن سعيد الحجري، محافظ الداخلية، حرص المحافظة على تعزيز المظهر العمراني وتحسين بيئة المواطنين والمقيمين، مشيرًا إلى أن خطط المحافظة تتكامل مع أولويات "رؤية عُمان 2040" المعنية بالمدن المستدامة.
وأشار سعادته في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية إلى بدء تنفيذ مشروع ميدان الداخلية "بوليفارد الداخلية"، الذي يعد مشروعًا تنمويًا شاملًا يهدف إلى تعزيز الخدمات والبنية الأساسية، ومن المتوقع أن تُنفّذ الأعمال على مدى عامين، ويضم 10 مواقع استثمارية متنوعة و50 عقد انتفاع في مختلف القطاعات، مما يعكس التوجه نحو تنويع الاقتصاد المحلي وتعزيز الأنشطة التجارية.
وأوضح سعادته أن محافظة الداخلية تضم حاليًا 35 حديقة ومتنزهًا موزعة على ولاياتها التسع، بمساحة إجمالية تخطّت مليونًا و353 ألفًا و807 أمتار مربعة، مؤكدًا أن العمل مستمر لتطوير البنية الأساسية لهذه المساحات، حيث تم افتتاح حديقة منح العامة، وانتهت التصاميم الخاصة بحديقة ولاية الحمراء، كما تم الانتهاء من تنفيذ مشروع تطوير مدخل ولاية نزوى، بينما تتقدم الأعمال في مشروعي تطوير مدخل جبرين وبسياء بولاية بهلا.
وقال سعادة الشيخ هلال الحجري: إن نسبة الإنجاز في الخدمات الاستشارية لمشروع تطوير مدخل ولاية بدبد وصلت إلى 95 بالمائة، بينما بلغت نسبة الإنجاز في مشروع ازدواجية طريق الجبل الأخضر وتطوير مدخل الولاية في مرحلة الخدمات الاستشارية للتصميم 90 بالمائة.
وأضاف سعادته: إن المحافظة تحرص على تعزيز رفاهية المجتمع من خلال تنفيذ مشروعات المتنزهات والحدائق العامة، التي تشهد تقدمًا في الأعمال؛ ففي مشروعي حديقة نزوى العامة ومنطقة المعمورة بولاية بهلا، بلغت نسبة الإنجاز 30 بالمائة، وتم الانتهاء من 90 بالمائة من أعمال تطوير وتأهيل متنزه الحديقة بولاية أدم، كما وصل مشروع تأهيل وتطوير متنزه الخطم بولاية منح إلى أكثر من 65 بالمائة، وبلغت نسبة الإنجاز في مشروع تأهيل متنزه العاقل بولاية إزكي 75 بالمائة، وفيما يخص مشروع تأهيل متنزه هصاص بولاية سمائل، فقد أُنجز بنسبة 4 بالمائة من أعماله.
وأكد سعادته استمرار الدراسات الاستشارية لإنشاء متنزه جديد في مخطط السيح الأحمر بولاية بدبد، ويجري العمل على إنشاء حديقة الجبل الأخضر العامة، التي بلغت نسبة إنجازها 25 بالمائة.
وقال سعادة الشيخ محافظ الداخلية: إن المبادئ الأساسية للمخطط الهيكلي لنزوى الكبرى تسعى إلى توفير الإسكان المناسب والمرافق العامة المتطورة والمساحات الخضراء ووسائل النقل المستدامة، ومن المقرر أن يتضمن المخطط الهيكلي إنشاء مناطق سكنية حديثة مجهزة بجميع وسائل الراحة والمرافق الضرورية مثل المدارس والمستشفيات والمراكز التجارية، كما سيتم تعزيز التنوع العمراني من خلال توفير مساحات للأنشطة التجارية والصناعية والثقافية والترفيهية.
وأضاف سعادته: إن المخطّط الهيكلي يركِّز أيضًا على تحسين وسائل النقل في المدينة، حيث سيتم توفير شبكة مواصلات متكاملة تشمل الحافلات العامة والمواصلات الجماعية وشبكة الطرق الحديثة، وتسهم هذه التحسينات في تخفيف الازدحام المروري وتحسين تجربة السفر للسكان.
وأوضح سعادته أن محافظة الداخلية نالت نصيبها في مشروعات التجديد الحضري في ولاية الحمراء وتتمثل في مشروع (تجديد حارة الحمراء القديمة) عبر مزج تاريخ الحمراء الغني واحتياجات الاقتصاد الحديث، مما يضمن الحفاظ على التراث المعماري الفريد لسلطنة عُمان وإرساء الأساس للنموّ المستقبلي، ومن المتوقع أن تصبح الحارة القديمة نموذجًا للتجديد الحضري المستدام، مشيرًا إلى أن تطوير واجهات الولايات في المحافظة تسهم في الحفاظ على الهوية الثقافية والتراثية للمحافظة، من خلال دمج الطابع المحلي في التصميمات.
من جانبه، قال المهندس سعود بن حمد البحري مدير عام المديرية العامة للإسكان والتخطيط العمراني بمحافظة الداخلية: إن مشاريع تطوير واجهات الولايات تسهم بشكل كبير في تجميل المناطق، وتحديث البنية الأساسية، وتوفير مساحات حديثة تتيح للسكان والزوار التمتع ببيئة أكثر راحة وجاذبية، مشيرًا إلى أن تحسين هذه الواجهات يعزز من الاقتصاد المحلي من خلال توفير فرص عمل في مجالات البناء، والصيانة، والخدمات السياحية، فضلًا عن جذب الاستثمارات المحلية.
وأضاف في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية: إن مشاريع تطوير المتنزهات والحدائق العامة تسهم في تعزيز صحة ورفاهية المجتمع، حيث توفر هذه المساحات الخضراء أماكن للاسترخاء وممارسة الأنشطة الرياضية، ما يشجع على أسلوب حياة نشطة، وتعد هذه الأماكن أيضًا بيئات مثالية للتفاعل الاجتماعي وتعزيز الروابط المجتمعية.
وفيما يتعلق بالخطط المستقبلية، أفاد المهندس سعود البحري أن هناك استراتيجية لتكامل المخططات السكنية مع المساحات الخضراء، حيث يجري العمل على تصميم مدن ذكية ومستدامة تتضمن تخصيص مناطق للحدائق والمتنزهات داخل الأحياء السكنية، مؤكدًا أن هذا التكامل سيسهم في تحسين جودة الهواء والمناخ المحلي، ويعزز الراحة النفسية للسكان.
وأكد مدير عام المديرية العامة للإسكان والتخطيط العمراني بمحافظة الداخلية أن هذه المشاريع سيكون لها تأثير إيجابي كبير على الاقتصاد المحلي من خلال توفير فرص استثمارية جديدة وتعزيز الحركة الاقتصادية في المنطقة، مما يسهم في التنمية المستدامة وتحسين مستوى المعيشة للسكان.