لجريدة عمان:
2025-11-04@21:22:40 GMT

الذكاء الاصطناعي ضيف معرض الكتاب

تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT

لقد أصبح الذكاء الاصطناعي من أبرز ظواهر العصر الحديث وتقنياته التي مكَّنت المجتمعات من التحوُّل المعرفي والقفز نحو التغيرات الحضارية؛ فمنذ أن قام البريطاني (آلان تورنج) بصنع آلة محوسبة في عام 1935، قادرة على فك الرموز والشيفرات خلال الحرب العالمية الثانية، مهَّد للبحوث اللاحقة التي طوَّرت تلك التقنيات والخوارزميات التي ظهرت بعد ذلك بأشكال أكثر تطوُّرا وتعقيدا، وإلى عام 1956 عندما تمت صياغة المصطلح على يد (مارفن مينسكي، وجون مكارثي)، وحتى وقتنا الحالي، الذي تميَّز بسرعة التطوُّر والتحوُّل لتلك الأشكال والخوارزميات.

إن تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة تدخل ضمن تحولات المجتمعات؛ حيث أثَّرت تأثيرا مباشرا على الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والبيئية، فأصبحت التقنيات الذكية وسيلة ونمطا قادرا على إحداث تبدلات جوهرية في سياقات الحياة وأشكال التواصل بين أفراد المجتمعات، بل لقد غيَّر حتى المفاهيم الثقافية وسهَّل في الكثير من الأحيان وسائل العيش، لذلك سنجد أن الدول تتسابق من أجل الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطويرها، لكي تضمن انفتاحا أكبر واستفادة أوسع من مواردها الطبيعية والإنسانية، خاصة عندما أصبحت تطبيقاته قادرة على فهم اللغات الطبيعية، وتجميع البيانات الضخمة وإعادة برمجتها، وظهرت التطبيقات الصناعية، والروبوتات أو المساعدون الآليون وقدراتهم المتطوِّرة، إضافة إلى السيارات ذاتية القيادة وغير ذلك.

ولعل تخصيص ثيمة (الذكاء الاصطناعي) في الفعاليات الثقافية والفنية المصاحبة لمعرض مسقط الدولي للكتاب في نسخته 28، يأتي ضمن سياق ذلك الاهتمام البالغ الذي توليه عُمان بالتطوُّر والتفاعل الإيجابي مع تقنيات العصر وخوارزمياته؛ فالمتابع لهذه الفعاليات سيجد أن ردهات المعرض وقاعاته تعج بالمناقشات والحوارات القائمة على تأثير الذكاء الاصطناعي بدءا من (دوره في عملية التعليم)، أو (التحولات الثقافية. تأثير الذكاء الاصطناعي في الثقافة والإبداع)، أو (الذكاء الاصطناعي. تحديات وفرص)، أو(الملكية الفكرية والميتافيرس في إطار الذكاء الاصطناعي المعزز)، أو (مستقبل العلوم الاجتماعية في عصر الذكاء الاصطناعي)، أو (دور الذكاء الاصطناعي في نجاح المشروع)، أو (الرواية والذكاء الاصطناعي) وهكذا.

إضافة إلى تلك العناوين التي يتصدرها (الذكاء الاصطناعي)، سنطالع كذلك طغيان المصطلحات التقنية على عناوين الفعاليات عامة من قبيل (الصناعات الإبداعية)، و(الأمن السيبراني)، و(الصناعات الرقمية)، و(التسويق الرقمي)، و(الثقافة الرقمية)، وغيرها الكثير. إن هذه المصطلحات تعبِّر عن اهتمامات المؤسسات والمجتمع عموما بالتحوُّلات التقنية، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي بشكل خاص؛ لما يُحدثه من تغييرات وما يُقدمه من فرص تُعد مجالات واسعة للانفتاح الحضاري الحديث؛ والذي يقود العالم إلى مرحلة تنموية جديدة.

والحق أن الذكاء الاصطناعي قد مكَّن العالم من إحداث قفزات حضارية في كافة المستويات، وإذا ما تحدثنا عن أثره على المستوى الثقافي مثلا سنجد أنه قد فتح أمام هذا القطاع آفاقا واسعة من التطورات والتحوُّلات على مستوى الأشكال والأنساق والأنواع؛ إذ أن الخوارزميات الواسعة والتطبيقات، خاصة تلك المرتبطة بالذكاء الاصطناعي الضيق (ANI)، فتحت مجالات واسعة لقدرات عالية لمعالجة البيانات، وفهم الأنماط والعلاقات المرتبطة بتلك البيانات سواء أكانت متعلقة بالقطاع بمجالاته المتعددة أو بينه وبين القطاعات الحيوية الأخرى، إضافة إلى الاستنتاجات التي عمَّقت أنماط الإبداع والابتكار في هذا القطاع وفتحت آفاقها، وسهَّلت عمليات التطوير واتخاذ القرارات، لهذا سنجد أن آفاق معرض الكتاب ساحة رحبة للمناقشات التي جعلت من الذكاء الاصطناعي فكرة حاضرة ليس فقط في تلك الفعاليات المرتبطة به مباشرة بل حتى في تلك التي تناقش التطورات الفكرية والفلسفية.

فهذه التقنيات ساعدت في فهم الأنماط الثقافية وتحليلها وتحديد اتجاهاتها، ولعل ما تقدمه من إمكانات للرقمنة والتوثيق والتحليل والحفظ، إضافة إلى استخدامها في الترميم، قد أحدث ثورة في التطوُّر الثقافي؛ من خلال تقنيات المسح الآلي والنمذجة ثلاثية الأبعاد، وتطبيقات الواقع الافتراضي، وإنشاء النسخ الرقمية عالية الجودة، إذ استطاع القطاع الثقافي الإفادة منها في حماية التراث سواء أكان المادي أو غير المادي، والتعرُّف على الوجوه وإعادة ترميمها، ما جعل إنشاء صور للشخصيات التاريخية ممكنا، وكذلك ترميم القطع الأثرية عبر برامج النمذجة، وإيجاد وسائل للمحاكاة، إضافة إلى فتح أنماط جديدة للتواصل عبر الواقع الافتراضي المعزِّز، التي أصبحنا من خلالها نتواصل مع الشخصيات الثقافية التي عاشت منذ مئات السنين.

إن النقلة التي أحدثها الذكاء الاصطناعي تفتح أمام المجتمعات مجالات واسعة للإبداع والابتكار، ولهذا فإن الكثير من الدول اليوم قد اتخذت منه وسيلة أساسية لتقديم تجارب ثقافية فريدة غير مسبوقة؛ منها مثلا ما عرضه متحف التكنولوجيا في استوكهولم بالسويد يونيو 2023 -حسب ما تناقلته الصحف العربية والأجنبية- وهو عبارة عن منحوتة مستوحاة من أعمال 5 من أبرز النحاتين العالميين هم (مايكل أنجلو. إيطاليا)، و(أوغوست رودان. فرنسا)، و(كاثي كولفيتس. ألمانيا)، و(كوتارو تاكامورا. اليابان)، و(أوغوستا سافاج. الولايات المتحدة)، فهي منحوتة تم ابتكارها عن طريق الذكاء الاصطناعي وأُطلق عليها اسم (التمثال المستحيل)؛ لأنها مستوحاة من أعمال أولئك النحاتين جميعا.

هكذا أثارت نسخة مطورَّة بواسطة الذكاء الاصطناعي من لوحة (الفتاة ذات القرط اللؤلؤي) للفنان النيذرلاندي يوهانس فيرمير، والتي تُعد من أشهر لوحاته التي أنجزها عام 1665م جدلا واسعا، فقد ظهرت النسخة التي أعدَّها المصمم الرقمي جوليان فان ديكن بطريقة تختلف قليلا عن العمل الأصلي، إلاَّ أنه أثار إعجاب الكثير بينما تساءل آخرون ما إذا كانت هذه النسخة تستحق عرضها في متحف رايكسميوزيم بأمستردام، خاصة أنه متحف يضم لوحات فنية كلاسيكية لهذا الفنان النيذرلاندي الشهير. ولعل ما قدمته متاحف باريس من إمكانات الذكاء الاصطناعي ودوره في إحداث التطوُّر جدير بالاهتمام؛ حيث أدخلت العديد من التقنيات الرقمية خاصة تقنية الواقع الافتراضي المعزَّز التي جعلت ليوناردو دافنشي يتحدَّث عن الموناليزا وأعماله الأخرى في متحف اللوفر، والتي أثارت الكثير من الجدل في الأوساط الثقافية.

إن الأمر هنا لا يتعلَّق بالإبداع التقني وقدراته بل إنه ينقلنا إلى مجموعة من الإشكالات التي يثيرها تدخُّل الذكاء الاصطناعي في إيجاد نُسخ مطوَّرة من التراث الإنساني؛ فتلك القدرات التكنولوجية تُحدِث قلقا وتوترا في المجتمعات، بل خوفا على ثقافتها وتراثها وهُوياتها؛ فهذا الانفتاح ومجالات الإبداع والابتكار التي يوسعها الذكاء الاصطناعي تدفعنا إلى تطوير وسائل الأمن والخصوصية، وكذلك الحماية الرقمية للملكية الفكرية لما تمثله من قلق خاصة في المجالات الثقافية والفنية، إضافة إلى قدرة هذه الخوارزميات على إحداث التعديلات والتغيرات حتى في الأصول الثقافية المتمثلة في مواد التراث الثقافي ووثائقه.

ولهذا فإن دول العالم ومنظماته المعنيَّة بالذكاء الاصطناعي، تنشغل بسن التشريعات وأخلاقيات التعامل المنظِّمة لمجالاته وتطبيقاته، بحيث يتم ضبطه بما يتناسب مع الخصوصيات والأمن من ناحية، وحماية حقوق الملكيات الفكرية من ناحية أخرى، ويحافظ على الهُويات والثقافات من ناحية ثالثة، ولعل الاهتمام المتزايد والحوارات والمناقشات، إضافة إلى مجالات الإبداع والابتكار في تلك التقنيات تثري آفاق تلك الحماية وتوسِّع أنماط الاستفادة من التقنيات والفرص الكبيرة التي يتيحها هذا العالم الذكي في المستقبل، فما نراه من إفادة كبيرة لهذه التقنيات في متاحفنا خاصة متحف عمان عبر الزمان، يشير إلى فهمنا العميق ووعينا بأهميتها ومجالات حماية ثقافتنا الإنسانية وصونها.

إن تأصيل ثيمة الذكاء الاصطناعي في معرض مسقط الدولي للكتاب في نسخته الحالية، يقدِّم فرصا واسعة للتوعية بأهميته، وقدراته الهائلة، وكيفية الاستفادة من تلك الفرص في خدمة المجتمع وتطوير أنماط الحياة. إنها آفاق مستقبلية لحياة أفضل وأكثر إبداعا، لكن علينا دائما الحفاظ على الخط الفاصل الذي يحافظ على هُويتنا وحضارتنا العمانية العربية الأصيلة.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی فی إضافة إلى

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي ينقذ تلسكوب جيمس ويب من الرؤية الضبابية

نجح باحثون في العاصمة الأسترالية سيدني بإصلاح تلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST) التابع لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، البالغ تكلفته 10 مليارات دولار، دون أن يغادروا الأرض، مستخدمين برنامج ذكاء اصطناعي يُدعى AMIGO لإزالة الضبابية الناتجة عن تشوهات إلكترونية دقيقة في صور التلسكوب.
وأعاد هذا الحل البرمجي قدرة التلسكوب على التقاط صور فائقة الوضوح للكواكب الخارجية والظواهر الكونية، في إنجاز يؤكد أن الشيفرة قد تنقذ ما تعجز عنه البعثات الفضائية.

← اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يكشف أسرار "شياطين الغبار" في المريخ

من الأرض إلى الفضاء
حقق طالبان في مرحلة الدكتوراه من جامعة سيدني إنجازاً غير مسبوق، إذ تمكنا من تحسين رؤية التلسكوب من الأرض دون الحاجة إلى بعثات إصلاح.
الطالبان لويس ديسدوا وماكس تشارلز طوّرا مع فريقهما حلاً برمجياً أعاد الدقة لأحد أهم أجهزة التلسكوب البصرية، وهو مقياس التداخل بقناع الفتحة (AMI)، المكوّن الأسترالي الوحيد في التلسكوب الذي طوّره البروفيسور بيتر توثيل.
ويتيح الجهاز التقاط صور شديدة الدقة للنجوم والكواكب الخارجية عبر تقنية التداخل الضوئي (Interferometry).

الذكاء الاصطناعي يسلّح جهاز المناعة بـ"صواريخ" لمهاجمة الخلايا السرطانية

إصلاح ذكي
عند بدء تشغيل التلسكوب، لاحظ العلماء أن أداء AMI تضرر بتشوهات إلكترونية طفيفة في الكاميرا تحت الحمراء، تسببت بضبابية مماثلة لمشكلة تلسكوب هابل الشهيرة.
لكن بدل إرسال بعثة فضائية، طوّر فريق سيدني أداة AMIGO التي تستخدم محاكاة متقدمة وشبكات عصبية لتقليد أداء التلسكوب وتصحيح التشوهات.
ومن خلال معالجة ما يُعرف بتأثير "الأكثر سطوعاً – الأكثر تضخماً" (Brighter-Fatter Effect)، أعادت الأداة دقة التلسكوب إلى مستواها الأمثل.
وقال البروفيسور توثيل: "بدلاً من إرسال رواد فضاء لتبديل قطع، أصلح الفريق كل شيء بالشيفرة فقط. إنه مثال رائع على الابتكار في خدمة علوم الفضاء".

نظارات بالذكاء الاصطناعي تمنح ضعاف السمع قدرات خارقة

نتائج مذهلة
حققت الأداة نتائج مذهلة، إذ مكّنت "جيمس ويب" من التقاط صور أكثر حدة من أي وقت مضى لأجرام سماوية باهتة، بما في ذلك تصوير مباشر لكوكب خارجي خافت ونجم قزم بني يدور حول النجم HD 206893، الواقع على بُعد نحو 133 سنة ضوئية من الأرض.
وفي دراسة موازية قادها ماكس تشارلز، أثبتت التقنية قدرتها على التقاط صور عالية الدقة لنفثات ثقب أسود، وسطح قمر المشتري النشط "آيو"، والرياح النجمية الغبارية للنجم WR 137، ما يوسع حدود ما يمكن للتلسكوب رصده.

أداة ذكاء اصطناعي تكشف 9 أنواع من الخرف بفحص واحد

مستقبل واعد
قال ديسدوا: "لقد منح هذا العمل تلسكوب (جيمس ويب) رؤية أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. من المجزي جدًا أن ترى كيف يمكن لحل برمجي أن يوسّع قدرات التلسكوب العلمية، دون مغادرة المختبر حتى".
ونُشرت نتائج البحث على منصة arXiv، على أن تُنشر النسخة المُحكّمة قريباً في مجلة Publications of the Astronomical Society of Australia.
وأشار الدكتور بن بوب، الذي عرض النتائج في مؤتمر SXSW Sydney، إلى أن الفريق يسعى لتوفير الكود الجديد لعلماء "جيمس ويب" في أسرع وقت ممكن.

أمجد الأمين (أبوظبي)

أخبار ذات صلة خالد بن محمد بن زايد يطّلع على خطط مايكروسوفت لاستثمار 15.2 مليار دولار لدفع التحول الرقمي في الإمارات سينر وألكاراز.. «مباراة استعراضية» قبل «أستراليا المفتوحة»

مقالات مشابهة

  • مستشار رئيس الجمهورية سيدي السعيد يزور معرض الكتاب الدولي
  • بعد 10 أعوام من الإغلاق.. بلدية بني كنانة تعيد افتتاح منتزه “ملكا”
  • إصدارات الفال في «بينك وبين الكتاب»   
  • استثمار ضخم في الإمارات.. مايكروسوفت تُنفّذ خطة بـ15.2 مليار دولار لتطوير الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي ينقذ تلسكوب جيمس ويب من الرؤية الضبابية
  • أميركا والإمارات تتحالفان لتسريع سباق الذكاء الاصطناعي في مجال الطاقة
  • العراق يحتل المراتب الأخيرة عربياً و86 عالمياً في استخدام الذكاء الاصطناعي
  • مصطفى خليل: افتتاح المتحف المصري الكبير يمثل إضافة كبرى للسياحة الثقافية
  • «تٌقام في يناير 2026».. فتح باب الحجز لحفلات التوقيع في معرض الكتاب
  • 10 علامات.. كيف تميّز الأخبار التي أُُنتجت بواسطة الذكاء الاصطناعي؟