لجريدة عمان:
2024-09-08@09:52:30 GMT

وماذا بعد أن انفرط عقد العالم؟

تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT

من الإنصاف أن نعترف بأن عقود الحرب الباردة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، قد أفادت كثيرا دول العالم الثالث في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، حينما راحت الصراعات بين القطبين الكبيرين (الولايات المتحدة الأمريكية والغرب) في مواجهة الاتحاد السوفييتي، بعد أن انقسم العالم إلى قوتين كبيرتين راحت كل منهما تبحث عن حلفاء جدد من دول العالم الثاني أو الثالث، وهي حقبة حدثت فيها الكثير من الأخطاء إلا أن فيها الكثير من الإيجابيات أيضا.

ففي مجال الثقافة والفنون والآداب ومختلف المعارف راحت تتفجر طاقات مذهلة في كافة المجالات، وقد راحت دور النشر ومجتمع السينما والدراما التلفزيونية، راح جميعهم يتسابقون في إنتاج أعمال متنوعة لا شك أن بعضها كان يؤدي وظيفة سياسية، وبصرف النظر عن هذا الصراع الذي اتسم بالخشونة أحيانا في قضايا كثيرة من قبيل أحداث كوبا أو حرب السويس أو حرب ڤيتنام وما أعقب ذلك كله من تفاقم الصراع العربي-الإسرائيلي، أعتقد أن كل هذه الصراعات كانت سببا كافيا حال دون انفراد أي من القوتين بمصير العالم الثالث، وبدا واضحا ما عُرف في العلاقات الدولية بمبدأ توازن القوى، إلا أن علينا أن نعترف أن مستقبل الاتحاد السوفييتي راح يتراجع مع نهايات القرن العشرين لأسباب كثيرة، ليس من بينها فقط مؤامرات الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، وإنما السبب الأهم هو أن السوس كان ينخر في عظام هذا الكيان الكبير منذ مطلع الستينيات من القرن الماضي، لأسباب كثيرة لعل من بينها هيكلة الاقتصاد الموجه والإسراف المبالغ فيه في المجالات العسكرية على حساب التكنولوجيا المتقدمة، وتدهور الحياة الاجتماعية في الوقت الذي راحت تتطور الحياة في أوروبا في ظل وسائل التواصل والانفتاح على العالم، ولم يكن المشهد خافيا على المفكرين والمثقفين ومعظم المجتمع الروسي.

أعتقد أن المجتمع الروسي قد حمل عوامل تراجعه وانهياره، خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين، ولعل من أخطر تلك العوامل كانت قضية الحريات وتعاظم دور الحزب الواحد والرأي الواحد والسياسة الواحدة في كل مناحي الحياة، وهي سياسات ثبت فشلها، بينما كل المجتمعات التي تقدمت وحققت نهضاتها كان قوامها دائما الحرية والابتكار وحرية السوق مع اقتصار دور الدولة في التشريع والرقابة، ووضع قواعد تشريعية قانونية ضرائبية، تحقق التوازن وتقيم العدالة في المجتمع، وجميع هذه الأمور مرت بمراحل كثيرة منذ القرن الثامن عشر، وحتى نهاية القرن العشرين، إلى أن استقرت القيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وجميعها أدت إلى تقدم الغرب كل هذا التقدم العظيم.

رغم ما آل إليه مصير الاتحاد السوفييتي من تفكك وخروج كل الدول التي سبق أن لحقت به منذ نهايات الحرب العالمية الثانية وانفرادها بمقومات اقتصادية ضخمة، وما حققته من نمو اقتصادي عظيم، إلا أنها لم تحقق الأمن الاستراتيجي لهذا الكيان الكبير، سواء بسبب مؤمرات دول الغرب والولايات المتحدة، أو لأنها بقيت قابضة على مقاليد الدولة الجديدة، في عصر لم تعد هذه السياسة تتناسب والعالم الجديد.

لعل بلادنا العربية ومعظم دول العالم الثالث قد لحقها ضرر كبير من جراء هذا الصراع الغربي الروسي، سواء بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية، أو بسبب تعقد المشهد في شقه السياسي وأصبحنا ما بين موقفين لا نملك عنهما بديلا إما الانحياز الدبلوماسي الناعم للروس، أو الدعم المطلوب لأوكرانيا بناء على الضغوط الأمريكية، وهو الموقف الذي لم يُحسم بشكل واضح، وراحت الكثير من الدول العربية تراوح بين موقفين لم يحسما بشكل نهائي إلى أن وقعت أحداث غزة ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، وهي الأحداث الأخطر التي أعادت القضية إلى موقعها في الصراع الدولي، بعد أن أوشكت على التلاشي والدخول في متاهات النسيان، إلا أن الأخطر في كل هذا المشهد، هو ما يتعرض له الفلسطينيون من ممارسة كل أعمال العنف واستخدام كل الأسلحة الفتاكة التي ابتكرتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية في حرب غير إنسانية وغير متكافئة.

كان غياب التوازن الدولي واضحا في هذا الصراع، حينما تولى الأمريكان والغرب ومعهما دول كنا نراها صديقة للعرب، كالهند مثلًا، إلا أن كل هذه القوى راحت تدعم إسرائيل في حرب غير متكافئة، وعلى مساحة في أرض غزة التي لا تتجاوز ٣٥٠كلم، وهي حرب لا يمكن أن تكون متكافئة، فهي حرب بين شعب أعزل وبين جيش يملك كل الدعم العسكري والأسلحة الفتاكة التي راحت تحصد عشرات الألوف، وتدمر مئات الآلاف من المنازل على ساكنيها في مشهد مروع، وقد اكتفت دول كثيرة بمجرد إعلان الشجب، بينما راحت الدول الكبرى في العالم تدعم بكل صلافة هذا العدوان، ولم تستطع الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن ولا حتى محكمة العدل الدولية على اتخاذ قرار ضد إسرائيل بوقف العدوان.

أعتقد أن غياب الاتحاد السوفييتي السابق وتراجع دوره عن المشهد قد أودى بمصير العالم إلى هذا الواقع البائس، ولعل من المناسب التأكيد على أن دولنا العربية هي الأخرى قد شاركت بشكل لا بأس به في تراجع دور روسيا، حينما صدَّرنا إلى شعوبنا وأقحمنا في ثقافتنا المفاهيم الملتبسة عن الشيوعية، التي اعتقد البعض أنها كانت تهدد حياتنا الاجتماعية وقيمنا الدينية، لذا خاضت بعض الدول العربية حروبا في أفغانستان ودول آسيا الوسطى وكثير من دول إفريقيا بحجة محاربة الشيوعية، وأنفقنا مئات الملايين وربما المليارات في كل دول العالم، دفاعا عما رأيناه صحيحا، بينما القضية كانت في مجملها شأنا سياسيا، وهو الخطأ الذي لم نلتفت إليه رغم مرور كل هذه العقود الطويلة.

في ظل انقسام العرب، وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بمصائر كثير من الدول، وسيطرتها على الاتحاد الأوروبي، وفي ظل تراجع التوازن الدولي الذي كان أحد أطرافه الاتحاد السوفييتي في حقبة ما، لذا ستبقى كل قضايانا العربية هنا بإرادة أعدائنا، ولعل موضوعا مهما يطرح نفسه، أود أن يحظى بعناية الساسة والمحللين وأصحاب الرأي، هل يمكن للعرب من المشرق إلى المغرب من طنجة غربا إلى مسقط شرقا، ومن العراق شمالا إلى البحر الأحمر جنوبا، بما يملكون من مقومات بشرية واقتصادية ولوجستية عظيمة -هل بإمكان قادتنا ومن بيدهم مستقبلنا أن يجتمعوا على رأي يعيد لهذه الأمة كرامتها وعزتها؟ هل لديهم القدرة على أن يسجلوا لأنفسهم موقفا تاريخيا بعيدا عن الغرب والولايات المتحدة الأمريكية؟ لو فعلوا ذلك لسجلوا لأنفسهم موقفا تاريخيا قد يغير المنطقة كلها، وربما يغير تاريخ العالم.

د. محمد صابر عرب أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر ووزير الثقافة المصرية (سابقا) ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية (سابقا).

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة الاتحاد السوفییتی دول العالم إلا أن

إقرأ أيضاً:

مصر تستضيف بطولة العالم الـ 34 للرماية على الأطباق المروحية

أعلنت اللجنة المنظمة لبطولة العالم الـ 34 للرماية على الأطباق المروحية، وكأس أفريقيا العاشر، وبطولة الجائزة الكبري، انطلاق فاعليات البطولة في الفترة من 28 أكتوبر إلى 3 نوفمبر 2024 والتي تستضيفها مصر بالميادين الأولمبية لنادي الصيد المصري بمدينة السادس من أكتوبر.

وأنهى الاتحاد المصري للرماية برئاسة حازم حسني، وضع اللمسات الأخيرة وكافة الاستعدادات الفنية واللوجستية لاستضافة البطولة.

مسابقة كأس الرئيس

وانتهت اللجان الفرعية للبطولة من كافة التجهيزات، حيث من المقرر الوصول الرسمي للوفود يوم 27 أكتوبر 2024، على أن يقام يكون 28 أكتوبر هو الأول من  من فاعليات بطولة مسابقة كأس الرئيس، ويوم الثاني الثلاثاء 29 أكتوبر مسابقة جائزة مصر الكبرى «فيتاسك» وفي اليومين الرابع والخامس الأربعاء والخميس 30 - 31 اكتوبر، تقام منافسات بطولة أفريقيا العاشرة للأطباق المروحية «فيتاسك»، وفي أيام الجمعة والسبت والأحد 1- 2- 3 نوفمبر 2024 تقام منافسات بطولة العالم الـ 34 للأطباق المروحية «فيتاسك»، وسيتم تحديد مسابقة مباراة الأمم خلال أيام المنافسة مع اللجنة المنظمة.

وتقام البطولة بمشاركة أضخم حضور دولي لمصر حتى اليوم، بمشاركة أكثر من 150 رامي دولي وعالمي من أكثر 30 دولة.

ومن المتوقع حضور رؤساء الاتحاد الدولي للرماية، جون فرنسوا رئيس الاتحاد الدولي للرماية على الأطباق المروحية FITASC، والإيطالي لوسيانو روسي رئيس الاتحاد الدولى للرماية iSSF، ورؤساء وفود الدول المشاركة، ورؤساء الاتحادات وبعض الشخصيات العامة.

استضافة بطولة العالم الـ 34 للأطباق المروحية

وأشار حازم حسني رئيس الاتحادين الأفريقي والمصري للرماية، إلى أن الاتحاد المصري للرماية سخر كل إمكانياته لاستضافة بطولة العالم الـ 34 للأطباق المروحية، على أعلى مستوى، والتأكيد على قدرات مصر الضخمة في استضافة كافة الفعاليات الرياضية والتأكيد على سمعتها الطيبة لدى الاتحاد الدولي.

مقالات مشابهة

  • "الشعبية": تقرير الأمم المتحدة حول مجاعة غزة يكشف خطورة الأوضاع الإنسانية التي يسببها الاحتلال
  • مجموعة متحالفون التي تضم الولايات المتحدة وسويسرا ومصر والسعودية والإمارات والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي تدعو لخفض تصعيد فوري بـ”مناطق حرجة” في السودان
  • مصر تشارك في بطولة العالم للسامبو الشاطئ في المغرب
  • مصر تشارك ببطولة العالم للسامبو الشاطئ في المغرب
  • تقرير يكشف عن أهم الشخصيات في العالم التي من الممكن أن تصل إلى لقب “تريليونير”
  • بالأرقام.. حجم الأموال التي أنفقتها أمريكا على إنتاج القذائف!
  • مصر تستضيف بطولة العالم الـ 34 للرماية على الأطباق المروحية
  • الاتحاد الأوروبي: #السودان يواجه أكبر كارثة نزوح في العالم
  • الاتحاد الأوروبي: السودان يواجه أكبر كارثة نزوح في العالم
  • نداء أممي لإغاثة 350 ألف متضرر من فيضانات اليمن