لجريدة عمان:
2025-02-01@14:07:43 GMT

وماذا بعد أن انفرط عقد العالم؟

تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT

من الإنصاف أن نعترف بأن عقود الحرب الباردة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، قد أفادت كثيرا دول العالم الثالث في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، حينما راحت الصراعات بين القطبين الكبيرين (الولايات المتحدة الأمريكية والغرب) في مواجهة الاتحاد السوفييتي، بعد أن انقسم العالم إلى قوتين كبيرتين راحت كل منهما تبحث عن حلفاء جدد من دول العالم الثاني أو الثالث، وهي حقبة حدثت فيها الكثير من الأخطاء إلا أن فيها الكثير من الإيجابيات أيضا.

ففي مجال الثقافة والفنون والآداب ومختلف المعارف راحت تتفجر طاقات مذهلة في كافة المجالات، وقد راحت دور النشر ومجتمع السينما والدراما التلفزيونية، راح جميعهم يتسابقون في إنتاج أعمال متنوعة لا شك أن بعضها كان يؤدي وظيفة سياسية، وبصرف النظر عن هذا الصراع الذي اتسم بالخشونة أحيانا في قضايا كثيرة من قبيل أحداث كوبا أو حرب السويس أو حرب ڤيتنام وما أعقب ذلك كله من تفاقم الصراع العربي-الإسرائيلي، أعتقد أن كل هذه الصراعات كانت سببا كافيا حال دون انفراد أي من القوتين بمصير العالم الثالث، وبدا واضحا ما عُرف في العلاقات الدولية بمبدأ توازن القوى، إلا أن علينا أن نعترف أن مستقبل الاتحاد السوفييتي راح يتراجع مع نهايات القرن العشرين لأسباب كثيرة، ليس من بينها فقط مؤامرات الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، وإنما السبب الأهم هو أن السوس كان ينخر في عظام هذا الكيان الكبير منذ مطلع الستينيات من القرن الماضي، لأسباب كثيرة لعل من بينها هيكلة الاقتصاد الموجه والإسراف المبالغ فيه في المجالات العسكرية على حساب التكنولوجيا المتقدمة، وتدهور الحياة الاجتماعية في الوقت الذي راحت تتطور الحياة في أوروبا في ظل وسائل التواصل والانفتاح على العالم، ولم يكن المشهد خافيا على المفكرين والمثقفين ومعظم المجتمع الروسي.

أعتقد أن المجتمع الروسي قد حمل عوامل تراجعه وانهياره، خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين، ولعل من أخطر تلك العوامل كانت قضية الحريات وتعاظم دور الحزب الواحد والرأي الواحد والسياسة الواحدة في كل مناحي الحياة، وهي سياسات ثبت فشلها، بينما كل المجتمعات التي تقدمت وحققت نهضاتها كان قوامها دائما الحرية والابتكار وحرية السوق مع اقتصار دور الدولة في التشريع والرقابة، ووضع قواعد تشريعية قانونية ضرائبية، تحقق التوازن وتقيم العدالة في المجتمع، وجميع هذه الأمور مرت بمراحل كثيرة منذ القرن الثامن عشر، وحتى نهاية القرن العشرين، إلى أن استقرت القيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وجميعها أدت إلى تقدم الغرب كل هذا التقدم العظيم.

رغم ما آل إليه مصير الاتحاد السوفييتي من تفكك وخروج كل الدول التي سبق أن لحقت به منذ نهايات الحرب العالمية الثانية وانفرادها بمقومات اقتصادية ضخمة، وما حققته من نمو اقتصادي عظيم، إلا أنها لم تحقق الأمن الاستراتيجي لهذا الكيان الكبير، سواء بسبب مؤمرات دول الغرب والولايات المتحدة، أو لأنها بقيت قابضة على مقاليد الدولة الجديدة، في عصر لم تعد هذه السياسة تتناسب والعالم الجديد.

لعل بلادنا العربية ومعظم دول العالم الثالث قد لحقها ضرر كبير من جراء هذا الصراع الغربي الروسي، سواء بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية، أو بسبب تعقد المشهد في شقه السياسي وأصبحنا ما بين موقفين لا نملك عنهما بديلا إما الانحياز الدبلوماسي الناعم للروس، أو الدعم المطلوب لأوكرانيا بناء على الضغوط الأمريكية، وهو الموقف الذي لم يُحسم بشكل واضح، وراحت الكثير من الدول العربية تراوح بين موقفين لم يحسما بشكل نهائي إلى أن وقعت أحداث غزة ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، وهي الأحداث الأخطر التي أعادت القضية إلى موقعها في الصراع الدولي، بعد أن أوشكت على التلاشي والدخول في متاهات النسيان، إلا أن الأخطر في كل هذا المشهد، هو ما يتعرض له الفلسطينيون من ممارسة كل أعمال العنف واستخدام كل الأسلحة الفتاكة التي ابتكرتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية في حرب غير إنسانية وغير متكافئة.

كان غياب التوازن الدولي واضحا في هذا الصراع، حينما تولى الأمريكان والغرب ومعهما دول كنا نراها صديقة للعرب، كالهند مثلًا، إلا أن كل هذه القوى راحت تدعم إسرائيل في حرب غير متكافئة، وعلى مساحة في أرض غزة التي لا تتجاوز ٣٥٠كلم، وهي حرب لا يمكن أن تكون متكافئة، فهي حرب بين شعب أعزل وبين جيش يملك كل الدعم العسكري والأسلحة الفتاكة التي راحت تحصد عشرات الألوف، وتدمر مئات الآلاف من المنازل على ساكنيها في مشهد مروع، وقد اكتفت دول كثيرة بمجرد إعلان الشجب، بينما راحت الدول الكبرى في العالم تدعم بكل صلافة هذا العدوان، ولم تستطع الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن ولا حتى محكمة العدل الدولية على اتخاذ قرار ضد إسرائيل بوقف العدوان.

أعتقد أن غياب الاتحاد السوفييتي السابق وتراجع دوره عن المشهد قد أودى بمصير العالم إلى هذا الواقع البائس، ولعل من المناسب التأكيد على أن دولنا العربية هي الأخرى قد شاركت بشكل لا بأس به في تراجع دور روسيا، حينما صدَّرنا إلى شعوبنا وأقحمنا في ثقافتنا المفاهيم الملتبسة عن الشيوعية، التي اعتقد البعض أنها كانت تهدد حياتنا الاجتماعية وقيمنا الدينية، لذا خاضت بعض الدول العربية حروبا في أفغانستان ودول آسيا الوسطى وكثير من دول إفريقيا بحجة محاربة الشيوعية، وأنفقنا مئات الملايين وربما المليارات في كل دول العالم، دفاعا عما رأيناه صحيحا، بينما القضية كانت في مجملها شأنا سياسيا، وهو الخطأ الذي لم نلتفت إليه رغم مرور كل هذه العقود الطويلة.

في ظل انقسام العرب، وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بمصائر كثير من الدول، وسيطرتها على الاتحاد الأوروبي، وفي ظل تراجع التوازن الدولي الذي كان أحد أطرافه الاتحاد السوفييتي في حقبة ما، لذا ستبقى كل قضايانا العربية هنا بإرادة أعدائنا، ولعل موضوعا مهما يطرح نفسه، أود أن يحظى بعناية الساسة والمحللين وأصحاب الرأي، هل يمكن للعرب من المشرق إلى المغرب من طنجة غربا إلى مسقط شرقا، ومن العراق شمالا إلى البحر الأحمر جنوبا، بما يملكون من مقومات بشرية واقتصادية ولوجستية عظيمة -هل بإمكان قادتنا ومن بيدهم مستقبلنا أن يجتمعوا على رأي يعيد لهذه الأمة كرامتها وعزتها؟ هل لديهم القدرة على أن يسجلوا لأنفسهم موقفا تاريخيا بعيدا عن الغرب والولايات المتحدة الأمريكية؟ لو فعلوا ذلك لسجلوا لأنفسهم موقفا تاريخيا قد يغير المنطقة كلها، وربما يغير تاريخ العالم.

د. محمد صابر عرب أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر ووزير الثقافة المصرية (سابقا) ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية (سابقا).

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة الاتحاد السوفییتی دول العالم إلا أن

إقرأ أيضاً:

فعالية في حلب إحياءً للذكرى الثانية عشر لمجزرة نهر قويق التي ارتكبها النظام البائد

مجزرة نهر قويق 2025-01-30malekسابق بالعلامة الكاملة… منتخب سوريا للشباب يتوج بطلاً لدورة “ماندري” في إندونيسياآخر الأخبار 2025-01-30صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق، سلطان سلطنة عمان، يبعث برقية تهنئة إلى رئيس الجمهورية العربية السورية السيد أحمد الشرع، بمناسبة توليه رئاسة الجمهورية، ويعرب عن تمنياته الخالصة لفخامة الرئيس الشرع بالتوفيق والسداد في قيادة سوريا الشقيقة في هذه المرحلة المهمة، وتحقيق آمال وتطلعات الشعب السوري 2025-01-30وزير الخارجية أسعد الشيباني خلال مؤتمر صحفي مع نظيره القطري سمو الأمير محمد بن عبد العزيز الخليفي: كانت دولة قطر حليفاً ثابتاً للشعب السوري، وستظل سوريا تتذكر الدعم القطري الثابت للشعب وقضاياه 2025-01-30خادم الحرمين الشريفين وولي العهد السعودي يهنئان الرئيس الشرع بمناسبة توليه رئاسة الجمهورية العربية السورية 2025-01-30قطر تجدد دعمها الكامل لسوريا وترحب بخطوات إعادة هيكلة الدولة  2025-01-30رئيس الوزراء الأردني: ضرورة تهيئة ظروف العودة الطوعيَّة والآمنة للاجئين السوريين 2025-01-30مندوبة قطر لدى الأمم المتحدة تؤكّد دعم خيارات الشعب السوري 2025-01-30الدفاع التركية تؤكد وقوفها مع سوريا ضد التنظيمات الإرهابية التي تهدد أمنها ووحدتها 2025-01-30الرئيس الشرع يستقبل أمير دولة قطر 2025-01-30مراسل سانا بحمص عن مصدر أمني: بعد عمليات الرصد والتحري إدارة مكافحة المخدرات في إدارة الأمن العام تداهم معملاً لصناعة المواد المخدرة في أطراف حي الزهراء 2025-01-30سيلقي السيد الرئيس أحمد الشرع خطاباً موجهاً للشعب السوري مساء اليوم

صور من سورية منوعات تيك توك تستأنف خدماتها في الولايات المتحدة بفضل ترامب 2025-01-20 الصين تطلق مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية إلى الفضاء 2024-12-05فرص عمل جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23 الخارجية تعلن برنامج اختبارات المرحلة الرابعة في مسابقتها لتعيين عاملين ‏دبلوماسيين 2024-12-05حدث في مثل هذا اليوم 2024-12-077 كانون الأول-اليوم العالمي للطيران المدني 2024-12-066 كانون الأول 2004- اقتحام القنصلية الأمريكية في جدة بالمملكة العربية السعودية 2024-12-05 5 كانون الأول – اليوم الوطني في تايلاند 2024-12-033 كانون الأول 1621- عالم الفلك الإيطالي جاليليو جاليلي يخترع التلسكوب الخاص به 2024-12-022 كانون الأول- اليوم الوطني في الإمارات العربية المتحدة 2024-12-011 كانون الأول 1942 – إمبراطور اليابان هيروهيتو يوقع على قرار إعلان الحرب على الولايات المتحدة
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • مقال في فورين أفيرز: هذا ثمن سياسة القوة التي ينتهجها ترامب
  • أهالي حماة يحيون الذكرى السنوية الـ 43 لمجزرة حماة الكبرى التي ارتكبها النظام البائد عام 1982.
  • مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم – الحلقة 2
  • تعرّف على المنظمة التي تلاحق مجرمي الحرب الإسرائيليين بجميع أنحاء العالم
  • هذا الكاتب أكل في أفخم مطاعم العالم وهذه أفضل الوجبات التي تذوقها
  • هذه هي الرسائل التي بعثت بها الولايات المتحدة لنتنياهو بشأن مراحل اتفاق غزة
  • فعالية في حلب إحياءً للذكرى الثانية عشر لمجزرة نهر قويق التي ارتكبها النظام البائد
  • ماذا تعرف عن قاعدة غوانتانامو التي ستستضيف المهاجرين؟
  • إعلامي أمريكي بالرياض: المملكة ليست التي كنا نقرأ عنها بالأخبار إنها مختلفة تمامًا .. فيديو
  • عَملٌ مسرحي على خشبة ثقافي طرطوس يُحاكي اللحظات التي رافقت التحرير