ألم خاص.. أن تكون فلسطينيا في إسرائيل
تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT
ترجمة - أحمد شافعي -
فيما يتابع العالم كله حرب غزة في فزع، ثمة من يتابعها بنوع فريد من الألم، أولئك هم مواطنو إسرائيل الفلسطينيون.
هؤلاء تربطهم روابط العائلة، واللغة، والثقافة، والتاريخ، بإخوانهم الفلسطينيين في غزة، في حين أنهم يعيشون ويعملون ويدرسون جنبا إلى جنب مع الإسرائيليين اليهود في البلد ذاته الذي يتسبب في شقاء شعبهم.
وليس بغريب على مواطني إسرائيل الفلسطينيين أن يروا بلدهم بالمواطنة يستعمل القوة على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، فتاريخهم عامر بالتمييز الممنهج وقلة الاعتراف بهويتهم الجمعية، والحرب التي ترد بها إسرائيل على هجمة حماس المدمرة في السابع من أكتوبر قد دفعت الحكومة الإسرائيلية إلى زيادة تلك الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، واضعة أولئك المستضعفين أصلا في موضع شائك بصفة خاصة ومهددة الروابط الهشة بين المواطنين اليهود والفلسطينيين، وهذا خطأ فادح.
إن أغلب مواطني إسرائيل الفلسطينيين، الذين يبلغ عددهم مليوني نسمة ويمثلون نحو 20% من سكان البلد، متشبثون بهويتهم الفلسطينية، ولغتهم، وثقافتهم، وهم في الوقت نفسه يتكلمون العبرية، ويشاركون في السياسة الإسرائيلية بدرجات متفاوتة وهم بصفة عامة مطلعون على الثقافة اليهودية والإسرائيلية، ويحتلون موضعا فريدا، إذ لعلهم الجماعة الوحيدة المستمرة في إقامة روابط الصداقة والشراكة والتضامن ـوإن تكن غالبا معيبة ومنقوصةـ مع كلٍّ من الفلسطينيين في جانبي الحدود ومواطني إسرائيل اليهود.
ويمثل هذا الوضع الدقيق سلعة نادرة في المنطقة هي القدرة على رؤية صورة أوسع وأشد تفصيلا وعلى تمثيل جسر إلى الحل الدائم للحرب والصراع بصفة عامة، ويمكن أن تكون الروابط بين الجماعتين مثالا لمستقبل مختلف للمنطقة، ولعل من شأن صوت أقوى للفلسطينيين في إسرائيل أن يزيد المطالبة بحل عادل إنساني للحرب، ويساعد كلا الشعبين، ومن ثم يجدر الإنصات إلى مواطني إسرائيل الفلسطينيين.
لقد شعر كثير من الفلسطينيين في إسرائيل بالاشمئزاز في يوم السابع من أكتوبر حينما هاجمت حماس بلدات إسرائيلية قريبة من الحدود واغتالت سكانا فيها وعاملتهم معاملة وحشية، كما عانوا خسائرهم الخاصة، إذ كان سبعة من المختطفين البالغ عددهم مائتين وأربعين سيقوا إلى غزة من مواطني إسرائيل العرب الفلسطينيين، ولقي أكثر من (دزينة) من المواطنين الفلسطينيين مصرعهم في هجمة حماس أو بالصواريخ التي انطلقت من غزة في اليوم نفسه.
لكن، خلافا لأغلبية مواطني إسرائيل ممن التصقوا على مدار الأشهر الأربعة الماضية بالإعلام الإسرائيلي الذي لا يكاد يغطي ما يجري في غزة، كان المواطنون الفلسطينيون يعرفون ـ بخوف وذعر ـ من مصادر الأخبار العربية ومن أصدقائهم ومن مواقع التواصل الاجتماعي حصيلة الموت والدمار الهائلين اللذين عانى منهما أهلهم.
وبرغم تاريخ الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني العنيف، انتابهم الذعر من عمق الأزمة الإنسانية، والجوع الذي يعانيه أهل غزة، والنزوح القسري لأكثر من مليون نسمة بما استدعى ذكريات النكبة، أي الهروب والطرد الجماعي للفلسطينيين عند إعلان دولة إسرائيل.
وتضاعفت الصدمة بسبب عجزهم عن عمل أي شيء بل وعن قول أي شيء في ذلك، فقد قامت الحكومة بحملة قمعية على أي انتقاد لأفعالها، بل وعلى أي تعاطف مع الشعب الفلسطيني في غزة، وكان مواطنو إسرائيل الفلسطينيون هم الذين احتملوا وطأة تلك الحملة القمعية.
فتم إيقاف طبيب فلسطيني عن العمل، وعوقب طلبة فلسطينيون في الكليات والجامعات، وتعرض آخرون للاعتقال بسبب نشرهم على مواقع التواصل الاجتماعي ما أساء فهمه من لا يجيدون العربية.
قبل الحرب بفترة، كان على مواطني إسرائيل الفلسطينيين أن يتعاملوا مع التفرقة ـ أي تلقيهم قدرا أقل من خدمات الحكومة في التعليم والرفاه والإسكان والثقافة، فضلا عن حملة على هويتهم الجمعية، والآن يترك إخراس المعارضة أثرا كبيرا ليس فقط على ذوات المواطنين الفلسطينيين الذين باتوا يخشون من أن يزج بهم محض إبداء الإعجاب بمنشور على موقع تواصل اجتماعي في السجن، وإنما أيضا على وضعهم الاقتصادي.
فمنذ السابع من أكتوبر ارتفع معدل البطالة بينهم ثلاثة أمثال ليبلغ 15.6%، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى عمليات الفصل لأسباب سياسية، والمقاطعة والانكماش في القطاعات التي تضم نسبة كبيرة من العمال الفلسطينيين الإسرائيليين، أما زيادة المعدل بين الإسرائيليين اليهود فكانت أكثر اعتدالا، فلم تتجاوز الضعف إلا قليلا لتبلغ 8.6%.
تحاول الحكومة أيضا أن تقلل كل ميزانية مخصصة لتنمية المواطنين الفلسطينيين. يقدر أن الحرب كبَّدت إسرائيل قرابة ستين مليار دولار في أشهرها الثلاثة الأولى وهي تكلفة باهظة إلى حد أن وكالة موديز للتصنيف الائتماني خفضت تصنيف إسرائيل أخيرا.
وفي محاولة لتقليل المزيد من الأضرار الاقتصادية، زادت إسرائيل عجزها المالي، فهي تدفع في البرلمان إلى تخفيضات كبيرة في الميزانية. ويتضمن ذلك تخفيضات عامة تنطبق على الجميع، لكنها لا تنطبق عليهم بالتساوي، فمن المقرر أن تبلغ تخفيضات التمويلات الموجهة للمواطنين الفلسطينيين ثلاثة أمثال الموجهة لبقية الشعب، فهي 15% في مقابل 5%، ومن خلال هذه التخفيضات في الموازنة يدفع الفلسطينيون في إسرائيل عمليا تكلفة ظالمة للحرب القائمة ضد إخوانهم الفلسطينيين.
وهذا يضر كامل الاقتصاد الإسرائيلي، إذ حذرت مؤسسات دولية من قبيل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وكذلك بنك إسرائيل، من أنه دونما استثمارات كبيرة في التنمية الاقتصادية للشعب الفلسطيني الضخم في إسرائيل، قد يعاني الاقتصاد، والخطط المهددة حاليا بالإيقاف تعمل بالفعل، فعلى مدار السنوات القليلة الماضية ارتفع معدل البطالة بين النساء الفلسطينيات إلى قرابة 45% في النصف الثاني من 2023، ارتفاعا من 33% في عام 2014.
كما أن البيئة العدائية زادت العلاقات بين المواطنين الإسرائيليين والفلسطينيين سوءا، وزدات مخاوف رجوع العنف الذي شهدته المدن المختلطة عربيا ويهوديا في إسرائيل قبل نحو ثلاث سنوات، كما بدأت حكومة إسرائيل اليمينية أيضا في تيسير امتلاك السلاح على المواطنين اليهود.
بدلا من عزل المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل وإضعافهم، ووسمهم بـ«أعداء الداخل» عبر العديد من الآليات القمعية، لا بد أن تلغي الحكومة الإسرائيلية جميع السياسات التمييزية ضدهم وتوقف محاربة الاعتراف بهويتهم الفلسطينية.
وبذلك ينشأ نموذج لما قد تبدو عليه الشراكة بين الفلسطينيين والإسرائيليين اليهود، فتكون بمنزلة خطوة مهمة نحو التصالح وإنهاء دائرة العنف.
رغد جريسي وعوفر دغان الرئيسان التنفيذيان لمنظمة سيكوي-أفق، وهي منظمة غير ربحية يديرها مواطنون فلسطينيون ويهود في إسرائيل لإيجاد مجتمع أكثر مساواة ومشاركة.
خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المواطنین الفلسطینیین الفلسطینیین فی فی إسرائیل فی غزة
إقرأ أيضاً:
بعد رحيل نظام الأسد.. آمال مواطني سوريا تتعلق بمستقبل أفضل
أيام ثقيلة تنقشع عن سماء سوريا، إلا أن تأثيرها لا يزال يسكن قلوب مواطنيها ومستقبلهم، فبالرغم من الهدوء النسبي الذي يعيشه أهل تلك الدولة، إلا أن معانتهم المصحوبة بآمال الرخاء ووعود انتهاء 13 عامًا من الحرب الأهلية، ظلت تداعبهم حسبما ذكرت «القاهرة الإخبارية» في تقرير حول الفترة الحالية، وأحلام المستقبل في سوريا.
نتائج 13 عاما من الاضطرابات لا زالت حاضرةبعد سقوط نظام الأسد، وسيطرة الفصائل على الدولة، ووعود الحكومة الانتقالية بعودة الحياة الطبيعية إلى سوريا، يكون المواطن السوري محمد نور الدين خير دليل على ما يعيشه السوريين في تلك الآونة، إذ يعاني مثل كثير من أبناء وطنه من نتائج 13 عامًا من الاضطرابات.
وقال نور الدين لـ«القاهرة الإخبارية»: «أبحث منذ 3 أشهر تقريبًا عن غاز، واستبدلناه في المنزل بحطب حتى ينتهي البحث ونجده».
ركود اقتصادي تعاني منه سورياوبحسب القاهرة الإخبارية، فإن الوقود والطعام وفرص العمل، جميعها كانت مستحيلة داخل سوريا القديمة، التي انقسم حال مواطنيها بين مهاجر أو نازح أو فقير لا يملك قوت يومه، يعاني ألام حرب فُرضت عليه، وسياسات دولة وقعت أسيرة لقوى إقليمية ودولية كادت أن تفتت أوصالها، وفي هذا الصدد قال أحد المواطنين السوريين لـ «القاهرة الإخبارية»: الشغل حتى الآن تعبان، العالم لسه ما معها مصاري، النظام السابق أخذ كل العملة.. كلها ما خلى».
وأضاف: «ما كان فيه بنزين أو مازوت أو تدفئة، والحمد الله البنزين توفر والمازوت، بس الشغل قليل ما في مصاري لسه».
أمال بمستقبل أفضل تنغصها مخاوف تجربة الماضيبالرغم من دخول سوريا إلى عهد جديد وانتهاء جزء كبير من مأساتها القديمة، إلا أن بقاياها لم تغادر بعد، ففي ظل توافر غاز الطهي على سبيل المثال كما كان يتمنى نور الدين، إلا أنه لا يزال لا يمتلك الأموال الكافية للحصول عليه.
ورغم عودة الهدوء إلى سوريا وشوارعها، لا يزال «نور الدين» وغيره خائفين من أي تحول دراماتيكي للأمور، يعيدها إلى سابق عهدها، فتتفتت سوريا مجددًا بين فصائل متناحرة، وقوى إقليمية ودولية، تحولها إلى حقل تجارب لنزاعتها وأسلحتها المحرمة دوليًا.