تحرص كل دولة على اجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر ــ والسبب وجيه؛ إذ يعمل الاستثمار الأجنبي المباشر على تسهيل تدفقات رأس المال، وخلق فرص العمل، ودفع تنمية المهارات، وتسهيل نقل التكنولوجيا، وتسريع النمو الاقتصادي، وتمكين البلدان المتلقية من الوصول إلى الأسواق العالمية.

لكن المنافسة العالمية على الاستثمار الأجنبي المباشر شرسة.

ولاجتذابه لجأت الحكومات في مختلف أنحاء العالم إلى تحرير سياسات الاستثمار الأجنبي، وأنشأت وكالات للترويج للاستثمار، وزودت الشركات المتعددة الجنسيات باستثمارات عديدة. الآن، أصبحت منظمة التجارة العالمية على وشك تقديم آلية جديدة لتسهيل تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر: اتفاقية تيسير الاستثمار من أجل التنمية. اقـتُـرِحَ مفهوم آلية تيسير الاستثمار لأول مرة في عام 2015، وبعد سنوات من الاستعدادات، بدأ أعضاء منظمة التجارة العالمية المفاوضات في سبتمبر 2020، وكانت الدول النامية في صدارة هذه الجهود. أيدت أكثر من 120 من الدول الأعضاء نص اتفاقية تيسير الاستثمار من أجل التنمية في نوفمبر 2023 ــ وهو جدول زمني معجل يسلط الضوء على حاجة البلدان النامية الملحة إلى اجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. تهدف اتفاقية تيسير الاستثمار من أجل التنمية، التي جرى تصميمها على غرار اتفاقية تيسير التجارة التابعة لمنظمة التجارة العالمية، إلى تزويد البلدان النامية بأدوات عملية لتحسين مناخ الأعمال لديها وتسهيل تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر. من الممكن تفكيك المحددات الرئيسية للاستثمار الأجنبي المباشر إلى ثلاث فئات رئيسية: تضم الأولى عوامل اقتصادية حاسمة، مثل حجم السوق المحلية، ووتيرة نمو الناتج المحلي الإجمالي، وجودة البنية الأساسية المحلية. وتشمل الفئة الثانية تشريعات وتنظيمات يجب أن تكون متساهلة بالقدر الكافي لاجتذاب الشركات الأجنبية، وفي الوقت ذاته حماية المصالح الإنمائية في البلدان المضيفة. أما الفئة الثالثة فتشمل جهود تعزيز فرص الاستثمار ودعم المستثمرين الدوليين في إدارة مشروعاتهم. ورغم أن تحسين الظروف الاقتصادية ينطوي غالبا على عملية طويلة الأمد، فإن المحاولات المبذولة لجعل الإطار التنظيمي أكثر كفاءة وتعزيز جهود الترويج للاستثمار ــ وهما العاملان المحددان للاستثمار الأجنبي المباشر اللذان تسعى اتفاقية تيسير الاستثمار من أجل التنمية إلى معالجتهما ــ من الممكن أن تجري بوتيرة أسرع نسبيا. من الأهمية بمكان أن تتجنب اتفاقية تيسير الاستثمار من أجل التنمية القضايا الحساسة مثل الوصول إلى الأسواق، وتدابير الحماية، وإجراءات تسوية المنازعات بين المستثمرين والدول، وهي تركز بدلا من ذلك على أربعة مجالات رئيسية: الشفافية، والإجراءات الإدارية، والتنظيم المحلي، والاستدامة. لتحسين الشفافية، على سبيل المثال، تشجع الاتفاقية الدول المشاركة على إنشاء بوابة معلومات واحدة يمكن من خلالها نشر القوانين والضوابط التنظيمية المرتبطة بالاستثمار الأجنبي المباشر، وهذا من شأنه أن يسهّل لأصحاب المصلحة والمستثمرين المحتملين الوصول إلى المعلومات.

تقدم اتفاقية تيسير الاستثمار من أجل التنمية أدوات لتبسيط وتسريع إجراءات إدارية بعينها، مثل عمليات الترخيص التنظيمي، والمطالبات، والمراجعات الدورية. وهي تشجع التعاون بين السلطات المحلية المختصة وتنشئ منتدى عالمي لتعزيز أفضل الممارسات، وبالتالي تعزيز التعاون عبر الحدود. لتشجيع الاستثمار المستدام ومساعدة الاقتصادات النامية على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، تشتمل اتفاقية تيسير الاستثمار من أجل التنمية على فقرات تركز على السلوك التجاري المسؤول وتدابير مكافحة الفساد.

علاوة على ذلك، توفر اتفاقية تيسير الاستثمار من أجل التنمية المرونة للبلدان النامية، مما يمكنها من تحديد السرعة التي تنفذ بها الإصلاحات، وتمديد المواعيد النهائية للتنفيذ، وطلب فترات السماح، والحصول على المساعدة الفنية، وبالتالي استيعاب ظروفها واحتياجاتها الفريدة. ومن خلال تبني اتفاقية تيسير الاستثمار من أجل التنمية، تشير الحكومات المشاركة إلى التزامها بمواصلة الإصلاحات المحلية وزيادة جاذبيتها كمواقع للاستثمار. لكن الاقتصادات النامية، وخاصة أفقر بلدان العالم، تحتاج إلى الدعم الدولي لتحقيق هذه الأهداف، ولتحقيق هذه الغاية، تشمل اتفاقية تيسير الاستثمار من أجل التنمية آلية لتقييم الاحتياجات مصممة لتحديد وتقديم المساعدة الفنية اللازمة. وقد بدأت بالفعل بلدان عديدة، بما في ذلك دومينيكا، والإكوادور، وغرينادا، هذه العملية بدعم من مركز التجارة الدولية التابع للأمم المتحدة وبنك التنمية للبلدان الأميركية. ولأن اتفاقية تيسير الاستثمار من أجل التنمية من شأنها أن تزود الحكومات المشاركة بمزايا تنافسية كبيرة، فيتعين على أعضاء منظمة التجارة العالمية الذين لم ينضموا إليها بعد أن يسارعوا إلى الانضمام إليها. على الرغم من اختتام المفاوضات الخاصة باتفاقية تيسير الاستثمار من أجل التنمية، يظل من اللازم اتخاذ خطوة بالغة الأهمية: دمج الاتفاقية في كتاب قواعد منظمة التجارة العالمية. ويستلزم هذا الموافقة بالإجماع من جانب جميع أعضاء منظمة التجارة العالمية (164 عضوا). ولكن بما أن اتفاقية تيسير الاستثمار من أجل التنمية لا تفرض أي التزامات على غير المشاركين، في حين تمكّنهم من الاستفادة من تدابير تيسير الاستثمار التي تنفذها البلدان المشاركة، فلا توجد أسباب موضوعية لمعارضة تبني الاتفاقية. وعلى هذا فإن منظمة التجارة العالمية تستطيع، بل ينبغي لها، أن تؤيد اتفاقية تيسير الاستثمار من أجل التنمية في الاجتماع الوزاري للمنظمة الذي تستضيفه أبو ظبي في الفترة من 26 إلى 29 فبراير. ويتعين على البلدان الأعضاء أن تغتنم هذه الفرصة لتبني أداة تقدم نطاقا واسعا من الأدوات العملية والفعالة لمساعدة البلدان على اجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر وتعزيز التنمية المستدامة. تمثل اتفاقية تيسير الاستثمار من أجل التنمية أيضا اختبارا حاسما لمنظمة التجارة العالمية. فهل تتمكن هذه الهيئة التجارية العالمية من تلبية توقعات أغلبية أعضائها، وخاصة البلدان النامية؟ وهل يمكنها أن تعمل بفعالية في وقت حيث يخضع النظام المتعدد الأطراف لضغوط متزايدة؟ سوف يزودنا لقاء أبو ظبي بإجابات على هذه الأسئلة، بصرف النظر عن النتائج.

كارل بي. سوفانت هو زميل أقدم في مركز كولومبيا للاستثمار المستدام بجامعة كولومبيا.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاستثمار الأجنبی المباشر منظمة التجارة العالمیة

إقرأ أيضاً:

السودان:«جبريل» يدعو «طوكيو» للاستثمار في إعادة إعمار السودان

الوزير  دعا منظمة التجارة الخارجية اليابانية لإجراء الدراسات والأبحاث اللازمة تمهيدا لبدء العمل في مشاريع إعادة الإعمار والبناء في السودان

التغيير:الخرطوم

التقى وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، بحكومة الانقلاب، جبريل إبراهيم ، الأربعاء، رئيس منظمة التجارة الخارجية اليابانية، نوريهيكو اشيغورو .

ويشارك جبريل الذي يزور اليابان حاليا للمشاركة في فعاليات الدورة الخامسة للمنتدى الاقتصادي العربي الياباني.

وشارك في الاجتماع السيد علي محمد أحمد عثمان القائم بأعمال سفارة السودان بطوكيو من جانب السودان والسيد كازويا ناكاجو نائب الرئيس من جانب منظمة التجارة الخارجية. حسب ما أفادت وكالة السودان للأنباء.

وفي مستهل اللقاء عدد وزير المالية والتخطيط الاقتصادي جبريل إبراهيم الموارد الطبيعية التي يزخر بها السودان.

وأكد ترحيب الحكومة السودانية بالاستثمارات من القطاع الخاص الياباني، لا سيما خلال فترة إعادة الإعمار التي ستشهد إقبالاً كبيراً من قبل المستثمرين من جميع أنحاء العالم.

وطالب الوزير  منظمة التجارة الخارجية اليابانية بإجراء الدراسات والأبحاث اللازمة تمهيدا لبدء العمل في مشاريع إعادة الإعمار والبناء في السودان.

من جانبه أعرب السيد نوروهيكو عن سعادته باللقاء، وأكد استعداد المنظمة لعقد سمنار تمهيدي حول دور القطاع الخاص الياباني في مجال إعادة إعمار السودان متمنيا أن يعم السلام والاستقرار في السودان قريبا.

ويشهد السودان منذ 15 أبريل 2023 قتالاً عنيفاً بين الجيش وقوات الدعم السريع، بدأ في الخرطوم وامتد إلى مناطق واسعة من دارفور وكردفان والجزيرة وسنار، وأدى إلى أزمات إنسانية كارثية.

ومنتصف أبريل الماضي، قال مدير المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عبد الله الدردري  إن السودان خسر 25 % من الناتج المحلي الإجمالي خلال سنة واحدة من الحرب.

وأشار  الدرديري وقتها، إلى أن الدول لا تخسر 25 % من الناتج خلال سنة واحدة إلا إذا كان الوضع فيها مدمرا.

الوسومالمنتدى الاقتصادي العربي الياباني. حرب الجيش و الدعم السريع وزير المالية جبريل إبراهيم

مقالات مشابهة

  • «غرفة رأس الخيمة» توقع اتفاقية تعاون مع نظيرتها الأرجنتينية
  • السودان:«جبريل» يدعو «طوكيو» للاستثمار في إعادة إعمار السودان
  • نائب الوزراء للتنمية الصناعية ووزيرة البيئة يبحثان سبل تيسير إجراءات التراخيص الصناعية
  • نائب رئيس مجلس الوزراء ووزيرة البيئة يبحثان سبل تيسير إجراءات التراخيص الصناعية
  • الوزير يبحث سبل تيسير إجراءات التراخيص الصناعية مع وزيرة البيئة
  • كامل الوزير ووزيرة البيئة يبحثان تيسير إجراءات التراخيص الصناعية
  • الصحة العالمية: لا يوجد ركن آمن بقطاع غزة
  • عضو «المصرية للاقتصاد السياسي»: مؤتمر رئيس الوزراء كان احترافيا
  • مبادرة «ابدأ» تكشف نتائج مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي.. توقيع 35 اتفاقية
  • عضو بـ«الشيوخ»: برنامج الحكومة يدعم الاقتصاد ويجذب الاستثمار الأجنبي والمحلي