اتهم وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف إسرائيل بـ"شن حرب" على الرواية والسردية الفلسطينية من خلال "تدمير وسرقة" المتاحف والتراث الأثري في قطاع غزة.

واعتبر أبو سيف، أن "ما يجري في غزة من تدمير وسرقة للموروث الثقافي على يد الاحتلال الإسرائيلي شبيه بما جرى خلال النكبة الفلسطينية عام 1948″، معتبرا أنه "فاق في بشاعته ما قام به المغول في بغداد" بعد اقتحامها عام 1258م، في "محاولة لسلخ الفلسطيني عن تاريخه وأرضه".

وأبو سيف، ابن قطاع غزة، كان شاهدا على بعض فظائع الحرب الإسرائيلية على القطاع، حيث تصادف اندلاعها مع تواجده هناك، ليمر بمأساة فقدان ما يزيد عن 130 فردا من عائلته، قبل أن يعود إلى رام الله حيث يقيم منذ عدة أسابيع.

سرقة الآثار

ومن مكتبه بمدينة البيرة وسط الضفة الغربية، قال أبو سيف، لمراسل وكالة الأناضول إن: "ما يجري اليوم في غزة من سرقة للمتاحف واللقى الأثرية، وتدمير للموروث الثقافي، شبيه بما قامت به العصابات الصهيونية قبل النكبة عام 1984 في مدينة يافا، التي كانت تعد المركز الثقافي الفلسطيني، ومدن أخرى".

وأضاف: "ما يجري في غزة هو تدمير غير مسبوق (للتراث)، ولا يمكن مقارنته حتى بأفعال كل الغزاة والأقوام الأكثر بشاعة، مثل ما قام به المغول عند اقتحام بغداد، وحتى ما قامت به فرنسا وبريطانيا في أفريقيا" بعد استعمارها.

وتابع: "إسرائيل تشن حربا حقيقية على الرواية والسردية الفلسطينية، فالغزاة يسرقون آثارانا، واذا لم يستطيعوا يقومون بتدميرها".

مصير 12 متحفا في غزة

وحول حجم الأضرار التي طالت التراث الفلسطيني في غزة. قال أبو سيف: "لا نعرف حتى الآن عدد المسروقات بالتحديد، لكن إسرائيل دمرت 12 متحفا وسرقت محتوياتها"، منذ شن حربها على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وأوضح أن جل عمليات التدمير والسرقات استهدفت متاحف مدينة غزة وشمال القطاع، ويبرز من بينها متحف "الثوب" الفلسطيني، وهو ملك شخصي للسيدة ليلى شاهين في رفح، لافتا إلى تدمير 320 قطعة في هذا المتحف، "عمر أجددها أكبر من عُمر إسرائيل".

وأضاف أن الاحتلال استهدف كذلك متحف "المتحف" الذي يحتوي على آلاف القطع، ومتحف "القرارة" الذي يحتوي على رأس عشتار، بجانب متحف "العقاد" ومتحف "القلعة".

وذكر الوزير الفلسطيني أن قوات الاحتلال "دمرت، كذلك، نحو 230 مبنى تاريخيا في غزة، بما يشمل مساجد مثل المسجد العمري ومسجد هاشم، إضافة إلى كنائس وأسواق وحمامات تاريخية".

كما تم رصد تدمير إسرائيل لـ32 مركزا ثقافيا ومسرحا، وآلاف اللوحات الفنية، وقتل 46 كاتبا وفنانا بينهم أسماء بارزة، وفق أبو سيف.

وأشار الوزير إلى أن بعض القطع الأثرية المسروقة والمدمرة "تعود إلى فترات زمنية قديمة جدا، بينها (الفترة) الكنعانية الأولى"، التي يرجع بعض المؤرخين بدايتها إلى أوائل الألف الثالث قبل الميلاد.

وبين أن اعتداء إسرائيل على الموروث الثقافي يتم أولا عبر السرقات للغة الأثرية والموجودات، وثانيا عبر التدمير الهمجي للمتاحف والمكتبات".

وذكر أن مكتبة بلدية غزة، التي دمرتها قوات الاحتلال خلال الحرب الراهنة، تُعد أكبر مكتبة فلسطينية، وتحتوي على كتب وصحف لفترة ما قبل النكبة (عام 1948)، والتي تمثل كنوزًا ثقافية".

واستنكر أبو سيف ما فعله الاحتلال بالتراث الفلسطيني من تدمير وسرقة، وقال: "جميع الغزاة وكل المتوحشين عندهم تقدير للجمال، فـ(القائد العسكري الفرنسي) نابليون بونابرت دمر غزة (عندما غزاها في عام 1799″ لكنه أقام في قصر الباشا، بينما جاء الجيش الإسرائيلي ودمر هذا القصر بالدبابات" خلال حربه الحالية على القطاع.

وتابع : "لا يُمكن فهم كيف لدبابة أن تسير فوق بناء الميناء الفينيقي القديم شمالي مخيم الشاطئ، ودبابة تسير فوق أقدم مقبرة كنسية في العالم شرقي جباليا، هذه ذاكرة العالم، لكن العالم لا يحرك ساكنا".

تدمير التراث

وعن هدف إسرائيل من تلك الحملة على التراث الفلسطيني في غزة، قال أبو سيف: "إسرائيل تمارس بمتعة وتخطيط عمره 100 عام تدمير الثقافة والهوية والسردية ومحاولة سلخ الفلسطيني عن أرضه ووعيه التاريخي، ونفيه خارج الجغرافيا".

وقال: "يريدون أن يقولوا إنه لا علاقة للفلسطينيين بهذا المكان"، واصفا ما يجري بأنه "حرب ممنهجة".

وأوضح أبو سيف أن حرب الرواية هي إحدى أبرز الحروب، وإسرائيل تمارس حربا على الإنسان والتاريخ وذاكرة المكان، وأضاف "هذه حرب ثقافية ممنهجة وجزء من حروب إسرائيل من أجل إزالة الشعب الفلسطيني من أرضه والحلول مكانه".

واستطرد: "تريد إسرائيل محو التاريخ والذاكرة لتثبيت مقولة وادعاء أنها الوارثة للبلاد"، فـ"أصل الصراع ثقافي وسردي ورواية".

معركة قانونية

وتطرق أبو سيف إلى الإجراءات التي قامت بها الحكومة الفلسطينية لمواجهة سرقة التراث في غزة.

وقال إنه تم تشكيل لجنة لمتابعة سرقات الآثار في غزة، برئاسة وزير الخارجية رياض المالكي وعضوية وزارات الثقافة والسياحة والعدل.

ولفت أيضًا إلى أنه خاطب منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة (اليونسكو)، وأوضح لهم أن المواقع الأثرية في غزة ليست ملكًا للفلسطينيين فقط، بل هي جزء من ذاكرة العالم، والتراث الذي تركه الفينيقيون والكنعانيون والرومان والإغريق على أرض غزة.

وذكر في هذا الخصوص أنه حذر اليونسكو من أن "ما شكلته فلسطين من صياغة الوعي اللاهوتي العالمي والأديان يتم سرقته وتدميره الآن".

وتعهد الوزير الفلسطيني بأن تخوض حكومته حربا قانونية في المحاكم الدولية لاستعادة القطع التراثية، التي سرقها الاحتلال من غزة، دون تقديم تفاصيل بهذا الصدد.

وأوضح: "هذه الحرب هي حرب وصراع لن يُحل في يوم ويومين، ومن المؤكد أن إسرائيل ستنكر، وبعض أطراف المجتمع الدولي من المؤكد ستتقاعس".

واستدرك: "لكننا مصممون على استعادة ما سُرق"، لافتا إلى امتلاكهم "سجل مضبوطات لكل متحف في غزة قبل 7 أكتوبر".

وكإجراء آخر، أشار إلى أن الحكومة ستعمل بعد انتهاء الحرب على غزة على إعادة ترميم كل المباني التراثية التي دُمرت في غزة.

واعتبر أن المهمة عسيرة لإعادة ترميم هذه المباني والقطع التاريخية واللغة الأثرية الموجودة، لافتا إلى أنه سيتم الاستعانة بخبراء دوليين لإنجاز تلك المهمة.

وقال أبو سيف: "مهمتنا اليوم هي رصد وتوثيق السرقات والتدمير، ثم مخاطبة الجهات الدولية، ثم وضع الخطط والترميم"

واستنكر موقف المجتمع الدولي مما يحدث من تدمير منهجي لتراث غزة على يد إسرائيل.

وأضاف: "لا أحد يعلم مصير تلك القطع، واليونسكو لا تعلم، معيب أن العالم يقبل محو وتدمير جزء من ذاكرته الخصبة"، كما دعا أبو سيف المجتمع الدولي إلى إرسال بعثة دولية لحماية تراث غزة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: أبو سیف ما یجری إلى أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة

على مدار العصور كان قطاع غزة بوابة آسيا ومدخل أفريقيا ومركزا مهما للعالم، ونقطة التقاء للعديد من الحضارات المختلفة، ومهدا للديانات والتعايش بين أتباعها.

وتعكس المعابد والكنائس والمساجد التاريخية في غزة غنى وعُمق الهوية الفلسطينية، حيث كان القطاع مركزا للحياة الدينية والثقافية وقِبلة للسلام، قبل أن تحوّله إسرائيل إلى مسرح لإبادة جماعية طوال أكثر من 15 شهرا.

ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي أبشع أنواع القصف والتدمير في غزة، مستهدفا المدنيين والبنية التحتية، بما في ذلك المساجد والكنائس العريقة التي كانت ولا تزال تحمل في طياتها جزءا من ذاكرة وتاريخ الشعب الفلسطيني.

وخلال فترة الإبادة لم ينجُ مكان للعبادة سواء للمسلمين أو المسيحيين من هجمات جيش الاحتلال، وكانت تلك الأماكن المقدسة هدفا مباشرا للضربات الجوية والمدفعية، ما أسفر عن دمار مروع وخسائر بشرية فادحة.

ولم تكتفِ القوات الإسرائيلية بالاعتداء على المباني الدينية، بل تجاوزت ذلك إلى ارتكاب جرائم قتل بحق علماء الدين وأئمة المساجد.

738 مسجدا سُويت بالأرض

ويقول المتحدث باسم وزارة الأوقاف في قطاع غزة إكرامي المدلل إن "صواريخ وقنابل الاحتلال سوّت 738 مسجدا بالأرض، ودمرتها تدميرا كاملا من أصل نحو 1244 مسجدا في قطاع غزة، بما نسبته 79%".

إعلان

وأضاف "تضرر 189 مسجدا بأضرار جزئية، ووصل إجرام الاحتلال إلى قصف عدد من المساجد والمصليات على رؤوس المصلين الآمنين، كما دمرت آلة العدوان الإسرائيلية 3 كنائس تدميرا كليا جميعها موجودة في مدينة غزة".

وأشار إلى أن الاحتلال استهدف أيضا 32 مقبرة منتشرة بقطاع غزة، من إجمالي عدد المقابر البالغة 60، حيث دمر 14 تدميرا كليا و18 جزئيا.

وأوضح أن "استهداف الاحتلال للمساجد ودور العبادة يأتي في سياق استهداف الرسالة الدينية، فالاحتلال يُدرك أهمية المساجد ومكانتها في حياة الفلسطينيين، وهي جزء لا يتجزأ من هوية الشعب".

كما أكد المدلل أن "استهداف الاحتلال للمساجد ودور العبادة يأتي ضمن حربه الدينية، وهو انتهاك صارخ وصريح لجميع المحرمات الدينية والقوانين الدولية والإنسانية".

وأضاف "يسعى الاحتلال لمحاربة ظواهر التدين في قطاع غزة ضمن حربه الدينية الرامية لهدم المساجد والكنائس والمقابر".

ولم يكتفِ الجيش الإسرائيلي بتدمير المساجد، بل قتل 255 من العلماء والأئمة والموظفين التابعين لوزارة الأوقاف، واعتقل 26 آخرين.

وتاليا أبرز المساجد التي طالتها آلة الدمار والعدوان الإسرائيلية:

المسجد العمري الكبير

يُعد من أقدم وأعرق مساجد مدينة غزة، ويقع في قلب المدينة القديمة بالقرب من السوق القديم، تبلغ مساحته 4100 متر مربع، مع فناء بمساحة 1190 مترا مربعا.

ويضم 38 عمودا من الرخام  المتين، مما يضيف لجمال المسجد وتاريخه العريق، ويعتبر الأكبر في قطاع غزة، وقد سُمي تكريما للخليفة عمر بن الخطاب.

وفي تاريخه الطويل، تحوّل الموقع من معبد فلسطيني قديم إلى كنيسة بيزنطية، ثم إلى مسجد بعد الفتح الإسلامي.

تعرض المسجد للتدمير عدة مرات عبر التاريخ نتيجة الزلازل والهجمات الصليبية، وأعيد بناؤه في العصور المختلفة، من العهد المملوكي إلى العثماني، كما تعرض للدمار مجددا في الحرب العالمية الأولى، ورُمم لاحقا في العام 1925.

إعلان مسجد السيد هاشم

يقع في حي الدرج شرق مدينة غزة، ويُعتقد باحتضانه قبر جد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هاشم بن عبد مناف، الذي ارتبط اسمه بمدينة "غزة هاشم".

تعرض المسجد لأضرار كبيرة جراء قصف شنته الطائرات الحربية الإسرائيلية في 7 ديسمبر/كانون الأول 2023.

مسجد كاتب ولاية

يشترك بجدار واحد مع كنيسة برفيريوس، ويعد من المساجد الأثرية المهمة بغزة، وتُقدر مساحته بنحو 377 مترا مربعا.

يرجع تاريخ بناء المسجد إلى حكم الناصر محمد بن قلاوون أحد سلاطين الدولة المملوكية في ولايته الثالثة بين عامي 1341 و1309 ميلادية.

تعرض لقصف مدفعي إسرائيلي في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023 متسببا في أضرار جسيمة.

المسجد العمري في جباليا

يعد مسجد جباليا أحد أقدم المعالم التاريخية في البلدة ويُطلق عليه سكان المنطقة "الجامع الكبير"، ويتميز بطرازه المعماري المملوكي.

تعرض المسجد للتدمير عدة مرات، آخرها في حربي 2008 و2014، ورغم ذلك بقي رمزا مهما للمنطقة. 

كنيسة القديس برفيريوس الأرثوذكسية اليونانية المتضررة بعد غارة جوية في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (الأوروبية) وتاليا أبرز الكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي بقطاع غزة: كنيسة القديس برفيريوس

أقدم كنيسة في غزة وثالث أقدم كنيسة في العالم، حيث يعود تاريخ تأسيسها إلى القرن الخامس الميلادي، وهي تقع في حي الزيتون، وسُميت نسبة إلى القديس برفيريوس، حيث تحتضن قبره.

وتعرضت للاستهداف المباشر أكثر من مرة، الأولى كانت في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ما تسبب بدمار كبير، والثاني في 19 من الشهر ذاته، ما تسبب بانهيار مبنى وكلاء الكنيسة بالكامل، ووقوع عدد من الشهداء والجرحى من النازحين الذين تواجدوا بداخلها.

كنيسة العائلة المقدسة

تعد كنيسة العائلة المقدسة الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في مدينة غزة، وكانت مأوى للمسيحيين والمسلمين خلال فترة الإبادة، وتعرضت للقصف الإسرائيلي مما أسفر عن أضرار جسيمة.

تم تأسيس الكنيسة في أوائل القرن العشرين، على يد الرهبان الفرنسيسكان، وبنيت الكنيسة على الطراز المعماري الكاثوليكي التقليدي.

إعلان

وتُعد الكنيسة مكانا مهما للمسيحيين في غزة، حيث تُستخدم لأغراض العبادة وتقديم الدعم الروحي للمجتمع المسيحي الفلسطيني.

كما كانت مركزا ثقافيا ومجتمعيا يوفر العديد من الأنشطة الدينية والاجتماعية للمجتمع المسيحي في المنطقة.

كنيسة المعمداني

تتبع الكنيسة الأسقفية الإنجليكانية في القدس، حيث تم تأسيسها عام 1882 ميلادية على يد البعثة التبشيرية التي كانت تابعة لإنجلترا.

وارتبط اسمها خلال الحرب بمجزرة مروعة، حيث تعرضت ساحة المستشفى المعمداني، وهي جزء من مباني الكنيسة، لقصف إسرائيلي في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أسفر عن استشهاد نحو 500 فلسطيني من المرضى والنازحين الذين كانوا متواجدين في المستشفى.

مقالات مشابهة

  • أبرز المساجد والكنائس التي دمرها الاحتلال في غزة
  • أطباء أمريكيون عملوا بغزة يتحدثون عن تعمد الاحتلال تدمير القطاع الصحي
  • إسبانيا: القبض على "عصابة إجرامية" سرقت 10 ملايين يورو من منازل فاخرة
  • أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
  • سموتريتش: إسرائيل ستعود للحرب والمحور المعتدل بالمنطقة يطلب منا تدمير حماس
  • «أستاذ علوم سياسية»: إسرائيل لم تستطع كسر إرادة الشعب الفلسطيني
  • أستاذ علوم سياسية: إسرائيل لم تستطع كسر إرادة الشعب الفلسطيني
  • هل انتصرت “إسرائيل” في حربها على غزة؟ 
  • عمرو الورداني يكشف مخططات تدمير الهوية: الفرانكو آراب وسيلة .. فيديو
  • وزير جيش الاحتلال: إسرائيل أعلنت الحرب على مخيمات الضفة