عائض الأحمد
الظهور ليس بالضرورة أن يكون مُلفتًا للجميع، ولن تكون آثاره الصخب سمة تُحسب لك أو عليك؛ فالموقف هنا صنيعة نفسه محاطًا بمن يستقبله وبأي عين تراه، واختلاف الأشياء وتعدد مشاربها نعمة من خالقها لتسع الجميع، ولن تستطيع أن تفرض طريقًا واحدًا يسلكه كل هؤلاء مهما فعلت، ولو كانوا إخوة من بيئة واحدة.
سنة الحياة تقول "المُلهِم" فقط هو من يصنع أتباعه، لا تظن أنه اختارهم، بل هم من اختاروه، دون أن يجلس خلف تلك الطاولة المستديرة ليحدثهم، اطلاقًا ليست كذلك. قد يكون في الشرق وهم في الغرب، لكنه وصل لهم واستقبلوه استقبال الفاتحين بصدور الناهجين المتميزين في لغة العصر وبناء الشخصيات واستثمار العقول.
من يأتيك دون أن تسعى له يعطيك روحًا أخّاذة لاحدود لها.
الملهم سلطته خفية تتسرب إلى مريديها، فتنير طريقًا يظُن أغلب الحاضرين أن نهايته مسدودة، عكس المُبدع الذي يفكر خارج تلك القاعة وينفذ دون أن يجد صعوبة توقفه، وإن وجدت تكفّل بها. تجمعهم صفة واحدة هي التأثير وليس التأثر بسقطات من سبقهم في إدارة الازمات، والتماهي مع الأحداث؛ اتفق أو اختلف.. فالأهداف لا تنتظر قدوم احد او غيابه.
الإلهام والشغف والإبداع ليست مرادفات يظنها البعض نتيجة حتمية لعمل ما، لكنها صفات إنسانية شخصية ومَلَكَة وهبها الله لأناس صقلتها بالعلم والمعرفة، ووجدت من يهبها فرصة واحدة فقط، وأعني ذلك؛ فهؤلاء لا يحتاجون أكثر من ذلك ولمرة واحدة هي كفيلة بأن تصنع التاريخ وترسم حدوده.
المقال لا يتسع للأمثلة، والتي قد تحصره، فيخرج عن سياق مبتغاه إلى سير شخصية يعلمها معظم الناس، وصدور المؤلفات تأتي عليها حين استحضار القادة والمؤثرين، ومن تَرَك أثرًا، اقتدى به شخص واحد، أيًّا كان موقعه.
يقول أحدهم: مررت بحديقة غناء وإذا بفلاح بسيط يعتني بها ويرويها ويتعامل مع كل ما فيها بحب، وكأنه يُحدِّث أزهارها ويشكي لتراب أرضها، ثم يقف على قدميه لينفض طينها، وما علق به، ويرفع رأسه إلى السماء قائلًا: "الحمدلله رب العالمين"، وينتقل إلى طرفها الاخر ليُكمل عمله. وكُلما استحضرته احتقرتُ من يملكها وسألتُ نفسي ماذا فعلتْ؟ الشعور بالرضا لا يُعادله غير القناعة بما أنت عليه.
المثالية ونشر الفضيلة ليست فيما تشاهدوه أو تقرأوه، وإنما فيما تخفيه خلف ستار "أنا رقيب ما جهلتموه وليس ما ترونه".
ختامًا.. يعتقد أغلب الناس أن المال يشتري السعادة، ونسوا أن الوهم نصف الحقيقة!
شيء من ذاته: تشابهت الأيام والفصول وسارت الرياح بما كنا ننتظره، فارتوت أرض واخضرَّت وتصحرت أرض وتشققت.. قليل من كثير كان يكفيها، فبخلت حتى عجزت عن كبح جماح فوضويتها، وهي لا تعلم أنها أراقت ما بقي لي من كرامة.
سمة: تصالحتُ مع ذاتي، ففزع منى الأقربون، وتقرَّبتُ من نفسي.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
محكمة سجن روميه ليست حلّا مثالياً.. والاعتراضات مستمرة
كتب اسكندر خشاشو في" النهار": أعلن وزيرا العدل عادل نصار والداخلية أحمد الحجار إعادة تفعيل العمل بالمحكمة الموجودة في سجن رومية المركزي. وبحسب الوزيرين، فإن التحدي الأساسي هو الاكتظاظ في السجون على كل الأراضي اللبنانية، وهو موضوع قيد المعالجة، وهناك عمل على كل المستويات للتعجيل في المحاكمات وبت ملفات الموقوفين في أسرع ما يمكن، وتحسين الرعاية الصحية لهم، بالتنسيق مع وزير العدل ونقابتي المحامين والقضاة وقوى الأمن الداخلي.وجُهّزت قاعة المحكمة في سجن رومية بمواصفات دولية، بتكلفة مليونَين ونصف مليون دولار أميركي.
وتبلغ مساحتها نحو 250 متراً مربّعاً، وتضم 12 قفص اتّهام موزّعة على ثلاث طبقات (أربعة في كل طبقة)، مساحة كل قفص 12 متراً مربّعاً، ويتّسع لعشرة أشخاص، وهو مجهّز بنظام مراقبة ومكبّر صوت وميكروفون وزجاج ضد الرصاص وعازل للصوت. والمسافة القصوى بين قوس المحكمة وأبعد قفص أكثر من 20 متراً، ما يعني أن القضاة مضطرون إلى استعمال الكاميرات والميكروفونات للتواصل مع بعض الموقوفين. عُقدت في المحكمة جلسات عام 2012 لم تتجاوز أصابع اليد الواحدة، ودشّن المجلس العدلي، في 2013، قاعة المحاكمات بجلسة لمحاكمة الموقوفين في ملف نهر البارد. وخصصت الجلسة للنظر في ملفين بعدما تمت تجزئة الملف الأساسي إلى مجموعة ملفات.
ويضم الملفان 53 متهماً، ويخصص الأول لمحاكمة متهمين بالتزوير الجنائي، فيما يخصص الثاني الذي يشمل 45 متهماً لجرائم الاعتداء على أمن الدولة والقيام بأعمال إرهابية وقتل ومحاولة قتل، قبل أن يتوقف العمل فيها. وفي حزيران 2020 أعلنت "لجنة الرعاية الصحية في السجون" عودة جلسات المحاكمة في قاعة المحاكمات في رومية، إلا أن المحاكمات ما لبثت أن توقفت عن العمل بعد كثرة الشكاوى من المحامين في عهد نقيب المحامين السابق ناضر كسبار نتيجة معوقات واجهت المحامين خلال عملهم.
وعلى الرغم من تأكيد وزير العدل التنسيق مع نقابة المحامين وأن الرغبة موجودة لدى الجميع في أن يكون حق الدفاع مصونا وتكون استقلالية القضاء والمحامين محفوظة في المحكمة، لا تزال اعتراضات المحامين قائمة.
وبحسب كسبار، فإن لنقل الملفات من قلم محكمة بعبدا إلى محكمة روميه مخاطر كثيرة، "إذ على الكاتب حمل عشرات الملفات ونقلها إلى سيارته، ومن ثم إلى روميه. فماذا لو فقدت أوراق أو مستندات من الملفات في أثناء النقل؟ وماذا لو اعترض مسلحون أو غير مسلحين الكاتب؟"
في رأيه أن "المحامي الذي لديه ملف في بعبدا وينوي حضور الجلسة، قد يقوم بعشرات المراجعات، وفي استطاعته حضور جلسات أخرى في المحكمة، سواء أمام قاضي التحقيق أو أمام القضاة المنفردين أو محكمة الاستئناف، وهناك مشاكل لوجيستية تتعلق بإدخال هاتف المحامي، وعمليات التفتيش الدقيقة والكثيرة التي يتعرض لها المحامون، وعدم وجود مواقف، حتى إن بيئة المحاكمة التي يجب أن تكون بعيدة من السجن تشعر المتهم بأريحية، أما في السجن فهو تحت الضغط". يُذكر أن الطاقة الاستيعابية لسجن رومية تبلغ 1050 سجيناً، وهو يضم حالياً 3476 سجيناً، ما يعني أن نسبة الاكتظاظ تتجاوز 324 في المئة. ويتألف سجن رومية المركزي، وهو أكبر السجون اللبنانية، من 6 مبانٍ: مبنى "ب"، ومبنى "د" للمحكومين، ويتألف كل منهما من 3 طبقات، ومبنى الأحداث،واللولب المركزي، ومبنى الخصوصية، والمبنى الاحترازي، علما أن 40 في المئة من السجناء في لبنان هم من غير اللبنانيين. مواضيع ذات صلة وزير العدل: لتفعيل المحاكمات في سجن رومية Lebanon 24 وزير العدل: لتفعيل المحاكمات في سجن رومية