منصات التواصل والحسابات الوهمية
تاريخ النشر: 24th, February 2024 GMT
د. محمد بن خلفان العاصمي
روي عن الزبير بن عدي، أنه قال: أتينا أنس بن مالك رضي الله عنه فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج، فقال: "اصبروا فإنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم" رواه البخاري.
هذا الحديث الشريف كما ورد، إنما هو تصديق لواقعنا الذي نراه كل يوم؛ حيث لا تمر فترات زمنية إلا وكان الابتلاء على الإنسان أكثر، وربما هي ضريبة للتقدم وتغيير نهج الحياة وسرعة إيقاعها، ومحاولة الإنسان المستمرة للتدخل في مفاصلها، رغبة منه في الوصول إلى الكمال والسهولة والإتقان، وتوظيف العلم والمعرفة في مختلف المجالات لخدمته.
قد تكون هذه الرغبة هي طبيعة في الجنس البشري الذي سخر الله تعالى له كل شيء في هذا الكون "وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الجاثية: 13)، وقد جُبل الإنسان على ذلك، حتى أصبح مشغولًا فطريًا بتسخير كل شيء، ولكن قد يكون هذا الأمر زائدًا عن حده للدرجة التي يصبح الضرر واقعًا منه، وهو الشر الذي لابد منه، وعندما يصل الأمر إلى هذه الدرجة وجب على الإنسان أن يتخذ الوعي سلاحًا يحميه من الانجرار وراء التطور دون إدراك للعواقب.
وتعد وسائل التواصل الاجتماعي من هذا الشر الذي لا بُد منه، فمع الاعتراف الكامل بفضلها العظيم على البشرية ومساهمتها الكبيرة وخدمتها للبشرية في عدة مجالات لا يسع المقال لذكرها، إلا أنها في نفس الوقت ساهمت في نشر عادات وسلوكيات سيئة، وقد تحدثت عن ذلك في مقالي بعنوان السمت العماني ومنصات التواصل، ولا داعي لتكرار ذلك، إلا أنني أجد نفسي ملزمًا في الكتابة عن هذه المنصات ولكن من زاوية أخرى.
لقد شد انتباهي خلال الفترة الماضية أمر مُهم وجدته لا يتناسب معنا كمجتمع وكدولة ويخالف الأنظمة والقوانين ويخالف حتى تعاليم ديننا الحنيف الذي أمر بالقول المعروف والمعاملة الحسنة، فقد انتشرت الحسابات الإلكترونية الوهمية التي تُهاجِم والتي تُدافِع، وأصبحت هذه المنصات وسائل لنشر الفتنة بين أبناء المجتمع بعضهم ببعض، وأصبح هناك من يستغل هذه المساحات لتمرير أفكار تسعى لفت نسيج المجتمع والتأثير السلبي على مكانة الدولة ومنجزاتها وإفقاد الفرد ثقته بوطنه؛ بل تعدى الأمر إلى فتح مساحات صوتية يغلفها أصحابها بالمصلحة العامة وهي في حقيقتها ليست سوى أجندة يُراد تمريرها لتتغلغل في عقول المستمعين.
كما نشطت حسابات وهمية خارجية تستهدف بعض الرموز الوطنية ولم يسلم منها حتى الرمز الخالد في قلوبنا جميعًا، ووصل تطاولها على سياسة سلطنة عمان الخارجية وحتى شأنها الداخلي، ومن المؤسف؛ بل ومن المعيب أن نجد من يسايرهم من أبناء جلدتنا وهم يعلمون علم اليقين أن أهداف هذه الفئة الضالة دنيئة، وغاياتهم هدم وتفكك لحمتنا الوطنية، وما هذه الأهداف والغايات إلا غيض ملأ قلوبهم وتفجر فجورًا في خصومتهم نتيجة لمواقف سلطنة عمان المشرفة من القضايا العربية والإسلامية والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص.
من المحزن عندما ترى هذه الحسابات تهاجم عالمًا ربانيًا جليلًا كسماحة الشيخ المفتي العام لسلطنة عمان، وتجد منا من يتداخل معهم ويحضر مساحاتهم الصوتية المسمومة، وهم يتغنون بقيم العروبة وينسجون قصصًا خيالية عن التحالفات الاستراتيجية، لكن ما يحدث يجعلنا نثق كل الثقة أن وطننا العزيز الثابت على مبادئه والراسخ كجباله في مواقفه إنما يتعرض لكل ذلك من حفنة لا ترعى إلًّا ولا ذمّة، قد أغرتهم المادة وتشرذموا إلى أن أصبحوا أدوات وأبواق للعدو.
إن ما يثلج الصدر هو مقدار الوعي الذي نلمسه من أبناء هذا الوطن المخلصين الذين يتحلون بأخلاق العماني في كل موقف، ويتجلى ذلك من كثير من ردور الافعال، وعلينا أن نكون حريصين بشكل أكبر خلال المرحلة المقبلة؛ فالدخول إلى هذه المنصات يجب أن يكون حذرًا، وعلينا أن ندرك أهداف المشككين والمغرضين، وألّا ندخل معهم في حوارات لا طائل منها، لأنهم يعلمون علم اليقين أن ما يقولونه ما هو إلا إفتراء وتدليس وكذب مُغرِض، وما هذا إلّا أمر متعمد يُراد به الوصول الى مرحلة هزّ ثقة المواطن بوطنه وخلق ضغط داخلي لتغيير مواقف سلطنة عمان من بعض القضايا وخاصة القضية الفلسطينية، ولذلك فالحوار معهم لا يصل لنتيجة أبدًا.
الهجوم الذي يشن على بعض المسؤولين سواء السابقين أو الحاليين، وعلى مواقف سلطنة عمان الثابتة من مختلف القضايا ما هو إلا عمل مُمنهج، والحمدلله لدينا من الأجهزة ما هي كفيلة بالتصدي لأي توجه يُراد به الإضرار بالوطن والمواطن، لذلك نصيحتي لكل مستخدم لمنصات التواصل الاجتماعي أن تترك هذه الحسابات ولا يدخل معها في حوارات قد تجعله يكتب كلامًا يضعه تحت طائلة القانون، أو يعرِّضه لمواقف، خاصة عند السفر إلى خارج الوطن، فلا تدري ماذا يدور من خلفك. وليعلم الجميع أن الدولة قوية بما يكفي لترد عن نفسها وبطريقتها، فلا داعي للانخراط في هذه الأمور، وقد يقول قائل إنه دفاع واجب عن الوطن، وهنا أقول إن الدفاع عن الوطن يكون من خلال سمو قيمتك وأخلاقك وترفعك عن الكلام البذئ وعدم الدخول في مهاترات، ويكون بطرح رأيك دون كذب وتجني وشتم وتقليل من الآخر والانسياق معه في مستوى حديثه الهابط.
عُرِفَ العماني بحسن خلقه وطيب معشره وصفاء نفسه، وهذا أمر لم يكن ليحدث لولا أنه نبت في تربة طيبة وتشرب من أخلاق الاجداد والاباء، وتأصل في مجتمع محافظ تزدهر فيه قيم الاحترام والتقدير، ولذلك دعونا نكمل هذه المسيرة، ومن شذ منا فلندعه بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى نملأ الأرض سمعًا عن شعب طيب لا يتدخل في شؤون الآخرين ويحمل مشعل السلام ويمد يَد الصداقة لكل شعوب العالم المُسالِمة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
طحنون بن زايد يشيد بدور "القابضة" في بناء منصات أعمال عالمية
ترأس الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم إمارة أبوظبي، عضو المجلس الأعلى للشؤون المالية والاقتصادية، رئيس مجلس إدارة "القابضة" (ADQ)، اجتماع مجلس إدارة الشركة، حيث أشاد بمساهماتها في بناء منصات أعمال عالمية، والتركيز على تطوير البنية التحتية الأساسية وشبكات التوريد.
واستعرض مجلس الإدارة الأداء المالي لـ"القابضة" (ADQ) خلال عام 2024، واستمرار مسار النمو الذي حققته الشركة في الأعوام الماضية. كما اطلع المجلس على أهم إنجازات الشركة في مختلف المجالات، والتي تؤكد دور "القابضة" (ADQ) بصفتها مستثمراً نشطاً يركز على تحقيق القيمة والتحول الإيجابي ضمن شركات محفظتها والاقتصاد والمجتمعات المحلية.
واطلع مجلس الإدارة على ملخص شامل لأبرز الأعمال والمشاريع المشتركة ومذكرات التفاهم التي تم إبرامها خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مع التأكيد على أهميتها الاستراتيجية، وتوافقها مع أولويات الشركة في بناء منصات أعمال عالمية تركز على البنية التحتية الأساسية، وتطوير شبكات التوريد.
#طحنون_بن_زايد: #القابضة إحدى شركاتنا الرائدة وذراع مهم في تنويع الاقتصاد الإماراتيhttps://t.co/J6PQByM8qX pic.twitter.com/kieAurjhVa
— 24.ae | الإمارات (@24emirates24) March 10, 2025 منصة استثمار مشتركةومن ضمن الإنجازات التي تم عرضها خلال الاجتماع تأسيس شركة بليناري الشرق الأوسط، وهي منصة استثمار مشترك مع مجموعة بليناري، شركة استثمارية مستقلة رائدة ومطورة ومديرة لمشاريع البنية التحتية العامة والخاصة، تستهدف البنية التحتية العامة والاجتماعية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، إضافة إلى تأسيس شركة أوريون أبوظبي، وهو مشروع مشترك مع شركة أوريون ريسورسس بارتنرز، شركة استثمارية عالمية متخصصة في المعادن والمواد، والتي ستركز على الاستثمارات في المعادن الأساسية في الأسواق الناشئة في جميع أنحاء إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وسيتم ضم الشركات الجديدة إلى محفظة قطاع البنية التحتية والمعادن الأساسية في "القابضة" (ADQ) الذي تم إنشاؤه مؤخراً، بهدف دعم إنشاء منصات عالمية المستوى وضرورية لتشغيل قطاعات اقتصادية متنوعة.
وفي إطار استمرار تعزيز سجل "القابضة" (ADQ) الحافل بإقامة شراكات مؤثرة، تم توقيع مذكرة تفاهم مع مؤسسة التمويل الدولية، أكبر مؤسسة تنمية عالمية تركز على القطاع الخاص، لمتابعة مشاريع تنموية مشتركة ذات تأثير كبير في المناطق الجغرافية المستهدفة، كما تم توقيع اتفاقية مع شركة استثمار رأس المال الحكومية، صندوق الثروة السيادية المملوك لحكومة فيتنام، لاستكشاف فرص الاستثمار ذات الاهتمام المشترك، وتم توقيع مذكرة تفاهم أخرى مع شركة إيني، وهي شركة متخصصة في تكنولوجيا الطاقة العالمية تتخذ من روما مقراً لها، لبحث مجالات التعاون الاستراتيجي المحتملة التي تهدف إلى تعزيز شبكات التوريد للمعادن الأساسية اللازمة لدفع التحول في مجال الطاقة.
كذلك اطلع المجلس على الإنجازات الرئيسية عبر محفظة شركات "القابضة" (ADQ)، وشمل ذلك إطلاق أول مشروع غيغا في العالم لتخزين الطاقة الشمسية والبطاريات على مدار الساعة في أبوظبي من قبل شركة مياه وكهرباء الإمارات وشركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر)، ويعتبر المشروع الأكبر من نوعه إذ سيجمع بين سعة تخزين بطارية تبلغ 19 جيجاواط مع 5.2 جيجاواط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية، ما يرسخ معايير جديدة في مجال ابتكار الطاقة النظيفة.
وتماشياً مع الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي لدولة الإمارات العربية المتحدة 2031، والتي تهدف إلى تحويل الإمارات إلى مركز عالمي رائد في مجال الذكاء الاصطناعي، قامت "القابضة" (ADQ) بتطوير مستشار لمجلس الإدارة قائم على الذكاء الاصطناعي، والمعروف باسم "Q"، وهو نظام وكيل صوتي يجمع بين العديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تعمل بتناغم مع قدرات متقدمة، مستنداً إلى الأساس المعرفي الواسع لـ"القابضة" (ADQ)، حيث يتمتع "Q" بالقدرة على تقديم المشورة واقتراح الرؤى القيمة لمجلس الإدارة خلال مناقشات المجلس، بالإضافة إلى تقديم المساعدة في عملية اتخاذ القرار. ويأتي حضور المستشار "Q" هذا الاجتماع ليضع "القابضة" (ADQ) في طليعة الشركات والمؤسسات والهيئات الحكومية والخاصة في مجال الابتكار وتعزيز الحوكمة المؤسسية من خلال دمج الذكاء الاصطناعي في عملية اتخاذ القرار.
وفي الختام، اطلع المجلس على جهود "القابضة" (ADQ) في رفع مستوى البنية التحتية وتوفير أساسيات الحياة، وتحقيق تأثير إيجابي في المجتمعات التي تعمل بها.
حضر الاجتماع الشيخ زايد بن حمدان بن زايد آل نهيان، وجاسم محمد بوعتابة الزعابي، ومحمد حسن السويدي، وعلي محمد حماد الشامسي، والدكتور أحمد مبارك المزروعي.
طحنون بن زايد يترأس اجتماع مجلس إدارة "القابضة" (ADQ)، وسموّه يشيد بمساهمات الشركة في بناء منصات أعمال عالمية، والتركيز على تطوير البنية التحتية الأساسية وشبكات التوريد. pic.twitter.com/cGq1m9tGhw
— مكتب أبوظبي الإعلامي (@ADMediaOffice) March 10, 2025 مساهمات متزايدة ومستدامةوقال محمد حسن السويدي، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي للمجموعة في "القابضة" :(ADQ) "بتوجيهات من الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، تمكنت "القابضة" (ADQ)من تقديم مساهمات متزايدة ومستدامة لتعزيز مرونة وتنافسية الاقتصاد المحلي. إن الإنجازات التي تم عرضها على مجلس الإدارة اليوم تؤكد التزام "القابضة" (ADQ)بالشراكة مع حكومة أبوظبي لتنفيذ الأولويات التي تهدف إلى تحقيق قيمة دائمة، ويُعد قطاع البنية التحتية والمعادن الأساسية الذي تم إنشاؤه مؤخراً دليلاً على ذلك. وستعمل المشاريع المشتركة الجديدة، التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها، بمثابة حافز لتطوير مجموعة واسعة من القطاعات الأخرى ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة، بما في ذلك الطاقة والتصنيع والعقارات".